"مناهج فن التصوير فى العصر الحديث" ببيت شعر الأقصر
جانب من الندوة

كتب ياسر أبو جامع

التقى جمهور بيت الشعر بالأقصر الفنان الأستاذ الدكتور محمد عرابى أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة بجامعة جنوب الوادى العميد السابق للكلية، حيث افتتح حسن عامر منسق النشاط الثقافى ببيت الشعر، الندوة متحدثا عن العلاقة الوثيقة بين كل أشكال الفن ومن ذلك العلاقة بين الفنون التصويرية، وفن الكتابة الأدبية، حيث يقوم التخيُّل عاملا مشتركًا بين كليهما، وكذلك محاولة تأويل العالم وإعادة تشكيله والتشكيل بمفرداته، فى رؤية فنية تهدف إلى تلبية الحاجات الجمالية لدى الإنسان مستعينةً بمضامين تدور فى فلك القيم السامية كالحرية والعدالة والخير والسلام، وأشار إلى أن رسالة بيت الشعر، لا تنفصل عن تلك القيم والمفاهيم، بل إنها تعمد إلى تزكيتها وإلى خلق روح التواصل بين كل أشكال الفن مستهدفةً بذلك الارتقاء بالمستوى المعرفى والجمالى للإنسان المصرى والعربى كافة.

 

وأضاف عامر: “ولما كانت هذه هى رسالة بيت الشعر، فإنه من الضرورى عقد مثل تلك الندوات التى تعرف جمهور بيت الشعر بكل أشكال الفن، وتوجهاته، بل بتاريخه ومراحل نموه وازدهاره، وفى هذا الإطار يستضيف بيت الشعر الفنان محمد عرابى، أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، والعميد السابق للكلية، ليحاضرنا حول فن التصوير فى مصر فى العصر الحديث، ويقدم الندوة الفنان أ.إياد عرابى (رئيس مؤسسة الفن من الناس وإلى الناس)”.

 

وبدأ إياد عرابى متحدثًا عن الدور الذى تقوم به المؤسسة التى يديرها، من أنشطة تتضمن تعريفا بأهم الفنانين المصريين وغير المصريين الذين ساهموا فى نهضة الفن وتطويره وتشكيل الحركة الفنية عبر عصورها المختلفة، فضلا عن دور المؤسسة فى نشر الوعى الفنى، والمفهوم الجمالى، ودور كل ذلك فى النهوض بالحس الفنى لأبناء مجتمعنا الجنوبى.

 

وانتقل إياد من ذلك للتعريف بالدكتور محمد عرابى بوصفه أحد أهم الأساتذة والفنانين المعنيين بدور الشباب فى النهوض بالحركة الفنية، وبوصل الشارع بالفن ومدارسه، وبإزالة الحواجز بين ما هو فنى تقعيدى وبين ما هو تلقائى وبسيط. مؤكدا على دوره فى دعم مؤسسة (الفن من الناس وإلى الناس) وغيرها من المؤسسات التى تحمل الرسالة ذاتها.

 

وبدأ الدكتور محمد عرابى شاكرًا جهود بيت الشعر والقائمين عليه، فى نشر الوعى الفنى، وتوضيح الصلات بين الأشكال المختلفة للفن، وعلاقتها بالأدب والشعر. ثم عرّج على الموضوع الرئيس للمحاضرة، وهو (تاريخ فن التصوير فى العصر الحديث فى مصر) حيث انطلق من الجذور التاريخة لفن التصوير فى مصر القديمة، تلك التى قام التصوير فيها على أساس تفكيك العالم وإعادة تركيبه بما ينقل رؤية الفنان للوجود والغاية التى من أجلها أنتج منتجه الفنى، وكيف أن ذلك انتشر كما نطالعه الآن المعابد والمقابر الفرعونية، بما ذلك الجداريات والتماثيل على حد سواء، وبما يتضمن ذلك من تسجيل وتوثيق لطبيعة العصر والحياة واليومية بكافة تفاصيلها ومناحيها.

 

انتقل بعد ذلك للحديث عن الحقبة القبطية فى الفن المصرى، حيث اتسمت بالبساطة والتلقائية بعيدًا عن تقعيدات المدارس الفنية، والدقة التى تميز بها الفن المصرى القديم، بل إنها كانت شعبية، لا تعدو فى تنفيذ تصاويرها إلى أكثر من تصوير الإنسان الشعبى لمعتقداته، ولأفكاره حول تلك المعتقدات. وبعد ذلك انتقل إلى الحديث عن الفترة العربية التى استفادت من الثقافات المحيطة لتشكيل رؤيتها الفنية.

 

ثم جاء الحديث حول القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين حيث انحسرت منتجات الفن التصويرى فى مصر فى الخط العربى والأشكال الفنية المستمدة منه، بالإضافة إلى التصاوير الجدارية الشعبية فى القرى والأقاليم تلك التى سجّلت الطقوس والاحتفالات الاجتماعية والدينية مثل الحج والزواج، وغيرها.

 

ومن هنا بدأت فى مطلع القرن العشرين انطلاق الدعاوى لتأسيس مدرسة الفنون الجميلة بمصر حيث لاقت تلك الدعاوى اعتراضات تؤكد أن المصريين ليس لديهم الحس الفنى المؤهل لتأسيس تلك المدرسة بمصر، وكانت ردود المثقفين المصريين تؤكد على اتكاء العنصر المصرى على رصيد عظيم من الفن التصوير انطلاقا من الفراعنة القدماء ومرورا بكل العصور التاريخية التى لم يخلُ أحدها من منتجات فنية تصويرية وإن خفت هذا فى مراحل معينة، إلى أن انتصرت فكرة تأسيس مدرسة للفنون الجميلة بواسطة الأمير يوسف كمال، وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة فى مصر آنذاك، سنة 1908. وفى 1910 صارت إدارتها تحت إشراف الجامعة المصرية الأهلية ثم أُلْحِقَتْ بإدارة التعليم الفنى بوزارة المعارف فى العام نفسه، وقد أرسلت الكلية عدة بعثات ضمت عددًا كبيرًا من الفنانين المصرين الذين ساهموا فى تأسيس الحركة المصرية الحديث فى الفن التشكيلى مثل محمود مختارصاحب تمثال نهضة مصر الذى تم الانفاق على انتاجه من خلال الاكتتاب العام بمساهمة كافة طبقات الشعب

 

وانتقلت الحركة الفنية إلى منطقة أخرى مع عبد الهادى الجزار ومن أتوا بعده فى التأصيل للفن المصرى من خلال أدوات تعبيرية تعكس الحالة الشعورية لهذه المرحلة مستشهدا بلوحة المجذوب الأخضر التى اعتمد فيها الجزار طاقة اللون التعبيرية محملا اللوحة برموز لها دلالتها فى الحضارة المصرية القديمة.

 

وفى كل ما اطلع عليه الفنانون المصريون من الحركات الفنية العالمية عبر تلك البعثات التى أوفدتهم كلية الفنون خلالها، حرصوا على الاستفادة من تلك الحركات الفنية فى التأصيل للروح المصرية الخالصة فى الفن.

 

وفى الختام دار نقاشٌ ثرى، بين الجمهور والدكتور محمد عرابى حول التذوق الفنى، وآلياته، ودور الفن هذه المرحلة من التاريخ المصرى، وعلاقة الفن بالإنسان المصرى، حاجاته وتطلعاته وأمانيه فى مستقبل أفضل.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.