سعد الله ونوس

Saadallah Wannous

سعد الله ونوس

 

Born

in Syrian Arab Republic

March 27, 1941

 

Died
May 15, 1997

 

Website

 

Genre

 


سعد الله ونوس ، (1941-1997) مسرحي سوري . ولد في قرية حصين البحر القريبة من طرطوس . تلقى تعليمه في مدارس اللاذقية. درس الصحافة في القاهرة (مصر)، وعمل محرراً للصفحات الثقافية في صحيفتي السفير اللبنانية والثورة السورية. كما عمل مديراً للهيئة العامة للمسرح والموسيقى في سوريا. في أواخر الستينات، سافر إلى باريس ليدرس فن المسرح.

مسرحياته كانت تتناول دوما نقدا سياسيا اجتماعيا للواقع العربي بعد صدمة المثقفين إثر هزيمة1967 ، في أواخر السبعينات، ساهم ونوس في إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وعمل مدرساً فيه. كما أصدر مجلة حياة المسرح، وعمل رئيساً لتحريرها. في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت عام 1982، غاب ونوس عن الواجهة، وتوقف عن الكتابة لعقد من الزمن. عاد إلى الكتابة في أوائل التسعينات.

في 15 أيار (مايو) 1997، توفي ونوس بعد صراع طويل …more

 

سعد الله ونوس’s Books

نبيل سلامة

اكتشف سورية

سعد الله ونوس

 

سيرة حياته

ولد سعد الله ونوس سنة 1941 في قرية في شمالي غربي سورية تسمى حصين البحر بالقرب من مدينة طرطوس.

وهو من أسرة فقيرة عاشت ضائقة مالية وصفها ونوس بأنها «سنوات بؤس وجوع وحرمان» ولما التحق بالمدرسة الابتدائية أظهر ضعفاً في مادة التعبير مما جعله يُكثِر من المطالعة عملاً بنصيحة مدرس اللغة العربية. وكان أول كتاب اقتناه هو «دمعة وابتسامة» لجبران خليل جبران وكان عمره اثنتي عشرة سنة، ثم نمت مجموعة كتبه وتنوعت (طه حسين، ميخائيل نعيمة، نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس…إلخ). وهكذا بعد انتهاء العام الدراسي قضى شهور الصيف يقرأ كل ما يقع تحت يديه، حتى عشق القراءة، وازداد ولعه بها إلى درجة أنه كان يشتري كتبه بالدَّيْن.

تابع الدراسة في ثانوية طرطوس حيث حصل على الثانوية العامة في عام 1959، وفي نفس العام حصل على منحة دراسية للحصول على ليسانس الصحافة في كلية الآداب بجامعة القاهرة. وفي هذه السنوات الأربع من الدراسة استطاع أن يطلّ على الأدب المسرحي من خلال محاضرات المرحوم الدكتور محمد مندور.

أثناء دراسته وقع الانفصال في الوحدة بين مصر وسورية مما أثر كثيراً عليه، وكانت
هذه الواقعة بمثابة هزة شخصية كبيرة دفعت به إلى كتابة أولى مسرحياته والتي لم تنشر
حتى الآن، وكانت مسرحية طويلة بعنوان «الحياة أبداً» عام 1961. وبعدها تخرّج عام
1963 وعاد إلى دمشق حيث عُيِّن مشرفاً على قسم النقد بمجلة «المعرفة» التي تصدر عن وزارة الثقافة. وخلال عمله بالمجلة أصدرت عام 1964 عدداً خاصاً عن المسرح كتب فيه قسماً خاصاً بمصر ودراسة عن مسرح اللامعقول عند توفيق الحكيم.

وبعد ثلاث سنوات من العمل في مجلة «المعرفة» تركز اهتمامه على المسرح وعندما سنحت له الفرصة سافر عام 1966 في إجازة دراسية إلى باريس لدراسة الأدب المسرحي في معهد الدراسات المسرحية التابع لجامعة السوربون. وهناك وصلته أنباء هزيمة 1967 فتأثر كثيراً واعتبرها هزيمة شخصية له. وعبّر عن ألم هذه الهزيمة في مسرحيته التي أخذشهرة بها «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» (1968)، وأثناء ذلك عاد إلى دمشق يعاني آلاماً نفسية مبرّحة، جعلته يصف الأربعة شهور التي قضاها فيها بعبارة «في بؤس تام وفي شبه غيبوبة». عاد بعدها إلى فرنسا التي سرعان ما شدته الحياة الفكرية فيها وأخرجته من عزلته.

مارس هناك حياة سياسية وساهم أثناء انتفاضة الطلاب في جامعات فرنسا مع زملائه في إقامة أحد المنابر للتعريف بالقضية الفلسطينية من خلال الخطب والمنشورات والكتيبات. وكان مؤمناً بالاشتراكية العلمية منهجاً وأسلوباً في الحياة، إلا أنه لم يعرف
ارتباطاً بأي تنظيم حزبي.

وأخيراً أنهى دراسته في فرنسا عام 1968 وعاد إلى دمشق، فعُيِّن رئيساً لتحرير مجلة
«أسامة» الخاصة بالأطفال من عام 1969 إلى عام 1975 حيث أخذ إجازة بدون راتب وعمل محرراً في صحيفة السفير البيروتية، وعندما هبّت الحرب الأهلية في لبنان عاد إلى دمشق ليعمل مديراً لمسرح القباني الذي تشرف عليه وزارة الثقافة. وأسس مع شريكه وصديقه المسرحي فواز الساجر (1948-1988) فرقة المسرح التجريبي في دمشق والتي قدمت عدة عروض. وكان يهدف إلى تقديم مسرح وثائقي وسينما وثائقية تساهم في اكتشاف مشاكل المجتمع وفهمها، وتدعو إلى الإصلاح والتغيير. كما عمل أيضاً مع مجموعة من المتحمسين للمسرح ومنهم علاء الدين كوكش على إقامة مهرجان دمشق المسرحي الأول 1969، وعُرِضت خلال هذا المهرجان مسرحيته «الفيل يا ملك الزمان». ونجح المهرجان على مستوى الوطن العربي، وتوقف بعد المهرجان الثامن في 1978 بسبب الأحوال السياسية الصعبة التي شهدتها المنطقة، ومنها الحرب الأهلية في لبنان، والقطيعة العربية مع مصر. وفي عام 1977 أصدرت وزارة الثقافة مجلة مسرحية هي «الحياة المسرحية» وأوكلت إلى سعد الله ونوس رئاسة تحريرها حتى عام 1988 وهي مجلة فصلية متخصصة في شؤون المسرح.

ومن الجدير بالذكر أنه في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت عام 1982
اعتصم ونوس عن الكتابة لعقد من الزمن تقريباً، منذ أواخر السبعينات ليعود إلى
الكتابة في أوائل التسعينات بمجموعة من المسرحيات السياسية بدءاً بمسرحية «الاغتصاب» (1990) التي تدور حول الصراع العربي الإسرائيلي، ومنذ ذلك الحين كتب «منمنمات تاريخية» (1994)، «طقوس الإشارات والتحولات» (1944)، «أحلام شقية» (1995)، «يوم من زماننا» (1995)، وأخيراً «ملحمة السراب» (1996) و«بلاد أضيق من الحب» (1996).

ويكاد سعد الله ونوس أن يكون مؤرخ الهزائم العربية من «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» إلى «طقوس الإشارات والتحولات» (1994)، وعندما وقعت حرب الخليج (1990) عدها الضربة الأخيرة الموجعة. ويقول: «أشك معها في أنها كانت السبب المباشر لإصابتي بمرض السرطان، وليس مصادفة أن يبدأ الشعور بالإصابة بالورم أثناء الحرب والقصف الوحشي الأميركي على العراق».

وهكذا أصيب سعد بالمرض الخبيث وهو سرطان البلعوم في عام 1992، وقد حدد له الأطباء الفرنسيون مدة للمرض القاتل بستة أشهر وأن هذا الرجل سيفارق الحياة بعدها، لكنه كما عبّر هو نفسه فقد كافح المرض من خلال إصراره على الكتابة والتأليف والإبداع، وهكذا دخل في صراع استمر خمس سنوات مع المرض، ففي عام 1994 عاوده السرطان في الكبد وبدأ دورة علاج طويلة في دمشق.

وفي لقاء أخير معه قال: «إن إحساسي الجنائزي سيتضاعف أكثر وأكثر وأنا على حافة
هذه التخوم الرجراجة بين الحياة والموت. أعتقد أن إسرائيل سرقت السنوات الجميلة من
عمري وأفسدت على إنسان عاش خمسين عاماً مثلاً، الكثير من الفرح وأهدرت الكثير من الإمكانات».

وفي عام 1997 أبلغت لجنة جائزة نوبل للآداب إدارة اليونسكو للتربية والثقافة
والعلوم إبلاغ المسرحي الكبير سعد الله ونوس بنيله جائزة نوبل للآداب وذلك عن ترشيح
المجمع العلمي بحلب في سورية، ثم أجمعت على صحة الترشيح الأكاديميتان الفرنسية
والسورية، لكن الموت قد سرقه بعد أيام قليلة من هذا الخبر فلم ينل الجائزة وهكذا
رحل عن العالم في 15 أيار 1997. وترجمت الكثير من أعماله إلى الفرنسية والإنكليزية والروسية والألمانية والبولونية والأسبانية.

تأثيره على مسيرة الأدب في سورية

لعل سعد الله ونوس كان يشكل بالنسبة لعدد لا يحصى من المثقفين والمبدعين العرب
الضمير المعلن والقادر على الجهر، في مشهد الصمت، وكانوا يقنعون بذلك ليتسنى لهم
الذهاب إلى النوم براحة زائفة، على أساس أن ثمة من يحمل عنهم عبء المجابهات. لقد
كان ونوس أحد علامات الضمير الشجاع الذي بات يتقلص ويندر.

خلق ونّوس مسرحاً جديداً مختلفاً عن مسرح الخطابة. فقد آمن بالكلمة – الفعل – وخلق
مسرحاً وجودياً فلسفياً. وفي حوار لونّوس عام 1979 شرح تطور أسلوبه المسرحي قائلاً:«منذ منتصف الستينات بدأت بيني وبين اللغة علاقة إشكالية ما كان بوسعي أن أتبينها بوضوح في تلك الفترة، كنت أستشعرها حدثاً أو عبر ومضات خاطفة. لكن حين تقوض بناؤنا الرملي صباح الخامس من حزيران، أخذت تلك العلاقة الإشكالية تتجلى تحت ضوء شرس وكثيف.ويمكن الآن أن أحدد هذه العلاقة بأنها الطموح العسير لأن أكثّف في الكلمة، أي في الكتابة شهادة على انهيارات الواقع وفعلاً نضالياً مباشراً يعبر عن هذا الواقع. وبتعبير أدق كنت أطمح إلى إنجاز (الكلمة – الفعل) التي يتلازم ويندغم في سياقها حلم الثورة وفعل الثورة معاً. لم يكن دور المشاهد وحده يستوعب حدود الفعالية التي أتوخاها، لكن المناضل الذي أريد أن أكونه ليس في النهاية سوى كائن فعله الكلمات».

ويتابع ونوس: «حين عرضت المسرحية بعد منع طويل (يقصد حفلة سمر) كنت قد تهيأت للخيبة، لكن مع هذا كنت أحس مذاق المرارة يتجدد كل مساء في داخلي وينتهي تصفيق الختام. ثم يخرج الناس كما يخرجون من أي عرض مسرحي، يتهامسون، أو يضحكون، أو ينثرون كلمات الإعجاب. ثم ماذا؟ لا شيء آخر. أبداً لا شيء.. لا الصالة انفجرت في مظاهرة ولا هؤلاء الذين يرتقون درجات المسرح ينوون أن يفعلوا شيئاً إذ يلتقطهم هواء الليل البارد عندما يلفظهم الباب إلى الشارع حيث تعشش الهزيمة وتتوالد».

هكذا كان سعد الله ونوس مقاتلاً بالكلمة وحالماً بالحرية حتى آخر لحظة في حياته،
فقد ذكرت زوجته فايزة شاويش أنه لم يترك الكتابة والورق والأقلام حتى في أيامه الأخيرة بالمستشفى وهو يودع دنيانا.

طرح ونّوس فكرة «تسييس المسرح» كبديل عن المسرح السياسي. كان مؤمناً بأهمية المسرح في إحداث التغييرات السياسية والاجتماعية في العالم العربي.

من أجرأ مسرحياته السياسية «الفيل يا ملك الزمان» (1969)، «الملك هو الملك» (1977)، و«رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة» (1978).

يقول ونّوس: «قد كررت مراراً أنني لم ألجأ إلى الأشكال الفنية التي لجأت إليها
تلبية لهواجس جمالية أو لتأصيل تجربة المسرح العربي من الناحية الحضارية، وإنما
لجأت إلى هذه الأشكال وجربتها،محاولاً أن أتواصل مع جمهور واسع، وكنت أريد أن
يكون مسرحي حدثاً اجتماعياً وسياسياً يتم مع الجمهور».

وقد كلف المعهد الدولي للمسرح، التابع لليونسكو، سعد الله ونوس بكتابة «رسالة يوم المسرح العالمي» لعام 1996، وكتب هذه الرسالة التي ترجمت إلى لغات العديد من بلدان العالم، وقرئت على مسارحها. يقول فيها:

«لو جرت العادة على أن يكون للاحتفال بيوم المسرح العالمي، عنوان وثيق الصلة
بالحاجات التي يلبيها المسرح ولو على مستوى الرمزي، لاخترت لاحتفالنا اليوم هذا
العنوان “الجوع إلى الحوار”. حوار متعدد، مركب، وشامل. حوار بين الأفراد، وحوار بين الجماعات. ومن البديهي أن هذا الحوار يقتضي تعميم الديمقراطية، واحترام التعددية،
وكبح النزعة العدوانية عند الأفراد والأمم على السواء. وعندما أجس هذا الجوع، أدرك
إلحاحه وضرورته، فإني أتخيل دائماً، أن هذا الحوار يبدأ من المسرح، ثم يتموج متسعاً
ومتنامياً، حتى يشمل العالم على اختلاف شعوبه وتنوع ثقافاته. وأنا أعتقد أن المسرح،
ورغم كل الثورات التكنولوجية، سيظل ذلك المكان النموذجي الذي يتأمل فيه الإنسان
شرطه التاريخي والوجودي معاً. وميزة المسرح التي تجعله مكاناً لا يُضاهى، هي أن
المتفرج يكسر فيه محارته، كي يتأمل الشرط الإنساني في سياق جماعي يوقظ انتماءه إلى
الجماعة، ويعلمه غنى الحوار وتعدد مستوياته. فهناك حوار يتم داخل العرض المسرحي،
وهناك حوار مضمر بين العرض والمتفرج. وهناك حوار ثالث بين المتفرجين أنفسهم. وفي مستوى أبعد، هناك حوار بين الاحتفال المسرحي (عرضاً وجمهوراً) وبين المدينة التي يتم فيها هذا الاحتفال. وفي كل مستوى من مستويات الحوار هذه، ننعتق من كآبة وحدتنا، ونزداد إحساساً ووعياً بجماعيتنا. ومن هنا، فإن المسرح ليس تجلياً من تجليات
المجتمع المدني فحسب، بل هو شرط من شروط قيام هذا المجتمع، وضرورة من ضرورات نموه وازدهاره. ولكن عن أي مسرح أتكلم! هل أحلم، أم هل أستثير الحنين إلى الفترات التي كان المسرح فيها بالفعل حدثاً يفجر في المدينة الحوار والمتعة! لا يجوز أن نخادع أنفسنا، فالمسرح يتقهقر. وكيفما تطلعت فإني أرى كيف تضيق المدن بمسارحها، وتجبرها على التقوقع في هوامش مهملة ومعتمة، بينما تتوالد وتتكاثر في فضاءات هذه المدن الأضواء، والشاشات الملونة، والتفاهات المعلبة، لا أعرف فترة عانى فيها المسرح مثل هذا العوز المادي والمعنوي. فالمخصصات التي كانت تغذيه تضمر سنة بعد سنة، والرعاية التي كان يحاط بها، تحولت إلى إهمال شبيه بالازدراء، غالباً ما يتستر وراء خطاب تشجيعي ومنافق. وما دمنا لا نريد أن نخادع أنفسنا، فعلينا الاعتراف، بأن المسرح في عالمنا الراهن بعيد عن أن يكون ذلك الاحتفال المدني، الذي يهبنا فسحة للتأمل، والحوار، ووعي انتمائنا الإنساني العميق. وأزمة المسرح، رغم خصوصيتها، هي جزء من أزمة تشمل الثقافة بعامة. ولا أظن أننا نحتاج إلى البرهنة على أزمة الثقافة، وما
تعانيه هي الأخرى من حصار وتهميش شبه منهجيين، وإنها لمفارقة غريبة أن يتم ذلك كله، في الوقت الذي توفرت فيه ثروات حولت العالم إلى قرية واحدة، وجعلت العولمة واقعاً يتبلور ويتأكد يوماً بعد يوم. ومع هذه التحولات، وتراكم تلك الثروات، كان يأمل
المرء، أن تتحقق تلك اليوتوبيا، التي طالما حلم بها الإنسان. يوتوبيا أن نحيا في
عالم واحد متضافر تتقاسم شعوبه خيرات الأرض دون غبن، وتزدهر فيه إنسانية الإنسان
دون حيف أو عدوان. ولكن،… يا للخيبة! فإن العولمة التي تتبلور وتتأكد في نهاية
قرننا العشرين، تكاد تكون النقيض الجذري لتلك اليوتوبيا التي بشر بها الفلاسفة،
وغذت رؤى الإنسان عبر القرون. فهي تزيد الغبن في الثروات وتعمق الهوة بين الدول
الفاحشة الغنى، والشعوب الفقيرة والجائعة. كما أنها تدمر دون رحمة، كل أشكال
التلاحم داخل الجماعات، وتمزقها إلى أفراد تضنيهم الوحدة والكآبة. ولأنه لا يوجد أي
تصور عن المستقبل، ولأن البشر وربما لأول مرة في العالم، لم يعودوا يجرؤون على
الحلم فإن الشرط الإنساني في نهايات هذا القرن يبدو قاتماً ومحبطاً. وقد نفهم بشكل
أفضل مغزى تهميش الثقافة، حيث ندرك أنه في الوقت الذي غدت فيه شروط الثورة معقدة وصعبة، فإن الثقافة هي التي تشكل اليوم الجبهة الرئيسية لمواجهة هذه العولمة
الأنانية، والخالية من أي بعد إنساني. فالثقافة هي التي يمكن أن تبلور المواقف
النقدية، التي تعري ما يحدث وتكشف آلياته. وهي التي يمكن أن تعين الإنسان على
استعادة إنسانيته، وأن تقترح له الأفكار والمثل التي تجعله أكثر حرية ووعياً
وجمالاً. وفي هذا الإطار، فإن للمسرح دوراً جوهرياً في إنجاز هذه المهام النقدية
والإبداعية، التي تتصدى لها الثقافة. فالمسرح هو الذي سيدربنا، عبر المشاركة
والأمثولة، على رأب الصدوع والتمزقات التي أصابت جسد الجماعة وهو الذي سيحيي الحوار الذي نفتقده جميعاً. وأنا أومن أن بدء الحوار الجاد والشامل، هو خطوة البداية
لمواجهة الوضع المحبط الذي يحاصر عالمنا في نهاية هذا القرن.
*

إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ. منذ أربعة
أعوام وأنا أقاوم السرطان، وكانت الكتابة، والمسرح بالذات، أهم وسائل مقاومتي. خلال
السنوات الأربع، كتبت وبصورة محمومة أعمالاً مسرحية عديدة. ولكن ذات يوم، سئلت وبما يشبه اللوم: ولِمَ هذا الإصرار على كتابة المسرحيات، في الوقت الذي ينحسر فيه
المسرح، ويكاد يختفي من حياتنا! باغتني السؤال، وباغتني أكثر شعوري الحاد بأن
السؤال استفزني، بل وأغضبني. طبعاً من الصعب أن أشرح للسائل عمق الصداقة المديدة، التي تربطني بالمسرح، وأنا أوضح له، أن التخلي عن الكتابة للمسرح، وأنا على تخوم العمر، هو جحود وخيانة لا تحتملها روحي، وقد يعجلان برحيلي. وكان علي لو أردت الإجابة أن أضيف: إني مصر على الكتابة للمسرح، لأني أريد أن أدافع عنه، وأقدم جهدي كي يستمر هذا الفن الضروري حياً. وأخشى أنني أكرر نفسي لو استدركت هنا وقلت: إن المسرح في الواقع هو أكثر من فن، إنه ظاهرة حضارية مركبة سيزداد العالم وحشة وقبحاً وفقراً، لو أضاعها أو افتقر إليها. ومهما بدا الحصار شديداً، والواقع محبطاً، فإني متيقن أن تضافر الإرادات الطيبة، وعلى مستوى العالم، سيحمي الثقافة، ويعيد للمسرح ألقه ومكانته. إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ».

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.