الفنان سمير سلامة – السيرة الذاتية

 

ولد الفنان سمير سلامة في مدينة صفد عام 1944، واضطر اثر النكبة الى الانتقال برفقة اسرته نحو بلدة مجد الكروم في الجليل حيث كانت تسكن عمته، ومنها الى بنت جبيل. بحث والده في البلدة اللبنانية عن معارفه الذين كان يعمل معهم في نقش الحجر. مكث معهم فترة قصيرة لكنه تابع مشواره إلى بيروت ثم دمشق التي غادرها جنوباً نحو درعا. وبعد أشهر على الترحيل القسري أقام سمير في دير للطائفة المسيحية في درعا قبل أن تستأجر العائلة بيتاً في جواره.

بدأ الرسم مبكراً وأخذ يرسم وجوه زملائه في المدرسة حتى انتشر نبأ موهبته وقدرته على تطويع خطوط قلم الرصاص. أغرم سلامه في الرسم الذي خطفه أحياناً من الانتباه لدروسه ولم يفلت من الضرب عندما كان يضبط وهو يخربش على دفاتره إلا ان ذلك شكل بالنسبة له تحدياً ودفعه الى الاصرار على مواصلة الرسم. فباتت خطوط الطالب الصغير وسيلة إيضاحية لبعض الدروس على اللوح المدرسي فيما نالت لوحاته جوائز المسابقات المدرسية.

وقد نال التشجيع فيما بعد من مدرس الفن حتى بدأ ينسخ اللوحات ويحضر الالوان ويمزج بودرة مواد الطراشة ليستخدمها في الرسم. وقد كان للأستاذ والفنان السوري أدهم اسماعيل فضلاً في وضع سلامه على السكة الصحيحة بمجال فنون الرسم كما أسهم في اختياره كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق. ويستذكر سمير كيف كان يرافق مصطفى فتحي الذي شاركه ولعه بالرسم في رحلات الصيف المدرسية والتجول في القرى السورية، وهي التجربة التي تركت بصمتها على لوحاته الفنية ولمعت في أول معرض أقيم بالعام 1963 في المركز الثقافي في درعا تلاه المعرض الثاني بعام 1966 في ختام الدراسة الثانوية تمهيداً لمرحلة الدراسة الأكاديمية الجامعية في حقل الفنون التشكيلية. وانتزع المعرضان بجدارة تأشيرة دخوله لكلية الفنون الجميلة التي التحق بها عام 1967. ترك المحاضرون محمود حماد، فاتح المدرس، نذير نبعة، الياس زيات ونصير شورى بصماتهم على توجهاته الفنية، حتى تمكن من المشاركة في أول معرض للخريف في دمشق.

أنهى دراسته الجامعية عام 1972 وانتقل إلى بيروت حيث التحق بدائرة الإعلام الموحد التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأسهم طوال ثلاث سنوات في صياغة البوستر السياسي استجابة لمتطلبات المرحلة، كما شارك في حينه في معارض جماعية في بيروت وكذلك في معارض عالمية عديدة باسم فلسطين. الى ذلك فقد أسس قسم الفنون التشكيلية في دائرة الإعلام الموحد، وأسهم في نشاطات الإطار النقابي للفنانين التشكيليين الفلسطينيين برئاسة إسماعيل شموط الذي أصبح الأمين العام الأول لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب.

في ربيع العام 1975 وصل سلامه الى باريس لمتابعة دراسته العليا في كلية الفنون الجميلة بوزارالمقابلة لمتحف اللوفر“. حين تسلم بطاقة إقامته اكتشف على أوراقها أن مكان ولادته صفد بات مدينة في إسرائيل، فاعترض على ذلك حتى تسلم بطاقة جديدة سقطت منها اسرائيل لكنها عرفت جنسيته كغير محدد“. إلا ان سلامة لم يتنازل وخاض بعد ذلك بسنوات حرباً لاعتماد صفد\فلسطين كمكان ولادته في جواز سفره الفرنسي وكان له ذلك في سابقة مهمة نجح في تحقيقها.

بعد ان أنهى تعليمه واستقر في فرنسا، تسلم وظيفة لمدة ثلاث سنوات في مجال التصميم والغرافيك في قسم المطبوعات العربية في مقر اليونيسكو، ثم عمل مدرساً لمدة ثلاث سنوات في برنامج الرسم المفتوح في جامعة جوسيوالباريسية، كما ساهم في تشكيل مجموعة فنانون من أجل فلسطين“. شارك في عدد من المعارض الفنية أبرزها أصيلة في المغرب والقاهرة وعمان وغيرها من العواصم العربية والأجنبية وأيضاً في المعارض الداخلية في المدن الفرنسية.

تعاون مع عز الدين قلق سفير فلسطين في فرنسا، وأنتج بتشجيعه مجموعة جيدة من الملصقات السياسية (تجدر الاشارة هنا بأن بعض الملصقات التي أنجزها كانت من ضمن الستين ملصقاً فلسطينياً التي عرضت في عام 2015 على جدران المركز الثقافي Jour et Nuit”  وسط العاصمة الفرنسية باريس بتنظيم من المنتدى الفلسطيني للثقافة والإعلام في باريس، ذلك الى جانب ملصقات سليمان منصور وفتحي الغبن وناجي العلي وغيرهم من الفنانين الفلسطينيين والعالميين). ويذكر سلامة بأنه قام بالتعاون مع السفير قلق ببلورة فكرة اقامة متحف للفنون ومعرض دولي من أجل فلسطين والذي أقيم في بيروت بإشراف التشكيلية منى السعودي، ثم انتقل إلى طوكيو في اليابان قبل أن يعود إلى بيروت وتتعرض لوحاته للتدمير بفعل قصف الطيران الحربي أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982.

وصل سمير سلامه الى فلسطين في مطلع عام 1996 وعاد الى مسقط رأسه صفد للمرة الاولى لكنه فشل في العثور على بيته واستعادة تاريخ طفولته على وقع المكان وحكايات والده ووالدته. في رام الله تسلم قرارا رئاسياً بتعيينه مستشاراً في وزارة الثقافة، فعمل لمدة عامين في التصميمات الفنية لمستشفى خانيونس التابع لجمعية الهلال الأحمر قبل أن يعود إلى رام الله للإشراف على دائرة الفنون وصالة الحلاج وبعض المعارض. تم انتدابه فيما بعد للمتابعة الفنية في مقر جمعية الهلال الأحمر في البيرة الذي كان في طور البناء، وظل في وظيفته برتبة مدير عام حتى التقاعد عام 2004. في عام 2005، بعد أربعة عقود من الممارسة التشكيلية وعشرات المعارض في المنفى أقام سلامه معرضه الاول في فلسطين.

وقد أخذت لوحات الفنان سمير سلامة في البدايات منحىً واقعياً سرعان ما تحول عنه الى التجريدي، وقد ألهمته مدينة معلولا في سوريا الى ذلك، كما يعيد ويذكر دائماً، حيث باتت لوحة حديقة معلولا التي أنجزها في التسعينات والتي تتأرجح ما بين التصويرية وما بين التجريد نقطة تحول في مسيرته الفنية. أما تجاربه الباريسية فقد حثته على الاستمرار بالمنحى التجريدي وألقت على ذائقته اتساعات لرؤيا أكبر لمعاني الفن والتشكيل.

ويظهر الشكل الهندسي في أعماله كموتيف متكرر. أما الرؤية التلوينية في لوحاته فلا تأت ضمن جماليات بصرية سطحية إنّما هي أقرب ما تكون ملتحمة مع شكل المساحة. وكما يقول الناقد والفنان التشكيلي الفلسطيني عصمت الأسعد في هذا السياق: “مثل هذه التداعيات اللونية لا تنبئ لنا إلاّ عن فعل تشكيلي مصاغ بجمالية خاصة وإن بدى وفق تقاليد متوارثةشكل اللوحة المألوفإلاّ أنّ هذا لا يقف عائقاً أمام جموحات إبداعية حداثوية، أو حتى بعد حداثوية، ليحقق الفنان بذلك كثيراً من تعقيدات الشكل وببساطة يحسد عليها.”

ويعتبر سلامة من الفنانين الفلسطينيين الذين ابتعدوا عن الموضوعات التي تم تناولها لفترات طويلة، مثل المقاومة والأرض والانتفاضة، وتناولوا عوضاً عن ذلك الموضوع الجمالي ليسهموا في تشكيل خطاب عالمي أكثر منه محلي. وبكلمات الأسعد: “الفنان سمير سلامه وبكل سهولة يندرج تحت قائمة الفنانين الذين لم يستسلموا لسحر الرمز المبتذل، وأخص بذلك فيما يتعلق بتشكيلات باتت معهودة وإن أشارت لدلالات نحو حب الوطن والانتماء. فالفنان راح مع الرمز بأبعد من ذلك بكثير عندما رأيناه يتعامل مع مثل هذه الرموز وفق تسجيلات ذات فرادة ولكنها متشابكة وأذابتها بمصطلحات أكثر تجريدية ومبتعدة اشارياً عن كونها رؤيا لوقائع بصرية بحتة وإنما دلالة لكونها استلزاماتفكريةممتزجة بصرياً مخلفة ورائها ما نشهده من صيغ لتناولات الفنان داخل العمل الفني وضمن محتواه.. هذا إذن ما يعمق أبعاد هذه التجربة التشكيلية ذات الفرادة على مستوى أداءات التشكيل المحلي وضمن ما يعرفه الفنان سمير سلامه مسبقاً عن عدم وقوعه في هاويات الرمز الساذج والذي سبقه اليه الكثيرين. ولامتلاكه مثل هذه الخبرات قد عززت من ابتعاد لوحاته عن كونها مجرد سياق معرفيتاريخي أو أنها وقائع ذات صفات تسجيليه بل هي أكثر من كونها سمات لرصد الواقع اليومي، لذلك فإنَّ صياغات اللوحة في هذه الحاله جاءت مختزله ومعمقه في آن معاً وبأكثر ما لديها. بذلك أصبحت ذات علاقه أوسع مع الأفق التشكيلي بمفهومه المطروح الآنعالمياً وعربياًوليس كما هو متاجر به. على ذلك فقرابة اللوحه من كونها رؤية مستقلة فهذه الصفه بحد ذاتها تجعلها منفتحة على احتمالات الاستدامة أكثر وذات حضور عفوي أقوى من تلك التداعيات المقترحة لفعل تشكيلي محلي صارخ وبألوان نعرفها جميعاً أو بترميزات باتت صدئة. لهذا فمقترحات التشكيل لدى الفنان أكبر من أن تصاغ مقولبة وفق تعادلات مصاغة ومحوطة والإلقاء بها كيان المتذوق، ففي هذه تبدأ صياغات أكثر خطورة على واقع التشكيل المحلي وله أيضاً إرادة لرفع مستويات التذوق ومستويات التعبير أيضاً، كل ذلك لمنح التجربة التشكيلية المحليه مساحة تزداد اتساعاً كلما كَبُرت.”

ويلخص الأسعد الى القول بأن معلولا ما زالت حاضرة في أعمال سلامه وإن صبغت بتجريدية متطرفة أحياناً: “الحديث هنا عن جدران أحسبها جدران لبيوت معلولا وشبابيك مربعة أحسبها أيضاً لبيوتها. مثل هذه التداعيات المشهدية البصرية المقروءة إشارياً ودلالياً تختفي رويداً رويداً عند سمير سلامه لتكون أقرب ما تكون كمجرد علائق تشكيلية ولكن بصفات تجريدية بأشد ما عندها وبكل ما أوتيت.. الفنان يؤكد لنا دائما بأن ما يربط بين لوحاته ما هي إلاّ السلالة أو العائلة ذاتها. فالتشابهات الحاصلة ظاهرياً ما هي إلاّ الرابط الجيني ذاته الذي ووفق علم الجينات لم يُلْغِ الطفل أباهُ إذا ما شابههوإنّما هي كيانات لكل منهما، ولكل عالمه الخاص. هذه التشابهات البصرية ما هي إلاّ أسرار التكوين الفني الموجِد للّوحة وما هو إلاّ قراءة في الكتاب الجينوفني الذي يفصح عنه سمير سلامه فنياً وبإتقان. والذي هو جزء لا يتجزأ من كيان وروح صانع اللوحة ذاته.”

Tags: سمير سلامة,

طباعة البريد الإلكتروني

الفنان سمير سلامة – ارشيف الاعمال الفنية

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.