عام جديد ولا يزال حنظلة عاقدا يديه

حنظلة ابن الثقافة العربية البصرية المرتبط بالضمير الإنساني وبواقع الصراع العربي الصهيوني، شاهد إسطوري على العصر الذي لا يموت.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: مي فاروق

ثقافة السلطة شبح أسود يقضى على سلطة الثقافة

عام منصرم ينهي أيامه الكبيسة بحدث يبدو تاريخيا، وهو القرار الأممي المناهض للاستيطان في الأراضي الفلسطينية، قرار ٢٣٣٤ لمجلس الأمن الذي يطالب إسرائيل وبأغلبية ساحقة بوقف الاستيطان بالأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية .

وقبل أن أضع نقطة وأبدأ من أول السطر، قفز في ذهني ذاك الطفل ذو السنوات العشر، ابن رجل من رجال الشمس، الثابت والمتحرك في الضمير الإنساني، الكائن الافتراضي الذي يلعب الكاراتيه، ويغني بالعربية، الذي رغم الألوان الرمادية التي تحيط به إلا أن النور بداخله نافذة مفتوحة بلا زجاج.

إنه حنظلة ابن الثقافة العربية البصرية المرتبط بالضمير الإنساني وبواقع الصراع العربي الصهيوني، إنه الشاهد الإسطوري على العصر الذي لا يموت، نعم طفل بلا صفحة وجه وبملامح موجزة، يناقش بالعربية، ويبشر بالثورة، ولا يهادن ولا يستسلم.

وسألت نفسي سؤالا: هل وفقا لهذا القرار الأممي سيدير حنظلة وجهه؟ وهل سيقرر العودة مجددا لفلسطين، بعدما رحل عنها منذ أكثر من أربعين عاما؟ وكيف سيرى الحدث ولطائفه، وطرائفه؟

ولإنني أعلم حنظلة جيدا، وقرأت سيرته التي تتقاطع مع مسيرة الوطن المغتصب، أعلم انه يرفض السلام المجرد من الحقوق، وأنه ليس سوى فعل للمقاومة، ومواطن ضد الأنظمة المزورة.

لذا سأرصد الحدث كيفما يراه حنظلة رمز المقاومة الفلسطينية:

أولا : القرار رغم أنه أوقف الاستيطان إلا أن الاحتلال قائم، والصراع يؤذن بالشر المحدق بالعرب من جميع الجهات.

خاصة في ظل أن الاسرائليين يعتبرون انتخاب ترامب فرصة للبناء الاستيطاني، وإنها ترى القرار مخزيا من إدارة أوباما، التي فشلت في حمايتها.

وبعيدا عن الأنباء المتراكمة، والخفافيش التي وراء الصحف، والخيانات التي صارت وجهه نظر، فإن القرار ليس عصمة ولن يكون، ففي الزمن الذي يتسيد فيه الغباء ممزوجا بالطائفية، والوحشية، تصبح الألاعيب ممكنة، والفرص سانحة، والعصابة جاهزة لأي عمل. نعم ما زالت فلسطين حيزا جغرافيا غير آمن، لذا مازالت أيدي حنظلة معقودة.

ثانيا: إدارة المشروع تجعلنا نعيد قراءة الأنظمة مرة أخرى.

القرار الذي يؤكد عدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات، واعتبارها انتهاكا صارخا، وعقبة أمام إحلال السلام العادل، تبنته كل من (نيوزيلندا، ماليزيا، فنزويلا، السنغال) ظاهرة تبدو مثيرة للسخرية التي ليست من تلك الدول غير القوية في صنع القرار السياسي العالمي، بل من مجموعة الدول الإثنتين والعشرين دولة التي يُطلق عليها الدول العربية، والتي تُعتبر طرفا رئيسا وأساسيا في الصراع، يبدو أن هذا الطرف غائبا وليس قصرا بل عمدا ومتعمدا، فرغم الأحداث التي تدعو للانهماك، إلا ان ضراوة الغياب تصرخ في كل مكان وبكل طريق، وطريقة، الأرض صارت بوارا من اَي ثورة حقيقية سوى من دماء الأبرياء، وسكاكين مرفوعة في وجه الظالمين.

كل المناهج متواطئة ومسيسة حتى التي بفلسطين ذاتها بنكهة التطبيع ، روح المقاومة والثورة والنضال اختفت في منظمة عربستان بل وأجيالها أيضا، بخلاف الكيان الصهيوني الذي لا يعلم أهدافه جيدا، ويغرس في مواطنيه الروح العسكرية، بل والكراهية أيضا، التي لم نعد نراها في محيط عربستان.

يجب ان يعلم الطرف العربي في الصراع الدائر أن ظهره صار مكشوفا، فالدين، واللغة، والتاريخ صاروا عرضة للنهب والعدوان، فبأي ذات بعد ذلك سيدافعون، ويحاربون.

أما عن الدول التي طرحت المشروع فمن أين استمدت تلك القوة في طرح المشروع أمام جبروت أميركا التي لا تقهقر، فما القوة التي تملكها السنغال مثلا، هل في ثقافتها السياسية الديمقراطية، التي تعد واحدة من أنجح التحولات الديمقراطية بعد الاستعمار، أم لأنها مؤيد قوي للمزيد من المساعدات من الدول المتقدمة إلى العالم الثالث، أم قوة مستمدة من محاربة الفساد والقضاء عليه، بلد غرب أفريقي يفتح صدره لقضايا الشرق الأوسط بوعي وحكمة.

أما فيما يخص ماليزيا فليس لها أيه علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بل وعلاقاتها الاقتصادية بإسرائيل تقلصت بعد انتفاضة الأقصى ٢٠٠٠، كما طردت فنزويلا سفير إسرائيل في كراكاس احتجاجا على العدوان الاسرائيلي على غزة، الذي وصفه وزير خارجية فنزويلا بأنه أفظع من المحرقة النازية، ربما توضح هذه المواقف من أين تأتي تلك القوة.

ثالثا: اختفاء فعل المقاومة وأدبياته

في عودة على ذي بدء، كان حنظلة النابض بالثورة مخلوقا وُلِد من رحم الإبداع، ليرتبط ارتباطا عضويا بالسياسة، والمقاومة، والتاريخ، والثقافة. هذا الفعل الثوري اختفى كما اختفى أدب المقاومة عن الساحة الثقافية والسياسية معا ولم يتبق منهما سوى مراثي الشهداء.

ولماذا اختفت ممارسة أنشطة المقاومة كرسوم ناجي، التي أخرجت الرسم الساخر العربي من مجرد ملهاة وكوميديا، إلى صرخة، وألم، وتحريض، وثورة على طريقة إيبدو .

فأين الْيَوْمَ ثقافة الموقف والتخيل والصورة، ذلك المنطوق الحي؟ الذي يستهدف وعيا اجتماعيا، ويبحث عن سبل لتحقيق الهدف. لماذا نسي الجميع أن الفن وحده هو من يقول الحقيقة، من وجع وعذاب، وتشريد، ويأس، وحده من ينير ظلمة الأوقات العصيبة هكذا استطاع حنظلة ان يحمل روح المبدع الحر المتمرد، ليبدأ مشواره من مخيم عين الحلوة إلى الكويت إلى لندن لتنتهي حياة ناجي الذي طالما جهر بصوته بمسدس كاتم للصوت، ويظل صوت حنظلة باقيا لا يهادن أبدا.

فمن قال إن الإرادة الفلسطنية والفعل الثوري مرهون بقرار سياسي أو أممي، انه ببساطة مرهون بالوعي والمناخ الثقافي الذي أنتج قصيدة المقاومة الفلسطينية التي تشابكت مع الخط السياسي، والتي جعلت سفاح شاتيلا يشعر بخطورة درويش .

فأين البعد التاريخي الثقافي الملحمي للمقاومة؟ وأين الأدب الذي يتجاوز المحن؟ ولماذا اختفى الفعل الحضاري الكوني الأكبر المتجاوز كل الحدود الضيقة؟

ثقافة السلطة هي ذلك الشبح الأسود الذي قضى على سلطة الثقافة ليزيد الواقع السياسي المتشرذم واقعا ثقافيا مهمشا، فحتى تعود ممارسات المقاومة على أمة اقرأ أن تقرا وتبدأ بفضائحها أولا، فقرار الأمم المتحدة ذاك التاريخي، لا أراه محفّزا لعودة حنظلة، ولا دافعا له لفك تشابك يديه، فما زال يرنو لفلسطين على البعد حسرة وألم .

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.