داليا الابطح

الفنانة التشكيلية الفلسطينية “داليا جمال الأبطح” من مواليد دمشق عام 1988، أصولها فلسطينية ترجع إلى قرية طيرة حيفا بفلسطين، توارثت بذور موهبتها الفنية التشكيلية الأولى عن والدها الفنان “جمال”، مُكرسة المقولات الشعبية التي تقول: “فرخ البط عوام”. أتيحت لتلك الموهبة الأرض المناسبة كحاضنة وراعية، لجميع مراحل حياتها الفنية من الطفولة المبكرة إلى الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية، مما مكنها لخوض اختبارات القبول في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 2007 بسهولة ويُسر، ولتقطع يوميات دراستها الحافلة بالخبرات المكتسبة، مُتخرجة من قسم الاتصالات البصرية ” الإعلان، بشهادة بكالوريوس عام 2010 عن مشروعها: “قصة علي الزيبق والأميرة فاطمة”، المستوحى من حكايات التراث العربي الشفهي، اتجهت بعد التخرج إلى إنتاج مجموعة من الملصقات ذات المواضيع التي تلامس قضايا البيئة والمجتمع واللمسة الإنسانية، فضلاً عن المواضيع السياسية المعبرة عن قضيتها الوطنية الفلسطينية بلغة سرد بصري، وخصوصية معالجة تقنية تُنبأ بموهبة دارسة تعرف حدود قدراتها الشخصية وتملكها جميع وسائط التعبير الفني كفنانة تشكيلية فلسطينية واعدة.

مشروع تخرجها حافل بالشفافية اللونية ورقص الخطوط، وبساطة الفكرة واقترابها من عوالم الطفولة، والمعشبة بالرسوم القريبة من أجواء خيال الظل الملون، وجماليات مُبتكرات الفنان الفطري السوري المعروف “أبو صبحي التيناوي” ولكن على طريقتها التعبيرية الخاصة، مسلحة بتفاعلات وعي مُدرك لتفاصيل مكوناتها، وتقنيات محمولة بدربة ودراسة أكاديمية تعرف طريقها السردي، وساعية إلى توظيف عناصرها ومفرداتها داخل أحضان النصوص التي صاغتها في حبكة شكلية متواترة، ومُتجانسة في الشكل والمضمون، ومرصوف الخطوط والملونات والمقولات التي تود توصيلها إلى جمهور الفن والتلقي.

ملصقاتها عن قضايا المجتمع والإنسان والطفولة ويوم الطفل العالمي خصوصاً، حاشدة بجماليات المعنى “الفكرة” والمبنى ” التوليف التقني” تجوس عناصرها واحة القضايا الشائكة ببساطة الوصف والتأليف الشكلي، وتمد جسوراً واسعة الطيف اللوني ما بين الصورة البصرية المرسومة، والمرئية وعين المتلقي وبصيرته في حالة ودية وتفاعل دائم، تنبش ركام الرؤى والأحلام، تصوغها بلا تكلف أو مواربة وتربط ما بين رمزية العناصر المسرودة وروحية العبارات المكتوبة، وكأنها تعبيرات من لحمة فكرية واحدة.

وتتطرق في بعض أعمالها مواضيع إنسانية شتى، مشفوعة بدعوات التكافل والتضامن الاجتماعي، وتقديم رسائل بصرية معنية بحريات الإنسان في التعلم والتعليم، وتحض على المبادرات الفردية في مد يد العون للإنسان لأخيه الإنسان في حالات الصحة والمرض، مُؤكدة على ضرورة نشر ثقافة التعاون والتكافل والمساعدة البينية ما بين البشر، لاسيما في ميادين التبرع بالدم، وحقه بالحياة، مُبرزة بشكل ما أو بآخر وظيفية الفن التشكيلي عموماً، والملصقات الإعلانية وتقنياته على وجه التخصيص، في نقل الصورة الممكنة والداعية إلى هكذا تفاعل.

يحتل الهم الفلسطيني مساحة وارفة الظلال في أعمالها، معنية بقضايا نضال الشعب الفلسطيني التحرري المشروع، وحق الفلسطيني بالمقاومة متعددة المعابر والمنابر، موصولة بمقولات العودة الأكيدة إلى ديارهم التي هجروا منها، في حروب النكبة عام 1948، والنكسة عام 1967، وسواها من نكبات متتالية، تأخذ مبتكراتها السردية ملامح عاكسة لشخصيتها، وتفاعلها بهموم شعبها، واجدة بفنون الملصق السياسي قسطاً وافراً من التعبير والتوصيل، وتجود قريحتها الوصفية وخبراتها التقنية عالية المستوى، ودقتها الوصفية في تقديم ما يُمكن رصده من مواضيع متصلة بضرورات نضال الشعب الفلسطيني، فيها الشيء الكثير من الخلفيات الرمزية والملامح الإنسانية والمعنوية.

يوم الأرض الفلسطيني الخالد له حظوة ومكانة، ومجموعة الملصقات التي نفذتها بيدها الماهرة وعينها الخبيرة ذات الصلة بالأرض الفلسطينية المعطاء، باعتبارها الأم الرءوم وشجرة الحياة التي تمدنا بالقوة والثبات والاستمرار، والتي نكبر فيها وتكبر بنا كأبناء مقاومين وصالحين، شجرة متكاملة الأوصال محكومة بقدر حق العودة الذي لا عودة عنه. لتلعب من خلال تقنياتها على ملونات الخلفيات السوداء المعبرة عن حزن مُقيم، والفروع المضيئة والمزينة برموز تراثية ونضالية في كسوة التناقض الجمالي للملونات.

كما نجد في ملصقاتها السياسية متسع للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون العدو الصهيوني، وفيها تذكرة لهذا الطود البشري الشامخ خلف القضبان، وتذكير للسياسيين الفلسطينيين بأن قضيتهم يجب أن تحتل أولوية في القضايا النضالية للشعب الفلسطيني، صاغتها في أكثر من موقف تشكيلي ومعالجة تقنية للرموز والدلالات المعبرة والموحية، تأخذ الخلفيات حلة السواد المتدرج برماديات لونية مقصودة، معانقة لعناصر رئيسة في حالات من الإضاءة الحاضنة للبياض في حبكة درامية، تأخذ في بعض الأحيان شكل الأرض والتربة العطشى.

تحتفظ بعض ملصقاتها بحديث الأهل والأصدقاء والكتاب والمدونون الشعبيون عن البرتقال الفلسطيني والليمون، وخيرات الأرض التي لا تنتهي في حدود الاغتصاب الصهيوني، الذي حاول تدجينها خدمة لأغراضه العدوانية، ولكنه لم ولن يُفلح في هذا الأمر، لأنه بساطة عدو استيطاني مارق على أرضنا كما مرق المارقين من قتلة أوربيين وصليبين وسواهم. وتبقى الأرض لأصحابها الفلسطينيون إن طال الزمن أو قصر، وأن فلسطين وشعبها جدير بالحياة.

البنية التشكيلية لنشر عناصرها ومفرداتها الموصوفة فوق سطوح الخامات المستعملة، مبنية على أساس استدعاء مفردات من الرمز والتراث ومحاكاة الصور اليومية لأبناء شعبنا الفلسطيني داخل الوطن وخارجه، تحاكي الأوصاف الشكلية الجيدة المتبعة أكاديمياً ومهنياً في صياغة الملصقات وفق تصاميمها المتوازنة، تأخذ بناصية ملونات دائرة الألوان الرئيسة من أساسية وأخرى مساعدة، وتضع العبارات الخطيّة المكتوبة في مكانها الصحيح والمعبر في متن الملصقة هنا وهناك، واضحة القسمات والفكرة والملونات، مشدودة جميعها إلى ذاكرة النضال الفلسطيني الوفير

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.