Thumbnail

جلسة مغربية مع المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري

محمد بكري يشدد على أن إسرائيل هي التي تخاف الفلسطينيين، وهي التي تخافه لأنه أجمل منها روحيا، ولأنه صاحب حق وهم ليسوا أصحاب حق.
الأحد 2018/06/03
يرتبط محمد بكري بيوم الأرض ارتباطا روحياً

بات المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري من أهم الممثلين العرب في هذه السنة، وقد توج هذه الأيام بجائزة أحسن ممثل في مهرجان تطوان، مثلما توج بالجائزة نفسها في مهرجان دبي في دورته الأخيرة، عن دوره في فيلم “واجب” للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر. وسبق لبكري أن توج بجوائز عالمية، غير أنه لم يكن أحسن ممثل في أفلام عربية وعالمية فقط، بل هو بطل حقيقي، أيضا، من أبطال فلسطينيي الداخل، وهو لا يزال موضوع متابعة من قبل السلطات الإسرائيلية، منذ 16 سنة وإلى اليوم.

محمد بكري مخرج وممثل فلسطيني عالمي شارك في أفلام عالمية وتوج في مهرجانات دولية. التقت به “العرب” في يوم الأرض، 30 مارس المنصرم، بينما كان فلسطينيو الداخل يخوضون الاحتجاجات ضد السلطات الإسرائيلية، التي أطلقت النار في هذا اليوم على 16 شهيدا. انطلق الحوار قبل أن يطلق الجنود الرصاص على الشهداء في غزة، لكننا حين سألنا محمد بكري، في ذلك الصباح، عن الاحتجاجات بمناسبة يوم الأرض، أكد أن هذا اليوم لن يمر بسلام “آمل أن لا تسفك الدماء، ولكن لا بد مما ليس منه بد”، يقولها بكري بحسرة، وما هي إلا ساعات حتى سقط الشهداء في غزة.

ويرتبط محمد بكري بيوم الأرض ارتباطا حياتيا ووجوديا. فهذا اليوم يخلّد لما وقع في 30 مارس 1976، حين احتج شباب في الصف الأخضر بالجليل، قرب القرية التي ولد بها بكري، فقتل ستة شبان فقط، لأنهم تظاهروا ضد السياسة الإسرائيلية. واليوم، لا يزال الفلسطينيون يحيون هذا اليوم ويموتون فيه. يقول لنا بكري “نحن لا نخاف من إسرائيل. بالفعل، لا نملك سلاحا ذريا ولا صواريخ ولا دبابات، ولكن لدينا إرادة وحق. وإسرائيل هي التي تخاف منا، أكثر مما تخاف من كل الدول العربية جميعها”.

جنين جنين

يبدو أن إسرائيل تخاف من محمد بكري السينمائي، أيضا، وهي لا تزال تلاحقه بسبب فيلم “جنين جنين” بعد 16 عاما على إخراجه. كما تلاحقه مؤخرا بسبب زيارته إلى لبنان، الذي تعتبره إسرائيل بلدا عدوا؟ عن هذه الملاحقة الإسرائيلية، التي يؤدي بكري بطولتها، أيضا، يؤكد لنا محدثنا أن الملاحقة مستمرة حتى الآن، وأن هنالك جولة جديدة في المحاكم.

“كانت الرقابة قد منعت الفيلم لمدة سنتين وذهبت إلى المحكمة ورفعت دعوى ضد الدولة الإسرائيلية، وبعد سنتين من النضال حصلت على ترخيص بعرض الفيلم. ثم بعدها شكاني خمسة جنود إسرائيليين بتهمة القذف والتشهير بهم، باعتبارهم مشاركين في اجتياح جنين سنة 2002، وهم يرون بأن الفيلم شوّه صورتهم “الجميلة”، حيث يعتقدون أنهم جيش جميل وله أخلاق عالية ولا يقوم بجرائم حرب، فجاء الفيلم ليثبت العكس”.

يبدو أن إسرائيل تخاف من محمد بكري السينمائي، أيضا، وهي لا تزال تلاحقه بسبب فيلم “جنين جنين” بعد 16 عاما على إخراجه. كما تلاحقه مؤخرا بسبب زيارته إلى لبنان

وبعد سنوات من المحاكمات خسروا المحاكمة لأنهم غير موجودين لا صوتا ولا صورة في الفيلم. وقبل إغلاق الملف جاء القاضي يحاول رشوتي، بأن اقترح علي أن أعتذر لهؤلاء الجنود مقابل إغلاق الملف، فرفضت ورددت ما ردد محمود درويش: “لن أعتذر عما فعلت”. والآن هنالك محاكمتان جديدتان، حيث تقدم جندي (ضابط احتياط) بدعوى جديدة يتهمني مرة ثانية بخصوص فيلم “جنين جنين”، وهو يطالبني بتعويض بـ800 ألف دولار، بدعوى أنني شوهت اسمه، ويدّعي أنه مصور وموجود في الفيلم. والمحاكمة ستتم يوم 6 ماي المقبل. وهنالك أيضا تحقيقات جارية معي من قبل المخابرات الإسرائيلية حول زيارتي إلى لبنان في سبتمبر الماضي، ولا أدري ما الذي سيتمخض عن هذه التحقيقات. وكل هذا مجرد عاصفة في فنجان بالنسبة إلي، و”يا جبل ما يهزك ريح”.

وعن سبب هذه الملاحقات والمتابعات وكيف يمكن للفن أن يكون أداة للمقاومة عبر سلاح السينما، يقول بكري “الحكومة الإسرائيلية تخاف مني لأني جميل، لأني أجمل منهم بكثير وأصدق منهم بأكثر. ويخافونني لأنني كينونة إنسان. لأن فني ليس شعارا وليس خطابا سياسيا. فني يتحدث عن تفاصيل حياتية إنسانية عطشى للحرية والكرامة والاستقلال”.

ثم يعود محمد بكري ليشدد على أن إسرائيل هي التي تخاف الفلسطينيين، وهي التي تخافه، لأنه أجمل منها روحيا، ولأنه صاحب حق وهم ليسوا أصحاب حق. “وعندما لا تكون صاحب حق تصبح بشعا. فالأمريكي، مثلا، ذاك الذي اضطهد وطرد وظلم وقهر وسرق الهندي الأحمر لم يكن صاحب حق، وأنا هو الهندي الأحمر”.

واجب فلسطيني

عن بطولته في فلم “واجب” للمخرجة آن ماري جاسر رفقة ابنه صالح بكري، وعن السخرية السوداء التي ترافقهما في مدينة الناصرة، يرى بكري أنها سخرية من الذات أكثر منها سخرية من الآخر. ونحن، حسبه، “لا نستطيع أن نسخر من الآخر ما لم نسخر من أنفسنا. والسخرية سلاح، كما قلت، تختلف تماما عن الاتهام المباشر، وتسمية الكلب باسمه”.

وحول تأثره بأستاذه إيميل حبيبي، وكان محمد بكري قد اشتغل على روايته في مسرحية “المتشائل” الشهيرة، إذ يؤكد الممثل أن إيميل حبيبي يبقى له أثر كبير عليه، “لأني أمثل مسرحية ‘المتشائل’ منذ 1986، وقد كبرت معها. وحياتنا كعرب 48 معادلة صعبة لا معقولة، مثل مسرح العبث. وهو ما يخلق هذا النوع من السخرية من الذات، كما تخلق هذه المعادلة شخصية ‘اللابطل’”.

السينما تعلن انتمائي للإنسانية أجمع، وأنا جزء من كل المقهورين والمستضعفين في هذا العالم بغض النظر عن انتماءاتهم

واللابطل عنده ليس نتاجا فلسطينيا وحسب، بل هو نتاج عالمي، حيثما وجد ظالم ومظلوم. ويعتقد بكري أن شخصية سعيد أبي النحس تجسد هذه الشخصية المسحوقة الموجودة بالملايين في العالم وخاصة في العالم العربي.

وعن اختلاف شخصيته الحقيقية الواقعية عن شخصية “أبو شادي”، الذي أدى دوره في فيلم “واجب”، وكلاهما من فلسطينيي الداخل، يؤكد بكري أنه لا يشبه هذه الشخصية، “فأنا دمي حام. ولو كنت مثل أبو شادي لما أخرجت فيلم “جنين جنين”، ولما كنت ملاحقا من قبل إسرائيل، لأن أبو شادي مهادن ومسالم لا يهدد أمن وسلامة إسرائيل. فأنا لا أسكت، ولا أستطيع أن أصمت”.

درويش وحبيبي

علاقة محمد بكري بإيميل حبيبي علاقة راسخة في المشهد الثقافي لفلسطينيي الداخل، ومرة قال إيميل حبيبي “إذا كنت قد علمت محمد بكري شيئا فهو أنني علمته أن يكون عربيا، وأن يكون فلسطينيا”. عربيا فهمناها، فما معنى أن تكون فلسطينيا؟ يجيب بكري أن انتماءه إلى فلسطينيي الداخل، “علمني أن أعيد كتابة حروف ونقاط هويتي التي محتها إسرائيل، التي حاولت أن تمحو معالم فلسطين من حجر وبشر وشجر. فوظيفتي أصبحت إعادة كتابة الحجر والبشر والشجر. لن أضع النقاط على الحروف كورقة سقطت في الماء وامّحى حبرها، فآخذ هذه الورقة أجففها تحت ضوء الشمس وأكتبها في نهار جديد بروحي ودمي”.

ومن السرد إلى الشعر، ننتقل بمحمد بكري من إيميل حبيبي إلى محمود درويش، لنسأله عن مشروعه بخصوص إخراج فيلم عن درويش؟ مشروع يتمنى بكري تحقيقه، بتجسيد شخصية محمود درويش في المسرح والسينما. وأسعدنا بكري بأن تقديم عرض مسرحي عن درويش سيظهر قريبا. أما في السينما، “فلا أستطيع أن أحدد الوقت”.

وعن علاقته بدرويش، يقول: “أنا أعشق هذا الرجل. درويش ليس شاعرا فقط، فهو أكبر من شاعر، وأكبر من مفكر ومبدع وفيلسوف. هو كينونة نادرة تحمل الكثير. لم يكن درويش يحمل على كتفه نعشه، كما سميح القاسم، بل كان يحمل فلسطين على كتفه”.

وحول تجربته مع كوستا غافراس والأخوان توبياني ومخرجين وممثلين عالميين، وكيف يقيم تجربته في شاشات السينما العالمية، يرى فيها بكري أنها تجربة أنعشت مكانته وصيرورته كجزء لا يتجزأ، ليس فقط من فلسطين ومن العالم العربي، بل من العالم أجمع. “أنا مواطن هذا العالم، ولست مواطنا فلسطينيا وعربيا فقط، أينما تطأ قدمي هناك بيتي، وخارطتي لا تعد بالكيلومترات. والسينما تعلن انتمائي للإنسانية أجمع، وأنا جزء من كل المقهورين والمستضعفين في هذا العالم بغض النظر عن انتماءاتهم”، يؤكد المخرج والممثل الفلسطيني.

وبينما يتحدث عن السينما وعالميتها، فهو يرفض القول بوجود مدارس في السينما. “فللسينما لغة واحدة هي السينما وجمالياتها، وكيف تصل إلى الآخر ولو لم يفهم لغتك. وهنا في نظري تكمن عبقرية السينما” ويستشهد صاحبنا هنا بسينما شارلي شابلن الصامتة، وكيف وصلت إلى كل العالم، رغم أنه لم ينطق مبكرا، ولم يقدم سينما ناطقة إلا في وقت لاحق. وحتى حينما تحدث، في ما بعد، حافظ على ما يسميه بكري “البسيط والسهل الممتنع والممتع العميق دائما. وإذا أردت أن أنتمي إلى لغة سينمائية فهي هذه اللغة الجميلة الصادقة والعميقة”.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.