18056726_1068553126610470_2039223921212537859_n

ثالثا: التطور التقني.

في تقديمه لكتاب (التطور الفوتوغرافي وتكنولوجيا المعلومات) للكاتب محمود الشجيع يسمى الدكتور محمد عبدالخالق مدكور هذا العصر بعصر “ثورة المعلومات وانفجار الذكاء” وأخاله موفقا الى حد بعيد في تسميته هذه.. فهذا العصر بحق ثورة عظيمة في المعلومات المتلاحقة سببها انفجار الذكاء لدى العقل البشري حتى أمسى يركض لاهثا فيما صنع ليتداركه قبل أن يدركه.. فأصبح في قلق دائم وتفكير مستمرين بل وانتاج أكثر.

وقد عبرت الصورة الفوتوغرافية منذ القدم _ وخاصة بعد الاكتشافات العلمية، عن النتاجات البشرية بشكل كبير.. وقدمت للإنسانية خدمات جليلة.. بل أصبح التصوير الفوتوغرافي علما دقيقا يدرس في الجامعات والمعاهد العليا على اختلافه وأنواعه بالطبع.. فهناك التصوير الصحفي والتصوير الطبي والتصوير الفضائي والفلكي والتصوير الجنائي والتصوير بالأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء.. الخ.

ومع كل تطور يتبعه تطور آخر ومسايرة أخرى في التصوير الفوتوغرافي.. ونحن هنا لسنا بصدد ذكر ما قدمته الصورة في مجال العلم لأنها أكثر بكثير من أن تذكر أو تحصى.. ولأنها كذلك “نار على علم” شاخصة للعيان في كل يوم بل وربما في كل لحظة تدرك ذلك، وانما هنا نحاول التركيز على تطور الصورة الفوتوغرافية في مجال العلم في الماضي والحاضر والمستقبل.. فقد كانت الصورة دائما ناقلا للأحداث والمكتشفات العلمية.. ومع هذه التطورات يتطور التصوير ويذهب في العمق بعيدا.. هكذا عبرت الصورة عن العلم وحتى وقت قريب !!

فحتى وقت قريب كان الهدف من الصورة وخاصة في المجالات العلمية هو نقل الواقع كما هو دون تغيير أو تبديل حتى يمكن للعلماء متابعة مساراتهم ومكتشفاتهم.

كل ذلك كما قلنا حتى وقت قريب.. اذن حدث شي ء ما قلب هذه الموازين، نعم هو كذلك حيث أصبح بامكان المصور الآن أن يتحكم في الصورة التي التقطها ليغير فيها ما يشاء!! حدث هذا بعد اختراع ما يسمى “بالتصوير الرقمي” فالفيلم هنا ما هو الا اسطوانة صغيرة(Disk) بعد أن تلتقط الصورة ما عليك الا أن تدخلها في جهاز الحاسب الآلي لتجري عليها ما تشاء من معالجة.. وقد أثار هذا الإختراع الجديد العديد من القضايا النقاشية خاصة في مجالات العلم والصحافة والفن التشكيلي _ كما سنرى فيما بعد _ هذه ليست خدعة من خد عات الـ (Camera Obscura) (17) وانما هي حقيقة باتت تؤرق العديد من الفنانين والنقاد حول مستقبل التصوير الفوتوغرافي.. حيث شكلت ثورة علمية هي نتاج انفجار الذكاء الذي سبق الحديث عنه.

وفي مجال العلم بدأ الشك يساور العلماء حول حقيقة الصورة بعد اختراع “المعالجة الرقمية” حيث يقول (J. W. Matchel) في كتابه (إعادة تشكيل ما يرى.. الحقيقة المرئية في عصر ما بعد التصوير الفوتوغرافي) “نشهد اليوم ازدياد تكاثر تقنية التصوير الرقمي. وقد أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من أن تكون معظم الصور التي نراها في حياتنا اليومية والتي تكون فهمنا للعالم ومعرفتنا به مسجلة ومنتشرة ومعالجة بالتقنية الرقمية “.

ويقول في موضع أخر “ان ظهور التصوير الرقمي اجبرنا جميعا على أن نكون حذرين جدا ويقظين عقليا وعاطفيا في تفسيراتنا لما نرى.. وسوف يؤدي التطور السريع للمعلوماتية الى فيض متزايد من المعلومات المرئية الرقمية.. وما علينا الا أن نعني كثيرا بتمحيص الأمور والتمييز بين الحقيقي والمزيف منها” (18)

أما الصورة في الصحافة فلم تعد عمليات الفوتومونتاج (Photomontage) كما كان يعتقد الاستاذ محمود علم الدين _ (وهى عمليات القص والتركيب ) هي أخطر عمليات تغيير ملامح الصورة (19) بغية تغير فكرة أساسية قائمة أو تعديلها أو الغائها واحلال أخرى مكانها..

بل أن العمليات القديمة في غرف المونتاج والتصوير بالصحف من قص وتركيب وتحكم في الصورة عن طريق التحميض والطبع والقطع أصبحت مجرد أشكال قديمة.. ولم تعد العمليات التي تعلمناها من كتاب (New Dimensions inPhoto Imaging by lura Black Low) لم تعد هذه العمليات أفضل العمليات بل أصبحت أشكالا قديمة حيث “يمكن أن تصبح المعالجة الرقمية لصور الصحف شكلا جديدا للتزييف”. (20)

وهو أمر جد خطير بلا شك.. انطلاقا من العلاقات الشخصية وسيرا بالعلاقات الدولية بين الأمم والشعوب.. فعن طريق المعالجة الرقمية يمكنك أن تقدم رجلا على أخر رغم أنهما كانا معا.. أو أن يظهرا انهما على خلاف رغم أنهما على وفاق.. ناهيك عن قدرة المصور في التلاعب بالملامح والحركات.. فهل وصلنا حقا كما يقول (J. W. Metchel ) الى عصر ما بعذ التصوير الفوتوغرافي ؟!

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.