قصة الحب بين ولادة وابن زيدون

01 04

محاضرة للأستاذ فاخوري في فرع اتحاد الكتاب العرب بحلب

أقام فرع اتحاد الكتاب العرب بحلب محاضرة للأستاذ محمود فاخوري بعنوان «قصة الحب بين ولادة وابن زيدون»، وذلك في مقر الاتحاد. وقد قدّم للمحاضرة الأستاذ عبدو محمد رئيس فرع الاتحاد بحلب.

وفي المحاضرة تحدث الأستاذ فاخوري عن شخصية ابن زيدون السياسية والأدبية، وعن نشأته في قرطبة بالأندلس، وعن العصر الذي عاش فيه، كما أشار إلى علاقة الحب التي نشأت بينه وبين ولادة بنت المستكفي، والقصائد التي كتبها لها ، مشيراً إلى شخصية ولادة وشخصية أبيها، والبيئة التي نشأت فيها.

ومما أشار إليه في هذه المحاضرة هو أن ابن زيدون ينتمي إلى قبيلة مخزوم التي يتحدّر منها القائد خالد بن الوليد والشاعر عمر بن أبي ربيعة.

عاش في قرطبة وكان ذا مواهب جمة وكانت قرطبة تحت حكم بني جهْوَر، ويعد عصره أزهى عصر أدبي في الأندلس، وفي شبابه كان يتردد على الصالون الأدبي لولادة بنت المستكفي فنشأت بينهما علاقة حب متبادل، ولاسيما في بداياتها.

شارك ابن زيدون في الأحداث السياسية وتوزعت حياته كلها بين الحب والسياسة معاً، وقد قرّبه أمير قرطبة إليه، وولاه الوزارة، وطابت له الأيام بين الحب والسياسة والمناصب والزيارات المتبادلة.

على أن هذه السعادة لم تدم طويلاً فقد نافسه فيها وزير آخر هو ابن عبدوس الذي راح يكيد لابن زيدون مع جملة من الحسّاد والمنافسين، وقد أفلحوا في دسائسهم، وسجن ابن زيدون لأسباب سياسية مفتعلة، ومكث في السجن عامين، وهو ينظم الشعر في استعطاف ابن جهْوَر من دون فائدة، وهو في الوقت نفسه لم ينس حب ولادة وهو يعاني عذاب السجن، فكان يرسل إليها القصائد الرائعة ويؤكد حبه لها، كقوله:

متى أبثّك ما بي ياراحتي وعذابي؟
متى ينوب لساني في شرحه عن كتابي؟
فلايطيب منامي ولا يسوغ شرابي

ولما يئس من عفو أمير قرطبة عنه، لجأ إلى الفرار من سجنه، وأقام في ضاحية قرطبة، متوارياً عن الأنظار، وأقبل عليه الربيع وهو هناك، فنظم قصيدته المشهورة التي يحفظها معظمنا، ومطلعها:

أضحى التنائي بديلاًً من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا

أما ولادة – يتابع الأستاذ فاخوري – فقد بقيت في أول الأمر على حبها لابن زيدون، ولكن لم يحصل لقاؤها به لدواعٍ سياسية مختلفة، فكتبت إليه أبياتاً أولها:

ألا هل لنا من بعد هذا التفرّق سبيل فيشكو كل صبّ بما لقي

ولم تلبث ولادة أن سئمت الانتظار، وكان الوزير ابن عبدوس مستمراً في محاولة التواصل معها، حتى وجد قبولاً لديها فانصرفت إليه.

وفي تلك الأثناء مات أمير قرطبة ابن جهْوَر، فعاد إليها ابن زيدون وانضم إلى ولده وكان صديقاً له، فعاد الحسّاد إلى مناوئته، فانتقل إلى إشبيلية متصلاً بأميرها عبّاد الملقب بالمعتضد، فجعله هذا وزيراً له.

وفي زمن ولده المعتمد بن عبّاد غزا ابن زيدون قرطبة وضمها إلى إشبيلية فزادت منزلته عند المعتمد بن عبّاد الذي جعل قرطبة عاصمة لإمارته.

وأخيراً – يقول أستاذ فاخوري – توفي ابن زيدون في إشبيلية سنة 463 هـ وهو في التاسعة والستين من عمره.

أما ولادة فهي بنت المستكفي آخر خلفاء الأندلس، وقد كان سيئ السيرة ضعيفاً، مجاهراً بالملذات، فخلعه أهل قرطبة، ومات مقتولاً أو مسموماً، وكانت ولادة يومئذ في السادسة عشرة من عمرها، وقد ربى ابنته على حياة لاهية عابثة تلائم سيرته، وكانت في الوقت نفسه أديبة شاعرة، حسنة المظهر والمذاكرة، وكان لها في منزلها بقرطبة مجلس أدبي أشبه بمنتدى سكينة بنت الحسين في المدينة المنورة، وهذا المجلس كان يضم عدداً من الشعراء والأدباء والظرفاء.
وكانت ولادة في المغرب كعليّة بنت المهدي أخت هارون الرشيد في المشرق ببغداد، فلا عجب أن يهيم بها ابن زيدون ويقول فيها القصائد الذائعة طوال حياته، ولما عاد إلى الوزارة بعد سجنه عادت إليه ولكن بعض الجفاء كان يسود علاقتهما، ولاسيما أن ابن زيدون أظهر ميلاً إلى جارية لولادة، بديعة تدعى «سكرى» وهي إسبانية الأصل، شقراء، وهذا ما أغضب ولادة وبدأت النفرة تستحكم بينهما واستغلّ ابن عبدوس ذلك فراح يتقرب إليها.

وفي الختام يشير الأستاذ فاخوري إلى ولادة بالقول: إنها كانت امرأة لعوباً، متقلبة، لا تعرف الإخلاص في الحب، ولها أشعار يشيع فيها العبث والإقذاع، ومما يمكن روايته لها، قولها:

أنا والله أصلح للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أمكّن عاشقي من صحن خدي وأعطي قبلتي من يشتهيها

حتى ابن عبدوس لم تخلص له في حبها، بل اتخذته هدفاً للعبث به والترويح عن نفسها، وهذا ما دفع ابن زيدون إلى إنشاء الرسالة الهزْلية التي أرسلها إلى ابن عبدوس على لسان ولادة يهزأ به ويهجوه بكلمات قاسية.

ولابن زيدون رسالة أخرى تدعى الرسالة الجِدّية استعطف بها ابن جهْوَر عندما كان في السجن.
وتدل أخبار ولادة مع ابن زيدون وابن عبدوس على تقلّب الأحوال والمناصب، حتى توفي ابن زيدون سنة 463 هـ.

أما ولادة فقد عاشت عزَبَة طوال حياتها، ولم تتزوج وعمّرت ثمانين سنة وقيل مئة، ثم توفيت سنة 480 أو 484 هـ، أي بعد وفاة ابن زيدون بعقدين من الزمن تقريباً.

 

بيانكا ماضيّة – حلب

اكتشف سورية

 

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.