لقاء مع رسامة الكاريكاتير الفنانة الفلسطينية أمية جحا

  ( زوجة الشهيدين )

 

أجرى اللقاء وحيد تاجا

أكدت رسامة الكاريكاتير الفلسطينية أمية جحا أنَّ فن الكاريكاتير بات

فنا مقاوما بعدما بزغت أهميته و تعاظمت مع ثورة الإنترنت والإعلام، و بالتالي باتت زاوية الكاريكاتير زاوية مهمة و تحتل مساحة استراتيجية على صفحات الجرائد . ورأت في حوارنا معها، والذي تم عبر البريد الالكتروني، أَنَّ ف نان الكاريكاتير يجب أن يكون مثقفا ويتمتع بذكاء و قوة حدس كبيرين، و بعمق في التواصل مع شعبه و قضايا أمته عدا عن قوة الفكرة و قوة الخطوط . وحول قلة العنصر النسائي العامل في فن الكاريكاتير انتقدت الفنانة أمية المؤسسات الصحفية لتفضيلها العنصر الذكوري ، ولكنها انتقدت أيضا المرأة صاحبة الموهبة من التقصير في إبراز موهبتها و القصور في الفهم العميق للأحداث، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ومعرفة ما يحتاج إليه رسام الكاريكاتير . ورأت أن من أهم شروط ازدهار الكاريكاتير في بلادنا هو مساحة الحرية المتاحة للرسام، واحتضان أصحاب هذا الفن في مؤسسة تُعنى بحقوقهم وتطويرهم وإشراكهم في المحافل العربية والدولية، فضلا عن رفع مستوى الالتحام بين رسامي الوطن العربي واجتماعهم على نصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية.

بطاقة

الفنانة أمية جحا من مواليد 1972، وتعتبر أول رسامة كاريكاتير في فلسطين والعالم العربي تعمل في صحيفة سياسية يومية؛ حيث عملت منذ سبتمبر عام 1999 وحتى فبراير عام 2002 في صحيفة القدس الفلسطينية، بعدما تركت العمل في حقل التعليم الذي استمرت فيه طيلة 3 سنوات. ومنذ فبراير 2002 تعمل أمية في صحيفة الحياة الجديدة اليومية، إلى جانب عملها في صحيفة الرسالة الأسبوعية منذ نشأتها عام 1996، علاوة على عملها في صحيفة الراية القطرية، وصحيفة المدينة السعودية، فضلا عن الكثير من مواقع الإنترنت، وأهمها موقع المركز الفلسطيني للإعلام، وموقع الداعية الإسلامي الأستاذ عمرو خالد.

وقد نالت الفنانة الفلسطينية العديد من الجوائز، كان من أهمها الجائزة الكبرى التي نالتها مؤخرا في مسابقة ناجي العلي الدولية لرسوم الكاريكاتير2010 في اسطنبول بعنوان

فلسطين“.. وجائزة الصحافة العربية لعام 2001 في الإمارات العربية المتحدة، وكذلك حازت على جائزة الإبداع النسوي التي أقامتها وزارة الثقافة الفلسطينية في شهر آذار من العام 1999.

وقد شاركت الفنانة أمية في معارض دولية وعربية ومحلية كثيرة.

يُذكر أن الفنانة أمية جحا معروفة باسم زوجة الشهيدين، حيث استشهد زوجها الأول رامي سعد في 1-5-2003 أثناء تصديه لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي المرة الثانية، كان حصار غزة وإغلاق معبر رفح هو السيف الذي وضع حداً لحياة زوجها الثاني وائل عقيلان،3/4/2004 بعد صراع طويل مع المرض ومنعه من السفر لتلقي العلاج فيالخارج.

*   ـ : ما هي أهم المؤثرات التي دفعتك باتجاه فن الكاريكاتير؟

حبي للرسوم المتحركة منذ الصغر و حتى اللحظة كان له أثر كبير في ميلي نحو الكاريكاتير ثم نحو دخولي لعالم صناعة الرسوم المتحركة، كذلك اهتمامي وتعلقي في فترة مبكرة بالرسومات الكاريكاتورية التي كانت تنشر في الصحف المحلية وخاصة رسومات ناجي العلي و محمود كحيل، عدا عن التشجيع الكبير والانبهار الذي كنت أجده ممن حولي عندما كنت أقلد رسوماتهم في عمري الصغير.

* ـ يلاحظ قلة العنصر النسائي العامل في مجال فن الكاريكاتير ..لماذا ؟

أعتقد أن الأمر مسألة موهبة وإرادة وتحدٍّ للظروف المعيقة و صبر، وبالتالي فإنْ وَجدنا امرأة تجيد رسم الكاريكاتير رسما و فكرة, لا أظن أنه لن تتاح لها الفرصة لإثبات وجودها…وأنا هنا لا أُعفي المؤسسات الصحفية من تشجيعها وتحبيذها للجانب الذكوري، لكني لا أُعفي المرأة صاحبة الموهبة أيضا من التقصير في إبراز موهبتها و كذلك القصور في الفهم العميق للأحداث، سواء سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية، و الذي يحتاج إليه رسام الكاريكاتير ليكون قادرا بامتياز على اختزال الحدث الكبير بخطوط بسيطة ذكية تعبر باقتدار عن ذلك الحدث.

وأشير إلى أنه بدأت أعدادُ مَن يدخل هذا الفن بالتَّزايد، ولكن حتى هذه اللحظة أغلبها تتسم بضعف الفكرة و الرسم.

* ـ : هل فن الكاريكاتير موهبة أم أنه نتيجة دراسة أكاديمية؟

هو موهبة بالأساس و يزيدها صقلا إنْ كانت ممزوجة بالدراسة الأكاديمية، وهو – أي فن الكاريكاتير – ليس له وجود في مجال الفنون التشكيلية، لكنْ أعتقد أنه من غير المعقول أن تُعَلِّم أحدا كيف يصنع فكرة كاريكاتير وهي تعد رأس الكاريكاتير، وتتولد من الوعي وكَمِّ الثقافة بكل المجالات التي يمتلكها الرسام.

*وماهي المواصفاتالتي يجب أن يتمتع بها فنان الكاريكاتير ؟

فنان الكاريكاتير يجب أن يكون مثقفا بدرجة كبيرة وأن يتمتع بذكاء و قوة حدس كبيرين و بعمق في التواصل مع شعبه و قضايا أمته عدا طبعا عن قوة الفكرة و قوة الخطوط.

* ـ : عُرف فن الكاريكاتير بأنه فن ساخر، فهل نستطيع القول إن هدفه الإضحاك لا غير، أم أنَّ هناك أشياء أعمق من هذا؟

هدف الكاريكاتير أرقى وأعمق من أن يكون فقط للإضحاك, لقد بات الآن فنا مقاوِما بعدما بزغت أهميته وتعاظمت مع ثورة الإنترنت والإعلام، وبالتالي باتت زاوية الكاريكاتير زاوية مهمة تحتل مساحة استراتيجية على صفحات الجرائد, إنَّه فن يختزل الحدث بقوَّةٍ في خطوط لها مغزاها، وكم من الدول نشبت بينها خلافات بل كم من رسام زُجَّ في السجون بسبب رسم كاريكاتوري, لقد أحسن الغرب استخدام هذا الفن بقوة للهجوم على الإسلام، أوَ ليس الأحرى بنا و الأجدر أنْ نتخذه وسيلة للدفاع عن ديننا و قضايا امتنا؟ !!

* ـ :هل الكاريكاتير الناجح هو ذلك الذي يعتمد على الرمز أم المباشرة؟، .. وأيهما أكثر تأثيرا – برأيك – اللوحة التي تحتوي كلاما أو تعليقا أم تلك اللوحة الخالية من الكلام؟

الأفضل أنْ يكون الأمر وسطيًّا بين الرمزية والمباشرة دون غلوٍّ في أيٍّ منهما؛ فإن كان شديد الرمزية صعب على المتلقين بكل شرائحهم الثقافية فهم المغزى،وإنْ كان شديد المباشرة اقترب للسطحية التي تعد استخفافا بعقول المتلقين، وكلا الأمرين يساهمان في إضعاف الكاريكاتير.

كما أنَّ التعليق أيضا يعتمد على الفكرة المرسومة فأحيانا تحتاج اللوحة تعليقا و لا تفهم بغيره، وأحيانا هي لا تحتاج للتعليق البتة لأنَّ ما فيها يفي و يرشد المتلقي لمضمون الكاريكاتير، وأنا لست مع المفاضلة بين الرسم بتعليق أو دونه لأني أعِدُّ الكلمة مهمة جدا و لها حضورها الواجب إنْ وُظِّفَتْ بطريقة فنية ذكية إلى جانب خطوط اللوحة.

*ـ ما هي الصفات الفنية للَّوحة الفنية الكاريكاتيرية لكي نُعِدَّها لوحة ناجحة؟

قوة الفكرة و قوة الخطوط وانسيابها تبرهن على موهبة فذة وكذلك الطريقة الإخراجية لمفردات الكاريكاتير؛ فالرسام هو ممثل ومصور ومخرج، وهو من يصنع أبطال لوحته و الأدوار وهو من يضع كادر الصورة و يلتقطها بجدارة لتخرج لوحة فنية رائعة راقية.

* التصق رمز ” مفتاح العودة” برسوماتك، كما التصق ” حنظلة ” برسوم ناجي العلي .... سؤالي لماذا اخترتِ شخصيا هذا الرمز .. وما رأيك في استخدام رسامي الكاريكاتير شخصيةً مميزة في أعمالهم بشكل عام؟

مفتاح العودة لا يعني المفتاح بحد ذاته، بل هو رمز للوطن السليب الذي يجب أن نعود إليه بإذن الله, واليهود يتمايزون غيظا وحقدا كلما ذكر الحق في وطننا فكان هذا المفتاح الذي يقض مضاجعهم و يذوب أحلامهم وأمانيهم بأننا أجيال نسينا دماء أجدادنا ونسينا أوطاننا…هذا المفتاح هو حق وقَسَم مع كل لوحة بأننا عائدون و بأنَّ المغتصبين زائلون بإذن الله.

أما من حيث اتخاذُ الرَّسَّامين شخصياتٍ مميزة لهم فهو أمر طيب، إذ باتت الشخصية علامةً تجارية تُميِّز مبتكِرها، لكنَّ المهم دوما توظيفها بالشكل السليم وأن لا تكون شخصية مبتذلة تخوض في توافه الأمور من أجل الإضحاك ليس إلا.

* ـ هل يمكن أن نتحدث عن فن الكاريكاتير في فلسطين المحتلة .. من هم أهم رواده.. كيف تقيمينه قياسا ببقية الفنون التشكيلية .. ؟

الكاريكاتير في فلسطين في تطور، خاصة أنَّ من يحتلون مساحته هم ممن يحملون أفكارا ناضجة وريشة قوية، وللكاريكاتير زاوية مهمة في الصحف الفلسطينية وله جمهوره الواسع، ومن أهم رواده طبعا الفنان ناجي العلي – رحمه الله –  الذي بات مدرسة لكل فنَّاني العرب؛ إذ إنَّه كان أول مَن نسج القضية الفلسطينية بريشته، وفي أحلك ظروفها عدا عن رسامين مقتدرين كبهاء البخاري وخليل عرفة وناصر الجعفري وعماد حجاج ونضال هاشم وغيرهم الكثيرين ولهم حضور كبير في الصحف ومواقع الإنترنت.

* ـ من الملاحظ أن رسوماتك تقريبًا تعكس الهم الفلسطيني بشكل خاص.. سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي. والسؤال كيف تَرَيْن الصلة بين المحلي والعالمي على هذا الصعيد ؟

حقُّ وطني علي أن أوليه الكم الأكبر من رسوماتي، و لكنِّي أستنفر ريشتي للذود عن كل قضية عربية وإسلامية، ولا ننسى أيضا أنَّ فلسطين هي أساس كل قضية للعرب؛ لأنها هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وبالتالي هي حق على كل رسَّام عربي أو مسلم أن يكون لها الصدارة في أعماله. نرسم كفنانين العرب لأحداث عالمية و لكن للأسف بلغتنا وليست بلغة الغرب، لذا تبقى في الغالب محصورة بين حدود خريطة العالم العربي, أعترف شخصيا بهذا التقصير، وأرجو أن تشهد المرحلة القادمة  الانطلاقة نحو العالمية لأن رسالة الإسلام عالمية.

* ـ أين تجدين نفسك في الكاريكاتير السياسي أم الاقتصادي أم الاجتماعي .. لماذا ؟

أجد نفسي في الكاريكاتير السياسي، ربما لأني اعتدت العمل في الصحف اليومية التي تعتمد على الأحداث السياسية اليومية، لكني أحب أيضا الرسم في النواحي الاجتماعية وغيرها، وقد رسمتُ الكثير في غير السياسي وكانت رسومات قوية ومعبرة، وانتشرت في كثير من مواقع الإنترنت وأستطيع القول إنَّه ما مِن رسم اجتماعي أو اقتصادي أو حتى رياضي إلا و هو مرتبط بالسياسة أيضا.

* ـ من أين يستوحي رسام الكاريكاتير عناصر ومقومات لوحته؟

من الأحداث اليومية الجارية, من الأخبار عبر الفضائيات أو الصحف أو البيئة المحلية التي يعيشها ..

* ـ هل يقدم الكاريكاتير، في رأيك، رؤية جديدة من خلال معاصرته للأحداث الحالية أو الماضية ؟

كما قلت آنفا إن الكاريكاتير ما عاد وسيلة للإضحاك فقط؛ فهو فنُّ عميق الأثر إن كان رائده فنَّانًا ملتزمًا ذا بصيرة وهدف وانتماء لدينه وأمَّته، وكان مثقفًا واعيًا ذا تفكير ناقد و ثاقب, فمن يصنع الأحداث ؟ إنهم القادة و السياسيون و المثقفون و الفنانون….

* ـ هل هناك شروط أو عوامل تساعد في ازدهار الكاريكاتير ؟

اولا مساحة الحرية المتاحة للرسام و ثانيا احتضان أصحاب هذا الفن في مؤسسة تعنى بحقوقهم و تطويرهم و مشاركتهم بالمحافل العربية و الدولية

و ثالثا ازدياد الالتحام بين رسامي الوطن العربي و اجتماعهم على نصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية.

* ـ يلاحظ أنَّ معظم رسامي أفلام الكرتون هم رسامو كاريكاتير .. ومعروف أن لديك شركة (جحا تون) للرسوم المتحركة.. ماذا يمكن أن نقول عن هذه التجربة .. وما هي أوجُه الخلاف بينها وبين رسم الكاريكاتير؟

كنت مولعة منذ طفولتي حتى اللحظة بالرسوم المتحركة وكنت أتساءل كيف تتحرك تلك الخطوط الجميلة وكيف تنقلك إلى عالم خيالي جميل، وكيف تعيش مع تلك الشخصيات المبتكرة وتتأثر بها وتؤثر بك، وعندما نضجت أدركت ما لهذا الفن الذي يصنعه الغرب ويسيطر على الصدارة فيه من آثار هدامة لعقيدتنا وأخلاقنا وأجيالنا، فأردت أن أخوض التجربة وتكون لي بصمة في هذا الفن، لِنُوَجِّهَهُ لما يخدم ديننا ويحفظ أجيالنا، لكن اصطدمنا بالواقع العربي المرير، وعدم وجود الدعم المالي الكبير الذي يتطلبه هذا الفن، عدا عن الحصار الذي يكبل حرية الفنان الفلسطيني، إضافة إلى موجة الإعلام الممول الهابط التي تضرب بشدة في صدر أجيال الأمة بشرائحها كافَّة !!

الرسم الكرتوني هو أصل فن الكاريكاتير؛ فالرسوم المتحركة هي عدة فريمات متعددة للوصول إلى حركة معينة بينما الكاريكاتير فريم واحد أو لوحة واحدة فيها فكرة ومضمون، وحركة صامتة، وصوت إما صامت أو يصدر بتعليق، والآن نجد ميل الكثيرين لتحويل الكاريكاتير إلى متحرك زيادة في التأثير.

 22/12/2010

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.