sami

واقع الخط العربي بين التكريس والتهميش

بقلم: الدكتور علاء الخضري

 الخط العربي للأمير كمال، وللفقير مال، وللفتى جمال… عبارات كثيرة قيلت في شأن الخط العربي تلك الأسطورة الرائعة التي لا تزال تحيا بيننا.

واعلم أيها القارئ الكريم أن النفس البشرية بطبعها تعشق الشيء الجميل، والخط العربي فيه ما فيه من الجمال الذي يدعو النفس إلى التمتع به، والخط موهبه ربانية حبا الله بها بعض عباده، وكفى الخطاطين عزاً وفخراً أنهم يخطوا ويكتبوا أشرف كلام؛ وهو القرآن الكريم، فقد أفنى الكثير من الخطاطين حياتهم لخدمه العلم والعلماء.

ولا غرو في ذلك، فالخط العربي لم يقتصر على فئة أو طبقة بعينها فالخط العربي أتقنه وزراء وعلماء وسلاطين كما أتقنته النساء، وغيرهم من طبقات المجتمع.

والقارئ لتاريخ الخط العربي يجد كل ذلك، ومن أشهر الكتب وأكملها جمعاً لسير الخطاطين والتي قدمت ترجمه لبعض الخطاطين، ومختلف طبقاتهم، كتاب الخطاط الفذ “محمد طاهر الكردي”: ” تاريخ الخط العربي وآدابه”. ويعد هذا الكتاب بحق مرجعاً لا غنى عنه للباحث في علم الكتابات الآثارية والخط العربي، وقد لفت نظري ذات يوماً وأنا أقرأ في هذا الكتاب القيم أن المؤلف أورد سلسلة لمشاهير الخطاطين على مختلف طبقاتهم الاجتماعية، وتساءلت كثيراً: ماذا حدث للخط العربي؟! أما ماذا حدث للذوق العربي؟! فقد تغير حال الخط العربي، وفقد أغلب خطاطي عصرنا هذا، عنصر الابتكار والتجديد في ذلك الفن المجيد، فقد كان السلاطين والوزراء والعلماء منهم مهتمين بالخط، ومنهم الخطاطين أنفسهم، ولا غرو في ذلك فمن بعض السلاطين الذين اشتهروا بحسن الخط الخليفة “المسترشد بالله” المتوفى 529هـ، والسلطان “أحمد خان الثالث”، فقد كان يكتب الخط على القواعد الصحيحة خصوصاً في خط النسخ والثلث الجلي، وكذلك كان السلطان “سليمان خان الثاني” (القانوني) خطه حسناً والسلطان “محمود خان الثاني”، والسلطان “مراد خان الثالث” وغيرهم من سلاطين الدولة العثمانية.

ولم تكن طبقة السلاطين فقط هي المهتمة بالخط فقد وجدت طبقة الباشاوات ومن أشهرهم: “على عزت باشا بن محمد باشا”، و”أحمد باشا بن جعفر” ويقال له: “شهلا باشا”، وكان الصدر الأعظم في زمن السلطان “محمود خان”، وأيضاً كان للعلماء نصيب في حسن الخط، فيا سعداً لعالم جمع بين العلم وفنون الخط !، ومن أشهر العلماء الذين امتازوا بحسن الخط الإمام العلامة “محمد بن إسماعيل البخاري” صاحب الصحيح وكان يكتب باليمين والشمال، وكذلك الإمام محمد بن سعيد البوصيري صاحب البردة المشهورة كان جيد الخط.

كذلك كان للنساء دوراً بارزاً في الخط العربي، نذكر منهن: “لبنى بنت عبد المولى” كاتبه الخليفة “المستنصر بالله” حيث كانت تكتب الخط الحسن، وتجيد قواعده، وكانت حاذقة بصيرة بالحساب والعروض وشاعرة أصلها من الأندلس وتوفيت سنه 394هـ.

أما الوزراء، فقد كان أشهرهم ذلك الخطاط الذى لم ينس التاريخ فضله وما من باحث تحدث عن الخط العربي إلا ذكر فضله، ألا وهو “محمد بن على بن الحسن بن مقله” ولد ببغداد 272هـ وتوفى 328هـ، ولابن مقله الفضل في وضع هندسة الحروف وقدر مقاييسها وأبعادها بالنقط وضبطها ضبطاً محكماً، وكان أخوه “عبد الله بن مقله” المتوفى سنة 338هـ ذو خط غايه الجودة، وتولى “ابن مقله” في أول أمره بعض أعمال فارس؛ يجبى خراجها إلى أن استوزره الخليفة “المقتدر بالله” ثم استوزره “القاهر بالله” ثم “الراضي بالله”، ثم وشى به إليه فقطع “الراضي بالله” يده اليمنى، فقال: ” يد خدمت بها الخلفاء وكتبت بها القرآن دفعتين تقطع كما تقطع أيدى اللصوص”. وكان ابن مقله يشد القلم على ساعده وهو مقطوع ويكتب به، ثم قطع بعد ذلك لسانه وحبس وبقي في الحبس إلى أن مات رحمه الله تعالى.

كل تلك الإشارات التاريخية السالفة الذكر إنما كان مرجعي فيها كتاب “محمد طاهر الكردي”: “تاريخ الخط العربي وآدابه”.

أما إذا أمعنا النظر في الخط العربي، وتردى مستوى الخطوط العربية في العديد من المؤسسات التعليمية، فإن مرجعه إلى البعد عن تلك الهوية العربية وعدم التمسك بها…. فنداء إلى العودة لتراثنا المجيد، والتمسك بهويتنا العربية، وإعادة النظر في الاهتمام بالخط العربي والخطاطين، فهم قلة في زمن نسأل فيه: الخط العربي إلى أين…؟

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.