11-10-2012 
 تشكيليون فلسطينيون (97) الفنان أحمد حيلوز
  
  خاص بمؤسسة فلسطين للثقافة

عبد الله أبو راشد*

الفنان التشكيلي الفلسطيني “أحمد حيلوز” المولود في مدينة قلقيلية بفلسطين عام 1949، وجدت موهبته الفنية وطاقاته اليدوية المتفجرة طفلاً ويافعاً محمولاً بحيوية الشباب في معهد الفنون الجميلة في العاصمة العراقية بغداد، ووجدت مُتسعاً رحباً لتفريغ شحناته وطاقاته الزائدة المهنية والحرفية، في عراك ممتع ما بين المادة والفكرة التعبيرية والمحتوى الموضوعي والتقنيات المتعددة، المشغولة بخامات التشكيل النحتي المُجسم والمُسطح متنوعة العناصر والمفردات، لتجتمع في طيات منحوتاته خلفيات رمزية مُشرعة على مفاتن الذات الشخصية والأنا الفردية، وما تكتنفه مشاعره من عواطف جياشة وشجون وأماني متساوقة مع مناطق الهوى والعشق الوطني لبلده وقضيته الفلسطينية والمتجلية في أعمال تخرجه من قسم النحت عام 1980.

أقام قبل التخرج وبعده مجموعة من المعارض الفردية ما بين أعوام (1977-1994) والجماعية ما بين (1982-2011)، في مناطق ترحاله وتجواله وأماكن إقامته المتعددة، بوصفه فلسطيني لاجئ مرتحل على الدوام في أرض الله الواسعة، حاملاً على ظهره رزمة آلامه جملاً لمحامل أقداره، تارة يحط فيها ما بين أهله وربعه وخلانه في الدول العربية المُحيطة بفلسطين والخليج العربي وتارة في ضيافة صداقاته في المغتربات الأعجمية الأسيوية والأوربية ومكنه ذلك من المشاركة في عدة اتحادات مهنية ونقابية فلسطينية وعربية وعالمية.

وليجد ذاته الفاعلة والعاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة وفي ظلال عاصمة الثقافة فيها الشارقة موطناً مؤقتا ما قبل العودة، وموئلاً مناسباً حاضناً لتجلياته الفنية ومُبادراته المشهودة في العمل النقابي والمهني والأكاديمي في قيادة ورشات عمل متنوعة لدارسي الفنون والتربية الفنية في معاهدها ومن مختلف الأجيال. وليجد في مكان إقامته فرصة طيبة الأثر لتنفيذ مغامراته البحثية والتقنية على خامات ومواد نحتية متعددة، وليحصد نتاج جهده ومساحة ابتكاره مجموعة من الجوائز التقديرية والمادية في أكثر من تظاهرة فنية لاسيما بينالي الشارقة في أكثر من دورة.

المتصفح لمسيرته الفنية التاريخية سيجد وبلا أدنى شك أنه فنان غادر من اللحظة الأولى لتخرجه من معهد الفنون ببغداد مخادعه الأكاديمية والمدرسية ليعود إلى أحضان فطرته وعفويته المقصودة، وحريته في تخير مواضيعه وتقنياته بوعي الفنان الدارس والنحات المتمرس والمغامر المتمكن من قدراته على تطويع أدواته وطاقات خاماته، ولتكون مرحلة الدراسة الأكاديمية مجرد ورشة عمل مُثمرة وطريق عبور انتفاعي لوظيفة ما أو عمل مهني في حقول التدريس.

ولكنه في نهاية المطاف أطلق العنان لحريته الشخصية والتعبيرية الفنية المتحررة من القيود الوظيفية والمدرسية التقليدية بالفن، ليُغرد خارج سرب المألوف التشكيلي، ويبني عوالمه البحثية النحتية والتصويرية على أمجاد طفولة هاربة وجدت فيها ذاته الفنية التشكيلية محطة مهمة في تحقيق طموحاته ورؤاه الفنية التشكيلية وعلى هواه الشخصي، وملاذاً آمناً لمد جسور علاقاته البحثية مع ميدانه النحتي الموزعة ما بين الكتل والسطوح والتجاويف والأعمال التركيبية ومؤثرات الصباغة اللونية والتحليق الذاتي في فضاء حريته التشكيلية المنشودة.

تجده قبل أن تعرفه عن قُرب ومن خلال تصفحك صوراً لأعماله أنه أشبه بطفل راشد، يُحسن التعامل مع أفكاره وتصوراته ومعالجته لتداعيات صوره ورزم مُذكراته المحفوظة في مناطق مخيلته الحافظة، ومعابر وعيه بالأماكن والأشياء والمتعلقة بحكايات الطفولة والتراث وبقايا بيوت وشخوص عالقين في واحة المتخيل البصري لديه، ومسكونين في عميق وجدانه عبر توليفات المساحات والخطوط، وكتل مرصوفة تفصح عن تضاريس جغرافية إنسانية متسعة لمواضيع الحلم واليقظة في لحظات التأليف البصري والبوح عن حرفية وتقنية تُحقق له المتعة والارتياح وخصوصية التأليف والتشكيل، كباحث خارج للتو من مجاهل محترفاته.

التعبيرية الرمزية والتجريدية، وطرائق وأساليب المهن الحرفية المتبعة في ميادين الفنون التطبيقية، هي من مرجعياته البصرية ومجالاته الحيوية التي يلتقط من وهجها مداه التشكيلي ويستطيع المتلقي رصد مضامينها بما تحوي من بساطة وتبسيط شكلي لمرصوف العناصر والمفردات التشكيلية المتجاورة والمتداخلة في مهرجانات بوحه التقني، ولا تقف المواد والخامات عائقاً في وجه مُبتكراته. بل هي متنوعة ومتكاثرة بتنوع مصادرها الطبيعية والصناعية، وتجد للمشغولات المعدنية والخشبية واللدائن والمواد البلاستيكية والملونات المائية وسواها مكاناً رحباً لمكوناته ومشدودة على الدوام على منابت الفطرة والعفوية وعبث الطفولة بالأشياء.

أعماله النحتية تأخذ من النحت التشكيلي صيغ بنائية متعددة، موزعة ما بين ثلاثية الأبعاد المنظورة لتناسق وتداخل الكتل وتوليفات السطوح، أو ثنائية من طول وعرض وحجم من نوع روليف جداري. مأخوذة بوظيفية الفن ونفعيته وجمالياته، وارتباطها بشجون الفنان الذاتية من ناحية، وجذب اهتمام المتلقي لسرق لحظات إعجاب ودهشة من ناحية ثانية، أو بعضها مصحوب برمزية شفافة حول هموم النحات الوطنية والكفاحية اللصيقة بوجوده كمواطن فلسطيني مُهجر عن أرضه قسراً بفعل غزوة الاغتصاب الصهيوني في كثير من الأحوال.

بينما نرى لوحاته التصويرية تُكمل عفويته وتلقائيته برسم معالم الطبيعة الفلسطينية التي عايشها طفلاً وبقيت مسكونة في جوانحه، يسرح فيها بغنائية العاشقين الصغار الحالمين بالتقاط فراشات البستان، أو رسم تذكارات على حاشية جدار أو جذوع أشجار في القرية، أو تلامس عشبها وأزهارها في تشكيلات صورّية لا تُغادر في أسلوبيتها وتقنياتها المشغولة عالم الطفولة. وكأن الفنان ما زال يعيش سويعات طفولته ويركض في رحابها فرحاً بحريته وباحثاً عن لحظة انتظاره المديدة في العودة إلى بيت المنى والحلم الفلسطيني المُشتهى.

تقنياً تعامل مع جميع مكوناته وتقنياته المشغولة بتنوع الخامات وطرائق سباكتها بحرفية الصانع الماهر، مُخترقاً وسائط العادة في تخير المحتوى البصري والفكرة التعبيرية التشكيلية، فقد بقيت أعماله مرتهنة إلى لحظات البدء بالعمل دون أفكار مسبقة وجاهزة. تُولد مواضيعه تباعاً مع حركة يده وتستحضر مخزونه البصري دفعة واحدة في قوالب شكلية غير واقعية، وجدير ذكره أن جميع أعماله الفنية النحتية خصوصاً، مسكونة بملامحه وصورته الشخصيته، وتجود بما لديه من مهارات وسرعة بداهة حركية على تشكيل مقاماته النحتية، سباحة في حداثة تشكيلية غير مسبوقة ومتروكة لحرفية الفنان في لملمة عناصرها التشكيلية في بوتقة بصرية لافتة.
ـــــــــــــــــــــ
* فنان وناقد تشكيلي فلسطيني

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.