المسرحي فرحان بلبل.. والانتقال إلى مقعد المتفرج
الثلاثاء, كانون الأول 5, 2017
  • الأديب والمسرحي المعروف (فرحان بلبل) من أهم رواد ومؤسسي المسرح السوري، بدأ يزاول المسرح كهواية في النوادي الفنية بمدينة حمص نهاية الستينيات، وصولا إلى العمل الاحترافي وتأسيسه فرقة المسرح العمالي بحمص عام 1973 وهي مستمرة بالعمل حتى الآن. كما عمل أستاذا لمادة الإلقاء المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق بين عامي 1987- 2005، وله مشاركات واسعة في المهرجانات المحلية والعربية، واخرج 35 مسرحية، وكتب 29 مسرحية بعضها للأطفال، فضلا عن دراسته وكتبه النقدية و الكثير من المقالات المنشورة في الدوريات المحلية والعربية، وكرمته عدة جهات محلية وعربية.
    وخلال تلك السنوات الطويلة جلس (فرحان بلبل) في مقعد المتفرج يتابع ويرصد العروض المسرحية، ومن حصيلة تلك الجلسات تشكلت بنية كتابه (من مقعد المتفرج) الذي سلط فيه الضوء على مرحلة هامة من تاريخ المسرح السوري، وتحديدا بين عامي 1970-1994 وهي الحقبة الأكثر تنوعا ونضجا وغنى في تاريخ هذا المسرح، حيث كانت الحركة المسرحية متواشجة مع الحراك الاجتماعي الذي كان بدوره يخوض تجاربه الخاصة أيضا. ومن هذا التفاعل الحي ولد المسرح السياسي فكان علامة فارقة في المسرح السوري الذي تطور تطورا كبيرا في تلك الفترة.
    ومن أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك النهوض المسرحي هم الكتاب السوريون، حيث كانوا في طليعة الأدباء العرب الذين عملوا بجدية وإصرار على تأصيل المسرح العربي وخلق دراما عربية، كما قام الممثلون بتجسيد النص وتقديمه بحرفية وإتقان، واشتغل المخرجون على إبراز النص والممثل، وبهذه العملية المركبة والمتكاملة تشكلت هوية المسرح السوري الذي كانت له بصمته الخاصة في تاريخ المسرح العربي حتى صار يقف إلى جانب أهم التجارب المسرحية العربية لاسيما المصرية التي كانت صاحبة التجربة الأكثر عراقة في الوطن العربي حيث لم يكتب للمسرح الانتشار والشيوع باكرا لأسباب اجتماعية وسياسية.
    ***
    لاشك أن مرحلة ازدهار المسرح السوري بدأت بتجديد النص العربي والخروج على بناء المسرح التقليدي، وهذا اقتضى لاحقا ضرورة التجديد في العروض أيضا، ولم تكن هذه الإضافات شكلية خارجية، بل كانت ملتزمة بتقديم مضمون العمل المسرحي قبل أي شيء آخر. لهذا نجد في مسرحيات تلك الحقبة بروزا جليا للقضايا الأكثر حضورا في وجدان المواطن السوري، وأهمها تحرير الأرض العربية، والدفاع عن القومية العربية، وتبيان أهمية الاتجاه نحو الاشتراكية. وبرغم تبني هذا الفكر لم تكن الحركة المسرحية السورية معزولة عما حولها، بل تميزت بتقديم النص الأجنبي بأقل التعديلات الممكنة -خلافا للمرحلة السابقة- ولكن تم الحرص على انتقاء المسرحيات الأجنبية بحيث تتناسب مع التطلعات العربية المعقودة آنذاك.
    ولابد من الإشارة إلى أن تلك المرحلة المسرحية المزدهرة كانت مختلفة عن سابقتها -المرحلة التمهيدية- وبرغم ذلك انقطعت عن المرحلة التي أعقبتها، لاسيما الأفكار التي كانت من البدهيات فيما مضى ثم بدت فيما بعد وكأنها أوهام طوباوية لا أكثر.
    ***
    قسم الأستاذ (فرحان بلبل) كتابه (من مقعد المتفرج) إلى فصول ثلاث هي:
    الفصل الأول- عروض مسرحية: شمل معظم الكتاب، وفيه حديث مفصل عن المسارح التابعة لوزارة الثقافة وهي (القومي، الجوال، التجريبي). ففي عهد الوحدة بين سورية ومصر وتحديدا عام 1959 انشأ المسرح القومي وقدم في عرضه الأول مسرحية (براكساجورا) من تأليف (أريستوفان) وإخراج رفيق الصبان. ثم أسس المسرح الجوال عام 1971 لتقديم العروض المسرحية في الأماكن والقرى البعيدة عن مركز المدينة، و قدم المسرح الجوال حوالي ألف عرض حتى تحويله إلى مسرح يقدم عروضه في مسارح المدينة، فصار نسخة مكررة عن المسرح القومي بعدما فقد أهم ميزاته وهي التطواف لتقديم المسرح لكل الناس. وفي عام 1976 أحدث المسرح التجريبي بإدارة الأديب (سعد الله ونوس) وبمساعدة المخرج (فواز الساجر) وكان الهدف من هذا المسرح البحث عن صيغ جديدة للتواصل مع المتفرج.
    أما الأقسام الأخرى من هذا الفصل فقد تناولت تجارب وعروض (المسرح الرسمي بحلب) و(عروض المعهد العالي للفنون المسرحية) و(المسرح العسكري) و(عروض المسرح الخاص). فضلا عن المقالات التي نشرها (بلبل) أثناء تلك الحقبة في الدوريات السورية، وهي مقالات تدرس وتنقد وتحلل وتوثق لجوانب كثيرة من المسرح السوري.
    الفصل الثاني- جهات ومهرجانات: تناول فيه (بلبل) المسرح المدرسي والمسرح الجامعي ومهرجان الهواة والمسرح العمالي ومهرجاناته.
    الفصل الثالث- حول المسرح السوري المعاصر: وفيه يتحدث (بلبل) عن واقع المسرح السوري المعاصر من جوانب عدة، ومن الأفكار المميزة الواردة في هذا الفصل تلك القائلة أن تاريخ المسرح في العالم يمر عبر موجات، وان كل موجة تستغرق ما يقارب الثلاثين سنة، وان بداية أية موجة محكومة بأسباب سياسية واجتماعية، وكذلك نهايتها. وان موجة المسرح السوري قد انطلقت في منتصف ستينيات القرن العشرين، واتضحت ملامحها في السبعينيات، وبلغت ذروتها في مطلع العقد التالي، وبدأت بالانحسار والتراجع منتصف الثمانينات، وبذلك تكون هذه الموجة المسرحية بلغت ما يقارب الثلاثين سنة وهي المدة التي يقول عنها الدارسون إنها مرحلة الازدهار العظيم.
    وبرغم ذلك لا يجد (بلبل) أن المسرح السوري انتهى دوره وانقطع الأمل منه، فهو يرى أن المسرح السوري ليس بحالة انحدار، بل هو يمر بحالة انحسار، وسقط في هوة الفراغ، بعدما تراجع دوره ولم يعد حاجة شعبية ضرورية، وبذلك تحول إلى مجرد ترف ثقافي معن بشريحة ضيقة من المهتمين والمتابعين. ولهذا السبب يجب إعادة النظر في رؤيتنا للمسرح ودراسة الواقع الشعبي والانطلاق منه لاستقطابه دون إغفال العمل على تطوير المسرح من الداخل.
    وهنا سؤال يطرح نفسه:
    – في حال تحققت مثل هذه الشروط، هل ستنطلق موجة جديدة في المسرح السوري؟!.
المصدر: العروبة-الكاتب: سامر أنور الشمالي

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.