الشاعرة نرجس الجبلي

حوار مع الشاعرة التونسية نرجس الجبلي / حاورها الشاعر الجزائري – ياسين عرعار
الشاعر : ياسين عرعار

الشاعرة نرجس الجبلي
الشاعرة التونسية نرجس الجبلي تفتح نافذتها للقراء قائلة :- (أنا لا ترضيني سوى القصيدة المكتوبة بدمعي….التي تأبى أن تتركني إلاّ وقد نشبت أظفارها الملتهبة في عروقي) – حاورها الشاعر الجزائري – ياسين عرعار

يتوهّج الإبداع مضيئا في سماء الشّعر العربي ليسافر عبر موسيقى القصيدة الجميلة إلى شاعرة تتنفّس الكلمة العذبة و الشّعر الجميل العابق بمواويل الحب المترامي بين أحضان القصيدة العربية ، ياقوت حرفها و زبرجد شعرها و سحر بيانها و قافية بوحها تستبي القارئ لفصاحة تعبيرها و لغتها الثّرية العذبة الموحية بملكة الإبداع الشّعري و موهبة الكتابة .
– ميّاسة قصائدها ، ميّادة ألحانها موهوبة حروفها ، مسجوعة أحاسيسها ، ممزوجة بروح الأنثى التي تسكنها ، معبرة عن عواطفها الإنسانية بطريقتها و أسلوبها الخاص .
لا لشيء سوى لأنها شاعرة و لها فلسفتها في الحياة .بلغة الشعر قالت عن نفسها في قصيدة رائعة لها بعنوان (لا إسمَ لي ) :-

لا إسْمَ لي إن كنتَ تسألُ سيّدي
من ذا أكونُ؟ متى تُرى جا مَوْلِدي؟

فأنا تقاذَفَني الأسى وأَسَرَّ لي
أنْ لا رفيقَ لغُربَتي…لنْ تَسْعَدي

أنا رِحْلَةٌ في مَوْجَةٍ …كَمْ ضَمَّني
مَرْجانُ بحرٍ والشَّواطِئُ مَوْرِدي

سَهِرَتْ عُيُوني والنَّوارِسُ قدْ رَنَتْ
أيْدٍ لِدَمْعي…واللآلئُ فرْقَدي

صَوْتٌ من الأزَلِ العميقِ مُبَعْثِرٌ
لِحِكَايَةٍ لَمْ يُرْجَ فيها مِنْ غَدِ

صَوْتٌ ومُخْتَنِقُ الحناجِرِ مُتْعَبٌ
كَمْ ترْجَمَ الألَمَ الخَفِيَّ على يَدي

وفقدْتُ بَوْصَلَةَ الهُدى فَتَلاطَمَتْ
جُزُرُ البَخورِ بِأصفهانِ العَسْجَدِ

ذا سندبادُ وذي الزوارقُ قدْ رَسَتْ
وسفينتي العرجاءُ ضَلَّتْ مَقْصَدي

ذا بحرُ قزوين ارْتِعاشَةُ خافِقي
تلْكَ النُّقُوشُ المُنْتَقاةُ بِمَسْجِدِ

ينتابُنِي الإحساسُ لُؤْلُؤَةً غَفَتْ
تَحْتَ الثَّرى والجَفْنُ مُبْتَلٌّ نَدي

لا لَمْ أجِدْ وَطَنًا فَذي مُدُنُ الدُّجى
وشراشِفُ الأمواجِ شالًا ترتَدي
—————-
الشاعرة هي نرجس الجبلي
قالت عن نفسها :-… أنا من مواليد عام 1972 بإحدى ضواحي العاصمة التونسية أعمل معلمة فرنسية في التعليم الإبتدائي بدأت دراستي ككل أطفال جهتي في سن السادسة، وأنهيتها بحصولي على شهادة ختم الدروس الترشيحية مستوى باكالوريا. لم يتسنَّ لي أن أدرس بالجامعة ، دخلت مهنة التعليم وعمري تسع عشرة سنة ، والآن لي أقدمية خمسة وعشرين سنة في التدريس . متزوجة و لي بنتان .
– كتبت الشعر و عمري 11 سنة ، لم أحضر ندوات شعرية وليس لي إصدارات بسبب ظروفي العائلية ، لم تعرف حروفي النور إلا في شبكة النت بموقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك .
– عدد القصائد التي كتبتها حوالي أربعمائة 400 قصيدة .منها (لعنةُ الحُسْنِ – الجوى السرمدي – لا اسم لي– ثوب الفَراش- ولادةرصاصة – أحلى نغم – قُدُسيّة الحُبّ – الغجرية والقمر – احصِدُوا اليَدَ – موجة الحب – مخاض- دَمْعَ الرَّشَا – لذَّةُ البوح – دمعة الدُّرّ – لا تبتسم – لِمَنْ عِطري؟؟ – وثْبَةُ اللَّيْثِ – لا بُدَّ لي -………) و غيرها من القصائد الشعرية الرائعة المنشورة على صفحات الفيسبوك في مختلف المجموعات و النوادي الأدبية و الثقافية .

– عندي محاولات إلقاء منشورة في اليوتيوب منها :-
* قصيدة بعنوان (صيحة) كلمات و إلقاء الشاعرة نرجس الجبلي و إخراج الشاعر المصري محمد متولي .
* قصيدة (سكرة الحرف) كلمات و إلقاء الشاعرة نرجس الجبلي و إخراج الشاعر وليد المصري .
* يوتوب (ياطفل قلبي) قصيدة للشاعرة الكبيرة نرجس الجبلي ومن ألحان وغناء الموسيقار يوسف سعيد .
* يوتيوب قصيدة (قل لي لمن تلك القصائد في دمي؟ ) كلمات و إلقاء الشاعرة نرجس الجبلي و إخراج الشاعر العراقي صفاء الخيكاني.

مرحبا شاعرتنا نرجس الجبلي في هذا اللقاء الأدبي الثقافي الحواري لنتعرف على شاعرتنا و فضائها الإبداعي إن شاء الله .و مع فضاءات الأسئلة نبدأ :-

السؤال 01 – الحرف موهبة موسيقية و ذرة ذات طاقة قوية في العميلة الإبدعية . هل لشاعرتنا نرجس الجبلي أن تجسد لنا ملامح إرهاصات الكتابة و هاجس الكتابة لحظة الإبداع والنزيف الروحي ؟

بعض الشعراء قد يستطيعون الكتابة في أي موضوع وعلى أي وزن ، كأن تكون في سجال مثلا ، لكن أنا لا أحبذ ذلك لأني ببساطة أكتب بشعوري …بصدق أحاسيسي …بدمعي …بثورة غضبي أو بنشوة الحب الذي في قلبي…. فالشعر بالنسبة إلي ليس مجرد نظم …أو ترصيف بعض الكلمات على نفس القافية والوزن …. أنا لا ترضيني سوى القصيدة المكتوبة بدمعي….التي تأبى أن تتركني إلاّ وقد نشبت أظفارها الملتهبة في عروقي .و قصيدتي ( أدمع البوح ) جواب على السؤال :-

أدمُعُ البوحِ

أحبُّ امْتِزاجَ الدَّمْعِ بالحِبْرِ في حَرْفي
وتِسْكابِ عُنْقُودِ التّراكيبِ مِنْ طَرْفي
فلا أشتَهيهِ البَوْحَ نَظْمًا بِعُلْبَةٍ
خَلِيًّا مِنَ الأشْواقِ…نَايًا بِلا عَزْفِ
أربدُ انْصِهاري في لُحُوني كَعازِفٍ
يُسَلّيكَ منْ دَفْقِ الشَّرايينِ والنَّزْفِ
خليلي تأمَّلْ حُمْرَةَ الدَّمِّ تَعْتَلي
قَوافِيَّ… واسْمَعْ ثَوْرَةَ الشَّعْبِ في حَرْفي
أنا لَسْتُ أُصْغي عنْدَ شَلَّالِ فِكْرَتي
سِوى للخَريرِ العَذْبِ في مَنْبَعِ الذَّرْفِ

السؤال 02 :- في قصائد نرجس الجبلي هل الذائقة هي التي تتحكم في القصيدة أم العفوية هي التي تصنع الإبداع ؟

لا أنكِرُ أنّني في بداياتي كنتُ أقربَ إلى العفوية منها إلى الاحتراف…فقد كتبتُ أولى قصائدي في سنّ الحادية عشر، ثم صارت لي رغبة شديدة لتعلّم العروض إيمانا مني بأنّ جمال القصيدة يكتمل بتلك الموسيقى الساحرة وذلك الإيقاع المنتظم العذب للأبيات، و بمرور الأعوام تشرّبت الأوزان حتى جعلتني أتنفسها ، مثل الرسام الذي يبحث عن تناسق الألوان في لوحته ليحقق الجمال والرونق المنشود، فصارت الأبيات تنسكب موزونة من تلقائها وتظلّ الكلمات تقضّ مضجعي حتى أرسمها على ورقي فأحسُّ بنشوتها وقد اعتلتْ عرش دفتري .

السؤال 03 : – من يسبق الآخر للكتابة الشاعرة أم نرجس الجبلي ؟ لماذا ؟

في غالب الأحيان أكتب تحت تأثير حالتي النفسية ( غضب ، حزن، غيرة ، حب ، شوق ، فرح ….). لذلك تكون نرجس الجبلي الإنسانة هي السباقة في مخاض الحرف لدي….وقتها تنهمر الكلمات والأبيات دون أن تعطي للشاعرة في الكلمة …..وبعد هدوء ثورة عاصفتي تقوم الشاعرة بدور البستاني لتزخرف ما تم نثره بعفوية على الأوراق ولتهذب أغصانه المتشابكة ولترصف لآلئه وأحجاره وأزاهيره بشكل جميل ومنسق على قلادة القصيدة.

السؤال 04 :- من يغلب الآخر عندك لحظة الدفق الشعوري الغزير الواقع أم الخيال؟ لماذا؟.

أكيد أن الأحداث الواقعية التي نعيشها لها دور كبير في انهمار القصيدة على الشاعر فتكويننا المادي الجسدي يتحكم بشكل كبير ومباشر في رغباتنا وطموحاتنا، لكن تمتعنا بالجانب الروحاني والخيال ، إمّا يجعل الشاعر يعبّر بشكل واضح عن حرمانه من الأشياء التي يرغب فيها وإمّا يكون هطول البوح بشكل مفاجئ ومعاكس تماما لواقعه كأن تكون الصور الشعرية التي يستخدمها تكون مشبعة بالوصال ،مشحونة بالخيال وتفيض رضا وسعادة خصوصا إذا كانت لهذا الشاعر مناجاة مع الخالق ويأمل في تحقيق أمانيه في جنات النعيم في الآخرة….. إيمانا منه بجزاء الله عز وجل على صبره في الحياة الدنيا….وقد كانت لي بهذا الصدد قصيدة بعنوان” لذة الهوى”

لذّةُ الهوى
*******
لا تُوقِظُوني، اليَومَ أَلْتَذِذُ الهـــــوى
كَنَسيمِ صَيْفٍ عَابِثٍ بِخُدُودِي
وَ بِسَاطُ حُلْمي قدْ غدا مُعشَوْشِبًا
وَ أَشَعَّ حُسْنُ زنَابِقي وَ وُرُودي
وَ غَدَا زَمَاني كابْتِسَامِ بُنَيَّـــــــــــةٍ
وَ كَعَزْفِ قيثَار وَ رَنَّةِ عُـــــــــــودِ
إذْ دَاعَبَتْهُ الأَيْدِ فَانسَكَـــبَت رُؤًى
وَ ارْتَفَّ دَمْعُ البُرعُمِ الأُمْلُــــــودِ
يَتَحَــــــرَّكُ الوَتَــــرُ الرَّقيــــقُ تَرَنُّمًا
كَفَراشةٍ مَفتُونَةٍ وَ شَــــــــــرُودِ
ذي ضِحْكَةٌ غَزَت الشِّفاهَ وَ دَحْرَجَتْ
فَوقَ اللّسانِ رَحيقَها المَنشُودِ
وَ تَلاهُ في الغَسَقِ الجَميلِ تَنَهُّــــــدٌ
نَشوانُ عَذْبٌ طافِحٌ بِنَشيدِ
لِلّهِ ما أَحلـــــى السَّنابِـــلَ تَنثَنـــي
قُدّامَ نافِذَتي كَسَجْعِ قَصيدِ
هذا الخَيالُ يَهُــــــزُّني لِحَديقــــــــةٍ
غَنَّاءَ تَفتَرِشُ الوُرُودَ بِعيدِ
دَعْني حبيبي الآن أُسمِعُــكَ الرُّؤى
لمّا تُردّدُ حُلْوَةَ التَّرديدِ:
“طيري بِأَجنِحة الحمام وغـــــــرّدي
عذب الغناءِ ورائع التَّغريدِ
كالعنــــــدليــــبِ إذا أَمَــــدَّ جناحَــهُ
شَهْدُ الكُرُومِ يَسيلُ مِن عنقودِ”
سَجَدَ الجَمالُ أَمامَ غُرفـــة حُبِّنــــا
إنْ حطَّ طيرُ الانسجامِ بِجيدي
هذا فَضــــاءٌ بالطُّيُـــــوبِ مُضَمَّــــخٌ
فَعَلامَ نَركَعُ تَحتَ جَمِّ قُيُودِ
لا أنتشي من راح كأسٍ أو شَذًا
فَلَرُبَّ حُبٍّ مُسكرٍ و خُدودِ
******************
السؤال 05 – هل تحسين أنك حققت غايتك بعد البوح أم صرت محل انفلات شعري جديدعابق بفلسفة الاستكشاف في عالم القصيدة المرتبطة بذاتك الشاعرة ؟ كيف؟.
عندما تتم ولادة قصيدة أحس بالارتياح وبشعور غريب بالسعادة والنشوة وكأنني حققت مرادا ثمينا يشابه حصول البحار على مجموعة لآلئ ، لكن بعد مُضيّ بضع ساعات من تشبعي بتلك النشوة ينتابني إحساس بعدم الرضا الكلي على ما قدمتُه وبأن بقصيدتي عدة ثغرات وعيوب ، وهو ما سمّيتَهُ أنت – أستاذي ياسين عرعار – بالانفلات الشعري، فيحدوني العزم على محاولة تطوير ما أصوغه وتفادي تلك النقائص في كتاباتي القادمة

السؤال 06 – عناوين قصائدك مميزة على سبيل الذكر لا الحصر :
– ( لعنةُ الحُسنِ – الجوى السرمدي – لا اسم لي–
ثوب الفَراش- ولادة رصاصة – أحلى نغم –قُدُسيّة الحُبّ – الغجرية والقمر – احصِدُوا اليَدَ – موجة الحب – أدمُعُ البوحِ – مخاض- دَمْعَ الرَّشَا – لذَّةُ البوح – دمعة الدُّرّ – لا تبتسم – اختناق –لِمَنْ عِطري؟؟ – وثْبَةُ اللَّيْثِ – حديثُ الغابِ
– لا بُدَّ لي -………) هي شاعرية أكثر من القصيدة .. فهل الاختيار مسبق أم بعد ولادة القصيدة ؟ لماذا ؟
أشكر ذوقك الراقي شاعرنا الأستاذ ياسين عرعار، في الحقيقة يتم اختيار العنوان بعد كتابة القصيدة، فأنا وحتى لحظة انتهائي من كتابتها لا أعرف هل مازال الدفق متواصلا أم لا ، و لا أدرك عما سأحكي في الأبيات القادمة حتى ينهمر الإلهام من جديد، واختياري للعناوين في الغالب يتم بعد أيام .

السؤال 07 – ما هي المسافة بينك و بين الإبداع ؟ و لوكان للشعر لون فماذا تفضلينه ؟ و لوكان زهرة ما تسمينها ؟
في الواقع لحظة انهمار البوح أحس بأن لا مسافة بيني وبين الإبداع، فهي لحظة معانقة الحروف وتقبيل المعاني ، ربما سأمثله بجبل وأنا قد تمكنت من وصول قمته وزرعت رايتي فيها وأخذت أستمتع برؤيتها ترفرف على قمة ذلك الجبل .
فلو كان للشعر لون لكان الأحمر القاني بلون الدم ولو كان زهرة لسميتها القرنفل.

السؤال 08- لحظة الكتابة هل تخصصين للقارئ مساحة معينة في النص الإبداعي بخطاب معين أم تتركين للإنطباع أو الرمز المهمة في إيصال الرسالة الإبداعية له ؟ كيف ؟.

كل حرف أكتبه هو عبارة عن رسالة مشفرة لقارئ أرسمه في خيالي ، أناجيه وأبثه لوعتي وشجوني، فتارة يكون خطابي له مجرد تلميح وأحيانا يكون صريحا متمثلا في أسئلة أو استفسار أو تعبيرا عن استغرابي من حدث ما ، وأحيانا أبحث عن مساندته لي ، هذا القارئ الذي يكاد يصبح في وقت من الأوقات انعكاسا لصورتي في المرآة ، أحسه قريبا مني لدرجة الارتياح الكلي له والاعتماد على تفهمه ودفاعه عني.

السؤال 09- ما العلاقة بين نرجس الجبلي و الطبيعة ؟ كيف؟

نرجس الجبلي هي إحدى تلميذات أبي القاسم الشابي رحمه الله….رضعت شعره منذ نعومة أظفاري …تمرّغت في حروفه وقصائده فكيف لا تكون نرجس الجبلي ابنة الطبيعة …..كنت في صغري أصعد دائما لسطح بيتنا لتأمل القمر والنجوم ليلا ….وكم كنت أعشق غروب الشمس…. في تلك الأجواء الشاعرية كنت أطلق العنان لحروفي وكلماتي …..كما أن لمنشئي علاقة وطيدة بالبحر …..فليس أحبّ إلي من أن أتمشى حافية القدمين على الرمل ، و من أن أتأمل منظر الأمواج والأصداف ومراكب الصيد الراسية على الشاطئ… هذه هي نرجس الجبلي….ابنة الطبيعة بامتياز فلا يكاد يخلو قصيد من قصائدي من ذكر جمال الطبيعة .

السؤال 10 – لتونس الخضراء وقع في قلوب الشعراء … أين توجد تونس في إبداع نرجس الجبلي ؟
لتونس وقع في قلوب الشعراء و وقع في قلبي لا أستطيع أن أكفكفه ، فأوّل قصيدة كتبتها كانت عن الوطن كنتُ وقتها في سنّ الحادية عشر، و رغم صغر سني كان عندي إحساس رهيب بالوطنية يصل إلى التضحية والفداء بالروح ، وتوالت كتاباتي عن تونس الحبيبة ولكم أجمل قصيدتين:-

قصيدة :- ( تونس )

تاريخ تونسَ والمدى نوّارُ
جُزُرٌ جِنانٌ والقُرى أزْهارُ
إنّي وتُغْرِقُني الشَّواطِئُ لا أرى
في الرّملِ إلاّ موجةً تنهارُ
فينُوسُ إنّك في الجمالِ وكوكبٌ
أو أفرديتَ و ربّما عَشْتارُ
لكنّ مرآتي الكئيبةَ غولةٌ
إنْ كانَ للرّوضِ المُزَرْكَشِ غارُ
يا تونسًا يا صرحَ قرطاحَ الذي
صنَعَ البَهاءَ وشاقَهُ الزُّوَّارُ
لَبّيْكِ إنّي في المسارحِ نجْمَةٌ
وعلى السواحِلِ موجَةٌ ومَحارُ
أفديكِ يا رَمْزًا بِقُبَّةِ مَسْجِدٍ
هاتيكَ روحي للفدا تَخْتارُ
إنّي لفي الرّيحِ العَنيفَةِ رايَةٌ
وعلى قِفافِ السّائِحِ تَذْكارُ
********************

قصيدة :- (يا رياضَ بلادي)

يا ثغركِ المنضُودَ مُكْتَنِزًا حَوى
كَرَزًا شَهِيًّا سائِغًا لِبِلادي
قَبَّلْتُهُ العُنْقُودَ والظَّمَأُ ارْتَوى
مِنْ ضفّتَيْ شَهْدٍ جناهُ كَوادي
لكِنَّ بركانَ العداءِ هنا سَرَتْ
أنهارُهُ الحَمْراءُ فوقَ مِهادي
يا نَزْفَكَ المِدْرارَ يا بَلَدي الذي
كانَ النَّخيلُ على رُباكِ يُنادي
يا شَعْبَكَ المحْتارَ في حِمَمِ اللّظى
في كُلِّ شِبْرٍ قِيدَ في الأكبَادِ
وطغى الرّصاصُ…تناثرتْ أمواتُهُ
فوق الرّصيفِ وفي رُبُوعِ النّادي
يا كَفَّكَ الممدودَ فُكَّ سلاسِلاً
في مِعصَمَيْكَ حرارَةُ الأصفادِ
لا لوْنَ في رُدْنِ الوُرُودِ ولا شَذًا
قدْ تُمْطِرُ الأوطانُ بالآسادِ

السؤال 11 – نرجس الجبلي شاعرة تتنفس الوطن تونس .. ماذا أضافت التجربة السياسية منذ خمس سنوات لشعر نرجس الجبلي ؟

لقد كان للثورة التونسية والأحداث السياسية آنذاك دور في تحويل وجهة حرفي للجانب الوطني فقد سال اليراع في تلك الفترة مخضبا بالحمية الوطنية وبالحس الأبي .
ولا يُمْكِنني بحالٍ من الأحوال أن أتحدث عن تونس دون أن أعرّج على تلك الأبيات المؤثرة التي كتبتها يوم ذبح راعي تونسي (ستة عشر ربيعا) وإرسال رأسه إلى أهله .

قصيدة :- ( صرخةُ الراعي )

لا تسْكُبِ الأحزانَ في فِنْجاني
يا مَوْطِنًا بالبُنِّ قد أغراني
بالشَّهْدِ مِنْ شفَةِ الجنائِنِ أرتوي
قَدْ خِلْتُها مِنْ منبَعِ الرَّيَّانِ
لا تحرِمِ العينَ البريئَةَ حَفْلَةً
محفوفَةً بِعَرائِسٍ وغواني
كيف السّبيلُ لأرجُوانِ بساتِنٍ
تحتَلُّني ذات الجَنيِّ الدّاني
أينَ الحمائمُ في عشائِشِ أيْكَةٍ
تشتاقُ بعضًا من شذا البَلَسانِ؟؟
حتّامَ ترتَسِمُ الدُّموعُ وقدْ طغى
الإرهابُ والتقتيلُ في الأوطانِ
ما ذنبُهُ الرّاعي الصّغيرِ هنا سقى
منْ أنهُرِ الدَّمِ العفيفِ القاني؟؟
ما ذنبُ رأسٍ بالقساوَةِ ذُبِّحَتْ؟؟
لِتَزورَ أهلا دونَما سيقَانِ
السؤال 12 –من خلال تفاعلك الأدبي في المجتمع الثقافي هل ترين أن المرأة التونسية خصوصا و العربية عموما حققت حضورها في التعريف بشخصيتها و تغيير بعض المفاهيم الضيقة لكيانها و دورها ؟

من خلال احتكاكي ببعض الشواعر التونسيات على الموقع الاجتماعي الفيس بوك أرى أن المرأة التونسية تخطو خطوات عملاقة لتحقيق الذات وللتعريف بشخصيتها .و على سبيل المثال لا الحصر.. أذكر الشاعرتين (اسمهان اليعقوبي) و (راوية جراد) اللتين كان لهما دورا فعالا في تغيير رأي المجتمع العربي ككل في دور المرأة الذي كان في وقت من الأوقات دورا محتشما يتسم بالسلبية والخنوع، وما يطمئنُ القارئ العربي على مستقبل الشاعرة التونسية والعربية عموما اقتحام القلم الأنثوي لجميع الميادين منها ..( الأدبية – سياسية – وطنية – عاطفية – تعليمية….).

السؤال 13 – كيف يبدو المشهد الإعلامي والثقافي العربي لشاعرتنا المبدعة نرجس الجبلي في خضم التحولات السياسية العربية الأخيرة ؟

* في خضم التحولات السياسية الأخيرة في الوطن العربي ، لايزال المشهد الإعلامي والثقافي “قاصرا” ، و لم يصل إلى الحد المطلوب المتوقع منه ، فالمشهد الإعلامي والثقافي العربي لايزال حاملا وناقلا ولم يرق إلى دور المنتج ، فالمادة الثقافية والإعلامية التي يستخدمها القائمون على دور ومؤسسات الإعلام والثقافة مادة جافة وليست حية تفتقر إلى مانسبته 80% من النشاط الإعلامي والثقافي الحي الذي يعايش الواقع ويحتويه ويقدمه كمادة ثقافية وإعلامية حية وكمنتج إعلامي وثقافي غير محمول ولامنقول ولا مقلد .
* إن المحاكاة والتقليد في المشهد الثقافي والإعلامي العربي سواء” سابقا” أو الآن هي التي تجعل المشهد الإعلامي والثقافي غير مكتمل وغير مرغوب.
وما نلاحظه أيضا” أن السباق السياسي والعسكري في المنطقة العربية أثر بقوة على تحويل المشهد الإعلامي والثقافي من عمل مهني يخدم الواقع إلى عمل غير مهني يخدم السياسة التي توجهه والقيادة التي تموله وتدفع له .
* التراجيديا في المشهد الإعلامي والثقافي العربي هي الحاضرة في الوقت الراهن بسبب التحولات السياسية وثورات الربيع العربي التي تزامنت مع وضع اقتصادي منهار وضغوطات دولية وأطماع خارجية .
* وخلاصة القول .. أن المشهد الثقافي والإعلامي العربي يجب أن يتحرر من دور الحامل والناقل إلى دور المنتج وبذلك سيقدم نتائج رائعة تخدم الشعوب بكافة شرائحها .

السؤال 14 – الشبكة العنكبوتية.. هل هي طريق جديد أم استكمال رسالة لشاعرتنا؟

لا أخفي على قرائي الأعزاء أن نشاط نرجس الجبلي الأدبي كان في الخفاء ، إذ لم تكن لي الشجاعة الكافية للتعبير عما يختلج في قلبي من مشاعر سواء أكانت ( حبا ، غضبا ، غيرة ، حزنا أو فرحا ).. وذلك لطبيعتي الكتومة خصوصا وأن مجتمعنا العربي ينتذل تلك الأحاسيس الرقيقة و يحتقرها بل و يؤوّل كل ما يتعلق بالأنثى تأويلا خاطئا ، لكني وفي السنوات الأخيرة حصل تغيير جذري في طريقة تفكيري وتعاملي مع هذا المجتمع بفضل الشبكة العنكبوتية التي أمدتني أجنحة للتحليق في فضاءات منعشة ونقية وجعلتني أستنشق بملء رئتيّ الهواء الصافي الذي لا يعكّره حاقد أو متطفّل ، و كان لهذا تأثير إيجابي في شخصيتي كشاعرة تطمح للتعريف بنفسها ولإخراج أحاسيسها وأفكارها دون خوف.
السؤال 15 – للشاعرة نرجس الجبلي .. موهبة راقية في الشعر العربي .. هل لشاعرتنا إبداعات أخرى في فنون الكتابة كالقصة و المسرح ؟ و هل من كتابات باللغة الفرنسية لكونك معلمة لغة فرنسية ؟
الحمد والشكر لله الذي منّ عليّ بموهبة الشعر ، و بحكم تدريسي للغة الفرنسية فإن لي محاولات محتشمة في المسرح وذلك في نطاق قسمي مع تلاميذي مع التذكير أن أعمارهم تتراوح بين السابعةوالتاسعة .

السؤال 16- قالت شاعرتنا نرجس الجبلي:- ( إذ لم تكن لي الشجاعة الكافية للتعبير عما يختلج في قلبي من مشاعر سواء كانت حب ؛ غضب ؛ غيرة ؛ حزن أو فرح .. وذلك لطبيعتي الكتومة خصوصا وأن مجتمعنا العربي ينتذل تلك الأحاسيس الرقيقة ويحتقرها بل ويؤوّل كل ما يتعلق بالأنثى تأويلا خاطئا ) …. بم تفسرين نظرة المجتمع العربي و احتقاره الأحاسيس الرقيقة للأنثى ؟ ماهي العيوب الأخرى التي ترى فيها شاعرتنا تحطيما لشخصية المرأة من وجهة نظرك ؟

في الحقيقة…الخوض في مثل هذا الموضوع ليس سهلا ، لأننا سنصطدم بمجموعة هائلة (ذكورية التفكير) ، بمعنى أن الرجل يستطيع أن يفعل ما يشاء ولا يلومه أحد بينما المرأة أو الفتاة هي بمثابة شيء يُمتلك إما لأبيها أو لأخيها في صورة موت الأب أو لزوجها ،و كل هفوة ترتكبها هي ضربة قاضية لها ولمستقبلها وأحيانا تمثل تهديدا لحياتها في بعض المجتمعات القبلية ، ومن هذا المنطلق فمُحرَّمٌ على المرأة البوح بمشاعرها وأحاسيسها وأعرف الكثيرات اللواتي أجبرنَ على الزواج بمن لا يرغبن فيه بينما قلوبهن تهفو لشخص آخر، وذلك يؤدي إلى نتائج وخيمة – فيما بعد – في نطاق الأسرة والأولاد ، إذ أن أواصر العلاقات تصبح هشة ضعيفة قابلة للانكسار في أي لحظة ، لأن العنصر الأساسي الذي تبنى عليه الأسر عادة مفقود ألا وهو الحب.

السؤال 17- بعيدا عن التعليقات الفيسبوكية ؟ماذا قدم النقاد لأشعار نرجس الجبلي ؟
بكل صراحة كان لعديد النقاد الأثر الإيجابي في تمكني من العروض وفي حرصي على تقديم نص جيد في المستوى ، و أتذكر مرة نقدني أحدهم وقد كان نصي آنذاك لا بأس به بشهادة الكثيرين من معارفي ولكني تحديا لذلك الناقد وحرصا مني على جودة النص قمت بإعادة صياغة قصيدي بشكل أكثر من رائع حتى أنه عجز عن التعليق…. وهكذا في كل مرة أحاول أن تكون نصوصي أكثر من رائعة حتى لا أعطي الفرصة لأحدهم لانتقادي لمجرد حب الانتقاد .

السؤال 18 – هل لنرجس الجبلي مشاركات في المسابقات الأدبية الشعرية ؟لماذا ؟
لي بعض المشاركات المحتشمة في الواقع تعدّ على أصابع اليد ..
واحدة منها فُزتُ فيها بالجائزة الأولى وكانت هديتي إنجاز فيديو”صيحة” حيث ألقيت فيه قصيدتي الفائزة، وكان ذلك الفيديو من تصميم الشاعر المبدع الكبير وليد المصري
السؤال 19 – شعراء و شاعرات لفتوا انتباهك على الساحة الأدبية الشعرية ؟
شاعرات أيضا لفتن انتباهي ( أسماء فريحات) من الأردن ، أما الشعراء الذين لفتوا انتباهي على الساحة الأدبية في الفيس بوك. هم….(محمد البياسي) من سوريا و ( يحي الحمادي ) من اليمن و (حسام محمد السميعي ) من اليمن أيضا.

السؤال 20- تجربة اليويتوب ماذا منحت لنرجس الجبلي إبداعيا ؟
تجربة اليوتيوب منحت لي الكثير في حقيقة الأمر، و أول شيء فيها اكتشفت موهبتي في الإلقاء ، فكما تعلم أني بحكم ظروفي العائلية لم يتسنَّ لي حضور الندوات والأمسيات الشعرية . ثانيا اكتسبت إعجاب ومحبة الكثيرين من أصدقائي على الفيس بوك وساهمت في إيصال صوتي كشاعرة بفضل لله وعونه .

السؤال 21 – لماذا تأخرت نرجس الجبلي عن الطباعة ، لو تكرمت دور النشر بطباعة أشعارك فهل ستمنحين لهم الإذن بالطباعة ؟

أنا تأخرت عن الطباعة لأنني كنت أكتب و أحاول البحث عن الجودة في الشعر و الحمد لله أشعاري نالت إعجاب الكثير من الأدباء و القراء ، كذلك الظروف المادية التي حالت بيني و بين الطباعة الورقية .. و لكني سأمنح لدور النشر إذن الطباعة إن شاء الله .. إن أرادوا الطباعة الورقية … ويسعدني كثيرا أن تكون أشعاري بين أيدي القراء …

السؤال 22 – بإيجاز ماذا تعني لك الكلمات التالية :- ( الحب – الرجل – القصيدة – محمود درويش – فلسطين – تونس – الأم – الحياة – الوحدة العربية -الحقيقة – الصراحة – الشاعر لطفي الياسيني – الشاعرة سعاد الصباح – عبد الحافظ بخيت متولي )؟
نعم أجيب …بما يلي :-

(الحب يعني لي طعم الحياة)….(الرجل يعني لي الحلم) …. (القصيدة تعني لي الحديقة )….(محمود درويش شاعر الوطن) …. (فلسطين الأرض الموعودة)….(تونس هي جذوري)….(الأم حماية وتضحية) ….( الحياة تعب) ….(الوحدة العربية أكبر كذبة) …. (الحقيقة نسبية) …(الصراحة مُرّة ) …(لطفي الياسيني ..الشهيد الحي شاعر الوطنية .شاعر الإباء بامتياز)… ( الدكتورة الشاعرة سعاد الصباح شاعرة الحب والأنوثة…) ….(عبد الحافظ بخيت متولي ناقد متميز و فكر غزير في النقد ).

السؤال 23 :- ماذا تقولين للشعر و الشاعر في عيده العالمي ؟ و ما نبضة نرجس شعرا في هذا اليوم العالمي الخاص بالشاعر.. 21 ( آذار ) مارس من سنة 2017 ؟

للشعر والشاعر في عيده العالمي أقول:-
أستلُّ فنجانَيْنِ من فِكْرَةْ
نامَتْ على حرفي لِتَجْتَرَّهْ
*
فَلِكَيْ أُصَفِّفَ للوَرَى قَلَقي
أحتاجُ ما يستَطْرِدُ العَبْرَةْ
بعضُ الحروفِ ارتَصَّ منبَعُها
لا سلسبيلَ بساخنِ القطرَةْ
أحتاجُ سيجارًا وأبخِرَةً
تَصَّاعَدُ الأوزانُ مُغْتَرَّةْ
مَنْ ذا سَيُقْنِعُها التَّحَرُّرَ مِنْ
فُرْشاةِ مِحبَرَتي على جَمْرَةْ؟
من ذا سيُلْهِمُ أنمُلي أنّي
بسياطهِ سأُمَزّقُ الغيرةْ؟
هذان فنجانانِ من وَرَقٍ
وَلَرُبَّ حَرْفٍ ساكِبٍ حِبْرَهْ
لا أشربُ الأفكارَ …تشرَبُني
مَهْلّا….أيَشْرَبُ شاعِرٌ شِعْرَهْ؟
هذي الأزاهِرُ إذْ رَأتْ قَمَرًا
كُلٌّ أَمَدَّ إلى السَّنا عِطْرَهْ
عُذْرُ المُحِبِّ تَعَشُّقٌ بِدَمٍ
هلْ تمنعونَ عن الشذا عُذْرَهْ؟؟
*وأبقى دائما أقول عاش الشعر فلذة البوح لا تضاهيها لذة …
لذَّةُ البوح
********
أكتُبُ الشِّعْرَ ساخِنًا من وريدي
مُتْرَعًا باللظى سَخِيَّ الرُّعُودِ
أسكُبُ الحرفَ لا يَمَلُّ انْسِكابًا
كمْ تَقَلَّى اليَراعُ عمق القصيدِ
قُلتُ للحرفِ : كفكِفِ الموجَ ..خَدّي
نازِفٌ…فاحترمْ جريحَ الخُدودِ
من وراء الظِّلال نادى حبيبي
“قطّتي …أشتهي قوافي الوُرودِ
أشتهي البوحَ ناعِمًا نرجِسيًّا
لذّةُ الاعترافِ تُحيي جُدُودي
السؤال 24 – كلمتك عقب هذا الحوار الثقافي ؟
بودي أن أشكرك أستاذي الفاضل الكريم الشاعر الجزائري ياسين عرعار على هذه اللفتة الكريمة وعلى مجهوداتك المبذولة للتعريف بي وعلى إيمانك بموهبتي ….فلم أكن أحلم في يوم من الأيام أن يكون لي ظهور على الساحة الأدبية نظرا لطبيعتي الخجولة …..ألف ألف شكر لك أستاذي……تمنياتي لك بالتوفيق

– خاتمة
و أنا بدوري أشكر الشاعرة التونسية نرجس الجبلي على ما أثرت به الحوار من إجابات راقية ، تعرفنا من خلالها على أديبة لها كلمتها في الشعر ، و موهبتها في الإبداع … و تمنياتنا لك بدوام نعمة الكتابة و الحرف الراقي الجميل .

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.