فنانون عرب في بيينالي البندقية «كل مستقبل العالم» بعيونهم

يكرس القيّم (curator) العالمي أوكوي إنويزور في بيينالي البندقية السادس والخمسين الذي يحمل عنوان «كل مستقبل العالم»، اختياراته الفنية في ثلاثة فصول تعيد تقييم علاقة الفن والفنانين بالحالة الراهنة للأشياء: الحيوية والاستمرار الملحمي، حديقة الفوضى، ورأس المال كقراءة مباشرة. يستخدم البيينالي تنوعات في الممارسات الفنية ليعيد النظر في بداية البيينالي عام ١٨٩٥ بمعرض عام ووحيد في الغارديني ومن دون أجنحة وطنية، وفي تطور عروضه التي تحكمت بها عوامل سياسية اجتماعية وتغيرات جذرية في الفن والثقافة والسياسة والتكنولوجيا والاقتصاد. يسعى البيينالي لتقصي تردّد هذه التغييرات في التاريخ وفي الأعمال الفنية، وهو يضم أعمال ١٣٦ فناناً من ٥٣ دولة، ٨٩ فناناً منهم يعرضون أعمالهم للمرة الأولى في البندقية.

وقد طرح أوكوي إنويزور، المدير الفني وقيّم البينالي، فكرة المعرض والأهداف التي اختارها لهذه الدورة في نص رسمي نشر قبل أشهر من الافتتاح. وجاء فيه: «يرتكز «كل مستقبل العالم» على الوضع الراهن لـ «حالة الأشياء» لمشروع متخم وقلق ومسكتشف يتموضع في مجال جدلي من المرجعيات والممارسات الفنية». ويضيف إنويزور: «السؤال الأساسي الذي يطرحه المعرض هو كيف يمكن الفنانين والمفكرين والكتاب والمؤلفين والراقصين والمغنين والموسيقيين أن يستعملوا الصور والأدوات والكلمات والحركات والأفعال والأشعار والأصوات في جعل الجماهير تجتمع في النظر والاستماع والتفاعل والتواصل والحديث بطرق تجعلهم يفهمون الاضطرابات الحالية؟».

 

فنانون عرب في المقدمة

وعرضت قناة مخصصة للبيينالي على موقع «يوتيوب»، مقابلات قصيرة تحدث فيها الفنانون عن مشاركتهم في المعرض والطريقة التي اختيرت بها أعمالهم. منهم ماسينيسا السلماني وهو فنان جزائري مقيم في مدينة تور الفرنسية، حصل على تقدير لجنة التحكيم لقدرته على دفع أبعاد العمل بمواد ذات طبيعة محدودة، في إشارة إلى رسومه الدقيقة التي أنتجها بالقلم الرصاص عن صور مركبة من صور صحافية. كان الفنان قد شارك في بينالي داكار حيث تعرف القيّم أوكوي على هذه الرسومات وبدا مهتماً بمشاركتها في المعرض. ويقول السلماني: «أحب أن أنتج مشاهد لن تحدث على الغالب، وهذه المشاهد هي حالات ما بين الطرافة والكارثة في الوقت نفسه. يتأتى هذا من الكتب التي أقرأها ومن الأدب الجزائري، لأن الفكاهة الجزائرية هي في الخط الرقيق ما بين الملهاة والمأساة. ألهمت أعمال المصورين السرياليين البلجيكيين رسوماتي، عندما اكتشفت صور بول نوجيه اهتممت بأن أعيد إنتاج هذه الطريقة من التفكير بالرسوم. فكل صوره غريبة وهذا ما أحبه. في الصور تستقبل مروحة كهربائية زرافة تطل بعنقها من بركة سباحة، أو يلف رجل سجادة حمراء بينما تغادر من طرفها حافلة يتدافع الناس عبر نوافذها، أو تصطف طائرتان بقرب شديد من بعضهما بعضاً، بينما يمسك مسؤولان بطرفي خيط أخضر. كانت اللوحة قد انتهت إلا من هذا الخيط الذي أخذني أسابيع كثيرة حتى استقررت على اللون الذي أحب أن يكون لهذا الخيط، لأنه محور العمل».

وتقول الفنانة اللبنانية منيرة الصلح المقيمة بين بيروت وأمستردام، في حديثها عبر قناة البيينالي: «أشعر أني لا أختار مواضيعي الفنية لكنها عادة حاجة علي أن أقوم بها. هي عادة شؤون اجتماعية وسياسية، وأحياناً تتعلق باللغة، وبأشياء أتعامل معها في حياتي اليومية. من أجل البيينالي أنتجت عملاً عن عائلتي: عائلة أمي السورية وعائلة أبي اللبنانية. في العام ١٩٥٨ التقيا، عندما خسرت عائلة أمي ممتلكاتها بسبب التأميم وقررت الانتقال إلى لبنان».

وتشارك الفنانة الفلسطينية جمانة عبود للمرة الثانية في البيينالي، بمجموعة من الرسوم والتخطيطات التي أنتجتها على مراحل ما بين ٢٠٠٥ و٢٠١٣. تعرض هذه المرة جدارية ضخمة من قطع متفاوتة الأحجام من الرسوم التي وإن استقل كل رسم فيها بنفسه إلا أن الرحلة تنتقل بين رسم وآخر، وبين الظهور المرهف لشخصيات عالم عبود الذي يقع ما بين الواقع والخيال والنفس. تقيم عبود في القدس وتشارك في صناعة المشهد الفني العربي هناك، من خلال عملها في مؤسسة المعمل للفن المعاصر.

ويجمع الفنان التونسي نضال الشامخ الرسومات إلى مداخلة في مخطط ثلاثي الأبعاد لمدينة تونس. ويعرض الفنان العراقي الكردي هيوا ك جرساً ضخماً أنتجه بتهريب وصهر أسلحة أميركية مهملة في كردستان العراق بمصاحبة فيلم يوثق الأسابيع العشرة التي أنتج فيها هذا الجرس. ومن الأردن تشارك آلاء يونس بعرض يوظف الأرشيف إلى جانب تكنولوجيا الطباعة الثلاثية الأبعاد لإعادة قراءة تاريخ الصالة المغلقة للألعاب ببغداد والتي صممها المعماري لوكوربوزيه، لكنها بنيت في عهد صدام حسين ليتمركز فيها الجيش الأميركي بعد الحرب. وبينما حصلت سلسلة من الرسوم الدقيقة لمشاهد يعيد الفنان الجزائري ماسينيسا السلماني إنتاجها بتركيبات ذكية أو خفيفة الظل أو سريالية من صور صحافية على جائزة تقديرية من البينالي، إلى جانب مسيرة المخرج هارون فاروقي الفنية ومجموعة أبونظارة السينمائية، أعطت لجنة التحكيم أسدَيها الذهبيين لفنانة الأداء الأميركية أدريان بايبر وللجناح الوطني لجمهورية أرمينيا، وأسداً فضياً للفنان الكوري الشاب إم هوانغ سون.

ويعود البيينالي إلى أعمال الفنانة المصرية الراحلة إنجي أفلاطون، عارضاً ما يزيد على ٣٠ عملاً من إنتاجها في الستينات وما بعد سنوات المعتقل الذي أودعت فيه ما بين ١٩٥٩ و١٩٦٣. تظهر المناظر الريفية والمحاربين والفدائيين والطبيعة في أعمال الفنانة الرائدة، والتي اشتهرت بمواقفها في دعم الحركة النسوية، كما عرفت بـ «سيريالية الرسم وماركسية السياسة». شاركت أفلاطون بالبينالي عام ١٩٥٢، وتوفيت عام ١٩٨٩.

 

15 فناناً من الإمارات

اختار جناح «حول المعارض في الإمارات» تقديم مئة عمل لمجموعة من ١٥ فناناً إماراتياً، نسقته الشيخة حور القاسمي، مديرة مؤسسة الشارقة للفنون، وقيّمة معرض الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة لعام ٢٠١٥. اختير له كذلك أن يعود بالبحث والعرض إلى العام ١٩٨٠ ويتتبع مصير أعمال فنية ظهرت في مطبوعات ومنشورات الإمارات الفنية منذ ذلك الوقت. تكمن أهمية هذا المعرض في قرار اختيار عرض «مشهد فني» وظروف وأشكال تطوره بينما تجهد فرق إعداد المعرض في إيجاد الأعمال وتسجيل أو التعامل مع حالتها الحالية، سواء بالتخاطب المباشر مع الفنانين أصحاب الأعمال أو ورثتهم وأبنائهم، أو مع الأفراد أو المؤسسات الذين يقتنون هذه الأعمال.

اعتمد البحث على أرشيف جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، كما حمل المعرض صورة من افتتاح أحد معارضها الجماعية العام ١٩٨١ والذي تبدو فيه الأعمال معروضة على جدر متحركة قصيرة رفعت من أجل المعرض. حاكى تصميم بيينالي البندقية هذه الصورة في توزيع الأعمال المشاركة والتي تنوعت ما بين تسجيل الأعمال الأدائية الأولى للفنانين حسن شريف ومحمد كاظم، وما بين لوحات مصوّرة للفنانين أحمد الأنصاري وعبدالقادر الريس، والنحت للفنانين عبدالله السعدي ومحمد بولحية وأعمالاً فوتوغرافية ومنحوتات خزفية.

هذه هي الدورة الرابعة على التوالي التي تقدم فيها الإمارات مشاركة وطنية في بيينالي البندقية، بينما تغيب وتحضر أجنحة عربية أخرى عن البيينالي من دورة إلى أخرى كشأن أجنحة لبنان والكويت وفلسطين والبحرين وغيرها.

 

أم الدنيا

من بين الدول العربية، تحظى مصر بالجناح الأقدم في حدائق الغارديني حيث تشارك فيه منذ العام ١٩٣٢. وقد منحت مصر «الأسد الذهبي» عن فئة جائزة البيينالي للأجنحة الوطنية، في العام 1995 وأعطيت لأربعة فنانين مصريين. يتشارك ثلاثة فنانين مصريين في تجهيز العمل الفني الذي يعرض هذه السنة في جناح «هل يمكنك أن ترى؟». نحت ضخم على شكل خطوط تتحرك في الأبعاد الثلاثة لتشكل كلمة «سلام» بالإنكليزية، بينما ركّب فيها عشب أخضر وملصقات صغيرة تحمل توليفة كلمة سلام بالعربية والإنكليزية. على مواقع مختارة من الخطوط توجد شاشات تفاعلية يمكن الزوار أن يضغطوا أزراراً تزيد وتنقص من السلام ومن الكائنات التي اختاروا لها أن تظهر مع هذه الاختيارات (حشرات، فراشات، حرائق…).

 

العراق

تزيّن صور شيخ المصورين العراقي لطيف العاني والتي تعود إلى خمسينات وسبعينات القرن العشرين (تصور الحياة والمناظر الحضرية في العراق وكذلك زيارات الفنان ومعارضه في ألمانيا)، معرض جناح العراق الذي اتخذ اسم «الجمال غير المرئي». ضم المعرض أيضاً رسومات نفذها لاجئون في شمال العراق وطبعت في كتاب، وأعمال تصوير فوتوغرافي للفنان آكام شيخ هادي، ورسوماً بالألوان المائية لحيدر جبار، وفيديو «استجواب شيلكوت» للفنانة رباب غزول والذي تتعرض فيه للحرب والعقوبات التي فرضت على العراق. هذه هي السنة الثالثة على التوالي منذ العام ٢٠١١ التي يقدم العراق جناحاً وطنياً، إلا أن مشاركته الأولى جاءت عام ١٩٧٦ وقدمت أعمال ستة فنانين عراقيين منهم إسماعيل فتاح وشاكر حسن.

يستمر معرض بيينالي البندقية حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فيما يتوقع أن يقارب عدد الزوار أو يزيد على نصف مليون شخص على مدى الشهور السبعة. وتنظم المعارض الأساسية في البيينالي في موقعي الأرسنال وحدائق الغارديني التاريخيين، كما يُنظم أكثر من ٤٤ معرضاً رسمياً موازياً و٨٩ جناحاً وطنياً في أماكن أخرى.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.