صور دمشقية من ذاكرة الإنسان والمكان
كتاب يوثق لقيم الدمشقيين الأصيلة
في المهن والعادات والسلوكيات الاجتماعية

ذاكرة الإنسان والمكان دمشقية المهن

دمشق – سانا
يسترجع كتاب صور دمشقية من ذاكرة الإنسان والمكان الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب لمؤلفه منير كيال مشاهد عاشت في ذاكرة الأسلاف وكان لها شأن في سلوك الناس وتعاملهم وتصوراتهم وأحوالهم في المناسبات الاجتماعية كالأعياد والحج واحتفالات المولد النبوي والأعراس وأمور الولادة والوليد وما يرتبط بها من سلوكيات.
ويسلط الكتاب الذي جاء في 160 صفحة من القطع المتوسط الضوء على السلوكيات التي ارتبطت بتلك المشاهد لاسيما أمور الكار أي الحرف التي كان لها الأثر الواضح في حياة الناس وما يلحق بها من منتوجات تميزت بها مدينة دمشق وخاصة أن أسباب تجديد الحياة وتطور معاييرها وأساليبها عمدت إلى حل عرى التواصل فيما يتعلق بهذه الأمور بين جيل الأسلاف والجيل الحالي.
كما يسلط الضوء على أشكال المعاناة التي مر بها الأسلاف ومايمتلك هذا الجيل من نعم حملتها إليها يد المبتكرات لتوفر للإنسان الراحة وتيسير سبل التعاطي معها.
ونظرا لتنوع وتعدد المجالات التي تدخل فيها مواضيع هذا الكتاب وتشعبها فقد أثر الموءلف تصنيفها أبجديا وفق أحرف المعجم مع توضيح ما قد يغمض أو يلتبس من مفردات في النص كما حرص على تزويد مواضيع الكتاب بأكبر مجموعة من الصور الملونة.
وتناول الباحث في كتابه ضمن باب الألف وصفا لحرفة أبو طبلة أي المسحر مبينا أن حرفة التسحير كانت تنحصر في أسر دمشقية تتوارثها الآباء عن الأجداد بدلالة أن المسحر كان يصحب معه احد أبنائه أو أحفاده ليساعده في حمل السلة التي يراكم فيها مايأتيه من الأطعمة وهو في نفس الوقت يتعرف إلى سكان الدور التي سيقوم بتسحير أهلها ويتعرفون عليه وبالتالي يتعرف على أصول الصنعة وأساليب التعامل معها لكنه في نفس الوقت أشار إلى أن هذه الحرفة أصبحت غير متعايشة مع متطلبات العصر الحالي وبخاصة بعد معرفة المذياع وأجهزة الإعلام الأخرى الأمر الذي أدى إلى انحسار دور المسحر من حياة الناس في شهر رمضان المبارك.
كما تناول المؤلف ضمن حرف الألف بعض المنتوجات التقليدية مثل الاغاباني التي مازالت موجودة حتى وقتنا الحالي فيقدم تعريفا له على أنه من مفاخر منسوجات دمشق وانه كان في اول امره تقليداً للزنار الهندي وقد اشتهرت به حلب ثم راج في مدينة دمشق وكانوا ينسجونه على الأنوال التقليدية وقد استخدم كعمائم على الطرابيش وكغطاء للرأس وفي الزنانير الرجالية الشملة التي تلف وسط الرجل فوق القنباز حيث كان من التقاليد الدمشقية أن يزف الرجل إلى عروسه بثوب أو قنباز من الاغاباني لأن في ذلك فالا خير على مقدم العريس.
أما في باب الباء فتطرق الباحث إلى تاريخ أبواب دمشق مثل باب سريجة وباب مصلى وما ارتبط بهما من قصص شعبية إضافة الى شرح لمعاني كانت مستخدمة قديما مثل بقجة التنزيلة أي الصرة التي تضم الحاجات الاساسية للمولود ساعة ولادته والباشورة أي السويقة التي تتواجد بين الباب القديم والمحدث ومنها يتمون الناس بما يلزمهم أما البراني فيعني القسم المخصص لاستقبال الرجال في الدار أي المضافة التي تقابل ما يعرف بالسللملك في القصور الدمشقية.
وفي باب التاء والجيم والحاء والخاء يتحدث الباحث عن تكريزة رمضان أي وداع لما لذ وطاب من مباهج الحياة وملاذها وجرن الشيخ ويطلق على مقصورة بكاملها او أكثر في القسم الجواني من غالب حمامات السوق بدمشق والحارة أما الحكواتي فهو القصاص الشعبي الذي يحكي للناس قصصا في المقهى.
كما تناول في هذه الابواب أيضا حمام النفساء والحناء وخيمة كركوز وختمة القرآن الكريم والخطوبة وديارة الجنين والدامسكو.
وتطرق في بقية الابواب من حرف السين وحتى الميم لغوطة دمشق والصالحية وساحة المرجة وشيخ الكار والطربوش والسيف الدمشقي والعيد والمولد النبوي ومرجة الحشيش ومراسلات المؤذنين ومدفع رمضان وكنية الدمشقي والطالع والسيران والقبقاب وغيرها من الصور التي تحكي أحاسيس عاشها اسلافنا وعكست صورا عايشناها وعايشت جيلنا.
وختم كيال كتابه بالتأكيد على أن طبيعة المرء تستدعي الحنين للطفولة حيث يستذكر فيها صور المحبة والإيثار والحنو والعطاء وجميع المعاني الانسانية التي تشد الانسان إلى أخيه الإنسان وتجعل الحياة جديرة بان تعاش مشيرا إلى أن ذاكرة الإنسان تحفل بالعديد من العوالم والمواقف والرؤى وأنماط المعاش والسلوك والتعاطي مع الآخرين .
يشار إلى أن الباحث منير الكيال قدم العديد من الدراسات حول عادات الناس وتقاليدهم في دمشق في إطار الكلمة المحكية والإيقاع والتشكيل وصدر له في مجال التراث الشعبي أعمال عديدة منها فنون وصناعات دمشقية وحكايات دمشقية ومعجم درر الكلام.

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.