Abdul-Rasool Aljaberi‏ – اتحاد المصورين العرب – المكتب التنفيذي

لقاء مع الفنان التشكيلي والمصور والشاعر الغنائي جورج عشي

أجرى اللقاء : محمد أبو خضور


George Ashy‎‏
س : من المؤكد أن العصر الراهن هو عصر الصورة الضوئية . كيف كانت بداياتك ؟ وما هو منظورك إلى التصوير الضوئي ؟
ج : لم تستطع أية تقنية في هذا العالم إيقاف الزمن ودراسة الحركة كالتصوير الضوئي ، ولم تتمكن تقنية الصوت عبر الأثير أو الكتابة عبر وسائل الإعلام الأخرى إقناع المتلقي بصحة ما ينقل إليه إلا إذا كان موثقا بالصورة الضوئية . صحيح أن اكتشاف التصوير الضوئي يعود إلى الربع الأول من القرن التاسع عشر إلا أن القرن العشرين هو الذي تمكن من تسخير كافة إمكانيات التصوير الضوئي المتاحة لأغراضه الفنية والثقافية والاجتماعية والإعلامية والعلمية في ( الطب والفضاء وسبر أغوار الأرض والمحيطات ) .
أصبح من الممكن القول الآن أن الصورة تتكلم وتخبر وتنبئ ، وأيضا القول بأن هذا العصر هو عصر الصورة الضوئية بلا منازع . ولا بد من التنويه بما فعلته الصورة الضوئية ( الثابتة أو المتحركة ) من فعل دفع الرأي العام العالمي للوقوف متأملا في كل مخزونه الفكري والسياسي الذي عبأته وسائل الأعلام الصهيونية قبلا عن الشعب الفلسطيني ليعيد النظر من جديد في موقفه من عدالة القضية الفلسطينية بعد العدوان الإسرائيلي الأخير وفظائع مخيم جنين وحصار كنيسة المهد حيث ولد السيد المسيح .
هذا إلى جانب العالم المشرق والجميل من ذكريات العائلة الحميمة ولهو الأطفال والمباريات الرياضية وحفلات الزواج وأعياد الميلاد والمناسبات السعيدة كلها تجعل منها الصورة وثيقة مهمة نقضي معها لحظات سعيدة .
أما عن البدايات فقد كان بقرب بيتنا في اللاذقية مصور أرمني الأصل يمتلك محترفا للتصوير ، كنت في ذهابي إلى المدرسة وإيابي أتوقف وأتأمل الإطار المعلق على واجهة محترفه الذي يعلق فيه آخر صور الشخصيات التي صورها ، وذات يوم لاحظ فضولي فاهتم بي ، وشيئا فشيئا بدأ يحببني بهذا الفن ثم أدخلني الغرفة المعتمة معه لأكتشف الخيوط الأولى للتعامل الكيميائي بين المستحلبات الحساسة ومحاليل الإظهار وكنت من باب المجاملة أساعده وقت فراغي بتنشيف وتلميع الصور له ، وعنده بدأت أول قراءة لي للصورة الفوتوغرافية .
وكنت بسن التاسعة حينها ولم يخطر ببالي إطلاقا أنني قد أكون في يوم من الأيام مصورا فوتوغرافيا معروفا على المستوى العربي من خلال تأسيسي لنادي التصوير الضوئي في سورية ، وعالميا من خلال عملي كمصور من خلال مكتب صحفي لتزويد وكالة الأسوشيتدبرس بصور أخبارية من دمشق ، كان اللعب في هذا العمر مع آلة التصوير والأفلام والورق الحساس مجرد اكتشاف واستمتاع مؤقت فقط . كذلك كان الرسم على يدي إبراهيم هزيمة ورمزي كيلو كما كان يهتم والدي أن أصبح شاعرا وخطيبا مفوها بالدرجة الأولى . وكذلك العزف على الكمان الكلاسيكي على يد الأستاذ ميشيل كوستانتنيدس .
كانت علاقات عابرة ممتعة ولكنها حتى في متعتها كانت حقيقية وجادة في مجمل تطوراتها لا تمت إلى الجدية بصلة ولا إلى الهوس والهاجس من جهة أخرى . ولكنها بدأت في وقت متأخر جدا تأخذ منحى معقولا له علاقة بجديتي في التعامل مع كل شيء وبنفسيتي التي تميل إلى العزلة أحيانا والتأمل والتساؤل المستمرحينا آخر وهي التي أغنت كل اهتماماتي الفنية الأخرى فيما بعد .
في دمشق العام 1975 اقتنيت أول آلة تصوير من النوع المعقول آنذاك وبدأت أصور وأصور إلى أن توصلت إلى قناعة بأن هذا الذي أقوم به ليس كاملا وأن التصوير من قبلي وطبع الصور من قبل غيري لا يمكن أن يؤدي إلى الوضوح في شخصيتي الفنية بل يجب أن تكون العملية متكاملة من ألفها إلى يائها بأن أقوم أنا بتركيب المحاليل الكيميائية المناسبة وأظهر الفيلم وأطبع الصورة أيضا كي أتمكن من التحكم بكافة مراحل إبداع وصناعة الصورة الضوئية وأن تقول الصورة بدون توقيعي عليها أنها لجورج عشي .
سألت كثيرا وأغلب الذين يعملون في هذا المجال في دمشق وكانت الإجابات لا ترضي وهذه لا أخلاقية القصد منها حصر هذه المعرفة بهم ودفعي إلى الملل من هذه الهواية المتعاظمة عندي وكادوا أن ينجحوا في ذلك لولا أن صممت على المضي عن طريق التجربة والوقوع في الخطأ إلى أن وقعت في مكتبة النوري بدمشق على كتاب المعلم الكبير الدكتور عبد الفتاح رياض ( التحميض والطبع والتكبير) وهنا وجدت ضالتي ووجدت الأستاذ الصديق و الصادق والمعطاء .
بدأت القراءة وبدأت تجهيز الغرفة المعتمة أولا بأول بكل ما يلزم وبدأت المتعة الحقيقية والفائدة المتوخاة من كل الهدف المطلوب وأنا أدين للدكتور عبد الفتاح رياض بكل معرفة وخبرة في العمل بالغرفة المعتمة وبالمحاليل المظهرة والطرق السليمة لتركيبها وأطرق معالجة السلبيات والأوراق الحساسة .
ثم بدأت أقتني مؤلفات الدكتور رياض حتى أني طلبتها بواسطة صديق مصري من مكتبة الأنجلو المصرية في القاهرة . وأدركت مقدار عطاء هذا الباحث المصري العظيم .
س : هل تعتقد أن التصوير الضوئي هو جزء من الفن التشكيلي ؟ خاصة وأن مبدأ الاعتماد على الصورة في التقنية الحديثة ( أقصد حتى الكومبيوتر ) التي تنطلق من الصورة في الوسائط الفنية المتعددة .
ج : التصوير الضوئي ليس جزءا من الفن التشكيلي بل هو في بعض عطاءاته فن تشكيلي . لكنه حتى الآن لا يمكن أن يقارن عطاءه بعطاء الرسم فأين عمره من عمر الرسم وأين تجربته من تجربة الرسم أو النحت . ولكن عندما يتوصل فنان مصور أن يصدمك في صوره كما صدمك فان كوخ وغوغان وأنجلو ورافائيل في لوحاته يمكن القول بأنه وصل مرحلة التوهج .
أما التقنية في التصوير الضوئي التي تساهم في أضفاء الخصوصية على أعمال مصور ما كما يساعد الخط وانتخاب اللون والايقاع والهارموني أو التضاد في اللوحة ، لا يهم هنا سواء أنجزت الصورة المتقننة في المخبر أو على الحاسوب المهم أن تصل الى طرح مقولتك واضحة وكاملة . سواء بمحاليل الاظهار أو بالتشميس أو بقلب الصورة أو بتركيب عدة مفردات في صورة واحدة أو في انتخاب المضوع وتركيبه على الواقع أو في تركيب الخلفية التي تخدم الموضوع ألخ .
هنا يمكن الاستفادة جدا من هذه التقنيات حتى في الأعلان السياسي أو التجاري لكن في الصحافة لا تجوز هذه التقنيات فمهمة الصورة الصحفية هنا هي الصورة الأخبارية بأمانتها ودقتها وصدقيتها ويفضل أن تكون متقنة التكوين ومتقنة التنفيذ كي تزيد من تأثيرها المطلوب .
س : يقال أن فن التصوير الضوئي بات يعتمد الآن في قسم كبير منه على الأعداد المسبق لفكرة الصورة ، أي هناك محاولة لسلب الصورة الضوئية من أبداعها .
ج : العكس هو الصحيح فالأعداد المسبق للصورة ولفكرتها تماما كما هو الأعداد المسبق للوحة التشكيلية وفكرتها والدراسة المسبقة لأي عمل فني هي التي تساهم في انجاح هذا العمل أما أذا كنت تقصد مدرسة الانطباعية فهناك أيضا أنطباعية مدروسة كاعتماد الخط التعبيري واللون الانطباعي في عمل فني واحد .
س : ما هي تطلعاتك لمستقبل التصوير الضوئي ، وظاهرة المعارض والنوادي ؟ وهل ترى أقبالا على هذا الفن من الأجيال الشابة ؟
ج : في الحقيقة لا أدري كيف أقول لك ما أود أن يصل بصراحة ألى كل هاوي تصوير في العالم العربي فأنا لست متفائلا أطلاقا ولكني قد ألمح وأرجو أن يستوعب الهواة ما أقول .
التصوير الضوئي ليس لعبة سهلة ترتكز الى الموهبة فقط بل هي علم قائم بذاته له علاقة بعلم الجمال والكيمياء والفيزياء وتاريخ الفن وتحديدا تاريخ التصوير الضوئي من أول صورة ضوئية معروفة الى آخر صورة . ولا يجوز أبدا أن نهمل كل هذه الأمور مجتمعة كما لا يجوز أن نصور ونترك الآخرين يطبعون لنا صورنا وألا كنا مصوري ذكريات . المهم أن نقوم بالعمل كاملا من ألفه ألى يائه فهي عملية مفيدة وممتعة وعلينا القيام بها حتى نتمكن من أن نوصل صورتنا ومقولتنا ألى المتلقي عبر أفكارنا وتأملاتنا وحينئذ يمكن أن نسمى مصورين فنانين لنا مدارسنا وأسلوبنا وخصوصيتنا وان نلتحق بركب الذين سبقونا وما أراه اليوم هو الرغبة في التصوير والاشتراك بالمعارض فقط دون محاولة التدخل في الصورة وهو الشيء الوحيد الذي يسمح به حين تكون أنت صاحب هذه الصورة وعليك التدخل بأن تمنحها قليلا من التباين أو قليلا من النعومة أو أن تحاول تقديمها بلون غير مألوف أو أن تركب فوقها أوألخ .
س : من خلال مقولتك يمكن التأكيد على أنه يمكن لأي دارس أن يصبح مصورا ؟
ج – نعم فالمصور الدارس هو أفضل بمليون مرة من المصور الموهوب والجاهل

‏‎

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.