ترميم النحت وجديده

سنتحدث هنا عن فن النحت وصنع التماثيل. سنعرف هذا الفن ونشير إلى تقنياته الأساسيةK

ومفهوم العمل بالترميم،

إلى جانب التعرف على تقنيتان حديثتان.

ولكن قبل الخوض في هذا الموضوع تجدر الإشارة أولا إلى ما ورد في الكتب المقدسة عن أن الله صنع آدم من طين.. والمجيء على ذكر خرافة بيغماليون، نحات الأسطورة الإغريقية، التي تتحدث عن بعث الآلهة أفرودايت الحياة في منحوتة صنعها. ما يؤكد بأن التاريخ الواقعي والخيالي للجنس البشري يصنع جانبا من اللوحات، كما يعزز تقنيات النحت عبر العصور.

يتمكن النحات من خلال هذا الفن من إعطاء الذاكرة شكلا، وكأنه يعرب عن وجهة نظر أو فكرة مجردة، وهو يعتمد تحقيق ذلك على تقنيات راقية ومحدده.

تقنيات أساسية

تتمثل إحداها بالحفر في المادة، شيئا فشيئا حتى يتخلص النحات من أجزاء في قطعة الصخر, أو الخشب أو أي مادة أخرى.

يصبح لكل حركة من خلال هذه التقنية، نتيجة محددة وثابتة، بحيث لا يمكن إصلاح أي خطأ يرتكب.

أما صناعة التماثيل فهي على عكس النحت تسمح للفنان بان يجري التعديلات على إبداعه دائما.

كما يمكن ذلك بإضافة بعض المواد، أو إزالة مواد إضافية، إلى آخره…

يمكن للمواد التي تتميز بالليونة فقط، كما هو حال الطين الرطب، والبلاستر والشمع الساخن، أن تستخدم في هذه العملية.

يمكن للفنان بعد الانتهاء من عمله أن يعيد إنتاج نسخة واحدة أو عدة نسخ منها. بطبعها على البرونز.

يعتمد البرونز المستخدم اليوم في الصناعات اليدوية بشكل رئيسي على النحاس.

النحاس في طبيعته، يعاني من انه لين جدا. ذلك أن ذراته تعتمد بنية عاديه، يعتبر تماسكها قائما بتركيبة شبه مفروضة.

عادة ما تتراكم الذرات فوق بعضها البعض حين تتعرض هذه التركيبة للضغط.

تنجم سهولة تزاحم الذرات فوق بعضها البعض عن خروج أجسام الذرات ولو قليلا، من أماكنها.

تعالج إضافة القصدير إلى النحاس هذه المشكلة. ذرات القصدير، الأكبر حجما من ذرات النحاس، تستقر في الفراغ الذي تتركه شبكة الذرات فيصبح تماسك هذا المزيج اشد صلابة، من النحاس الخام.

لكن النحاس يعاني من عائق آخر، فهو عادة ما يميل إلى الصدأ، ما يعني انه يتفاعل مع الأكسجين، الذي يغطيه باللون الأخضر.

تحل هذه المشكلة بإضافة الزنك إلى النحاس، فالزنك يمنع الصدأ ويزيد من مقاومة النحاس.

يحتوي البرونز على بعض الرصاص، مما يجعله اكثر ليونة فيسهل ما تحتاجه اللمسات الأخيرة من عناية بالتفاصيل.

تعرف العملية الأكثر شهرة لنسخ تمثال من البرونز بطباعة الشمع الضائع.

تتمثل المرحلة الأولى بتغطية المنحوتة بمطاط سائل، يسمى إيلاستومير.

تكمن مهمة الإيلاستومير مبدئيا بتحديد ملامح المنحوتة. عندما تنشف ترفع عنها وتثبت على قالب كي تبقى في مكانها.

ثم يصب خليط من الإسمنت المقاوم للحرارة في قالب الايلاستومير.

تعيد هذه العملية تشكيل ملامح المنحوتة تماما.

عندما ينشف الإسمنت في القالب، يفتح الأخير، لإخراج النسخة الجديدة، كي تحف جيدا فتزال عنها طبقة من بضعة ميليمترات.

يتم في المرحلة التالية، إغلاق النسخة الجديدة في قالب الايلاستومير مرة أخرى.

ثم يصب الشمع في تجوف البضعة مليمترات القائم بين القالب والنسخة الجديدة،

يتأكد الفنان من الشمع ويضع لمساته الأخيرة عليه وفقا لمنحوتته الأولى. ثم يغطى سطحها بشبكة من الأنابيب، ليصب من خلال هذه الشبكة المعدن المذوب إلى المنطقة التي أصبحت فارغة، بين القالب والنسخة الخارجية.

ينتهي الفنان من قولبة منحوتته، بنشر كمية من التراب المقاوم للحرارة على كافة جوانبها.

ثم تترك القطعة الفنية لمدة أسبوعين كي تجف.

بعدها تسخن القطعة بالتدرج لتذويب الشمع، الذي يخرج عبر شبكة الأنابيب. بعد تتعرض القطعة للنار بأيام، يطمرها الفنان بحفرة من نشارة الحديد أو التراب.

ثم يصب البرونز المذوب في قمع، متصل في شبكة الأنابيب.

ينساب المعدن الذائب عبر الأنابيب ليملأ الفراغ بين القالب والنسخة.

بعد ما يتراوح بين الأربعة والعشرين والثمانية والأربعين ساعة تحطم السبيكة لإخراج القالب.

وهكذا تخرج النسخة المطابقة للأصل، لتعتبر بالتالي اللوحة النهائية.

ولكنها تحتاج إلى لمسات أخيرة، تكمن بالنقش والتعتيق.

ينقش الفنان سطح المنحوتة الغير كامل، ويضفي عليها كل التفاصيل التي في المنحوتة الأصل.

يمنح التعتيق البرونز لمعانا ولونا مميزا.

يمكن للفنان أن يختار من الألوان التي تتراوح بين الأحمر البني، والرمادي الداكن، وبين الأخضر والأزرق.

يتم التعتيق باستخدام عدة طبقات من تركيبات كيميائية محدده، كما هو حال الأسيد والاكسيد. عند تسخينها بشعلة نارية، تلون هذه التركيبة سطح البرونز.

على خلاف أسلوب النحت، الذي تطور على مدار العصور، بقيت تقنيات النحت على حالها تقريبا.

ربما لأنها كانت دائما تفي، بمتطلبات النحت.

الترميم

على المنحوتة سواء كانت هذه، تعبيريه، أو تجريدية، أن تواجه مرور الزمن، والأمطار، والتلوث، والتلف الطبيعي وكلها عناصر هدامة.

مراكز الترميم هي التي تعنى بإعادة شبابها إلى سابق عهده.

رغم أنها مصنوعة من مواد صلبة ومقاومة، تقع المنحوتات ضحية لمرور الزمن.

تسارع مجموعة ظروف كالتعرض لأحوال المناخ القاسية، ببلوغ المنحوتات سن الهرم.

ألد أعداء المنحوتات هي الماء والجليد ومياه المطر أو الثلج، يحلل الأملاح التي تتشكل منها المواد.

كما أنها تدخل في مسامات التشقق في الصخر. يتمدد الماء حين يصبح جليدا، ما يؤدي إلى تحطم الحجر.

كما أن الهواء الملوث يجعل ماء المطر اكثر حموضة.

يهاجم المطر الحامضي الحجر الكلسي بعنف شديد، حتى انه يحوله الى سلفات الكالسيوم. أي إلى حجر اسود هش.

أضف إلى ذلك أن الرطوبة الدائمة تسبب خروج الأملاح الذائبة من الصخر إلى سطح المنحوتة.

عند تبخرها، تتجسد هذه الأملاح وتجمع الغبار لتشكل بقع سوداء غير محددة الملامح.

تختلف العملية المتبعة لترميم المنحوته وفق المادة المصنوعة منها ونسبة تلفها.

فيعرف الأسلوب الشائع المتبع لإزالة الأوساخ المتراكمة على المنحوتة بالمعالجة بالرذاذ.

وهو يكمن برش المنحوتة بماء صلب، هو الماء الكلسي.

يفضل الماء الصلب على الماء النقي، أو الماء الخالي من المعادن، على اعتبار أن هذا الأخير يمكن أن يحلل الأملاح الموجودة في بعض الصخور.

يتم رش الرذاذ على المنحوتة لبضعة أيام، لا يصيب الماء الحجر بالضرر، بل يزيل الأوساخ عموما، ويساعد على نقائه.

هناك أسلوب آخر اكثر رأفة يتبع مع الصخور القابلة للكسر. وذلك من خلال تركيبة كيميائية تعتمد على صودا الأمونيوم.

يمزج المرمم هذه المادة بالماء لتصبح عجين.

ثم يمدها على قطعة من النسيج، توضع على سطح المنحوتة لتمتص الأوساخ دون أن تؤثر بالحجر.

عادة ما يتم تنظيف المنحوتة المشوهة جدا والمغطاة بطبقة سوداء، برشها بالرمال الناعمة جدا.

بضغط لا يزيد امتداده عن طول ريشة القلم، يتم رش هذا الغبار مباشرة على طبقة الأوساخ لإزالتها.

عادة ما يتشكل هذا الغبار من ذرات زجاجية صغيره، تتحطم عند اصطدامها بالحجر.

تعتبر النتيجة على المنحوتة اقل قسوة، حتى أنها لا تبلغ ما يشبه الكشط بل هي كتأثير استعمال الممحاة.

لإزالة طبقات اكثر قسوة يتم استخدام غبار الياقوت.

والياقوت هو معدن بالغ القسوة، يتواجد بلون احمر او ما يسمونه بحجر السفير.

من حيث الصلابة، يأتي مباشرة بعد الألماس، لهذا فان له قدرة على الكشط اكبر من شفرات الزجاج.

وعندما تحتاج المنحوتة إلى معاملة اشد حساسية، يتم استخدام مواد اكثر لطفا،كغبار نوى فاكهة المشمش، أو غبار قرن الذرة المطحون.

هذه المواد قاسية بما يكفي لإزالة الأوساخ دون إيذاء الحجر.

لدى فرق الترميم اليوم أداة أشد فعالية واكثر دقة للتنظيف تسمى بما فوق الصوتية.

يستخدم أطباء الأسنان هذه التقنية لإزالة الحافور عن الأسنان.

يستخدم المرمم هذه التقنية لمعالجة المنحوتة المغطاة بالكونكريت، وهي مكامن الأملاح المتحجرة أو الحصى.

عادة ما تتجمع هذه المكامن من خلال الأملاح التي تلتصق بعد أن تلامس التراب.

ينمو الكونكريت على سطح المنحوتة التي تدفن في الأرض لعصور من الزمن.

كثيرا ما تكون هذه المكامن بقسوة الرخام. إلا أن ما فوق الصوتية تستطيع أن تحوله إلى غبار. كما أن دقتها العالية لا تقارن بنجاح.

أيا كانت التقنية التي يختارها المرمم، فهو يعتمد على مبادئ ثلاث.

أولها الاحتفاظ بالجزء الأكبر من العمل الأصلي.

وثانيها أن يتمكن من التراجع عما فعله. متى أراد ذلك، باستعماله صمغ يمكن حله مثلا لمعالجة منحوتة مكسورة.

إذا ما تم العثور على القطعة الضائعة يوما، يمكن سحب القطعة المرممة لتحل محلها القطعة الأصلية.

وثالثها أن يكون الترميم قابلا للرؤية وواضح للعيان.

بوضوح اكبر يجب أن نكون قادرين على تمييز القطع المرممة، ولك احتراما لعمل الترميم, ولمن يشاهده.

قبل البدء بأي عملية ترميم، على الخبير أن يحدد اختيارا.

ربما يختار من جهة, ترميم المنحوتة بحيث يبرز أهميتها التاريخية، دون أن يحجب التشوه الذي أصابها على مر السنين.

ربما يقرر من ناحية أخرى، أن يرمم المنحوتة وأن يعيدها إلى روعتها السابقة، بإخضاعها إلى عملية تنظيف دقيقه.

وربما يعيد بناء القطع المفقودة. بهذه الحالة، يصبح الترميم اكثر من مجرد تطبيق لبضعة تقنيات، ليصبح فنا، بحد ذاتها.

تعتبر حماية ميراثنا الفني، مسالة حيوية، ولكن إثراءها يعتبر بالحيوية ذاتها. تقدم التقنيات المعاصرة للفنان أدوات جديدة يعمل بها، سنتحدث هنا عن اثنين منها.

تقنيتان حديثتان

شرع انفجار الثورة العلمية والتقنية أبوبا واسعة وإمكانات جديدة ومتعددة للفنان.

ففي حين كان الفنان التقليدي ينجز لوحة فنية ميتة، ثابتة في مكانها. أصبح البعض يقوم بدفع الحركة في لوحته ويدب الحياة فيها باستخدام بمواد جديدة سميت بمزيج “يحمل شكل الذاكرة”.

لهذا المزيج القدرة على الاحتفاظ بشكل واحد أو اكثر. عود اليه عندما يتعرض لدرجات حرارة معينه.

قبل أن يتم إكتشافه في بعض أمزجة المعادن، برزت ظاهرة أشكال الذاكرة هذه في البلاستيك، وبعض الأقمشة، وحتى في الشعر،

لتؤكد أنه منالممكن السيطرة على مزيج شكل الذاكرة.

يمكن لسلك مستطيل مثلا، أن يصنع بحيث يتذكر شكل البرسيم.

على الفنان أن يطوي السلك ليمنحه الشكل المطلوب.

ثم يسخنه على درجة حرارة معينه، بإجباره على الاحتفاظ بشكله الجديد.

وحين تبلغ درجة الحرارة المحددة يبدأ فعل الذاكرة الذي لا نعرف الكثير عنه.

عندها يحفظ المعدن في ذاكرته شكل البرسيم الذي صنع منه في المرة الأولى.

بعد أن يبرد المعدن، يعود إلى شكله الأساسي، أي إلى ما كان عليه من سلك مستقيم.

إذا جرى تنفيذ هذه العملية عدة مرات، يمكن للمعدن أخيرا، أن يتعلم تذكر الشكل, الذي يمنحه له الفنان.

وسوف يعود السلك إلى شكل البرسيم كلما تعرض لحرارة الذاكرة المحددة.

هناك نوعين من ذاكرة الشكل. فالأشياء القابلة للتذكر يمكنها أن تتذكر شكلا واحدا.

مع أن إخضاع المزيج نفسه إلى عمليات مختلفة، يساعده على أن يتذكر مجموعة من الأشكال، التي صممها الفنان.

هذا ما يسمى بتأثير الذاكرة المضاعف.

تسمح هذه العملية للفنان بان ينجز أعمالا خارجية يتغير شكلها وفق ما يطرأ على درجة الحرارة.

بعضها يتحرك وفق ساعات اليوم وآخر وفق تغير الفصول. كل هذا يعتمد على درجة الحرارة المحددة للذاكرة، كما ونسبة المعادن المشاركة في المزيج.

يعتمد افضل مزيج يتمتع بهذه الخواص، في الوقت الراهن، على النيكل، والتيتانيوم بشكل رئيسي.

فهي تتمتع بمائة ألف دورة للذاكرة، أي أنها تستطيع إعادة بناء، عدد من الأشكال التي تعلمتها، مائة ألف مرة.

وبعد ذلك، يفقد الذاكرة.

كما يمكن أن نمحو تلك الذاكرة أيضا بتسخين المعدن على درجة حرارة أعلى من درجة حفظ الذاكرة.

إلى جانب اكتشاف هذه المواد التي تتميز بخواص هي أشبه بالسحرية، استفاد فن النحت من تقنيات جديدة في التصميم.

يسمح الستيريو ليتوغراف للفنان مثلا بان يكون جسما ثلاثي الأبعاد ، دون أن يستعمل يداه.

تتميز هذه العملية بالدقة المدهشة والسرعة الفائقة، بحيث يمكن بناء قطعة بالغة التعقيد خلال بضع ساعات.

يستعمل الستيريوليتوغراف نوعا من البلاستيك, الذي يتصلب حين تعرضه لأشعة لايزر فوق البنفسجية.

يعكس الفنان أفكاره على الورق أولا.

ثم يلجأ إلى سبل التصميم عبر الكمبيوتر، حيث يمكنه أن ينجز عمله ضمن أبعاده الثلاث، ليعدل ما فيه وفق ما يراه مناسبا.

حين يتم تحديد الشكل النهائي لعمله، يتم بث صورته الختامية إلى جهاز الستيريوليتوغراف.

تكمن هذه الآلة بخزان، مليئة بمادة صمغية سائله تحتفظ بمستوى محدد.

وصينية تعلو وتهبط وهي مغمورة بالسائل، توجه أشعة الليزر نحو دائرة محدده من المادة الصمغية التي تغطي الصينية.

ما يمنح الصلابة لسطح المادة، الذي يشكل أولى ملامح العمل الفني.

بعد هذه الطبعة على الليزر، ترسل الصينية التي تحمل الملامح الأولي إلى عمق الخزان، ثم إلى الأعلى، كي تكشط.

ينجم عن هذه العملية أن تغطي طبقة رقيقة من الصمغ السائل ذلك السطح الصلب.

تتكرر هذه العملية، إلى أن يتم إنجاز العمل.

يمكن تطبيق الستيريوليتوغراف في حقول أخرى متعددة، بما في ذلك الطب والصناعة.

فبالاعتماد على صورة عظمة لأحد المرضى مثلا، أخذت عبر تقنيات التصوير الطبية، يمكن للخبراء إعادة بناء نسخة ثلاثية الأبعاد، عن تلك الصورة.

يمكن الاستفادة من إعادة التصميم هذه لبناء عضو صناعي، يتناسب جدا مع جسم الإنسان.

يؤكد الاعتقاد السائد أن الفن والعلم يتعارضان. وقد ثبت اليوم عكس ذلك تماما. خصوصا وأن العلم ما زال يفتح آفاقا جديدة، للعبقرية الإبداعية، للفنان.

قريبا ستمسك المنحوتة بزمام أمورها، لتتخلى عن جمودها المحكوم بالزمن، ليعود الفضل في ذلك إلى انفتاح العقل الإنساني وأهمية عبقرية البشر.

——————–انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.