أعماله

– الحياة أبداً (1961).
– ميدوزا تحدق في الحياة (1964).
– فصد الدم (1964).
– عندما يلعب الرجال (1964).
– جثة على الرصيف (1964).
– مأساة بائع الدبس الفقير (1964).
– حكايا جوقة التماثيل (1965).
– لعبة الدبابيس (1965).

– الجراد (1965).
– المقهى الزجاجي (1965).
– الرسول المجهول في مأتم أنتيجونا (1965).
– حفلة سمر من أجل 5 حزيران (1968).
– الفيل يا ملك الزمان (1969).
– مغامرة رأس المملوك جابر (1971).
– سهرة مع أبي خليل القباني (1973).
– الملك هو الملك (1977).
– رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة (1978).
– الاغتصاب (1990).
– منمنمات تاريخية (1994).
– طقوس الإشارات والتحولات (1994).
– أحلام شقية (1995).
– يوم من زماننا (1995).
– ملحمة السراب (1996).
– بلاد أضيق من الحب (1996).
– رحلة في مجاهل موت عابر (1996).
– الأيام المخمورة (1997).

أشهر أعماله

سوف نستشهد بثلاثة أنواع كانت واضحة في أعمال سعد الله ونوس وهي: المسرح
التسجيلي، المسرح الملحمي، والمسرح التاريخي.

المسرح التسجيلي

حفلة سمر من أجل 5 حزيران (1968):
يقول ونّوس بصدد هذا العمل: «وأنا أمضي في كتابة المسرحية لم أفكر بأصول مسرحية، ولا بمقتضيات جنس أدبي محدد. لم تخطر ببالي أية قضية نقدية، كنت فقط أتصور وغالباً بانفعال حسي حقيقي، أني أعرّي واقع الهزيمة وأمزق الأقنعة عن صانعيها».

هذه المسرحية تصنف بما يسمى المسرح التسجيلي وهو شكل من أشكال المسرح الواقعي
ومهمته تسجيل الأحداث الجارية.

تدور أحداث هذه المسرحية داخل مسرح رسمي في إحدى الدول العربية، ويتواجد في المسرح جمهور يضم مجموعة من رجال السلطة وعدداً من المواطنين واللاجئين.

وكان من المفروض أن تبدأ مسرحية «صفير الأرواح» في الثامنة والنصف، لكن الوقت يمر دون أن يظهر شيء على الخشبة، فيبدأ المتفرجون بالتذمر، وفي هذه اللحظة يظهر مخرج العرض معتذراً إليهم عن التأخير، ملقياً بالمسؤولية على مؤلف المسرحية الذي سحب موافقته على عرض مسرحيته قبل الافتتاح.

ينهض المؤلف من بين صفوف المتفرجين لكي يتحاور مع المخرج، وهذا الأخير كان يتصور أحداث الحرب بصورة بعيدة عن الواقع من خلال تصوير ما يدور من أحداث في إحدى قرى الحدود المتاخمة للعدو، وتظهر مجموعة من الرجال، تنقسم إلى فريقين، أحدهما يتزعمه المختار وينادي بالرحيل، حفاظاً على الأرواح، والفريق الآخر يطالب بالبقاء في الأرض وعدم مغادرتها، ويودعهم أهل القرية في جو مشبع بالحماسة البالغة.

ثم يقترح المخرج أن يعرض لهم سهرة من الغناء الشعبي والرقص بدلاً من المسرحية
الملغاة، لكن جمهور الصالة يسخر منه ويصعد أحدهم إلى خشبة المسرح وهو فلاح كبير
في السن يسأل عن القرية التي رآها على خشبة المسرح، وينضم إليه ابنه الذي يشارك
فيما بعد في النقاش، حيث يسألون المخرج عن القرية العجيبة التي يقدمها لهم على خشبة
المسرح ويحتج المخرج على تدخلهم، لكن المؤلف يشجعهم على الاستمرار في كشف الحقيقة فيروون قصة قريتهم وكيف نزحوا منها لكي يصبحوا لاجئين في الخيام يجدون المهانة في انتظارهم وأكثر من الذل، يجدون هناك من يتهمهم بالتقصير لأنهم تركوا أرضهم ونزحوا عنها، فيستنكرون هذا الاتهام لأنهم لم يكونوا يعرفون ماذا يحدث لهم، فلا أحد يزورهم ولا أحد يشرح لهم ماذا يفعلون وقت الحرب، فالمسؤولون في العاصمة لا يدرون عنهم شيئاً. ويتدخل عدد آخر من المتفرجين في النقاش وتتحول خشبة المسرح إلى محاكمة تبحث عن مسببات الهزيمة والمسؤولين عن حدوثها، وتتحول المناقشات إلى مظاهرة صاخبة تطالب بالسلاح حلاً وحيداً لغسل عار الهزيمة. وهنا ينبري رجل رسمي ويشير إلى عدد من رجاله فينتشرون في الصالة ويغلقون الأبواب شاهرين مسدساتهم في وجوه المتفرجين ويقبضون على الفلاح وبقية المتفرجين الذين شاركوا في الاحتجاج بتهمة التآمر على الحاكم، ويتجه الرجل الرسمي إلى جمهور الصالة ويلقي عليهم خطبة تقليدية، يصف فيها المقبوض عليهم بأنهم متآمرون وعملاء للاستعمار.

وهكذا أدان سعد الله ونوس السلطة الحاكمة لابتعادها عن المواطنين، وعدم تعبئتهم
للحرب أو تنويرهم لمهامهم وقت وقوعها وأدان المثقفين والفنانين بسبب تحليقهم في
عوالم خيالية وابتعادهم عن الواقع وعدم التصاقهم بهموم الشعب والتعبير عن طموحه
وآماله، كما أدان الشعب نفسه بسبب سلبيته واستسلامه دون محاولة تغيير واقعه، وتركه
لأرضه بعدما احتلها العدو.

ولعل ونوس يقصد من وراء تصوير هذا الإحباط وتسجيله إلى جعل المتفرج يتجاوز في طموحه مرحلة المطالبة بحرية الرأي إلى المشاركة في صنع الحدث، وتغيير الواقع المريض برمته.

سهرة مع أبي خليل القباني (1973):
وتصنف هذه المسرحية ضمن ما يسمى بالمسرح التسجيلي فهذه المسرحية تسجل نضال القباني من أجل خلق مسرح عربي في بلاد الشام، وتصور الصعوبات التي يلاقيها من قوى رجعية تحارب كل ما هو جديد خوفاً على مصالحها ونفوذها وينشب الصراع بين قوى التقدم والقوى الرجعية.

يجمع القباني حوله مجموعة من هواة التمثيل ويكون معهم فرقة مسرحية تقدم عروضها
لأهالي سورية، وبعد نجاح هذه الفرقة يستأجر القباني كازينو الطليان، ويجهزه ليصبح
مسرحاً تتوفر فيه شروط العرض المسرحي. ويلاقي مسرحه النجاح مما يثير حفيظة القوى الرجعية وعلى رأسها الشيخ سعيد الغبرا الذي يدبر المؤامرات ضد القباني، ويؤلّب
الناس عليه، وبعد أخذ ورد يأمر السلطان العثماني بإغلاق مسرح القباني فيسارع الشيخ
سعيد إلى الشام، ويقود عملية إحراق المسرح، ووسط ذهول فرقة القباني، يهدئ القباني
من روعهم ويرفع معنوياتهم «حالنا أفضل من الذين يصفدونهم ويرمونهم في قاع البوسفور، لو يئسنا فلن تقوم في هذه البلاد نهضة ولو بعد مئات السنين».

وبذلك تنتصر القوى الرجعية في معركتها ضد دعاة التطور والتقدم. وهكذا فإن ونوس يريد وضع القارئ أو المتفرج أمام مسؤوليته، فإذا لم يقف إلى جانب القوى التقدمية التي تدعو إلى التطور والتقدم فإن الغلبة حتماً ستكون للقوى الرجعية.

ويقدم ونوس أحداث المسرحية على مستويين: المستوى الأول: وتدور أحداثه على خشبة مسرح القباني حيث يجري تمثيل مسرحية القباني «هارون الرشيد مع غانم بن أيوب وقوت القلوب»، وقد جاء بمسرحية القباني كما هي مع إجراء تعديل طفيف في لغتها وبعض مواقفها، وقد تضمن هذا المستوى من الحدث، الشعر والموسيقى والغناء، مثلما كان يفعل القباني في مسرحه.

أما في المستوى الثاني فيدور الحدث على ثلاثة محاور: المحور الأول في المقهى حيث
يلتقي المثقفون دعاة التحرر من الحكم التركي والاستقلال عن الدولة العثمانية. والمحور الثاني يصور حلقة الذكر حيث يتجمع الشيخ سعيد الغبرا وأتباعه ويمثل هذا المحور قوى التخلف التي تحارب كل جديد متطور. والمحور الثالث يصور الأحداث التي تدور في مسرح القباني ونضاله من أجل إرساء فن المسرح في سورية، في مواجهة القوى التي تحارب وجود المسرح. وهنالك محور آخر للرواية التاريخية حيث يتناوب المنادي مع الممثلة في رواية الوقائع التاريخية لتلك المرحلة من الحياة في الشام.

وهكذا من خلال المستوى الأول يعرض سعد الله ونوس مادة وثائقية في سياق مسرحيته
ليقدم نموذجاً لمسرح القباني ويتعرف الجمهور على خصائص هذا المسرح وملامحه العربية الأصيلة، وإن كان ونّوس قد أفاد من هذه المشاهد في كسر رتابة حدث مسرحيته بما تتضمنه مسرحية القباني من شعر وأغان وموسيقى.

أما أحداث المستوى الثاني فتصور جهود القباني لإرساء فن المسرح في سورية. إضافة إلى تصوير صراع القوى الوطنية ضد الرجعيين والحكم التركي.

المسرح الملحمي

وفي هذا المسرح حاول ونّوس أن يزاوج بين حماسته لخلق مسرح عربي له خصوصيته، وما وصل إليه المسرح الملحمي من شكل يختلف عن القوالب المسرحية الغربية المتعارف عليها منذ قدماء اليونان حتى العصر الحديث والوصول من خلاله إلى صيغة مسرحية تحمل الهوية العربية وتتمتع بالأصالة.

والمسرح الملحمي من حيث الوظيفة يهدف إلى كشف الحقائق من خلال المتعة، ويدعو
المتفرجين إلى المشاركة في التغيير ويعتمد في توجهه على العقل لا الانفعال، وعلى
الفهم والمشاركة بالفكر لا الاندماج العاطفي.

وقد مال ونوس إلى استلهام قواعد المسرح الملحمي بعد تحوله عن الفكر الوجودي واتجاهه نحو الاشتراكية العلمية ورأى أن المسرح الملحمي هو أصلح الصيغ التي يستطيع من خلالها طرح فكره الاشتراكي. وفي نفس الوقت إيجاد الشكل المسرحي الذي ينبع من تراثنا ويكون قريباً إلى نفس المتفرج العربي.

ولعل مسرحية «الملك هو الملك» هي خير مثال عن عمله في هذا النوع من المسرح، وهي مثل المسرحيات السابقة في هذا الخط «الفيل يا ملك الزمان» و«مغامرة رأس المملوك جابر» تتناول علاقة المواطن بالسلطة.

الملك هو الملك:
ويستلهم ونوس هذه التجربة من حكاية من حكايات «ألف ليلة وليلة»/ وتروي هذه الحكاية أن هارون الرشيد قد ضجر ذات مرة، فقرر أن يصطحب وزيره في جولة ليلية، وأثناء تجوالهما سمعا رجلاً يتمنى الوصول إلى الحكم ولو ليوم واحد، حتى يحقق العدل ويقضي على الظلم فيقرر الخليفة أخذه إلى القصر ليجعل منه خليفة ليوم واحد. لكن ونوس لم يجعل قضيته تنتهي عند هذا الحد وإنما أضاف عليها، كما غير في بعض شخصيات الحكاية.

فأبو عزة الذي فقد ماله نتيجة لتآمر شهبندر التجار والشيخ طه عليه، لم يفقد ارتباطه
بطبقته، وحلمه الدائم أن ينتقم من الرجلين اللذين ضيعا ماله وجعلاه فقيراً حتى
اضطرت زوجته للعمل في البيوت من أجل تدبير معيشة الأسرة.

ويعيش مع الأسرة عبيد الثائر الهارب من السجن، وقد تنكر في هيئة متسول. وتقوم عزة
برعايته حتى تكتشف هويته وتقع في حبه. وهنا كما في حكاية «ألف ليلة وليلة» يصاب الملك بالضجر فيبحث عن تسلية من لون جديد، فهو يريد أن يداعب الناس ويسخر منهم.

ويخرج الملك مع وزيره للتجول في المدينة، ويذهبان إلى بيت أبي عزة ويجدانه مخموراً،
ويقنعانه بأنهما يرغبان في اصطحابه للمؤانسة، وفي قصر الملك يدسون لأبي عزة المنوم في الشراب، ثم يحملونه إلى مخدع الملك. ويشرح الملك لعرقوب، اللعبة التي يقوم بها مع سيده. وفي الصباح يستيقظ أبو عزة، ويجد نفسه في مخدع الملك ويأتي الخدم ليلبسوه رداء الملك، ومع كل قطعة يلبسها يقترب أكثر من شخصية الملك، أما عرقوب – خادمه – فلم يستطع تقمص شخصية الوزير، لأنه يعلم أن أصحاب اللعبة يراقبونه ويعرفون حقيقته، ويزداد تقمص أبي عزة لشخصية الملك، ويتمكن من إدارة الحكم بصورة تذهل كلاً من الملك الحقيقي ووزيره. فقد استطاع أن يكتشف أسراراً خطيرة يخفيها عنه مقدم الأمن، كانت تثير قلقاً لدى أعيان الدولة الذين يحاولون منذ مدة مفاتحة الملك بشأنها. وهنا يشعر الملك الحقيقي المتواجد في القصر بضياع خيوط اللعبة من يديه، فلا أحد في القصر يعرفه، حتى رجاله المقربون. ولم تستطع أم عزة أن تكتشف اللعبة ويحكم لها الملك الجديد بخمسمائة درهم، تجري لها سنوياً من مال الوزير الخاص على أن تساق عزة إلى بيت الوزير وله أن يتزوجها أو يأخذها جارية. وهنا يفقد الملك الحقيقي تماسكه، ويذهب إلى زوجته الملكة، لكي تجلو الحقيقة لكنها تنكره وتسخر منه، فيفقد عقله.

أما الوزير فيستطيع من خلال مكره، استعادة ردائه، ومركزه. وينضم إلى الملك الجديد
في إدارة الحكم بحزم شديد، وبمزيد من البطش.

ويظل التنظيم السري الذي يمثله زاهد وعبيد ينتظر التوقيت المناسب للصدام مع الملك،
وهنا يحاول ونوس الإجابة عن تساؤل فيما إذا كان ممكناً إصلاح نظام الحكم الفاسد
بتغيير الحاكم من فرد إلى سواه؟ وإجابته واضحة وهي أن تغيير الأفراد لا يغير
الأنظمة، فطريق الإصلاح تتطلب تغيير الأنظمة الفردية من قواعدها. كما أنه يرفض
تقسيم المجتمع إلى طبقتين، طبقة تملك الحكم وتحكم وتستغل الآخرين، وطبقة لا تملك
وبالتالي لا تحكم، وهي طبقة يقع عليها الاستغلال. وإذا كان المشاهِد بعيداً عن
الأحداث السياسية في الحياة العامة، فإنه من خلال المسرح يحاول «تسييسه» أو توعيته
سياسياً. والكاتب يقدم الأمل في المسرحية من خلال نماذج من الشعب تمتلك الرؤية الشاملة والوعي الذي يؤهلها لعمل شيء ما. وهذا ما نلاحظه في شخصيتي زاهد وعبيد.

ورؤية ونوس لمعاناة الشعوب في ظل أنظمة الحكم القائمة على الفردية وطغيان الملكية
تصدر عن منظور مادي جدلي. فهو يصور على لسان عبيد، كيفية ظهور مثل هذه الأنظمة بعد أن كان الناس يعيشون أحراراً في مجتمعات كان يعم فيها الخير على الجميع. ولاشك أن ونّوس في مسرحيته هذه يقودنا لطرح أسئلة مهمة تدور بمعظمها حول التالي: كيف لا نحظى بحق تقديس حريتنا.

المسرح التاريخي

منمنمات تاريخية:
خصص سعد الله المنمنمة الأولى للشيخ التاذلي وعنونها «الشيخ برهان الدين التاذلي أو
الهزيمة»، وثمة قراءتان لهذا العنوان، الأولى تقول بقرن الهزيمة العسكرية أمام جحافل
المغول بالشيخ المجاهد، هو قرن السبب بالنتيجة. أما القراءة الثانية فهي تلك التي تجعل جهاد الشيخ ذا منحى إيجابي بمعايير التاريخ مقارنة بمواقف رجال دين جشعين، وخانعين إلى درجة الخيانة، ومثالهم هو الشيخ ابن مفلح ومجموعته والتاجر دلامة ومجموعته ممن لا يهمهم الوطن والناس والدين بل أملاكهم الخاصة وأملاك الأوقاف التي يسرقونها بانتظام. كما يمكننا تلمس حالة المقاومة لدى الشيخ التاذلي والتي تبلغ ذروتها في استشهاده البطولي. في حين نرى مواقف وآراء العلامة ابن خلدون الاستسلامية الخانعة، بل والبالغة حدود الخيانة والتعاون مع العدو الغازي ورسم خريطة جغرافية للمغرب العربي مرفوقة بكتاب وصفي للبلاد وناسها وإمكاناتها بريشة ابن خلدون بناء على طلب تيمورلنك.

وفي نهاية هذه المنمنمة يستشهد الشيخ المقاوم برهان الدين التاذلي حاملاً سلاحه، ولكن عملية المقاومة والصمود في القلعة تستمر. ففي معركة واحدة قتل وأسر أهل دمشق من المغول حوالي الألف غاز وغنموا الكثير من خيولهم. غير أن هذه المعركة لا تحجب حقيقة الهزيمة العسكرية القادمة بسبب موازين القوى وخذلان السلطان وتآمر التجار ورجال الدين، ولكنها أيضاً لا تحجب حقيقة انتصار الخط المقاوم على خط الاستسلام في المدى التاريخي.

أما في المنمنمة الثانية نرى ابن خلدون يختار الميدان الآخر لا ميدان المقاومة، فهو
يحاول تبرير عدم دعوته الناس للمقاومة، وانحيازه إلى تحالف التجار ورجال الدين
والأوقاف بنظريته الخاصة «علم العمران البشري». وها هو يقول لتلميذه وتابعه المصري شرف الدين: «ألا تعلم يا شرف الدين أن صبغة الدين حالت، وأن عصبية العرب زالت وأن الجهاد لم يعد ممكناً؟»، وحين يسأل التلميذ أستاذه: «أليس من مهمة العالِم يا سيدي أن ينير للناس ضوءاً أو أن يهديهم إلى سبيل يخرج بهم من الانحطاط؟»، يجيب ابن خلدون بالنفي ويضيف: «مهمة العالِم أن يحلل الواقع كما هو، وأن يكشف كيفيات الأحداث وأسبابها العميقة».

وتنتهي المنمنمة الثانية بانشقاق التلميذ شرف الدين على أستاذه ابن خلدون بعد عودة
هذا الأخير من زيارة الغازي تيمورلنك وتقبيله يده وامتداحه وتقديم الهدايا له. لقد
رفض شرف الدين التورط أو الوقوع في كمين الازدواجية واختار الانتماء إلى قلعة دمشق التي صارت هوية المقاومة والحياة.

أما عنوان المنمنمة الثالثة فهو «آزدار أمير القلعة أو المجزرة»، وآزدار هو ذاته
الأمير عز الدين قائد المقاومة في قلعة دمشق. فمن جهة يفلح القضاة والأعيان والتجار
في شق ومن ثم تشتيت المقاومة داخل المدينة التي يدخلها الغزاة المغول ويعملون السيف
في أهلها، ومن جهة أخرى تستمر المقاومة في القلعة. يرسل تيمورلنك مجموعة من أعيان دمشق وقضاتها إلى القلعة في محاولة لإقناع المقاومين بإلقاء السلاح والاستسلام،
فيجرّد المقاومون أعضاء الوفد من ملابسهم ويهينونهم ويعيدونهم عراة إلى تيمورلنك.
يلجأ الغزاة إلى الحل الأخير وهو استخدام أعيان دمشق ومن تبقى حياً من أهلها في نقب
وحفر أسوار القلعة فيتم لهم ما أرادوا وتستباح المدينة وينتقم الغزاة من الجميع بمن
فيهم تحالف التجار ورجال الدين والأعيان الذين خانوا قومهم وآزروا الغازي.

وفي نهاية المسرحية تبرز شخصية الشيخ السجين جمال الدين الشرائجي الذي يؤتى إلى
مجلس تيمورلنك ليحسم أمره ويحكم في قضيته، فبعد أن حرمه الآخرون من شرف المساهمة في المقاومة يأتي تيمورلنك ليأمر بتنفيذ الإعدام في هذا «الكافر» فيُصلب الشيخ على يد الغزاة ويتقدم نحو مصيره المأساوي.

وهكذا نرى سعد الله ونوس في هذه المسرحية يدعو المتفرّج إلى الوعي أنه ثمة حملة
ظلامية في التاريخ لاحظناها في العديد من مسرحياته، فهو يحدث وعياً لدى المتفرّج
ويقظة ضمير لتبني حقه في المقاومة في سبيل الحرية والكرامة الإنسانية.

«لن يذكر التاريخ إلا العلم الذي أبدعته، والكتاب الذي دفعته. أما هذه الأحداث والمواقف العابرة فلن يذكرها أو يهتم بها إلا موسوس مثلك». كان هذا رداً على لسان ابن خلدون على سؤال طرحه تلميذه شرف الدين حينما سأله حول ما سيقوله التاريخ عنه (أي عن ابن خلدون) وهنا كان التلميذ يقصد السؤال عما سيقوله التاريخ بعد سنين عدة عن مواقفه السياسية، ووقوفه مع تيمورلنك. هذا الرد والذي كان ابن خلدون صادقاً في تكهناته حوله هو ما يطمئن المثقفين العرب الحاليين، فقد اكتفينا بمدح ابن خلدون والتعريف بنظريته والتذكير بإيجابياته، دون أن نسأل عن ابن خلدون الإنسان، وعن مواقفه خاصة حينما كانت دمشق تعج بالفوضى والاستنفار. فابن خلدون يتعاون مع تيمورلنك والسلطان يترك دمشق لحالها ويرحل، وهذا هو تماماً حال الكثير من المثقفين وأغلب الحكام.

فإنما سعد الله ونوس قد انقلب على هذا السكوت العربي والتنزيه المشين، ومن خلال
مسرحيته هذه فإن ونوس يرجعنا للتاريخ لينتقده ويحلله، يحاول أن يجعلنا نعيد النظر
في تاريخنا، وأن يجعلنا نمارس نقداً تاريخياً للمراحل السابقة في حياتنا بشخوصها
ومثقفيها.

ابن خلدون كان بالنسبة لونّوس مثقف السلطة وشبيهاً بكثير من مثقفينا الحاليين، ولا
يجوز أن نشرع المديح على مصراعيه دون النقد الموضوعي. فالصراع في هذه المسرحية الرائعة هو مع الذات، مع التاريخ.

خاتمة

«في الكتابة نقاوم الموت وندافع عن الحياة». هذا ما كان يردده سعد الله ونوس حتى الخفقة الأخيرة من حياته، ولا نستغرب إن كانت فترة صراعه مع المرض أغنى فترة في عمله الإبداعي. لقد كثّف ونّوس إبداعه خلال سنوات صراعه مع المرض بعدما قال له الأطباء أن أمامه فقط بضعة شهور ليعيش.

«إننا محكومون بالأمل». لطالما ترددت هذه العبارة على فمه، فقد تحول موته إلى قيامة، كالفينيكس نهض من الرماد وعاش في داخلنا، في مشاعرنا، وفي عقولنا من خلال أعماله الكبيرة. لا شك أن سعد الله ونوس حي لم يمت. كلماته، مواقفه، آلامه، وآماله تبعثه حياً.

هكذا نتعلم من سعد الله ونوس كيف نجابه الموت، كيف نتمسك بالأمل، وكيف نكون صادقين مع أنفسنا ومع الوطن، هذا الوطن، هذا العشّ الدافئ الذي وُهِبنا الحياة في حضنه، ووَهَبَنا هو بدوره روحه لنكون أمناءً عليها، مخلصين لها، ومدافعين عنها، من خلال إنسانيتنا ووعينا ويقظة ضميرنا.

«وهكذا رحل سيد المسرح العربي سعد الله ونوس، لكن سنين طويلة ستمر قبل أن تنجب
الأمة رجل مسرح له قامة ونوس، وحضوره وإبداعه سواء في الكتابة الدرامية، أو في سعيه الحثيث للتنظير للمسرح العربي، أو في علاقته الحميمة والداخلية مع الوجع العربي،
ومع الإنسان العربي، ومع همّ الوطن، أو جرأته في التنقيب عن عمق مشاكل المجتمع
وقدرته على التقاط المسائل الأهم، ووضع الإصبع فوق الجرح تماماً، ومحاولاته الفذة
لنكئ هذا الجرح لأنه كان يرى بعمق أن مهمة المسرح ليست الترفيه أو التسلية بل
التوعية، لا بالمعنى العابر للمفردة بل بما تحمله من مقدرة على إثارة التساؤلات، وتحريض الفكر، وملامسة هموم الوطن وخلق علاقة داخلية دافئة وعميقة بين الفن المسرحي كفن بصري، وبين الفلسفة والسياسة والمجتمع والتاريخ».

المراجع

1) مسرح سعد الله ونوس، تأليف عبد اللطيف رمضان.
2) سعد الله ونوس الحضور والغياب، تأليف صلاح الدين أبو دياب.
3) مواقع إلكترونية.

نبيل سلامة

اكتشف سورية

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.