نضال حمارنة – ما بين استعادة الحنين للأشخاص المحببين أو لأماكن ترعرعنا فيها وتحسست أيدينا ثناياها ، وخطواتنا مشارفها ، وعيوننا مساحاتها ؛ وبين التوثيق لأحداث ووقائع وأوابد عاش فيها أجيال سبقتنا تروي لقطاتهم أساليب حياة أو مهن أو حروب أو أفراح واحتفالات ببهجة قطاف أو قدوم ربيع . هناك شاهد من ورق صنعته عدسة من زجاج وعين إنسانية التقطت اللحظة عبر كبسة زر الكاميرا قدّم للعالم أقوى مصدر للتواصل وأجمل حالة للتعبير البصري وكحافظ للذكريات ؛ الذي بدأ لهواية ثم حرفة حتى غدا فن من الفنون الجميلة إنها الصورة التي تمثل فن الفوتوغراف .
تاريخ الفوتوغراف
 قديماً اكتشف الصينيون الغرفة المظلمة في القرن الخامس الميلادي ، أما ابن الهيثم فقد اخترع أول عدسة لدراسة انكسار الضوء وكيفية تكوين الصور على شبكة العين في القرن العاشر الميلادي . ومع تقدم العلوم الكيميائية والبصريات في القرن التاسع عشر بدأت التجارب الأولى للفرنسي لويس داجير وكان كيميائياً ورساماً ؛ اخترع طريقة لعرض اللوحات الفنية مستخدماً اسلوباً جديداً في الإضاءة ، بالإضافة لإيجاده طريقة لنقل المناظر الطبيعية بصورة آلية .
 وفي مكان آخر في فرنسا طبعت صورة لأول مرة على يد الفرنسي جوزيف نيبس عام 1816 حيث استخدم لوحة مطلية بكلورايد الفضة وقام بتعريضها للضوء لمدة ثماني ساعات ؛ لكن بعد فترة بهت لون الصورة وملامحها .
 وفي عام 1827 التقى داجير بنيبس وكان الأخير قد وفق إلى حد في اختراع كاميرا تقوم بالتقاط الصور . وظل الإثنان يطوران من تجاربهما حتى وفقا في عام 1837 في ابتداع نظام عملي للتصوير أطلق عليه (نظام داجير) بحيث تعرض الصورة للضوء لمدة نصف ساعة فقط لتحافظ على تفاصيل ملامحها لفترة زمنية طويلة .

 ضوء الشمس
 كان يطلق على التصوير مصطلح (ضوء الشمس) لأن الشمس وقتها كانت المصدر الوحيد المستخدم لإنتاج الصور . وفي العام 1839 تم استخدام مصطلح (فوتوغراف) لأول مرة . وفي عام 1850 اخترع أول فلاش ، وقام المصور الكسندر غاردنز بالتقاط أول صورة فوتوغرافية أثناء الحرب . تطورت صناعة الفلاش فرأى العالم الفلاش المتفجر ، والفيلم الملفوف على بكرة وبداية ظهور الصور الملونة عام 1891 . وفي القرن العشرين ظهرت أول كاميرا 35 مم عام 1941 .تلاها الفلاش الكهربائي المتوهج . وفي الستينيات ظهر أول فيلم ملون في الأسواق التجارية ، والتقطت أول صورة للكرة الأرضية من على سطح القمر اثناء رحلة المركبة أبولو عام 1968 . بينما ظهرت أول كاميرا تصور تحت الماء عام 1986 .

 الفوتوغراف في الحياة
 بداية .. اختراع الفوتوغراف كان له تأثير خطير على لوحات الفن التشكيلي وبالتحديد البورتريه ، فقد اتجه العديد من الحكام وأصحاب النفوذ الاقتصادي والسياسي ومشاهير المجتمع على اختلاف ألوانهم للتصوير الفوتوغرافي ، حتى أن الكثير منهم بدأوا باقتناء صور المناظر الطبيعية . ومع ازدهار التصوير تجارياً دخلت فكرة إضافة الصور الشخصية لوثائق السفر والتعليم والجيش والإدارة المدنية وغيرها فنشأت مهنة المصور، كما استفادت العديد من المهن من الفوتوغراف كالصحافة ، وأصحاب الإعلانات للمنتوجات المختلفة فتحول الإعلان إلى مرئي ومكتوب ، وفيما بعد أسهمت الصورة في تطور الإعلان بتحويله إلى فن بذاته . فبعد أن كنا نشاهد المصور يحمل كاميرته الضخمة على ظهره يجوب فيها الشوارع ليلتقط انفاسه على ناصية ما قريبة من مؤسسة حكومية ؛ فهو اليوم يجلس في دكانه ينتظر زبائنه في مكان جهزت فيه أفضل الوسائل لالتقاط الصورة ؛ من التحكّم بكمية الضوء ، إلى الكاميرا الخفيفة ذات العدسات المختلفة المعيارية أو القياسية ، المُقربة أوذات الزاوية العريضة . أما الفوتوغراف الهاوي أو المحترف الذي يشتغل على فنية الصورة ويختار موضوعات معينة لصوره وأساليب تنحو إلى الابتكار والتجديد فلعله يرى العالم من حيث توضعه وتدفق الحركة ، حركة الإضاءة واللون ، فتتكون لديه قدرة على الوعي المكاني ، ووجهة نظر خاصة بالمراقبة ،مراقبة التفاصيل والحركة . متى يتروى ؟ ومتى يستعجل تحريك إصبعه وهو ينتظر اللحظة المرتبطة بالتقاط الصورة . إذ لا تُلتقط صورة في العالم دون الحاجة إليها . يقول مات كرانكر :» الفنان الفوتوغرافي هو(مؤلف) الصورة وليس (الموثق) .» هناك أكثر من ثلاثمئة مليون صورة تلتقط يومياً في العالم ، فخلف العنصر الجمالي هناك حكايات خلف الصور حكايات لها تأثير كبير على الناس ، فالناس أصبح لديها ثقافة بصرية إلى حد معقول مقارنة بالفنون الأخرى وقد ساهمت الصحافة بأنواعها في تطوير تلك الثقافة . بالإضافة لوجود الكاميرات بأنواعها وإن كانت كاميرات الديجيتل غالية الثمن إلا أن وسائل الاتصال الحديثة وبالذات الموبايل أتاح للعديد من الناس ممارسة التصوير ؛ تصوير لحفظ الذكرى أو تصوير لتوثيق لحظة لاتعوض أو حدث مؤسف يمكن إنكاره كالضرب والإهانة وما شابه وقد مارس الشباب العربي في بلاد كثيرة تلك الهواية في ظروف صعبة بخاصة عند تخفي المصور اثناء التقاط الصورة شاهدنا ذلك مراراً في بلاد الربيع العربي .

 أشهر صور في العالم
 تعددت اهتمامات فن الفوتوغراف وأصبح له معارض تقام كلاً في مجال تخصصه فهناك فوتوغراف المناطق الأثرية والسياحية وهناك فوتوغراف الطبيعة الأماكن البكر والأحراش والجبال والبحار وهناك مصورين يمارسون هوايتهم تحت الماء يرصدون الأحياء البحرية وعوالم الشطوط ، وهناك من يهتم بفنية الصورة وإضافة مجموعة من الصور ودمجها لتشكل صورة مختلفة عن ما كان موجوداً في الواقع الحي ، وهناك من يهتم بالإنسان منهم من يركز على البورتريه لوجوه الأطفال أو الشيوخ أو المجاميع البشرية المختلفة كاختيار موضوع عن حصاد المزارعين أو الأطفال المشردين .
ومن أشهر الصور في القرن العشرين التقطها الفرنسي اليوت إرويت عام 1950 في الولايات المتحدة الأمريكية /كارولينا الشمالية/ توثق للتمييز العنصري ؛ وتظهر مبرد ماء مع صنبور كتب فوقه للبيض ، وبجانبه صنبور ماء فوق مغسلة غير مبرد كتب فوقه للملونيين أمامه رجل أسود يشرب الماء . أما المصور تشارلز إيبيت فقد التقط صورة لأحد عشر عاملاً يتناولون الغذاء وهم يجلسون على حافة معدنية معلقة بالهواء أثناء تشييدهم لإحدى ناطحات السحاب عام 1932 في مدينة نيويورك . واكثر صورة فوتوغرافية منتشرة في العالم لتشي جيفارا التقطها المصور الكوبي ألبرتو كوردا عام 1960 .
وهناك صورة لا أحد يعرف اسم المصور الذي التقطها لأنها أخذت من إحدى الطائرات الحربية الأمريكية وهي تمثل دخان الانفجار النووي الثاني في مدينة ناغازاكي على الساحل الياباني عام 1945 وتعرف باسم (سحابة الفطر). كما التقط نيك أوت صورة لطفلة فيتنامية تجري وهي عارية تماماً إلا من آلام احتراق جسدها بقنابل النابالم . وقدم الجنوب أفريقي كيفن كارتر صورة لطفلة سودانية أعياها الجوع وهي تزحف ومن خلفها نسر ينتظر افتراسها عام 1993 . أما في القرن الواحد والعشرين فهناك صور فاضحة لعذاب البشر تنتشر على مرأى الجميع في الميديا بكافة أنواعها ، ربما تصبح في يوم من الأيام وثائق تدين الفاعلين وتدعو لسن قوانين بتحريم تلك الأفعال المشينة بحق الأطفال والنساء المدنيين على وجه التحديد لا الحصر . ومن أشهر المصورين الصحفيين مارغريت بورك وايت التي قدمت صوراً توثيقية عن الحرب العالمية الثانية ، والصورة الوحيدة لابتسامة ستالين . واهتم البولوني ديفيد سيمور المعروف ب (شيم) بتصوير الأطفال يتامى الحرب ، وأثناء تصويره لحرب السويس في مصر عام 1956 فقد حياته بطلقات من رشاش اسرائيلي .

 الصور التهكمية
 أما الفرنسي «روبيرت دويسنو» أحد مجددي التصوير الصحفي وقد عُرف عنه التقاط الصور التهكمية . وكان الفرنسي كارنيير بيرسون أول من بادر لالتقاط صور المواقف العفوية لحياة الناس العاديين ، فجاب العديد من المدن الأوروبية وهويصور في الطرقات والأزقة . وعرف عالم التصوير مجموعة مصوري الباباراتزي التي نشأت في إيطاليا فهؤلاء يقتحمون الحياة الخاصة للمشاهير بغرض الحصول على صور فاضحة للخصوصية ومن ثم يبيعونها لوكالات الأنباء بأسعار خرافية ، ورغم تعرض هؤلاء الباباراتزي للضرب والشتائم من مرافقي المشاهير أو حراسهم والبعض منهم تشوه أو لقيّ حتفه إلا أنهم يصرون على ازعاج الآخرين من أجل المال ولو كان الثمن الأضرار الفادحة أو الموت كما حدث للأميرة ديانا .
 وقد قامت بعض الدول الأوروبية بسن قوانين تقيّد نشاط الباباراتزي وهي النرويج وفرنسا وألمانيا بالزامهم بأخذ إذن مسبق من الشخص المراد تصويره .