“زياد حمزة”.. المبدع الذي كسر أبواب “هوليوود”

ضياء الصحناوي

الأربعاء 11 كانون الثاني 2017

لوس أنجلوس

تعرفه مدينة السينما العالمية “هوليوود” جيّداً، ويدرك صانعو أفلامها حجم إبداعه وأهميته، وهو الذي مذ وطئت قدماه أرضها يؤلّف ويخرج وينتج الروائع، وبذات الوقت لا يهجر المسرح الذي يعدّ صانع النجوم ومنبرها الأول.

تكبير الصورة

مدونة وطن “eSyria” دخلت عالم المخرج العالمي “زياد حمزة” لأول مرة، بتاريخ 14 كانون الأول 2016، لتستطلع حلمه الكبير منذ الطفولة، فقال: «الحلم يستحق القتال من أجله والمخاطرة بكل شيء لتحقيقه. أتذكّر، وقد لعبت السينما دوراً في حياتي، كانت لي نافذة على العالم كله، لأتعلّم وأجرّب أشياء جديدة وبطرائق مذهلة. لقد كان حلمي أن أصبح جزءاً من عالمها. أتخيّل قدرتي وإبداعي بتحويل الروايات والقصص إلى واقع حيّ، ومشاهد ملونة، وفي كل مرة يقول لي شخص قصة، فإن ذهني يجلب الكلمات ويجسّدها بمشهد حقيقي».

عانى الأمرّين قبل أن يصل، وكأيّ مهاجر يحلم بالمجد، لم يدع الفقر والغربة ينهشان روحه، واستثمر كل دقيقة لتحقيق الهدف، وأضاف: «لم يكن باستطاعتي دراسة السينما في “سورية”، فلم يكن لدي سوى خيار واحد، “هوليوود”. بدأت رحلتي مثل الكثيرين قبلي، وصلت إلى “الولايات المتحدة” صغيراً وحيداً من دون نقود، والحياة كانت خطرة وصعبة وخاصة في البداية؛ لا أعرف أحداً، ولا أملك شيئاً سوى حقيبة واحدة صغيرة أحملها معي، كنت في التاسعة عشرة من العمر، وعليّ أن أجد وسيلة لدعم نفسي، فذهبت إلى المدرسة لأعلّم نفسي اللغة الإنكليزية، وعملت 14 ساعة كل يوم في غسل الصحون. ومع ذلك أحببت هَذا البلد وناسه، وشعرت بالمسؤولية تجاههم. مهمتي لَمْ تكن سهلة، لكن بدأت أشعر بأنني أستطيع أن أحقّق الحلم. لم يكن الفشل خياراً، بصرف النظر عن مدى صعوبة الأيام؛ إلا أنني حافظت على تركيزي ومثابرتي. وإذا نظرت إلى الوراء في كل الصعوبات والتحدّيات التي واجهتها؛ يمكنني القول بثقة كل ذلك كان يستحقّ العناء. فبعد كل شيء، ما هي الحياة من دون حلم وطموح يجعلها حقيقة وواقعاً؟».

وعن السرّ وراء إنتاج الفيلم العالمي “زهرة حلب”، الذي يدور حول “سورية” بوجه عام، والحرب التي تتعرّض لها، وتبعاتها على الأم بوجه خاص،

تكبير الصورة
زهرة حلب مع رضا الباهي وهند صبري

من خلال قصة إنسانية مؤثرة، قال: «يدور الفيلم حول حياة الأم التي ترفض السماح للجماعات المتطرّفة أن تأخذ ابنها إلى عالمهم الوحشي، وتسعى إلى إعادته من وسط عالمهم الأسود المظلم إلى بيته وأهله، إنها قصة تحتفل بشخصية هذه الأم في ثقافتنا. وعندما سُئلت في إحدى المقابلات التلفزيونية منذ بضعة أشهر، هل تخطط لأي عمل لمساعدة بلدك؟ كان جوابي: لن أفعل شيئاً إلا إذا كان سيساعد شعبنا. وكان ذلك بالضبط ما شعرت به أن بلدي تتعامل مع مرض، وهو بحاجة إلى التغلّب عليه. والسبب الثاني؛ أنّني لم أكن أريد أن أستفيد مادياً من آلام بلدي، كالكثيرين الذين استفادوا من تحويل هذه المأساة الرهيبة إلى آلة لجمع المال لأنفسهم؛ متناسين معاناة العائلة والوطن.

وفي الواقع الكثيرون من السوريين باعوا أنفسهم للشيطان؛ وهذا ما أغضبني وجعلني أرفض هذه الفكرة كلياً. وعندما جاء فيلم “زهرة حلب” جنباً إلى جنب مع الكتابة الرائعة والإخراج بواسطة “رضا الباهي”، رحّبت بهذا العمل. لم أشأ أنا و”رضا” التعامل أو إلقاء اللوم على السياسات الوطنية أو الدولية؛ فنحن بحاجة إلى مزيد من التأمل والتركيز في الأحداث وأبعادها بعمق لالتقاط المرض ومسبباته، المرض الَّذِي يجتاح بلادنا مستفيداً من نقاط الضعف لدينا. “رضا” كتب الفيلم من صميم القلب مع بحوث واسعة النطاق عن مختلف العائلات في البلد الشقيقة “تونس”، التي كان أبناؤها وشبابها ضحية الجماعات المتطرفة، وشاهد الآلام على وجوه الآباء متمنين من أبنائهم العودة إلى منازلهم والتخلي عن دعوة الجهاد الكاذبة. قلوب مكسورة ملأى بالحزن أجبرته على كتابة قصة وتقاسمها مع العالم على أمل أن تساهم في غد أفضل للمجتمع، الذي أساسه وأهمّ عضو فيه الأمّ؛ التي صوّرتها ببراعة “هند صبري”؛ التي ترفض قبول واقع فقدان ابنها إلى “Jihadies” وتتبع خطاه إلى “سورية” لإعادته إلى المنزل.

افتتح الفيلم

تكبير الصورة
جوائز عالمية كبيرة

أوّل مرّة في مهرجان “قرطاج” السينمائي، الجمهور تأثر وغرق في الدموع، كما كان منهمكاً في القصة، لأنه عاش هذه الآلام. أظنّ أنّ الفيلم سيكون له تأثير إيجابي جداً في كل المجتمعات لنذكرهم بالأشياء المهمة في الحياة، ونوقظ ضمائرهم بقوة الإرادة لوقف الجنون».

أما فيما يتعلق بدخوله مدينة السينما العالمية، ونجاحه فيها، وما يلقاه المبدع في وطنه الأم، وما عليه القيام به ليكمل مسيرته، فأضاف: «”هوليوود” في الحقيقة هي ذاك المكان الذي سيأكلك في غضون ثوانٍ، وسوف يكسر أحلامك وروحك في أقلّ من ثانية واحدة. وقليلون من الناس يمكن أن يعيشوا هذه الصعاب ويكسروا الأبواب للدخول إلى غرف “هوليوود” ويكونوا منتصرين. وقد استطعت أن أكسر العديد من هذه الأبواب في طريقي وبجهدي، وكُرّمت أعمالي دولياً بحصولي على الذهب، وجائزة أفضل فيلم.

أبرزت هذه الجوائز الشعور بالوحدة، ونحن كسينمائيين عرب في الخارج نكرّم في الخارج، ومن قبل أولئك الذين لا يعرفون سوى القليل جداً عنّا وعن أعمالنا وثقافاتنا. وعندما يتم منحنا جائزة في بلد آخر، في حين وطننا لا يهتمّ أو حتى يعلن عنها؛ فإنك تشعر بأنها غير مكتملة بعد. أظنّ أنّ هذه أكثر الأبواب ثخانة وقوة؛ فالشاب السوري يستطيع كسرها ويفتحها في وطنه “سورية” ممّا لو كان خارج البلاد. لكن الكثير من الفساد والحقد والغيرة منع أولئك الشباب الحالمين من الطبقة المتواضعة من الحصول على الفرص المتساوية».

الزميل “جودت غانم” الناقد الفني، والمتابع لأعمال المخرج العالمي “حمزة”، قال: «أتابعه كغيري عبر وسائل التواصل، والصحافة العالمية، وهناك تقصير واضح من قبلنا في الاحتفاء به وبأعماله، وقد نالت أعماله أكثر من أربعين جائزة في الإخراج، والإنتاج، والكتابة. كان آخرها لفيلمه “الدليل الدامغ” في مهرجان “بيفرلي هيلز”، عام 2016؛ وهي جائزة “السعفة الذهبية” لأفضل فيلم في جميع الفئات. وهو المخرج الوحيد الذي حصل

تكبير الصورة
“أسمهان” الفيلم الذي ينتظره الكثيرون

على الجائزة مرتين. ومن المعروف أنه أنشأ مسرحين نالا شهرة كبيرة من خلال إبراز عدد من النجوم الشباب، هما: مسرح “القبضة المفتوحة”، و”الساحة المصرية”. وأبرز تلك الأسماء التي أطلقها: “بار ستيرز”، و”دالين يونغ”، و”خوان كارلوس فالديفيا”».

وتابع يعدّد الأفلام التي ألّفها “حمزة” بالقول: «ألّف “حمزة” أحد عشر فيلماً متنوعاً، مثل: فيلم “صبيان الإستاد” (وثائقي) 2009، و”غزو الصوماليين” (وثائقي) 1997، و”الحروب المنسية” 1994، و”عقدة العربي” 1993.

ونال العديد من الجوائز المهمة خلال مشواره الفني عن الإخراج والكتابة والإنتاج، كان آخرها فيلمه الضخم “زهرة حلب”، وينتظر الجمهور العربي فيلمه الكبير عن معشوقتهم “أسمهان”».

يذكر أنّ المخرج “زياد حمزة” من مواليد “دمشق”، عام 1959.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.