50 أيقونة من روائع الصور عبر 184 عاماً ترصد حكايات شيّقة وشخصيات شهيرة

لا يقل دور فن التصوير الفوتوغرافي، منذ نشأته وحتى اليوم، عن بقية الفنون التي ساهمت في تغيير الرأي العام المحلي والعام، إما عبر الكشف عن العديد من الجوانب الإنسانية التي غفلت عنها المجتمعات، أو عبر الارتقاء بجماليات الإبداع ليخلد التاريخ نتاجها في كل مكان وأوان.

وإن كنا نعرف الكثير عن تجارب المبدعين في عالم الأدب والموسيقى والتشكيل، إلا إن معرفتنا في العالم العربي بثقافة فن التصوير لا تزال قليلة.

وارتأت «البيان» بالتعاون مع جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي«، تسليط الضوء في كل شهر، على إحدى روائع الصور التي اعتبرت بمثابة أيقونة في عالم التصوير الفوتوغرافي، والحكاية التي تكمن خلفها إلى جانب تجربة المصور الإبداعية، عبر تقديم قراءة لأحد الكتب المتوفرة في مكتبة الجائزة.

«مزارعون شباب» لأوغست ساندر 1914

 

دور مؤثر

يتمثل اختيارنا لهذا الشهر بكتاب يضم»50 أيقونة من الصور «ويغطي 180 عاماً من عالم التصوير، منذ عام 1827، سواء على صعيد الحدث التاريخي أو تأثيرها على الرأي العام أو المجتمع، أو تحقيقها نقلة نوعية، إما على مستوى جماليات الصورة أو التقنيات المستخدمة.

ويقدم مؤلف الكتاب، الكاتب والصحافي هانز ميشيل كويتزل، عرضاً لمسيرة وتجربة المصور والمرحلة الزمنية التي عاش فيها، وتأثير صورته التي أصبحت أيقونة في تاريخ عالم الصور، إلى جانب تحليل نقدي لأعماله، لتشمل أعمال الكتاب مختلف المجالات، من البورتريه وإلى حياة الشارع ومناظر الطبيعة.. وحتى عالم الأزياء.

«قفزة إلى الحرية» لبيتر ليبينغ 1961

 

الصورة الأولى

يقول كويتزل إن المصور الفرنسي نيسيفور نييبسي»1765-1833«توصل إلى تثبيت الصورة بعد معالجتها بالأحماض، قبل 10 سنوات من تاريخ اعتبار الفنان والمصور لويس جاكس ماندي داغير الذي ابتكر معالجة تحميض الصورة بالألواح الفضية عام 1839.

أما صورة نييبسي التي التقطها عام 1827، فتمثل إطلالة من نافذة مكتبه في البيت، وهي أول صورة ثابتة وإن كانت آنذاك تظهر عكسية للمشهد. وما ساعده على تطوير تجاربه العلمية خاصة على صعيد الكاميرا، وضعه المالي الجيد.

وشاركه اهتمامه شقيقه كلود الذي أرسل له هذه الصورة حينما كان الأخير مسافراً. وقال له فيها: قللت فتحة العدسات بورقة. ومع تقليل نسبة دخول الضوء إلى عمق الكاميرا تبدو الصور أكثر حيوية من الخطوط العامة إلى الظلال.

ولم يعرف نييبسي حينها أنه سيتوصل إلى اكتشاف وسائل إضافية لتثبيت الصورة بعد مضي 10 سنوات.

صورة المغني جيمس دين قبل وفاته بـ 4 أشهر لدينيس ستوك 1951

 

“كومونة باريس”

لعبت هذه الصورة التراجيدية المؤثرة التي التقطها المصور الفرنسي أندريه أدولف يوجين ديسديري»1819-1889«، دوراً وثائقياً درامياً، وعكست سطوة الحياة على الموت، وقوة البرجوازية أمام ضعف الشعب، وقوة النصر أمام الهزيمة، والوضع المزري والمهين لهؤلاء الأموات الذين تحولوا إلى أرقام لتعريفهم بعد إعدامهم خلال الأسبوع الدموي من الثورة الفرنسية الرابعة»كومونة باريس«.

هذه الثورة التي انطلقت وخبت في زمن قصير: من 18 مارس وإلى 28 مايو عام 1871، ليتم قمعها وإعدام من انتخبهم الشعب والمناصرين لهم، من قبل القوات الفرنسية النظامية الدكتاتورية.

«طفلة الغزل بنيو إنغلند» للويس دبليو هاينس 1913

 

وتحمل صورة ديسديري، التي تضم 12 جثة، العديد من الأبعاد والتساؤلات، خاصة بعد قتل ما يقرب من 100 ألف عامل. وما جعل من هذه الصورة أيقونة في تاريخ التصوير كونها تستدعي حضورها على خلفية اختلاف الرأي القائم حتى اليوم، حول هذه الثورة التي تعتبر أول حركة اشتراكية في العصر الحديث.

وكان المصور يجوب الشوارع والأحياء في باريس بالعربة المتنقلة، التي حولها إلى استوديو ليلتقط صور الأحداث والمعارك خلال الأسبوع الدموي والدمار الناجم عنها.

كما كان ديسديري نفسه، مصورا بعقلية رجل أعمال، واعتبر أغنى مصور في العالم وكان عائد استوديو التصوير الخاص به أكثر من مليون و200 ألف فرنك سنوياً، وكان عدد زبائنه في اليوم الواحد، بمعدل 200 شخص.

بورتريه غيفارا الشهير لرينيه بوري 1963

 

موت بسمارك

التقط كل من المصورين الألمانيين ماكس كريستيان بريستر»1865-1910«وويلي ويلكه»1864-1945«، خلسة ومن دون موافقة العائلة، صورة رجل الدولة، موحد ألمانيا، والمفكر والسياسي الأمير وتو إدوار ليوبول فون بسمارك»1815-1898 الذي لقب باسم «المستشار الحديدي» ليلة وفاته.

وبادر المصوران، بعد انتشار شائعات إصابة بسمارك بالغرغرينا، إلى رشوة أحد العاملين في قصره، وما إن فارق الحياة، قبل ساعة من منتصف الليل، حتى فتح لهم عميلهم بوابة الحديقة ونافذة في الدور الأرضي. ووصل كلاهما في الساعة الرابعة صباحاً وأخذا عدة لقطات مستعينين بعدة ألواح وبإضاءة فلاش من المغنيزيوم، التي كانت سائدة آنذاك.

واستغرقت عملية التصوير ما لا يزيد عن 10 دقائق.
وفي اليوم التالي، حاولا بيعها بمبلغ طائل، لكن حلمهما لم يتحقق، إذ طلب الجميع الحصول على تصريح من الورثة بذلك، والذين رفعوا عليهما قضية في المحكمة وأتى الحكم لصالح الورثة، ليحكم على ويكل بثمانية أشهر مع تجريده من لقبه كمصور للمحكمة، وخمسة أشهر لبريستر الذي توفي في مصحة عقلية حينما كان عمره 45 عاماً فقط.
وأثار نشر الصورة، زوبعة من الاحتجاجات. ويقول مؤلف الكتاب، إن مصطلح «باباراتزي» لم يكن قد ظهر حينها، والذي ابتكره المخرج الإيطالي فيليني في فيلمه «لا دوتشي فيتا» 1961.

ولم تنشر هذه الصورة إلا بعد مضي جيلين، وذلك عام 1952. أما الصورة بحد ذاتها، فتحكي الكثير، ومن ما قيل من وحيها: «حتى الأمراء يصبحون مثلنا بعد الموت». وهذا الكلام مستلهم من التناقض بين بسمارك الأسطورة وحاله في غرفة يسودها البؤس والفوضى، من الوسائد غير المرتبة إلى محتويات الغرفة إلى هيئته المشعثة.

صورة داخل أخرى وفيها المصور آرنست هاس 1947

 

1933

تحمل صورة بورتريه تشي غيفارا التي التقطها المصور الألماني رينيه بوري «1933» حينما كان غيفارا وزيراً، وذلك في مكتبه بوزارة الصناعة بهافانا عام 1963، تحمل الكثير من مقومات النجاح التي جعلت الدوريات تنشرها باستمرار، والسبب في ذلك جمعها بين نظرته التي تحمل الكثير من الغموض وبين التأمل والتحدي وكاريزما شخصيته الآسرة.

وأتاحت علاقة الصداقة بين غيفارا وبوري للأخير، فرصة التقاط العديد من الصور. أما مقومات الصداقة بينهما فبنيت على العديد من العوامل المشتركة، فكلاهما ينحدر من الدرجة الدنيا للطبقة الوسطى، وكما انهما حصلا على تعليم جامعي مرموق، وعرفا بحبهما الأدب الألماني، وإن فضل الأول غوته والآخر بريخت، ذاك مع تشاؤم كليهما إزاء الوضع في جنوب أميركا.

وفي جلسة التصوير تلك، دار نقاش بينهما استمر لأكثر من ثلاث ساعات، استهلك خلالها بوري ستة أفلام وهو يصور غيفارا. واستطاع خلال الحوار التقاط الصور بينما كان غيفارا على سجيته. ولم تأخذ هذه الصورة وغيرها، بعدها الحقيقي كما اليوم، وذلك استمر زمناً طويلاً.

 

صورة تركيبية

بدأ المصورون الفنانون في الثمانينيات من القرن العشرين، بإخراج صور من تصميمهم من وحي صور الإعلانات. وابتكروا عوالم متخيلة لواقع مواز، مستخدمين كافة الأدوات الفنية. ومن أبرز هؤلاء المصورين الفنانين، الأميركية ساندي سكوغلاند «1946» التي اشتهرت بصورها وأعمالها التركيبية السريالية.

 

وتتميز ساندي بإخراج ورسم ونحت وتلوين وإضاءة وتصميم المشهد المسرحي لجميع أعمالها، وذلك بدافع نزعتها للسيطرة المطلقة على أي عمل لها، والتي دفعتها إلى ترك عالم صناعة الأفلام التي شغفت به لسنوات بعد دراستها للفنون الجميلة في الجامعة. وحققت ساندي شهرتها الواسعة مع صورتها «انتقام السمك الذهبي» عام 1981، وجمعت فيها بين الواقعية والسريالية، ليخرج موضوع الصورة عن المألوف، بوجود الأسماك المحلقة في فضاء الغرفة.

كذلك الأمر مع صورتها «كلاب وغرفة وبيت أخضر» التي تتجلى فيها جمالية التصميم والتناغم الفني بين الخطوط والكتلة وتوزيع مكونات المشهد، لتضفي جواً درامياً قريباً من أجواء أفلام الرعب التي يُرهب فيها الصمت أكثر من أي مؤثرات صوتية.]]>
كويتزل المتخصص في التاريخ وعلم الجمال والتصوير

يُعتبر هانز مايكل كويتزل الذي يعيش في ميونيخ، كاتباً وقيّماً فنياً ومؤرخاً للصورة. وكان كويتزل قد درس في الجامعة اللغة الألمانية والتاريخ، وحاز عام 1981 على منحة من «برلين سينيت» ومنحة أخرى في الأدب من مدينة ميونيخ عام 1984.

وساعدته دراسته في مجال التاريخ وعلم الجمال على تذوقه لفن التصوير، وليعمل منذ عام 1996 كرئيس تحرير لمجلة «عالم لايكا».

 

50 أيقونة من الصور

تأليف: هانز مايكل كويتزل

الناشر: تاشين 2011

القطع: الكبير

الصفحات: 306 صفحات

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.