«المصور تحت الماء».. تجارب ملهمة تنقل الهاوي إلى الاحتراف بأدوات تأثير خلاقة

لا يقل دور فن التصوير الفوتوغرافي، منذ نشأته وحتى اليوم، عن أدوار بقية الفنون التي ساهمت في تغيير الرأي العام المحلي والعام، إما عبر الكشف عن العديد من الجوانب الإنسانية التي غفلت عنها المجتمعات، أو الارتقاء بجماليات الإبداع ليخلد التاريخ نتاجها في كل مكان وأوان.

وإن كنا نعرف الكثير عن تجارب المبدعين في عالم الأدب والموسيقى والتشكيل، إلا أن معرفتنا في العالم العربي حول ثقافة فن التصوير لا تزال قليلة. وارتأت «البيان»، بالتعاون مع «جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي»، تسليط الضوء في كل شهر على إحدى روائع الصور التي اعتبرت بمثابة أيقونة في عالم التصوير الفوتوغرافي، أو إحدى تجارب المصورين الملهمة، والإضاءة على الحكاية التي تكمن خلفها، عبر تقديم قراءة لأحد الكتب المتوافرة في مكتبة الجائزة.

وإحدى التجارب الملهمة، التي نسلط عليها الضوء هذا الشهر، هي تجربة المصور البريطاني مارتن إيدج، الذي اعتبر كتابه «مصور تحت الماء»، والذي ترجم إلى العديد من اللغات، بمثابة أيقونة أو مرجع أساسي، لفهم آليات التصوير تحت الماء. والجوهري في هذا الكتاب بطبعته الرابعة رفده، بالمستجدات التي استحدثت في كل مرحلة من المراحل السابقة منذ طبعته الأولى عام 1996.

http://media.albayan.ae/images/fayezomar/20170204.jpg

صورة قريبة لكائن مجهري

 

تجربة ملهمة

لم يخطر في بال مارتن إيدج، مؤلف هذا الكتاب، وفي مرحلة طفولته أو مراهقته، أنه سيدخل في يوم ما عالم التصوير الفوتوغرافي. ويحكي عن بدايات هذا العشق في مدونته، مبيناً أنه لم تربطه أية صلة بالغطس أو التصوير قبل بلوغه سن الـ 22 عاماً، وانتقاله مع زوجته سيلفيا التي هي أيضاً مساعدته، في عام 1977، إلى بلدة دورسيت الساحلية.

وفي تلك البلدة تعلما الغوص، الذي شكل حافزاً لهما للسفر إلى بلدان بحارها أكثر دفئاً، وفي جزيرة مينوركا الشرق أوسطية، التقط مارتن أول صور له تحت الماء. وسرعان ما تحول شغفه بالغوص والتصوير لاحقاً إلى ما يشبه الهاجس. وتسبب نقص معرفته بآلية عمل ومعدات الكاميرا واستخدامها، بالإحباط، ما جعله يصمم على فهم ودراسة ما يكمن في «عقل عيون» المصورين تحت الماء، من خلال أعمالهم.

ويذكر إيدج في مقدمته، أن بداية تعلمه أبجديات التصوير الفوتوغرافي تحت الماء، ارتبطت بحضوره اللقاءات الشهرية التي تنظمها «الجمعية البريطانية للتصوير تحت الماء»، والتي من خلالها بدأ تمييز الفوارق والمستوى النوعي للصور المعنية بهذا الفن.

http://media.albayan.ae/images/fayezomar/20170205.jpg

معالجة الصورة والتركيز على جمالية الألوان

 

وابتداءً من عام 1980، بدأ المشاركة في مسابقات التصوير تحت الماء، ليحصد عدداً كبيراً من الجوائز حتى أخذ عليه النقّاد وأعضاء لجان التحكيم كثافة مشاركته، هذا النقد ساعده على تبين خطوته التالية، المتمثلة بتعليم وتدريب وتطوير مهارات محبيّ التصوير تحت الماء، والتي استمر فيها حتى اليوم.

تبسيط المصطلحات

يتضمن الكتاب 12 محوراً من الأساسيات في مجال التصوير تحت الماء.. وكذا تطوير منهج العمل فيه، ومنها: الكاميرا المدمجة الرقمية، كاميرات«SLR» وبيتها الحافظ «وهذا النوع من الكاميرات يسمح برؤية مطابقة لما تلتقطه العدسة في المحدد البصري، والتركيز عليه بنجاح لدى استخدامها بفتحة واسعة»، الغوص لالتقاط الصور، العقلية الناجحة للمصور تحت الماء، الإضاءة والموضوع والكائنات المجهرية والزاوية العريضة، التصوير في مياه معتدلة الحرارة، ابتكار اسلوب خاص.

http://media.albayan.ae/images/fayezomar/20170206.jpg

نقطة التركيز

 

سهلة الفهم

يشير إيدج في مقدمة كتابه، إلى أهمية وضرورة قراءة المحاور الأربعة الأولى المعنية بأبجديات ومصطلحات وتقنيات التصوير الأساسية لكل مصور، كما يقدم خمس نصائح للقارئ قبل بداية قراءته للكتاب، وأولها: عدم إغفال قراءة الفصول الأربع الأولى، عدم مشاهدة الصور بمعزل عن مضمون فصولها لكونها تحمل مفاتيح التقنيات والإرشادات ذات القيمة الفنية العالية.

سمات وملامح تفرد

وما يميز الكتاب عن غيره، قدرة مؤلفه، على شرح المصطلحات لمن هو خارج هذا التخصص، بأسلوب يجعلها سهلة الفهم وترسخ في الذاكرة، مثل: معنى فتحة الكاميرا المرتبطة بتحديد نسبة الضوء وسرعته أو العتم والعمق، والتي ستحدد بدورها مجتمعة نسبة الدرجات اللونية ووضوح العناصر والخلفية التي ستشكل بالمجمل خصوصية الصورة لدى التقاطها. كما يذكر أن تغييرها مرتبط بثلاثة ضوابط فقط: فتحة الكاميرا ومقياس حساسية الضوء«ISO» وسرعة إغلاق العدسة.

يُخصص إيدج الفصل الأول من كتابه لأساسيات وأبجديات التصوير الضوئي، بدءاً من «f numbers»: المسافة بين مركز العدسة، ونقطة التركيز، وسرعة إغلاق العدسة، وصولاً إلى حساسية الضوء وكيفية التعامل مع التقنيات الرقمية للتصوير تحت الماء وغيرها، مع الأخذ في الحسبان الفارق بين حسابات الكاميرا المدمجة الرقمية، وكاميرات «SLR» الأكثر دقة بالتعامل مع مساحة أوسع لحساسية الضوء.

وبعد التعريفات، ينتقل إلى الحديث عن العلاقة فيما بينها جميعاً، وبين النسب المطلوبة لتحقيق النتائج المرجوة، مثل: ربطه بين الضوء والزمن الأساسيين في التقاط أية صورة. ويقول إن الضوء يعبر من العدسات ليضرب في «sensor» الجزء الحساس والرئيسي في الكاميرا، في حين يحدد الزمن المدة المتاحة للضوء في تسليطه على هذا الجزء.

http://media.albayan.ae/images/fayezomar/20170204-1.jpg

المنحنيات والدائرة والإضاءة

 

الرقمية واليدوية

يُوضح الفصل الثاني في الكتاب، الذي كتبه مارك كوكيمور، بطلب من المؤلف، آلية فهم الكاميرا المدمجة الرقمية الخاصة بالتصوير تحت الماء، وهي الأقل وزناً وتكلفة مع توفر إكسسوارات إضافية. وتتمثل قيمة ما كتبه في الأبجديات الأساسية لمكونات هذا النوع من الكاميرات، وآلية التعامل معها فيما يخص نقاء الصورة والعمق وحساب نقطة التركيز مع المسافة، وتصوير المجهريات وكيفية استخدام «الفلاش» وارتباط وضوحه بنقاء المياه. وينتقل بعدها إلى كيفية اختيار الكاميرا الأفضل مع الأخذ في الاعتبار العديد من المحاور، مثل: مدى فاعليتها في التصوير تحت الماء ونوعية العدسات المستخدمة معها ومع غطائها العازل للمياه. كما يقدم أمثلة عن نوعية الكاميرات ومزايا كل منها، والمعدات الإضافية التي يمكن استخدامها وخصائص كل منها. ويتحدث بعدها بالآلية والمنهجية نفسيهما، عن خصائص وآلية كاميرات SLR الأكثر دقة وتكلفة ووزناً.. ومزايا هذا النوع من الكاميرات اليدوية، التي تمنح المصور نتائج أفضل، على مختلف الأصعدة وحسب رغبته والتأثير الذي ينشده.

http://media.albayan.ae/images/fayezomar/20170207.jpg

تخطيط المصور المسبق يحقق له نتائج استثنائية

 

موضوع الصورة

يُشكل الفصل السابع المعني بمضمون الصورة، محوراً بارزاً في تعزيز ثقافة المصور واختياره لموضوعه، وبالتالي، مسار تقدمه ونجاحه وصولاً إلى أسلوبه الخاص. ويبدأ إيدج فصله بالتنويه إلى أن تحديد تكوين الصورة تحت الماء أكثر صعوبة مقارنة بالبر، بسبب العديد من العوائق كصعوبة حفظ التوازن ومحدودية الزمن والعمق المنشود وسلامة المصور.. وغيرها الكثير. ويَذكر أنه ليس هناك من قوانين للتكوين تحت الماء، بقدر ما هي إرشادات تزيد من وعي المصور وتساعده على فهم المحيط من حوله، وهذا الفهم يمنحه الثقة بالنفس، وهذه الثقة تأخذه إلى مرحلة الإبداع التي تميز المبتدئين عن المحترفين.

http://media.albayan.ae/images/fayezomar/20170208.jpg

موقع يعكس زاوية النظر التي تعتمد القوانين الذهبية

 

الأسلوب الخاص

يجيب المصور الكسندر موستارد، على سؤال إيدج «كيف نحفز أنفسنا لتجاوز حواجز الإبداع؟»، بالمقالة التي بدأها بتطور أسلوب التصوير، وبعدها أهمية التعلم قبل الابتكار والتصميم على الاختلاف مع دراسة تقنيات المبدعين، بحثاً عن الأسلوب الخاص، كالإضاءة أو الزاوية أو العدسة. ويشير موستارد إلى أن حرفية إيدج في تصوير الكائنات المجهرية، جعلت أسلوبه بمثابة مدرسة يقتدي بها المبتدؤون وشبه الحرفيين، لكونه يجمع بين البساطة ونقاء الصورة والوضوح. ويؤكد أن الوصول إلى الأسلوب الخاص، يعني الكثير من التجارب والأفكار وبالتالي التعامل مع الفشل كحافز إيجابي، والموازنة بين التجربة والمهارات.

http://media.albayan.ae/images/fayezomar/20170204-02.jpg

دقائق انتظرها المصور كي يلتقط عيني السمكة وهما تحدقان فيه

 

أساس

ويوضح موستارد، بشفافية، أن صوره التي يلتقطها خلال رحلاته، عادية بالمجمل ولا تختلف عن صور غيره سوى في اختياره ما يريد للناس أن تراه من أعماله. وعليه يعمل على تعديل أو معالجة بعض صوره بفاعلية تتطلب الكثير من المهارة.

http://media.albayan.ae/images/fayezomar/20170204-03.jpg

خبرة المصور في ترقب لحظة الإضاءة المناسبة

 

وبالتالي يرى أنه على المصور اختيار ملف أعماله بعين الفنان، بعيداً عن المشاعر التي تربطه ببعض الصور. ويبين أن الهدف من معالجته للصور إبراز عاملين: نقطة التركيز والنوعية، اختيار الصور التي تبرز أسلوبه فقط. ويشير إلى أن هذه المعالجة تساعد المصور في محاكمة أعماله واختيار الجيد منها. ومن ثم فإن الوصول إلى هذه المرحلة يعني اكتساب المزيد من القدرة على اختيار تكوين الصورة لدى التقاطها تحت الماء.

المصور تحت الماء

http://media.albayan.ae/images/fayezomar/2228580.jpg

تأليف: مارتن إيدج

الناشر: فوكال بريس – الطبعة الرابعة 2010

القطع: المتوسط

الصفحات: 516 صفحة

 

http://media.albayan.ae/images/fayezomar/20170209.jpg

تعكس هذه الصورة حرفية المصور في زاوية العدسة العريضة

 

نصائح

ــ اختيار كادر الصورة عامودياً أو أفقياً، طبقاً للمعطيات أمامك ولتأثيرها الدرامي.

ــ نقطة التركيز تعني جذب نظر المشاهد إليها.

ــ مراعاة القوانين الذهبية وقانون تقسيم الكادر إلى ثلاثة خطوط طولية وعرضية التي تتمحور عناصر التكوين في تقاطعاتها، كما في اللوحة.

ــ على حدقة عين الكائن «موضوع الصورة» أن تتجاوز نقطة المركز، كي تملك العنصر الدرامي وتأخذ المشاهد إلى تفاصيل اللوحة، وللقاعدة عند إيدج استثناء في صور الكائنات المجهرية التي تكون المحور دون خلفية.

ــ احتساب القطر في المياه بدلاً من الخطوط المستقيمة، لتأثيره الدرامي.

ــ التنبه إلى مزايا تقنية تعيير الكادر ما بين البورتريه والمشهد العام، لغياب خط الأفق عن عمق المياه.

ــ جمالية المنحنيات والدوائر وابتكار خط الأفق بمكونات البحر كالمستعمرات المرجانية.

 

1955

http://media.albayan.ae/images/fayezomar/2228579.jpg

يعد المصور والكاتب البريطاني مارتن إيدج «1955»، أحد أبرز المتخصصين في حقل فن التصوير الفوتوغرافي تحت الماء، وقد حقق نجاحات كثيرة في هذا المجال، وبات يحوز شعبية واسعة، ولديه تلامذته وعشاقه من مختلف أرجاء العالم، والذين يزداد عددهم عاماً بعد آخر، خاصة بعد تطور تقنيات التصوير الرقمي تحت الماء.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.