الفنان عبد الوهاب حرب(ابو حرب)

الفنان التشكيلي الفلسطيني ” عبد الوهاب محمد حسن حرب – أبو حرب” من مواليد مدينة رفح الفلسطينية يوم 25/11/1956. تلقى مراحل دراسته الابتدائية والإعدادية في المدارس التابعة لوكالة الغوث الدولية “الأونروا” برفح، وتابع دراسته الثانوية في مدرسة بئر السبع، وحصل على شهادة الثانوية الفرع الأدبي عام 1974. ظروفه الحياتية وميوله التربوية المهنية دفعته لمتابعة الدراسة في معهد إعداد المعلمين بغزة، متخرجاً وحاصلاً على شهادة دبلوم تربية فنية عام 1977، مكنه ذلك من مزاولة مهنة تدريس مواد التربية الفنية.

سنحت له فرصة العمل في المملكة العربية السعودية في ميادين التدريس بالفترة الواقعة ما بين 1980- 1994، ومن ثم العودة إلى قطاع غزة والعمل كمدرس للتربية الفنية في مدرسة بئر السبع الثانوية ما بين 1995- 2005. ضرورات العمل فرضت عليه شروط الدراسة المعمقة لتأهيله أكاديمياً وتربوياً في كلية التربية الفنية بجامعة الأقصى متخرجاً، وحاصلاً على شهادة بكالوريوس بدرجة امتياز عام 1999. ثم تابع تحصيله العلمي التكميلي في ميادين التربية الفنية والتخرج، بعد نيله شهادة الدبلوم التربوي وفق المناهج المصرية عام 2000، ليستكمل مسارات بحثه العالي، والحصول على شهادة ماجستير علوم تربوية “مناهج وأصول تدريس” من جامعة عين شمس المصرية عام 2007.

وفي ذات الوقت كان شغله الشاغل محاولة تطوير قدراته في ميادين الفنون التشكيلية، مُبتكراً حلولا أكاديمية، لتحسين كفاياته الشخصية والعلمية من خلال دراسة فنون الرسم والتصميم وفق برامج دراسية محكمة من خلال انتسابه لجامعة العالم الأمريكية ما بين أعوام 2004 – 2007، وحصوله على شهادتي الماجستير والدكتوراه. عمل أيضاً كمشرف تربوي اختصاصي في جامعة الأقصى ثم محاضراً، وحالياً يشغل منصب رئيساً لقسم التربية الفنية فيها.

أخذته التربية الفنية في مفاتنها ومساربها المفتوحة على فكرة التواصل مع الآخرين، عبر تنويعات العمل المهني والأكاديمي، واكتساب الخبرات في حقلي الفنون والتربية. وجعلت منه هاوياً في ميادين الفنون التشكيلية، وحرفياً في مزاولة طرق وأصول تدريس المناهج المتصلة بالتربية الفنية. وأنتجت هذه العلاقة ما بين الذات المبتكرة، والأنا الجمعية الممثلة بشرائح المحيط الاجتماعي، ومجالات الاجتهاد والعطاء الدائم والزاخر حالة مميزة من التفاعل، والساعية لخلق أجواء مناسبة لتربية مستدامة وموجه نحو الحياة. وإخراجها في قوالب مهنية غير مفصولة عن معين مواهبه الدارسة والمصقولة في ميادين التربية والفنون، وقائمة على التفاعل المهني مع مركباته التربوية المتعددة، والمتجلية بفرق عمل متوازنة ” ورشات ” على تأهيل وتدريب معلمي التربية الفنية في قطاع غزة المقاوم. وكان انتسابه لكلية التربية الفنية بجامعة الأقصى بالقطاع، وصولاً إلى ما هو عليه الآن، إلا دلالة حسيّة ومشهودة في يوميات اشتغاله المهني.

دخل عالمه الفني التشكيلي من بوابة التربية الفنية المفتوحة على الفنون التطبيقيةً، ولا يجد الفنان أي حرج من تناول مواضيعه الفنية بتقنيات متعددة، ومستعارة من طاقات الخامات البيئية المتوافرة، والقابلة للتطويع الفني والتشكيل، والتي تُحقق له المتعة والفائدة والهدف الفني المنشود. وقد أكسبته مراحل دارساته الأكاديمية التربوية والفنية – كما سبق أشرنا – بخبرات مهنية متنوعة، وساهمت قدراته الذاتية والمواتية على صناعة التكيف مع مواضيعه وخاماته، وكأنه موهبة خبرت صنعتها في عين مُبصرة، ويد ماهرة متحركة ما بين مدارات الفنون التشكيلية والتطبيقية. ويمكن للمتلقي تلمس مواضيعه التعبيرية الموزعة ما بين تقنيات الحرق على الخشب، واللوحة التصويرية الملونة، والملصق الإعلاني في دثاره السياسي.

لوحاته المرسومة على توليفات الصفائح الخشبية تبرز مهاراته في التعامل التقني مع أدوات الكي والحرق، وجعل العمل الفني يبدو في حلة شكلية صوريّة متحركة، موصولة بقضايا الوطن والأرض والموروث الشعبي، وبالإنسان الفلسطيني الملتصق بأرضه وأماكنه المقدسة وذكرياته. تستقوي بالتراث الشعبي والزخارف الهندسية والنباتية والمكحلة بحكايات الجدود والمقاومة. وتبرز القدس المدينة المقدسة في كثير من لوحاته. يصوغها الفنان رسماً وتوليفة تقنية في بساطة شكلية، تقربنا خطوة من الفن الشعبي الفلسطيني، من حيث تناول العناصر والمفردات وحسبة التوازن الشكلي، والبؤر المنظورة والتوزيع داخل أروقة بيانه البصري.

بالنسبة لأعماله التصويرية الملونة، نجدها متناغمة أيضاً مع مسارات رؤيته الفنية المتبعة بلوحات الحرق على الخشب، وتنحى ذات الرؤى والآليات الشكلية القائمة على توازن الهياكل المرصوفة من خطوط ومساحات ملونة، مسكونة بالتبسيط المساحي للفكرة المطروقة، والمحاطة بهالة من الخطوط والتوليفات التقنية حفرية التناغم الشكلي، وكأنها مشغولة بفراشي عريضة وسكاكين الرسم تارة، ومشابك أمشاط شعر تارة، وتداعيات اللون المتحرر من النمطية المدرسية والمعشب بعفوية وفطرية مقصودة والمبالغة الشكلية في كثير من الأحيان.

أما بالنسبة لتجاربه الفنية المرصوفة على سطوح الخامات الورقية المعدة للملصقات السياسية الإعلانية، هي بدورها ملتزمة في خيارها الشكلي ومواصفاتها التعبيرية المسكونة بهاجس البساطة والتبسيط، ولا تختلف في لحمتها التشكيلية عما سبقها من توليفات تقنية وملامح تعبيرية. بعضها مشغول بتقنيات البخ والنفث اللوني، المرصعة بتوليفات تقنية لتداعيات المفرغات الهندسية، كمحددات لمعالم السطوح والنصوص، وتبني عالمها التركيبي ومسحتها التعبيرية المسطحة في متواليات تجريدية. وبعضها الآخر مُقارب لفسحة التصوير الانطباعي والرمزي والتعبيرية المفتوحة على تداخل النصوص.

الأرض الفلسطينية والمخيم، والإنسان الفلسطيني وتراثه الشعبي هي المفردة الرمزية الأكثر تواجداً في أعماله، والتي تدور حولها جميع متواليات السرد والنصوص. منها المبتدى، وإليها المآل في توصيف واقع حال الفنان، وطريقته في التفاعل مع يومياته وذكرياته، وترجمة أحاسيسه الداخلية ونقلها إلى مفردات خطية، وملونات وتعدد صنائع وتقنيات منثورة فوق تفاصيل السطوح. لتواجه قدرها التشكيلي في تقاسيم حافلة بالعفوية، ومصداقية الحالة النفسية لفنان كان وما زال يدور في حوارية التربية والفنون، والعمل على توصيل رسالة إنسانية الرؤى في مرصوف محتواها الانفعالي في فوضى التشكيل وتداخله، والمعبرة بشكل ما أو بآخر عن ذات قلقة وراصدة لمعاناة شعب مقاوم، واقع تحت نير الاغتصاب الصهيوني وله حقوق وارض مستلبة يسعى لاستعادتها، تجد في الفنون التشكيلية والتطبيقية مسارات بصرية مناسبة لتشكيل حالة تربوية كفاحية عن طريق الفنون.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.