16-8-2012
 تشكيليون فلسطينيون (93) الفنانة رحاب صيدم
  خاص بمؤسسة فلسطين للثقافة

عبد الله أبو راشد*

الفنانة التشكيلية الفلسطينية “رحاب صيدم” المولودة في ديار غربتها الجغرافية بمدينة الاسكندرية المصرية عقب مسارات اللجوء المريرة الحادثة بفعل غزوة الاغتصاب الصهيوني عام 1948. تعود أصولها الفلسطينية إلى بلدتها ” عاقر ” في قضاء مدينة الرملة التي هُجر أهلها منها قسراً وقهراً. والتي وجدت لها ملاذاً مؤقتاً في أحضان المملكة الأردنية الهاشمية كحاضنة اجتماعية لتعيش تفاعلات حياتها كسائر الأسر الفلسطينية المهجرة. ولتقودها مقاديرها إلى العيش بإمارة الشارقة الإماراتية في ظلال زوجها الفنان التشكيلي القدير “د. عبد الكريم السيد”. ولتستكمل دورات حياتها الشخصية والمهنية وطموحاتها في التعليم والتعلم ودروب الرسم والتصوير الملون.

وحكايتها في ميادين الفن محمولة بالطرفة والإرادة الصلبة والرغبة في تحقيق طموحاتها الذاتية المرهونة بميادين الفن التشكيلي ومعابر الرسم والتلوين، وقد كانت أشبه بوردة فنية تشكيلية خارجة للتو من عفوية الهواية وبقيت كذلك. وما سنوات عمرها الموزعة ما بين عملها كمدرسة لمواد اللغة العربية والتربية الإسلامية لنحو خمسة عشر عام في مدارس إمارة الشارقة، ودراستها فنون الصحافة والإعلام عن طريق المراسلة في الجامعة الأمريكية بلندن وحصولها على بكالوريوس إعلام، وبيتها وتربية ابنائها وهمومها الأسرية، إلا تفاصيل يومية فاعلة ومُحرضة على اكتشاف ذاتها الفنية التشكيلية ولو بعد حين. ولم يثنيها حلمها التشكيلي المستدام من أن تعود وفي سن متقدمة للجلوس مجدداً كطالبة في مقاعد الدراسة في معهد الشارقة للفنون التشكيلية منذ العام 2004، وخوض غمار التجربة والمتعة الشخصية وتحقيق المنى والأحلام الفائتة والاستفادة من الدورات الفنية التي اتبعتها، كخطوة على طريق تحقيق طموحاتها في ذلك الاتجاه، والتي لقيت من اسرتها وزجها الفنان عبد الكريم السيد وابنتها الفنانة إيمان السيد ومحيطها الاجتماعي كل الدعم والتأييد والمساندة.

وقد كانت إمارة الشارقة نقطة الانطلاق نحو تجارب عروضها الفردية الأولى، والمجال الحيوي لإزاحة قشرة بركان مواهبها الدفينة والمدربة، لينفجر معين ابتكارها الزاخر بفنها المشبع بالحكايات الرمزية والتفاعلات الجمالية المسكونة بحساسية المرآة الشفافة والخجولة والبسيطة، والمتفاعلة مع أنوثتها وخصوصيتها الحياتية كأم وعاملة وهاوية، وكاشفة عن مدى ارتباطها بوطنها الفلسطيني وهموم شعبها في أكثر من لوحة ومقام تشكيلي.

أقل ما يُقال في رسومها ولوحاتها التصويرية والمائية خصوصاً. انها سابحة في بحور التجريبية اللطيفة، المتهادية في واحة التعبيرية المنفتحة على جميع الخيارات التقنية من رسم وتلوين على سطوح الزجاج والورق والقماش، تسبر أغوار متعتها الشخصية وحبها لفنها بما فيه من عفوية البحث والصياغة التقنية ورمزية المواضيع التي تود البوح في مضامينها، ولا تجد غضاضة من اتباع جميع الأساليب التقنية المتاحة والمحملة بالتبسيط الشكلي وحرية الحركة في تخير العناصر والمفردات التشكيلية، ورصف الملونات الراقصة في حيز التكوينات المسرودة هنا وهناك.

وكأن لسان حالها التشكيلي ينبئنا بأننا امام فنانة رقيقة الإحساس، تمشي في حقول الفن على استحياء، مٌعمرة بتباشير الرضى ودلائل فرحتها وسرورها من ذاتها الفنية ولوحاتها الملونة، والمعشبة بأزاهير الوطن الفلسطيني وهموم شعبها، تستنهض ذكرياتها ومذكراتها البصرية الموصولة بالحلم لفلسطيني المنشود، حلم التحرير والعودة، والمتوارية في ظلال ملونات دافئة مغتسلة بملونات الطبيعة، عبقة بمدارات التفاؤل المشروع بالحياة، والمسكونة بحيوية الرمز والحركة المتجلية في مجمل عمائرها التشكيلية.

لوحاته التصويرية موزعة ما بين مواضيع تتغنى بالطبيعة الخلوية وتبرز جمالياته الشكلية على طريقة سردها التقني غير المتكلف، صناعة أو تحويراً لمساحات لونية ممتدة داخل أسوار كل لوحة من لوحاتها. تُقارب في كثير منها لقطات تسجيلية متصلة بعبث الطفولة البادية في ملامحها الوصفية ومسارات سردها البصري، والمُستعارة من مخيلة حافظة، أو ذاكرة بصرية مرئية لبيوت وحواري وأنهار وبحار وحشائش وأزهار مترامية في متن تفاصيل مكوناتها التفصيلية.

ونجد في لوحاتها فسحة تشكيلية متسعة لعذابات الشعب الفلسطيني وهمومه، معينة بالأرض والإنسان ومفاهيم الحرية ورفض الظلم والقهر والعدوان، وتسجيل مواقف بصرية مُتناسلة من المجازر الصهيونية المتكررة والمستدامة بحق شعبنا الفلسطيني داخل الوطن وخارجه. تستحضر البطولة والصمود وتفخر بأبنائها من صناع المقاومة في مواطن عديدة من مساحة النضال الوطني الفلسطيني. وتكون مدينة جنين هي الأبرز في مضامين نصوصها التشكيلية.

الأنثى الفلسطينية حاضرة بقوة في لوحاتها، وكأنها تعبير ذاتي عن فصول القضية الفلسطينية، ومحددة لمكانة المرأة والنسوة الفلسطينيات الوظيفي في عمليات البناء والتربية والتحرير والمقاومة، تصوغها في مواقف تعبيرية عديدة،  وتجمع مؤتلفات الرؤى البصرية في كسوة جمالية متوالدة من دثار التراث الشعبي الفلسطيني في ازياءه المعروفة والموصوفة، كنوع من النضال على جبهة الثقافة والتاريخ ومكونات البقاء في حرب الوجود.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فنان وناقد تشكيلي فلسطيني
[email protected]        

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.