“أدهم الجعفري”.. فنان النقاط والحروف الإسلامية

الخميس 01 شباط 2018
بخلجاتٍ من روح مبدعة يُذيبها على ذاك الورق الصامت، ويحولها إلى عالم مذهل من لوحات الخط العربي، المشغولة بحرفية عالية، راح الفنان “أدهم الجعفري” في مسيرة شائقة في عالم الفن والإبداع، لينهل من الخطاطين الأوائل، وينطلق نحو طريقه الخاص الذي تألق به.

تكبير الصورة

في “باب سريجة” ومكتب زُينت جدرانه لوحات الخط العربي بأنواعه، التقت مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 25 كانون الثاني 2018، الخطاط “أدهم الجعفري”، الذي حدثنا عن بدايته مع هذا الفن، وقال: «لفت موهبتي في مرحلة الطفولة انتباه والدي، إذ كان خطي مميزاً بالنسبة لصغر سني، وراح يشجعني ويدفعني إلى الاهتمام بهذا الفن الراقي، ويصحبني إلى المساجد لأمتّع نظري بلوحات الذكر الحكيم بخطوط الرواد من الخطاطين القدامى، أمثال: “رسا”، و”الآمدي”، و”بدوي”، و”حباب”، وغيرهم ممن زيّنوا مساجد “دمشق” بأعمالهم الباهرة، وبدأت أنقش على صفحات ذاكرتي صوراً متألقة التقطتها بعدسة عيني وفكري، وأملأ جوانح فكري من الرذاذ الناعم المنثال من الحروف والكلمات. ويوماً بعد يوم كنت أزداد شغفاً بفن الخط وأقترب من سرداقه الرحيب، ففي خطواتي الأولى امتدت لي يد خالي الخطاط “محمد سالم نويلاتي”، وتعهدني ووجهني في الاتجاه السليم للتقدم في طريقي الفني، إلى أن انتهيت من مرحلة الدراسة الثانوية، وانتسبت إلى معهد الفنون التطبيقية في خطوة أعمق لدراسة الخط العربي بأسلوب علمي وأكاديمي على يدي الخطاط السوري “شكري خارشو” الذي تابع توجهي، ونهلت من خبرته وعلمه؛ وهو ما أغنى محصلتي وتجربتي، إضافة إلى ما حصلته من علوم أخرى في المعهد، كالزخرفة، وتقنيات الخط وتاريخه. وبعد تخرّجي في المعهد عام 1992 تهيأت للمرحلة الأهم في رحلتي، وغادرت “دمشق” إلى “اسطنبول” متطلعاً نحو مستقبل زاهر في عالم الخط الإسلامي الراقي». 

ويتابع عن رحلته: «في “اسطنبول” خصني صومعة الخطاطين؛ الخطاط الكبير “حسن جبلي” باهتمامه، وعلمني أصول خط النسخ والثلث ضمن برنامج تدريب مكثف، تطلّب مني جهداً كبيراً وعزماً صلباً، وبعدها عدت إلى “دمشق” متمكناً من الخوض في غمار بحر الخط بثقة وأمان، وفي جعبتي مجموعات من الكتب والمخطوطات والأصول النادرة التي عكفت عليها في توثيق عملي بإبداعات المعلمين السابقين، إذ نلت عن جدارة الإجازة في الخط العربي من الأستاذ “حسن جبلي” عام 2004 من مركز الأبحاث للثقافة والفنون الإسلامية في “اسطنبول”، وكانت لوحة إجازتي هي الحلية الشريفة في وصف الرسول الكريم “محمد” (ص)، بأسلوب راقي وخط بديع يأسر البصر، وأيضاً نلت إجازة في الدراسات الإسلامية من كلية “الإمام الأوزاعي” في “بيروت”، وما زلت أتم الدراسات العليا فيها.

كل ذلك ألقى على كاهلي مسؤولية مضاعفة، تمثلت في مثابرتي على العمل في مجالين: الأول تعليم فن الخط العربي في مدارس ومعاهد “دمشق”، والثاني مجال العمل الإبداعي في أعمال خطيّة ولوحات فنية مبهرة لآيات القرآن الكريم على مساجد “دمشق”، إذ تلقيت العلوم الشرعية والعربية والقرآن الكريم على يد علماء “دمشق”، وتخصصت في علم رسم المصحف الشريف».

وعن أعماله، قال: «قمت بكتابة سورة الرحمن بخط الثلث الجلي في مسجد “الرحمن”، وعلى طول ثمانية وأربعين متراً، وآية الكرسي على محيط جدران مسجد “البكري” من الداخل بـ”دمشق”، كما كتبت الآيات الكريمة على واجهة مجمع الشيخ “أحمد كفتارو”، ومحيط قبة مسجد “المزة الكبير”.

وتوسعت بأعمالي، فقمت بكتابة سورة الكرسي وأسماء الله الحسنى بشكل دائري على قبة مسجد في ولاية “فيرجينيا” في “أميركا”، ومسجد “عبد الرحمن كونفي” في “ساحل العاج”، ومسجد “يوسف بيعلي” في “الشيشان”، كما صدرت لي أنواع من التصاميم الغنية فنياً وعلمياً في طباعة نسخ جديدة من القرآن الكريم، اتسمت بالتقسيم الموضوعي للآيات وتفسير المفردات، وأنجزت مصحف “القيام”، وأفردت فيه لكل جزء من أجزاء القرآن أربع صفحات، وساهمت بكتابة مصحف “الشام الكبير” الذي جاء فيه الحزب الواحد في صفحتين، طول كل صفحة متران، وعرضها متر واحد، وقد احتفل بعرض هذا المصحف الرائع مع العديد من اللوحات الفنية لأشهر فناني الخط العربي في العالم، في معرض خاص ضمن فعاليات “حلب عاصمة الثقافة الإسلامية” عام 2006. وتوجت أعمالي بكتابة المصحف الشريف الأول في دار “غار حراء” بـ”دمشق”، وكنت أتردد إلى شيخ قرّاء بلاد الشام الشيخ “كرّيم راجح”، وأسترشد بملاحظاته، وكذلك عرضت الأجزاء الأولى الثلاثة على شيخ قرّاء “مصر” الشيخ الدكتور “أحمد معصراوي”، الذي أثنى جمال العمل ووضوح الخط».

الكاتب والمؤرخ “محمد مروان مراد” أحد أصدقاء الفنان، قال: «لقد قيّض لي مؤخراً أن أقف عند بوابة مسجد “البكري” لأتأمل بشغف كبير كلمات سورة الكرسي التي خُطت على محيط جدرانه، ولمحت اسم الخطاط “الجعفري” في جانب منها، هي ليست مجرد حروف وكلمات كُتبت بالريشة واللون، إنما هي خلجات روح فنان وخطاط، ذوبها على الحجر بعبقرية وإتقان وحسّ مرهف. زرته في مكتبه؛ وهو أشبه بركن دافئ في مسجد، يتضوع فيه فوج الكلمات الروحانية من لوحات الخط العربي المشغولة بحرفية عالية، لم يكن الوصول إلى هذا المكان يسيراً على فنان شاب، وإنما استلزم ذلك سفراً طويلاً، كنت أنظر إليه وهو ينحني على مكتبه، ممسكاً بقصبته، يغطها في الحبر، ثم يمررها بثقة وأناة على صفحة الورق، ويحولها بأنامله إلى لوحة فنية بديعة».

الجدير بالذكر، أن الفنان “أدهم الجعفري” من مواليد “دمشق”، عام 1973.

تكبير الصورة
الفنان “أدهم” أثناء العمل
تكبير الصورة
من أعماله “فيها كتب قيمة”
تكبير الصورة
نيل شرف كتابة المصحف الشريف

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.