ttt543

الشاعر عصمت شاهين دوسكي

نداء الإنسانية والمحبة والجمال

حريته ليس التحرر من الألم بل تحويله إلى لحظة فرح .

ثورة الإحساس عنده  تصل ذروتها الرومانتيكية والرومانسية والواقعية إلى إيجاد قوة فكرية بديلة للألم والحرب والتهجير والتشريد .

بقلم الفنان التشكيلي سالم كورد – السويد

الشاعر الكبير عصمت شاهين الدوسكي صديقي منذ أن كنا أطفالاً ويحق لنا أن نهتم به معترفاً لم اكتب عن شاعر أو أديب ما ، لكن أكتب هذه السطور للعالم ، إن صديقي الشاعر والناقد عصمت شاهين هو نداء الإنسانية والمحبة والجمال يضيء شمعة بدلاً من أن يلعن الظلام ،روحه الثائرة الحرة كالينبوع الذي لا ينتهي ماءه في محبة الإنسان والأرض والجبل والبحر والحبيبة ، بدلاً من التمسك الفردي لحب الحبيبة قاده هذا الحب إلى حب الإنسانية جمعاء ، يرسل أشعته كما ترسل القيثارة أنغامها وموسيقاها للعالم ، انتزع الموت والدته التي يحبها ويعشقها مثل زهرة انتزعت من غصنها ، مثل الشمس رحلت من سماءنا وبقي عصمت في الظلام يبكي ولا أحد يجيب لذا أصبح أباً ومعيناً في بداية حياته وبقي يتيم الأم والأب ،عمل هنا وهناك ودرس وأعان أهله ثم أشرقت أجنحة الشمس من المجهول لتطير به إلى سماء الحب لكن الرياح تهب بما لا تشتهي السفن ، واندلعت الحروب وفجأة التحق بالدفاع عن الوطن يد تحمل السلاح ويد تمسك القلم ليسطر تداعيات عوالم الحرب والسلام والإنسانية وهو في بداية حلمه للمجهول ، وبدا يحلم ويكتب للحب للوطن للإنسانية وظهرت متعة موهبته الشعرية ، يحول الألم إلى فرح يكتشف الجمال يخلقه الحلم يفجر المعاني السامية للحب والإنسانية وبالرغم إنه وسط الحرب ووسط أكوام الضحايا والمذابح الإنسانية هنا وهناك يا للهول تخيل حب وسط الموت والخراب والدمار والدم ، أصبحت له فلسفة الأمل والحب والحلم هكذا أصبح عصمت شاهين أسيراً للأحلام ولحد الآن لا يعرف اليأس هادئاً خجولاً محباً لا يعرف الكراهية والحقد أبداً ،انه عصمت شاهين الإنسان العاشق الشاعر حريته ليس التحرر من الألم بل تحويله إلى لحظة فرح إنه الإنسان الكوني الذي لا يخشى الفناء ولا الألم له قوة وحكمة في الحب كالمصباح يضيء لنا الطريق يشبع رغبته بأحلامه إنه عصمت شاهين صديقي منذ عقود أعلم عنه مثلما أعلم عن نفسي لكن فرقت بيننا الحرب والغربة والسفر ، تعالوا معاً نقرأ  أحلام حيارى ” التي اختارتها ولحنتها وغنتها الفنانة المغربية المبدعة سلوى الشودري ” بنبرات صوتها النقية وعذوبة لحنها وموسيقاها الراقية المنسجمة التي تنفذ نحو الأعماق وتأخذنا نحو الرحيل إلى منابع الحلم والحب والإنسانية خاصة وهي تغني بإحساس لشاعر كعصمت شاهين غرس فينا وفي قلوبنا منذ ولادتنا الحب ومهما ابتعدنا نعيش على الأمل يرفرف يدفينا يعطينا الإحساس والرجوع إلى الحب الطاهر فانسجمت كلمات الشعر عصمت مع الصوت واللحن والموسيقى كيف لا والفنانة تتقن الحب للحياة للوطن والإنسانية سمعت هذا الألم والأنين بلحن يكاد يبكي الصخر والمستمع ويوقد فيه بركاناً من الغضب لحب منذ الصغر كعاشق لسمفونية ، وأنشودة لحياة عذبة تسيطر على قلوبنا ولتعطي الأمان لنا ،ليس هناك شيء في الدنيا أعذب من سماع كلمات للحب والوطن والحلم غنت لقصة بطل أسطوري هو عصمت شاهين يموت كل يوم وتموت الزهور والأوراق والأشجار حتى الصخر معه لكنه يعطي نهرا ليروي العشاق والإنسانية  .يقول فيها :

( أنا أمسح الدموع

وارسم للروح

جمال الربيع

وأضيئ الشموع

كل يوم

.(  أنا في الحب شهيد

 

إنها مشاعر منسجمة شفافة مبكية ومفرحة وقوية فكراً وروحاً وإحساساً ولا يمكن توفير مثل هذه القوة إلا من كان بحلم عصمت وتفكيره وحبه ووعيه ليصل إلى قمة عالية في التصوير والحكمة كتصوير الشكسبيري والفكر الأرسطولي ، كلمات عصمت ثروة كبيرة ومتنوعة تصلح لأي مكان وزمان ورغم وجود التكثيف والتركيز في قصائده تضم في مساماتها موسيقى إنسانية حالمة مبدعة تتسلل دون إرادة منك إلى شغاف القلب فتغير الحزن إلى فرح والغضب إلى هدوء والانفعال إلى تأمل إنها ثورة الإحساس الإنساني تصل ذروتها الرومانتيكية والرومانسية والواقعية إلى إيجاد قوة فكرية بديلة للألم والحرب والتهجير والتشريد كما تفعل الثورات رغم إنه نظم قصائده من خلال منطق الحلم والخيال ليتطور من الجدال الكارثي إلى تفاعل بين العقل والحلم والخيال موجهاً قصائده إلى الإنسانية عامة  معالجاً فيها الجهل العصري والفشل الإنساني والعقلية السوداء المهيمنة على الواقع المؤلم فالإثارة والثورة الفكرية في صور قصائده تنزع العامل الحسي من القارئ ليكون مشتركاً في الفعل والحدث والتصور فهو يدق كأس الإحساس ثم يضع إصبعه على الكأس ليوقف رنينه ، يرينا ليس ما يفترض إنه مرئي بل ما يمكن إن يطرحه المشهد الشعري من أفكار وإحساس ورؤية جمالية عميقة واضحة بمجاز ظريف وتشبيه بديع ورمز أنيق بادراك فكري يحلق مع الحلم والخيال والواقع بهمس إنساني عذب .

( لا تدع الهموم تركن

بين الضلوع

قل ما أردت كما تشاء

بالكلام ، بالدموع

ابعد النائبات وطهًر

شواذ المزروع

وارسم للحياة سبلاً

رجوع ) .  للروح بلا

بهذه اللمسات الرائعة تكشف رقة المقطوعة الشعرية تدخل مباشرة إلى قلوبنا ، مرة أخرى يثبت الإحساس قوته وفاعليته المشحونة بالفكر الواعي وبتكثيف مخفف فإن شدة التكثيف تفقد الأفكار بريقها وتشلها ، يربط الشاعر عصمت الحلم والأمنيات والأوجاع والمعاناة والهواجس والمكابدات والفراق والمسافات ومرور العمر والسنوات بحلم يتجدد رغم كل العذابات بالطبع نفهم ما يعنيه بالإدراك العاطفي للأفكار وهي أفكار ملائمة لإحساسنا وحياتنا ومعاناتنا وواقعنا بخصوصية شعرية مفعمة بالحياة ،فأنا حينما أرسم اللوحة أتطلع إلى الأجزاء واللوحة الكاملة مرسومة في ذهني وهكذا حينما نتطلع إلى أجزاء صور القصيدة يظهر المضمون الكلي لها فالشاعر يريد لأفكاره إن تفكر وتؤثر فالسمة الشعرية للنص وأدارتها لديه تحتل المكان الأول بحلم وعاطفة وإحساس راقي . .

( حلم الانتظار وحلم الأمنيات

رغم الأوجاع والمعاناة

رغم الهواجس والمكابدات

رغم الفراق والمسافات

رغم مرور العمر والسنوات

يبقى الحلم يتجدد

(  وتبقى أكاليل الأمنيات

مشرقة رغم كل العذابات الشاعر عصمت يجعل الصور الشعرية والحلم والإحساس والمعنى مألوفاً فإن هذا التوضيح هو هدف الشاعر المعاصر وهو مفتاح لكل القلوب والعقول وكل ما يضيفه من أشياء جديدة تسهم بفعالية نشطة لمعنى القصيدة بصورة عامة ، مثلما تجديد اللوحة بأشياء فنية خلاقة يبقى ضمن نشاط تأثير اللون الهرموني العام للوحة فالأبعاد التي أحاول ادخلها في اللوحة تجعلني امتلك القدرة الكافية على التصوير أولاً في داخلي ثم أدخلها في اللوحة لتكون أداة حافزة في تحفيز الذهن والإحساس بالرؤية الفنية والجمالية ومساعدة للتأمل ، الشاعر عصمت يستخدم صور شعرية بأبعاد جيدة وجميلة ليوصل لنا الغرض والمعنى بتوافق الأبعاد الفكرية والنفسية والجمالية والفاعلة بانسجام رائع يثير الحيوية الذهنية بأسلوب تأملي ناضج ..

( يرسو اللهيب على أديم الفراق

لا أدري أعز القلب أم الرأس ؟

مازلت وحيداً أسقي الليالي

عبرات ، ذكريات وأماني نواس

همسي ولمسي يعود شوقاً

وخيال لا ينسى كل أساس

سفوح جسدي تمردت رباها

بين ذرى وهوى وعبير رماس

لست راهباً ولا أميراً ولا ملكاً

.(   لكن أضيء الشموع لكل الناس

يهدف الشاعر إلى إطلاق المعنى الإنساني في مجال أوسع ، نسمع خفقات عاطفية ترسو على أديم الفراق فالغربة الروحية والأحلام البعيدة والألم العميق قوة يروضها بأسلوبه الخاص المميز ليجعل للقصيدة روحاً نشاطاً تفاعلاً مؤثراً قبل إن يقدمها للناس وهي نفس القوة التي تجعل للتأمل مساحة أكبر التي تظهر بعاطفة راقية وفلسفة جميلة وبهذا يصح قول أرسطو ” بان الشعر هو ليس الفن الأكثر تكثيفاً فحسب بل هو أيضاً الفن الأكثر فلسفة ”  الحلم يتجدد والكتابة بقدر الحلم تتجدد بقدر سطور حلم العالم يتجدد وحلم الشاعر عصمت وإحساسه رغم الألم يفيض بالضوء في عتمة الأفكار لتنقية النفوس والمعاني الإنسانية .

************

سالم كورد فنان تشكيلي – السويد – ستوكهولم

tt333

 

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.