SEMC 3MP DSC

الشاعر و المترجم و الروائي د عبد الله حمادي

 

 

 

 

 

الدكتور عبدالله حمادي لأصوات الشمال
حاورته : حافي وحيدة
الشاعر و المترجم و الروائي د عبد الله حمادي

التقيته وأنا طالبة في جامعة منتوري بقسنطينة, كان كلما مر أمامي إلا ونظرت إليه بغرابة واستعجاب , وقلت بيني وبين نفسي يا ترى من يكون هذا الرجل ؟ ولماذا هو جاد هكذا ؟, عدت إلى نفس الجامعة كأستاذة في قسم اللغات , التقيته مرة أخرى لكن بنظرة مختلفة وبإجابات مقنعة ووافية لأسئلتي الأولى , واليوم وأنا أحاوره بمكتبه المتواجد بقسم الترجمة زدته احتراما ووقارا, اكتشفت فيه أشياء جميلة, فهو جميل خلقا وخلقا, مثقفا إلى أبعد الحدود الحديث معه شيق وممتع, حتى أنني لم أحس بتلك الساعات التي قضيتها في مكتبه وهو يجيبني على أسئلتي, تحدثنا في مواضيع كثيرة, رحل بي إلى عميد شعراء العرب المتنبي ,عرفني على الولادة بنت المستكفي , وابن قزمان , الجامعة وطلابها كانت أيضا من بين الأحاديث التي تطرقنا إليها, هو عميد من أعمدة الشعر والنثر في قسنطينة, من مواليد 1947 ,خريج جامعة مدريد المركزية (Complutense) باسبانيا عام 1980, متخصص في الأدب الأندلسي واللاتينو أمريكي, يعمل حاليا أستاذ للأدب العربي واللغة الاسبانية بجامعة منتوري بقسنطينة, ويدير مجلة “حولية مخبر الترجمة”, شارك في العديد من الملتقيات الدولية بأوروبا وأسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية, رئيس سابق لاتحاد الكتاب الجزائريين ما بين 1996 و 2000, مدير سابق للمركز الوطني للدراسات والبحث في تاريخ الحركة الوطنية وثورة نوفمبر 1954, رئيس سابق للجنة الوطنية الجامعية لترقية الأساتذة والأساتذة المحاضرين (cun), أحرز على العديد من الجوائز والتكريمات كجائزة سعود البابطين المخصصة لأفضل ديوان شعري على ديوانه البرزخ والسكين, من دواوينه الشعرية نجد : الهجرة إلى مدن الجنوب, أنطق عن الهوى, قصائد غجرية, ديوان ” comverso con el olvido “, (حوار النسيان ) باللغة الاسبانية, رواية تفنست, تاريخ بلد قسنطينة لابن العطار 2011, وفي الأخير أترككم للاستمتاع بهذه الجلسة الجميلة التي كانت في يوم من أيام نوفمبر المجيدة السنة الماضية مع هذا الأديب والشاعر المترجم والروائي الذي أنجز العديد من الدراسات العلمية والتحقيقات الأدبية .

الدكتور عبدالله حمادي في حديث أصوات الشمال

حافي وجيدة

من أحب الله أحب رسوله ,ومن أحب رسوله أحب القران ,ومن أحب القران أحب اللغة العربية , اللغة العربية تئن وتتوجع ,في تراجع , فلماذا يرجع هذا التهميش للغة العربية في كل الدول الناطقة بها , وككاتب وشاعر بهذه اللغة ما هو الحل في نظرك ؟

الدكتور عبدالله حمادي

اللغات بصفة عامة , ليس هناك لغة أحسن من لغة , الشعوب هي التي تجعل من لغتها لغة مشهورة عالمية معروفة , وشعوب أخرى بحكم تأخرها وتخلفها تجعل من لغتها متخلفة ومحدودة الانتشار , فالذنب ليس في اللغة ,بقدر من يتحدث اللغة ,أو من ينسب إلى هذه اللغة , وبالتالي نظرية لغة أحسن من لغة هذه خاطئة , كل اللغات في العالم متجانسة ومعبرة , والإنسان هو الذي يجعل لغة معبرة أكثر من لغة ’ إذا كان متطور ومبتكر للكثير من الإبداعات , فانه يثري لغته ويجعلها متقدمة وإذا كان متخلفا فلغته تبقى متخلفة , اللغة العربية في العصر الجاهلي كانت لغة محدودة جدا قبل مجي الإسلام كانت لغة الشعر الجاهلي المحدود من ناحية الزمان والمكان , كانت تعبر عن الرحلة , الرحيل , المواشي والضعائن والمشاهد التي توجد في الصحراء , ولما جاء الإسلام أثرى اللغة بمفاهيم ومصطلحات جديدة , وبنظرة للكون جديدة , ولما ازدهرت الحضارة العربية الإسلامية وفتحت أول بوابة كبرى للترجمة في بيت الحكمة في بغداد , وباشرت اللغة العربية في التعاطي مع الثقافات الأخرى كالفارسية والإغريقية والهندية وبدأت في عملية الترجمة , فبعدما كانت محدودة معبرة على شيق ضيق من الحياة في جانبه الأدبي وفيما ينتج في الصحراء أصبحت تعبر عن الطب والفلك والفلسفة وغيرها من المبتكرات ’ فطوعت اللغة وفرض عليها أن تبتدع مصطلحات جديدة لتكون معبرة عن كل هذه المعارك الجديدة , فأثرت اللغة , والناس الذين يتحدثون بها ليسوا في المستوى الذي كانت عليه اللغة في العصر العباسي والأندلسي لما كانت اللغة هي المعبرة عن كل مناحي الحياة سواء الجانب العلمي ’ الزراعي , الطبي , اليوم العرب محدودون في مختلف هده الابتكارات المتطورة ,فاللغة الانجليزية لم تكن شيئا يذكر قبل خمسة قرون , لكن لما تقف ورائها الترسانة الأمريكية بابتكاراتها والترسانة البريطانية وكل الشعوب الأخرى الناطقة بالانجليزية يصنعوا منها لغة في الصف الأول , وسبقت حتى لغات أخرى , فصانع اللغة ومبتكر اللغة , ومستعمل اللغة , والذي يتحدث اللغة هو الذي يجعل من اللغة متقدمة أو متخلفة ,, هناك معاناة وتقصير , وعدم قدرة على الابتكار ,و الخلط وإثراء اللغة باستمرار ,هنا عندنا مجال خلق اللغة ظل شيء محدود حتى في المجال السياسي المفترض أن يكون متحركا ,ونشطا, لسوء الحظ الفضاء السياسي وفي الجزائر يدور في حلقة مفرغة , ويكرر نفسه , ويعيد ويجتر ما سبق أن قيل ,والحل فيما يتعلق باللغة هو أنه هناك قوانيين في المجتمعات العربية تلزم القيادة السياسية بأن تكون القدوة في استعمال اللغة العربية وفي فرضها على مختلف أوجه الحياة ’ ولكن يبدو أنه ليس هناك من الصرامة وليس هناك من يحرص على تطبيق القوانين, فهذا ما جعل كل إنسان يتحدث بلغة ولا تعطى الأهمية للغة العربية ,حتى مرات تجد سفراء في بلدنا من بلدان أجنبية يتحدثون باللغة العربية الفصحى , ومسؤؤلين يخاطبونهم باللغة الفرنسية فأنا كنت مدعوا للصالون الدولي للكتاب وحضرت ندوة تكريمية للكاتب الكولومبي غاب ريال غارسيال ماركيز , وكنا في المنصة أديب من كولومبيا متخصص في أدب ماركز , وأديب جزائري مقيم في فرنسا متخصص في غارسيا ماركيز , وأنا كذلك , وكانت هناك مترجمة تترجم ما يقول الكاتب الكولومبي , وكانت القاعة فيها جمهور متعدد بالإضافة إلى السفير الكولومبي ,فكل تحدث بلغته الكولومبي بالاسبانية والمترجمة كانت تترجم له من الاسبانية إلى الفرنسية , وهي في بلد الجزائر بمعنى , كان موجدين من كان باستطاعته أن يترجم من الاسبانية إلى العربية , والجزائري تحدث بالفرنسية , ولما بدأت أنا الكلام باللغة العربية طلبت مني المنشطة وهي مديرة القناة الثالثة في للإذاعة الجزائرية يستحب لو ألقيت محاضرتك باللغة الفرنسية لأن السفير الكولومبي موجود معنا , فتعجبت من طلبها وقلت لها لا تنسي أننا في الجزائر, ولغتنا هي اللغة العربية ,إذا كان من أجل سفير كولومبيا فأنا باستطاعتي أن أفهمه , ففي الأخير أحدثت ضجة, وتجعلك في أخر الأمر لما تتحدث باللغة العربية وكأنك جئت بشي غير طبيعي , وفي الأخير أنا تحدثت بثلاث لغات , وأجبت عن الأسئلة بكل اللغات , الاسبانية الفرنسية والعربية , فالقيادة إذا لا تحترم هده اللغة فلن يكون هناك احترام من بقية الشعب , ابتداء من المراكز العليا السياسية حتى أبسط المستويات , فالبلدان العربية مادام تشعر أنها متخلفة , واللغة العربية تعاني من التبعية مقارنة بلغات أخرى , حبذا لو أن كل بلد خصص ثمن دبابة أو طائرة مقاتلة وضع هذا المبلغ في الترجمة , وترجمت مجموعة من الكتب فإنها ستفيد :
• انك لما تترجم كتابا من الانجليزية في مختلف العلوم, ستمكنك هذه الترجمة من الاطلاع على آخر المبتكرات العلمية
• سوف تجعل من لغتك العربية المتخلفة تجبر على أن تترجم هذه المبتكرات الجديدة وتخلق لها من المصطلحات والعبارات المناسبة, وبالتالي ستثري اللغة عن طريق هذه الترجمة,والعرب في تجربتهم الرائدة من خلال بيت الحكمة وبيت الترجمة في الأندلس فانك تكسب المعرفة, وإثراء اللغة, والفضل يعود للترجمة في إخراج اللغة من البداوة , ولغة الصحراء المحدودة إلى مختلف العلوم بفضل الترجمة , فاللغة لما يريد الإنسان أن يطوعا وتعبر عن كل شيء فأنه يستطيع بفضل الترجمة التي من الممكن أن تنحت اللغة , أو تقترض من اللغة , هذا إذا كنت تشعر أنك متخلف ,لما تقسمت اللغة الإمبراطورية الرومانية القديمة , اللغة اللاتينية اندثرت وأصبح كل واحد يتكلم لغة خاصة بها , فأصل اللغة البرتغالية والاسبانية والفرنسية هو اللاتينية , مثلما حدث عندنا اليوم , كل بلد يتبنى لغته الدارجة المنحدرة من الفصحى ويتخلى عن الفصحى التي هي أم المصرية والجزائرية , فاللغات لن تموت كاملة حتى وان بقيت محدودة في عشيرة مثلما هو حاصل في لغة الهنود الحمر رغم معانتهم , ولكن مازالوا محافظين على لغتهم واللغة الأمازيغية عندنا من عهد ماسينيسا أو ما قبل ماسينيسا , رغم الاستعمار الذي اكتسح هذه الأرض , وجاء الفتح الإسلامي, ونشر اللغة العربية بقوة , وتبنى الشعب الجزائري والمغربي والتونسي الذين أصولهم أمازيغية ,ولكن مع ذلك بقيت لغتهم الامازيغية تتوارث مع الأجيال , ليس من السهل أن تنقرض لغة , فمدام هناك فرد يتحدث هده اللغة حتى ولو كان فردا واحدا فستبقى هذه اللغة , أما حضورها على المستوى العالمي فهذا يرجع إلى قدرة البلد , وابتكارات البلد , كالانجليزية التي تقف ورائها ترسانة من المبتكرات العلمية , في كل شيء تضيف إلى قاموسها شيء جديد , فهي لغة حية ومتحركة .

حافي وجيدة

يقول غازي عبد الرحمن القصبي : الشعر شفـــرة والرواية مذكرة , الشعر تلميح والرواية تصريح ,الشعر ومضة والرواية تصريح كاشف ,الشعر موسيقى والرواية كلام ,الشعر ترف لعقول الخاصة والرواية طعام دسم لعقول العامة . ككاتب للفنيين هل تؤمن بالصراع الموجود بين الشعر والرواية , هل صحيح أن الشعر تحت أقدام الرواية ؟

الدكتور عبدالله حمادي

أنا لا أؤمن بهذا الصراع , وليس هناك صراع فكلاهما إبداع يرتكز على أساس إبداعي جمالي , الشعر أقدم من الرواية لأنه منذ أن خلق الإنسان خلق شاعرا .فعمر بن الخطاب قال : لن تترك العرب الشعر حتى تترك العرب الحنين ,مادام هناك شيء جميل, وامرأة جميلة في هذا الوجود يجعلنا نحس به , فسيظل الشعر موجودا . قد يستريح الشعر ويترك الفضاء لنوع آخر من الإبداع ولكنه لن يتخلى عن مقعده وسيادته, فالرواية نسبيا هي إبداع متأخر عن الشعر , وهي نتيجة لما يسمى المدينة بالعالم الغربي ,وخاصة المدينة الصناعية , العمران , هذا النسيج البشري الذي تشكل بما يسمى بالمدينة العصرية سواء عصر النهضة الأوروبية أو عصر الفلسفة , ظهر هذا النوع من الرواية لأنه يستجيب لهذا التغير الذي شهدته المدينة فعبر عن كل هذه التناقضات التي شهدها المجتمع . وسيظل يعبر عنها لأنه يجد في العمل الروائي الإبداعي أكثر متسعا من الشعر ,وبإمكانه أن يدخل إلى عالم التفاصيل ويوظف اللغة بطريقة غير التي يوظف بها الشعر , فكل واحد له طقوسه الإبداعية وليس معنى ذلك أن هناك إقبال على الرواية والشعر , فكما يقال لكل جديد لذة , دون أن نتنكر للشعر . وبدليل أن الإنسان الذي يكتب الشعر باستطاعته أن يكتب الرواية, أجمل الروايات التي كتبت في القرن العشرين هي التي وظفت الشعر,وإلا لما كانت أن تكون متميزة وغارسيا ماركيز الواقعية السحرية , وأحلا م مستغانمي لما وظفت الشعرية جعلت من روايتها أكثر مقروئية من كل الروايات التي تكتب , فلو قارننا بين ما تكتبه أحلام مستغانمي والأعرج واسيني , فسنجد أن الناس تقرأ لأحلام مستغانمي أكثر ,لأن ما يكتبه الأعرج واسيني يخلو من هذه النكهة الشعرية التي تجعل من عمله مثلا غير محبب , غير مستساغ كثيرا , فمائة عام من العزلة فلو لم تكن تلك المتعة الشعرية التي أخرجتها من الجفاف , أو منطقية اللغة التي تسمي الأشياء بمسمياتها فقط لكانت الرواية فاشلة ,ففضل الرواية يعود إلى حضور الشعر , فالرواية التي لم تتبنى الشعر فيها بقيت محدودة المقروئية ومحدودة التداول , فمرات تجد موجة تنساق وراء الرواية ومرة لا .

———————————————————————————————-

لا توجد لغة أحسن من لغة والسياسة في الجزائر لا تستهويني
———————————————————————————————-

حافي وجيدة

الشعر الشعبي في الجزائر مقارنة بالدول العربية

الدكتور عبدالله حمادي

ليس له حضور قوي, مازال في طور الشفوية المحدودة , أنه مازال في طور الجهوية المغلقة على ذاتها , الدراسات الأكاديمية والعلمية وحتى الصحفية لم توليه من العناية والاهتمام فبقي دائما وأبدا عبارة عن قصائد موسمية تقال في مناسبات , ربما قصيدة من القصائد تترك أثر فيرددها الناس لكن سرعان ما يتناساها الناس هذا النوع من الشعر الذي لم يدون , ولا توجد مؤسسات تهتم به وتروج له وتجعله يظهر في أعمال إبداعية كالمسرح والسينما , لهذا فهو محدود , هو عرف طفرة في الحضارة العربية في الأندلس ممثلا في الموشحات والأزجال , فهما من ابتكار العامة , والذي يعكس من خلال لغته ذلك الخليط الهجين اللغوي الذي تتحدث به العامة , الشعر الشعبي في الخليج أو ما يسمى بالشعر النبطي هو منتشر لأن السلطة العليا من خلال الأمراء والسلاطين هم الذين يسهرون على فرضه , وأعتقد أن جهلهم للغة العربية وعدم قدرتهم على التعبير باللغة العربية الفصحى جعلهم يهربون إلى هذا النوع من الشعر الذي هو محدود الانتشار ,لأن تعداد السكان في الإمارات وقطر هو تعداد سكان قسنطينة , لذا فالانتشار يجب وضعه بين قوسين ,وكان من المفروض أن يبذلوا هذه الطاقة وهذه الأموال في انتشار اللغة العربية والقصيدة العربية أكثر في لهجة ستظل محدودة , ضف إلى ذلك نحن لا نجد حتى هذه الساعة شاعرا شعبيا خليجيا يتحدث بالنبطية والناس تحفظ شعره , فابن قزمان من قرطبة في الأندلس أصبح يقرون له بالأستاذية ,وبالرواج في الشعر وفي العراق في زمن ازدهار الحضارة العربية الإسلامية لكونه يقدم فنا راقيا حتى ولو كان بلغة محلية , فالأعمال الكبرى تبدأ من المحلية الضيقة , فالشعراء الكبار أكثر المعبرين عن المحلية , في مصر الشعر الشعبي تقريبا الذي انتقد السياسة ,أما عن عالم الجماليات والحب لا نعرف اسم شاعر شعبي في الحب والطبيعة , بن قيطون ورائعته حيزية ألهمتني ولحد الآن لم أجد قامة فكرية أو شعرية كابن قيطون , فقصيدته تستطيع التمتع بها في الشام أو العراق إلى يومنا هذا ,أما نوع آخر تجده ربما مستساغا وجميلا في منطقته لكن بمجرد أن يهاجر إلى منطقة أخرى تجده محدودا وتدخل اعتبارات أخرى في التقيم سواء لغته الغير معروفة , لكن ابن قيطون فهو استطاع أن يخلق هذه اللغة الثالثة التي تجمع ما بين الفصحى وما بين العامية ويخرج بالفصيح مثلما فعل ابن قزمان , وغالبا ما يكون الذين يبدعون في هذا الأمر حتى في الفصيح عندهم القدرة على الإبداع , أما الشعراء الحديثون أصدقك القول لا أعرف كثيرا, ولا تحضرني الأسماء ولكي أعرف لابد أن أسمع وتفرض حضورا , ومادام القصيدة التي أسمعها لم تحفر كيانا في ذهني وتمر مرور الكرام ,وأنساها بعد مدة معنى ذلك ليس لها وقع ودوي كما قال المتنبي وهو المشيع في المسامع إن مضى وهو المضاعف حسنه إن كرر, فالشعر الجميل تتبعه بذهنك وبسمعك ولا يموت.

حافي وجيدة

الجامعة بين الأمس واليوم, كأكاديمي عايشت الفترتين, الجامعة في الأمس كطالب, والآن كأستاذ وباحث, فكيف هو حال الجامعة من كل النواحي ؟

الدكتور عبدالله حمادي

شيء طبيعي يكون فيه اختلاف , لأنه لو لم يكون هذا الاختلاف معنى ذلك إما أن الجامعة راكدة في مستنقع لا يتحرك ,أو قطعت ما بينها وبين أسباب التطور في الحياة , الجامعة في القديم كانت إمكانيتها محدودة وعدد الطلاب محدود ,أذكر أنني لما كنت طالبا كان عدد الطلاب في قسم الأدب لا يتجاوز خمسة عشر طالبا في منتوري وفي الجامعة القديمة , وبالعكس كان هناك أساتذة الذين وفدوا على الجامعة في قسم الأدب قمة من القمم الكبرى , ولكن لسوء الحظ كانوا يدرسون عددا محدودا من الطلبة , وسائل الكتابة كانت محدودة , من الصعب أن تكتب شيء , الأطروحات كانت تكتب على الآلة الراقنة , أما قضية الانترنت لا حديث عنها حتى في البلدان الأوروبية , أنا في الثمانينات لما ناقشت أطروحتي في اسبانيا , الكومبيوتر كان عملة نادرة , ويستعمل إلا في إطار محدود جدا ,كان أمرا غريبا ولا يصدقون أن هدا الأمر سينتشر ويصبح في متناول الجميع , مثلما كنا ننظر إلى المكيف الهوائي , فكنا نعيش في قسنطينة في حر أكثر من هذا الحر , ولم نكن نفكر في المكيف , كان يكفينا ظل شجرة , أو ظل جدار يكفيك البحث عن مكيف , وعادي جدا أن يكون فرق بين طالب الأمس واليوم , فإمكانية طالب اليوم أوفر , وسائل المعرفة أمامه أوسع ,طرق الحصول على المعلومة اليوم أيسر بكثير من الأمس , وإذا أراد أن يكون كسولا كان, أما إذا أراد أن يكون مجتهدا فهو قادر ويستطيع ,وهذا موقوف على من يدرس هذا الطالب ومن يقف أمامه , فأنا من خلال أربعين سنة تدريس في الجامعة أصبحت أؤمن أن الأستاذ بإمكانه أن يؤثر ويجعل من الطالب عملة نادرة أو عملة رديئة ,فأنا الحمد لله هناك من اقتدوا بي , وكانوا كلما كتبت شيئا علقوا عليه أوحاولو أن يفعلوا ما أفعل أنا , كأبو جرة سلطاني هو من الشريعة , جاء فقيرا معدما , ولكنه وجد جو ثقافيا جيدا وأساتذة انبهر بهم فتسلق سلم المعرفة , وأنا اليوم ألوم الأستاذ أكثر من الطالب , ففي كل مراحل التعليم الابتدائي حتى تستطيع أن تلقن التلميذ الصغير لا بد أن تبذل جهدا كبيرا , التعليم المتوسط والثانوي مع سن المرهقة يصبح هناك صراعات كبيرة ومعاناة كبيرة وأنت وقدراتك العلمية والبيداغوجية والعلمية إذا استطعت أن تفرضها على الطلبة فستملك زمام الأمور , أما إذا كانت تنقصك هذه الأسلحة فانك تكون أستاذا ضعيفا وفاشلا أمامهم , في الجامعة يأتيك طالب تجاوز كل هذه المراحل , مرحلة التلقين أو مرحلة الهيجان ,يأتي الطالب كأنه حدد لنفسه مستقبلا فتجد منه المادة الطيعة و الأداة المستعدة لكي تصنع منها ما تريد وتوجه كيفما شئت , المهم أن تكون أنت الأستاذ القدير , القدوة النموذج للمعرفة الذي يستطيع أن يبهر الطالب ويجعل الطالب يتخلى عن كثير من النزوات ويقتدي بأستاذه , في الجامعة اليوم لسوء الحظ الكثير من الأساتذة أصبح ينقصهم الضمير المهني , الصدق في أداء الرسالة, أو ظروف أخرى تحيط بالأستاذ كالسكن وظروف معيشية صعبة , عندنا في الجزائر , ولكن الطالب هو الطالب سواء في الأمس أو في اليوم .أما البحث العلمي القديم كان محدودا , أسماء قليلة فقط أخذت على نفسها بأن تبحث , لموهبة , أو استعداد نفسي عندهم ولكنه لم يكن منتشرا عند كل الأساتذة, اليوم الدولة وفرت الكثير وخاصة مع نشأة المخابر التي أصبحت لها ميزانية , فقديما الأستاذ كان يكتب كتابا ولكنه لا يجد الجهة التي تروج له ,أو تنشر ابتكاره العلمي ,اليوم المخبر يتمتع بميزانية والأستاذ الآن باستطاعته أن ينشر كتابا بميزانية المخبر , قديما كانت أدوات النشر فيما يتعلق بالكتاب محدودة والمؤسسة الوطنية للنشر كانت الوحيدة آنذاك , كانت محدودة , كانت تفرض شروط تعجيزية إلى درجة أنك تنتظر عشر سنوات لنشر كتاب , اليوم دور النشر منتشرة , الوسائل متطورة , بإمكانك أن تخرج كتابا في كل يوم المهم أن تبدع وتكتب وتخلق جديدا , البحث العلمي في الجامعة هناك كثير من البحوث العلمية , لكن للأسف الكثير منها يبقى راكدا في رفوف الجامعة , وهذا إما أن صاحب الأطروحة لا يسهر على طبعها وملاحقتها حتى ترى النور , وأما المؤسسات الكلية أو الجامعة لا تقوم بدورها وتخصص كل سنة أنها تنشر من الأطروحات الرائعة التي قدمت شيئا جميلا وجديدا , فنحن على مستوى مخبر الترجمة نجد أكثر من عشرين كتابا في النقد الفرنسي والانجليزي ,تصوري هنا في المخبر قدمنا أطروحة وكانت عبارة عن بحث عن الزنوج الأمريكان ,الأفارقة الذين استوطنوا في الولايات المتحدة الأمريكية كعبيد ,ثم أخذوا الحقوق وبدأوا يكتبون , وشكلوا لأنفسهم تصور إبداعي جديد في الشعر وفي الرواية وحتى في الغناء , فقدمت هنا أطروحة في الجامعة من أروع ما كتب ولا مثيل لها في الوطن العربي , هي كانت باللغة العربية وصاحبها اعتمد كل المراجع باللغة الانجليزية , وبدل جهدا كبيرا ,أما المعيقات ربما الوحيدة والبارزة أنه في الجزائر لا توجد وسائل لترويج هذا البحث العلمي , مثل السياسة رغم كل الجهود المبذولة إلا أنه وسائل ترويج كل هذا مازال هناك نقص, مثل البرامج الثقافية التي وللأسف لم تجد من يروج لها , شخصا مناسبا كفؤا في مختلف القنوات الخاصة التي أكثرها سياسة ورياضة .

حافي وجيدة

فعاليات مهرجان الشعر المعاصر الذي احتضنته مدينة قسنطية وجامعة منتوري في 15 16 من شهر جوان الفارط ,الفعالية كانت تكريم لروح الشاعر الفقيد عمر البر ناوي , وفيه أكدتم أن الشعر لابد أن يكتب بتقنيات جديدة لاستعادة جمهوره , ماذا تقصدون بالتقنيات الجديدة؟

الدكتور عبدالله حمادي

دار نقاش مفيد ربما أحسن من القراءات الشعرية , قلنا أن الشعر الذي كان دائما وأبدا في الريادة والمراتب الأولى وخاصة في الزمن القديم كان لا صوت يعلوا على الشعر , ونحن بادرنا إلى تنظيمه لكي نجس النبض ونعرف إلى أين وصل مطلع القصيدة في القرن الواحد والعشرين , أردناه أن يكون حفلا إبداعيا يضم جيلا قديما وجديدا للمواكبة بين الطرفين , واستضفنا شاعرة من تونس أمال موسى التي حضيت في أول ديوان أصدرته في حياتها بتقديم من طرف المسعدي ,صاحب رواية “تحدث أبو هريرة ” فهي صوت متميز , من هواة قصيدة الحداثة ,واعية بما تفعل وبما تكتب ولها دراية بما يسمى بشعر الحداثة المعاصرة , أردنا أن نضيف هذا الصوت حتى نرى تقريبا ما يكتب عندنا وما يكتب عندهم , دارت نقاشات حول مستقبل الشعر , كيف أن الشعر في زماننا فقد الريادة ,وطرح السؤال على الشعر أن يجدد من أدواته وضربنا بذلك مثلا أن زماننا أصبح لا هو زمن الشعر ولا ومن الرواية , وإنما زمن الصورة ومفعول الصورة , ونقل الصورة في لحظة مختصرة جدا , إلى ما لا تستطيع الرواية أن تطرحه في مجلد كامل, أو ديوان شعر من ألف قصيدة , هذه الطفرة الإعلامية التكنولوجية في عالم الإعلام هيمنت , وكل الناس تقريبا مرتبطة بما يقوله التلفاز أو ما تقوله هذه الوسائل الإعلامية المتطورة , فنحن طرحنا هذا السؤال وقلنا الشعر الذي كان يمتلك الريادة , ونافسته الرواية وزحزحته عن مكانه , وجاءت الصورة فأبعدته تماما وأصبح لا يعتد به ولا يسمع له كثيرا , ويفضل الناس مشهد من صورة في معركة تنقل من بغداد أو من سوريا أفضل من ألف قصيدة يقولها درويش أو سميح القاسم أو نزار قباني ,فعلى الشعر أن يبحث له عن وسائل جديدة لكي يسترجع مكانته وريادته , قيادته , هل يبقى فقط انه يعتمد الكلمة ,يعتمد الإيقاع القديم , القصيدة القديمة أو النوعية القديمة , فطرحت العديد من البدائل ,وكان هناك إجماع أن الشعر إذا أراد أن يحتل مكانة مثلما كان يحتلها , عليه أن لا يستعمل الوسائل القديمة وعلية أن يبتكر الجديدة مثلما ابتكرتها الصورة ,والسينما ,الملتقى حضر فيه شعراء على شاكلة عبد القادر الساحلي فهو في الثمانين من العمر , عفاف فنوح , عبد العالي مزغيش وشعراء من قسنطينة , وأحسن شيء في الملتقيات التي أشرفت عليها أنا شخصيا ومخبر الترجمة هو أنني كسرت حاجز اللغات, الإنسان الذي يأتي يتكلم اللغة التي يريدها ,فمن المفترض أن كل جامعي يعرف أكثر من لغة , فإذا وجدت جامعي يعرف لغة واحدة فهذا أمر لا بد أن يعاد فيه النظر , فنحن أشرفنا على ملتقيات كثيرة مثل صورة الجزائر في الكتابات المتوسطيةسنة2008 , وأخرجناه في مجلد سنة ونحن حريصين على أن كل نشاطات المخبر لابد أن تدون , فالعمل الذي لا يدون لا يترك أثرا ولا يستفاد منه كثيرا.

حافي وجيدة

الآن دعنا ننتقل للحديث عن الشعر النسوي والشعر الرجالي في الجزائر , المرأة اقتحمت ميادين عدة ومن بينها الشعر والرواية ؟

الدكتور عبدالله حمادي

المرأة اقتحمت عالم الشعر من زمن قديم ,الخنساء كانت تقف في سوق عكاظ , وتنافس الرجال ولا ترضى برأي الحكم الذي كانت تنصب له خيمة من أدم أحمر ,والذي أجمعت العرب على أن تسلم له مقاليد هذه القيادة على أساس أنه الأجدر والأقدر, ولكن الخنساء قرأت أمام النابغة , ولم يعجبها حكم النابغة, ولم يعجبها أن يقارنها بحسان بن ثابت فقالت :أنا أشعر منه , بل أنا أشعر من بي السوق , وتحدت ذلك ,فقد كانت لها مكانة ومنزلة , فهذا الكلام ينبئ أو يدل على أن المرأة لم تكن مقموعة , بل كانت تقول ما تريد وفي وسط سوق الرجال , وأمام حكم من الرجال وتتحداه , ففي الحقيقة هناك احتكار كبير من الشعر من طرف الطبقة الذكورية ,منذ قديم الزمان لأسباب موضوعية , وعند كل الشعوب ,حتى في الغرب الذي لم يكن له شاعرات , ففي العصور الوسطى لا يجوز للمرأة أن تقول شعرا , ففي العصور الوسطى التفكير عندهم كان منصبا على فكرة هل المرأة إنسان أم لا , ففي الجنائز كانت تتداول قضية المرأة هل هي من فصيلة الشيطان , أو من فصيلة الكائن الإنسانية, كانت معاناة الشعوب وهذه سنة التطور والحياة , هي صراعات كانت موجودة من سيدنا أدم إلى يومنا هذا , الحضارة العربية الإسلامية حضور المرأة كان مميزا وخاصة في العصر العباسي والأندلسي , فيكفي لما يتحدثون عن ولادة بنت المستكفي , فيقولون بعد التعليق لما يقدمها ويستحي المترجم ويقول : إلا أنا ليس لها تطاول يليق بمقامها , معنى ذلك أنا لا تحترم مكانتها , وتخالط الرجال , وتجالس الرجال , فكل الأدباء الذين يكتبون كتب عن الشعراء والأدباء لما يصلون إليها يقولون : رغم أنها مبدعة وشعرها جميل , إلا أنا ليس لها تطاول يليق بمقامها , فهي امرأة متحررة , لا تنظر إلى كونها تنتمي إلى أسرو مالكة ولها مركز , فتتصرف تصرف الصبايا , المتفتحات اللواتي لا يعطين اعتبارا كبيرا لفصلهن وأصلهن , بل تجاري عصرها وتقول حتى أشياء تتنافى مع مكانتها الاجتماعية , تخالط على سبيل المثال الشعراء المتصعلكين , الذين يجفون في الحانات والى ما غير ذلك , فهي لا ترى مانعا في ذلك لأنها مبدعة , عندها من التحرر الذي يمكنها أن تقول , إلى درجة أن تصل أن تقول :

أنا والله أصلُـــــــح للمعالــــــي
وأمشي مشيتي وأتيه تيهَــــــا

وأمكن عاشقي من لثْم ٍ خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيهـــــا

تكتبها على ظهرها في ردائها , حتى في زماننا هذا لا نجد امرأة تجرؤ أن تكتب هذا الشيء , وكثيرات منها كحفصة وكثير من الشاعرات في الأندلس , فهناك نادرة على سبيل المثال يقال أن ابن قزمان كان يسكن في بنية , فدعى مجموعة من الشعراء بما فيهم النساء الشاعرات ,حفصة الركومية وغيرهن , وهما في البهو يشربون ويستمتعون وإذا به يخرج عليهم ابن قزمان بغفارة صفراء , فقالت له حفصة الشاعرة أهلا بك يا بقرة بني إسرائيل , إلا أنك لا تسر الناظرين , ودفعت به إلى بركة الماء ,فسقط فيها وبدأوا يتشاتمان باللغة الشعرية ,حتى أن القران قد رفع يده عن معاقبة الشعراء إلى حد ما , وأوصى ونصح بعدم محاكمة الشعراء على ما يقولون , تقريبا هناك استثناء رباني ليستمتعوا ويقولون أكثر لإدراك رباني , كون الإبداع كما قالت العرب أبدع الشعر أكسبه , إذا لم يكن الشعر مضمخا بهذا الكذب الفني الجميل , لن يكون شعرا وعملا إبداعيا , وفي الحقيقة لا يوجد منافسة بين شعر رجالي ونسائي , وهذا لا يعني أن المرأة لا تستطيع أن تنافس أخاها الرجل , لكن القاموس الإبداعي الذي تستعمله هو من صنع الرجل أكثر من صنع المرأة , خاصة القاموس الأدبي لان تسعة وتسعون بالمائة كانوا شعراء اشتغلوا على هذا القاموس عبر القرون والأجيال , مما جعل حرجا أمام المرأة , حتى أنها لما تكتب بلغة الرجل وليس بلغة المرأة , وحتى مرات تسمعها تتغزل وكأنها رجل ,قليلات هنا النساء اللواتي استطعنا أن يخلقنا قاموسا خاصا بهن , لكن تسعة وتسعون فاصل تسع وتسعون ما تستعمله المرأة سواء في الشعر أو الرواية هو من قاموس الرجل , ولذلك عليها أن تبذل جهدا وطاقة كبيرة تقدر بألفين سنة من الشغل المتواصل حتى تبني لها مجدا لغويا يليق بمقامها ويعبر عن مكانتها أكثر أن نشتم فيها رائحة الرجل يقف من ورائها ,وأضيف لك شيئا تعبير الشاعر والشاعر يختلف عن بعضهما البعض ,فما بالك بتعبير الشاعر والشاعرة , فالخنساء على سبيل المثال لما تكتب تكتب ما يكتبه الرجال , يعني لا يظهر عليها شعر الأنوثة , لما تتحدث وكأن امرؤ القيس يتحدث , أو المهلهل , وهذا نتيجة حفظها والتضييق على نفسها , لا تريد التفتح على القصائد الحداثية, فنازك الملائكة الشاعرة المجددة الأولى للقصيدة استطاعت أن تؤنث إلى حد ما القصيدة , إلى حد ما , وكانت لوحدها في ذلك المعترك , وكانت الثورة عليها من طرف الرجال عارمة في ذلك الوقت , كيف لامرأة أن تكون رائدة التجديد , وكيف لم يكن رجلا , حز في نفوس الرجال آنذاك كيف لامرأة مثل نازك الملائكة تفوز بهذه الريادة التاريخية التي لن تتكرر, لو كان ورائها وبذل جهد أكثر لهذه المهمة مهمة تأنيث اللغة وإعطائها روح المرأة ,حتى أحلام مستغانمي هي لا تتحدث بلغة المرأة , إلا في بعض المرات النادرة ,ولحد الآن حسب قرائتي لم أجد امرأة تتحدث بلغتها , فلسوء حظها أنا تدور في فلك الرجل دون أن تشعر لكونه هو الذي صنع هذه اللغة , ولكن رغم كل هذا تبقى المرأة تلعب دورا كبيرا في حياة الرجل وفي كل الميادين , حتى في ميدان الشعر , فالشعر الذي لا يكون فيه امرأة فهذا شعر لا يستحق أن يقرأ ولا يستحق أن يحتفي به ’ فحضور المرأة أو حتى كشاعرة أفضل وأحسن , والشاعر لا يستطيع أن يكتب بدون حضور المرأة , كما الشاعرة أيضا فهي لا تستطيع أن تكتب عن نفسها أو تتغزل بأخرى , فهذا التكامل حصل به عبر التاريخ نوع من الحيف , فالرجل تقريبا هو من تكفل بكل أعباء الدنيا , بما فيها السياسية والقيادية , ورضيت المرأة إما عن كره أو قبول ومحبة أن تكون وراء صانع الأحداث , ولا تكون بجانبه أو أمامه .

حافي وجيدة

: في كلمات؟
-أبو القاسم سعد الله

الدكتور عبدالله حمادي

أديب ,ولم يضيع أي لحظة في حياته دائما وأبدا كتب , فأنا قرأت كل ما كتب سعد الله , فهو جماع كبير , بحاثة كبير ,نقابة كبير عن الوثائق , عن التجميع وعن الربط بين هذه الأحداث , لكن سعد الله تنقصه جرأة الاستنباط بمعنى لا يخرج عن النتائج الكبرى للعالم الكبير , ليست له القدرة على الاستنباط من كل ما قرأ ومر عليه ,وهو يقلب في كل هذه الوثائق , يكتفي فقط بقول ما كانت تقول هذه الوثائق , وبأقصى تقدير يقارن بينها أو يوازن بينها , أما أن يحاول أن يستنبط بها الأفكار المستنيرة التي تنير ما سيأتي في المستقبل فهذا ما ينقصه , ولكنه رغم كل هذا فهو قدم الكثير والكثير, أما المقروئية مقروئية الاستنباط ,ليست في متناول الجميع , فالمستنبطون قليلون , فالرث الكبير الذي قرأه أبو القاسم سعد الله عن الحركة الوطنية , وتاريخ الجزائر , نتائجه أو ما استنبطه من كل ذلك تقريبا لا تجد شيئا , فهو أتى بالمادة وجمعها , نسقها بذل فيها جهدا لكنها لا تفتح لك الطرقات , لا تشتم فيها رائحة أنها فيها أشعة جديدة ,لأنه كان إنسان محافظ , تنقصه الجرأة جرأة الباحث الواثق من نفسه إلى درجة المجاهرة بالرأي , أو الجرأة في تقديم الرأي حتى ولو كان خطئا ,وهذا كله كما سلفت الذكر لتكوينه , لبيئته المحافظة .

-عمر البر ناوي

الدكتور عبدالله حمادي

: مبدع , جريئ طريف ,حيث ما حل البر ناوي يحل السرور ,والفرحة والجمال , فهو رجل إذاعي ,ذكي جدا , رجل جامع وطريف , رجل المجالس .

-الأخضر السائحي

الدكتور عبدالله حمادي

: ظاهرة لا تتكرر ونادرا ما يجود بها الزمان, رجل لا يستغنى عنه.

-محمود درويش

الدكتور عبدالله حمادي

: القضية الفلسطينية التي جعلته محمود درويش , فلو لم تكن فلسطين لما كان محمود درويش , لأنه ظل وبقي يدور في فلك القضية الفلسطينية , ولما أراد أن يغير في أخر دواوينه الأخيرة , ضعف لم يستطع , وهذا يحدث لكثير من الشعراء لما يرتبطون بقضية حتى النخاع وتندمج إلى درجة الانصهار في كيانهم , فتنسد أبوابهم الأبواب الأخرى , فأنا لا أستطيع أن أتصور أن محمود درويش يقدم قصيدة حب مثل نزار قباني,فمحمود درويش محدود الأفق ,ليس له اطلاع كبير على الشعر العالمي , من خلال ما تقرأ له لا ينضح من خلال شعره ذلك الشاعر المطلع على كل ما يكتب في العالم من أشعار , لأن كل شاعر من خلال ما يكتب بإمكانك أن تنضح من أعماله الإبداعية مقرؤيته وخلفيته الثقافية , ولذلك لما فشل في المقاومة الفلسطينية بالانقسام الذي حدث ما بين فتح وحماس والفصائل الأخرى انتهى كشاعر وعجل له الموت ولحسن حظه أنه عجله الموت وإلا نصيبه الإبداعي ومكانته التي حصل عليها بفضل المقاومة الفلسطينية وكل شيء كانت تسوء ,وتصبح عكس ما كانت

-نزار قباني

الدكتور عبدالله حمادي

: هو لم يستطع أن يتحدث عن السياسة بقوة, ولكن ليس له الانتماء لقضية مثل الانتماء الذي ربط به نفسه محمود درويش.

-المتنبي : أديبنا الكبير ابن رشيد المسيلي وليس القيرواني , لأن القيروان عاش فيها فقط , هو قال جملة جميلة جدا عن المتنبي ” جاء المتنبي فملا الدنيا وشغل الناس “, المتنبي الشاعر الأوحد الذي درس شعره وهو حي , ونوقش شعره وهو على قيد الحياة , وحدث جدل كبير من خلال شعره وهو على قيد الحياة , وعاصر شعراء قمم كبيرة وبرز عليهم جميعا ,وسط هذا الكم الهائل من المثقفين الكبار من أمثال الكندي , أبي الفراس الحمداني , أبو الفرج الأصفهاني , هذه القامات الأدبية الكبيرة لكنه طغى عليها ,أعتقد أن عظمة المتنبي أنه عبر عن نكسة الأمة العربية ,ونكسة الأمة العربية سواء من حسن حظه أو سوء حظه ما تزال مستمرة ولذلك لا تزال ضرورة العودة إلى شعر المتنبي حتى وفي يومنا هذا , لو حصل لو أن نالت هذه الأمة طفرة أو تجاوزت صعوباتها وعرفت مجدا مثل المجد العباسي , أو الأندلسي لتوفي شعره ,وتم تجاوزه , بالإضافة إلى ذلك هناك ميزة عند المتنبي متوارثة من خصوصية الشعر العربي القديم , فالشعر العربي القديم الذي اعتمد في بداياته على الذاكرة ,وعلى الرواية ,ولم يرتبط بالتدوين , وبالتحديد في الكتابة , والناس فيه آنذاك كان يهمهم في القصيدة ليس القصيدة ككل ,وإنما البيت الشرود ,أو ما يسمى ببيت القصيد , المتنبي استطاع أن يكتب في قصائده بيت القصيد , حتى أنك تجد القصيدة كلها مركبة من بيت القصيد ,فكل بيت من أبيات المتنبي يمكنك أن تستشهد به عن أي ظرف من ظروف الحياة الذي يعترض سبيلك ,وهذه هي قوة المتنبي , هو في الحقيقة كما قلنا سابقا تجاوز كل الشعراء واستطاع أن يبتكر قاموسا خاصا بالمتنبي , حتى أنك لو حذفت اسم المتنبي عن القصائد فمن خلال قرائتك للقصائد تستطيع أن تقول أن هذا الشعر لا يقوله إلا المتنبي ,أن تنظم شعرا بشخصيتك فهذا ليس في متناول الجميع ,وليس في متناول كل الشعراء ,فكل ما تقرأ لشاعر ما تشتم رائحة أثر ما لشاعر آخر ,أو لغة قد مرت بك لشاعر أخر ,فلا تجد ذلك الصفاء المطلق أو تلك الأحادية المرتبطة بصاحبها مثلما تجده عند المتنبي

حافي وجيدة

: هل ممكن في يوم من الأيام أن ينتج الوطن العربي شاعرا أو شاعرة على شاكلة المتنبي ونزار ودرويش ؟

الدكتور عبدالله حمادي

: هذه الأمة حبلى بالمواهب والابتكارات ,من كان يظن أن هذه الأمة ستتجاوز امرؤ القيس ,أو النابغة الذي كانت تنصب له خيمة في عكاظ ويحكم بين الشعراء ,بعد النابغة عرفت جرير , الفرزدق , الأخطل , أبو تمام , أبو نواس , عرفت شعراء كبار جدا ,في العالم العربي تقريبا شعر معاصر لكن نجد أسماء مثل نازك الملائكة , محمود درويش ,هذا الجيل تقريبا لحد الآن لم يتم تجاوزه ,بمعنى جيل الرواد وما بعده من السبعينيات إلى غاية يومنا هذا لم يتم تجاوز هذه الأسماء الكبيرة , في الجزائر لسوء الحظ لا تجد شاعرا خلق شعرا واستمر شاعرا حتى النهاية ,كان الغوميني شاعر قوي , لكن بحكم تحزبه والتضييق على نفسه بانتمائه إلى قضية معينة , سد أمامه أفق التوسع , المقروئية والمحبين والمعذبين له , ثم أنه انطفأ بعدما انتهت القضية التي كان مرتبطا بها ,وانتهت وأصبحت ينظر إليها نظرة سلبية ,هناك عندنا شعراء شباب يكتبون شعرا , لكن المشكلة أنه يبدأ بديوان ثم ينتهي ,ليست لهم وتيرة التواصل , فالشاعر الجاهلي أوس بن حجر حدد في بيت شعري كيف يجب أن يكون عليه الشاعر حيث قال : أقول بما فضت علي غمامتي ودهري وفي حبل العشيرة أحطب , وأنا لما حاولت أن أفكك هذا البيت لأخرج بتعريف الشعر العربي أو حتى بالشعر العالمي ,قلت هذا الشاعر طرح ثلاث خصوصيات لابد أن تتوفر في الشاعر وإلا لن يكون شاعرا , وأولها
الغمامة : في الرموز القديمة هي الإلهام أو الاستعداد الفطري لكي تصبح شاعرا , وبعد هذا الاستعداد الفطري أنت تحسن بالمقروئية الواسعة ,وبالاطلاع .
نهري: أي الشعر لابد أن يكون مرتبطا بالزمان والمكان, بعصرك, وإلا تصبح تتحرك خارج إطار الزمان والمكان, هذان الشرطان أنا سميتهما ثابتتان لن يتغيران عند كل الشعوب, والطرف الثالث هو الطرف المتغير عبر الزمان
حبل العشيرة أحطب : أخدم به قبيلتي ,يعني أنافح عن قبيلتي , أدافع عنها , أمدح قبيلتي , أؤرخ لها ,أجمع فضائل قبيلتي , أنشر محاسن قبيلتي , طرف آخر جاء بعد حسان بن ثابت بعدما كان الطرف الثالث يخدم به القبائل الجاهلية , أو قبائل بني غسان , بعدها تبنى القضية الإسلامية وأصبح يدافع عنها ,شاعر أخر يدافع عن القضية الاشتراكية ,واحد يدافع بها عن المرأة مثل نزار قباني , آخر يستعمل الطرف الثالث للدفاع عن القضية الفلسطينية مثلما فعل درويش , فنحن في الحقيقة نملك شعراء شباب موهوبين ولهم مستقبل مثل الشاعر إبراهيم صديقي ,بوزيد حرز الله كذلك يكتب شعرا جميلا ,عادل صياد ,عبد العالي مزعيش لكن لسوء الحظ أنهم لا يستمرون ,تأخذهم انشغالات أخرى ,ولا يستطيعون العيش بالشعر ,الأسباب قد تكون مادية وقد لا تكون ,فالحطيئة عاش منبوذا وفقيرا معدما ولكنه عاش للشعر ,لكن الشعراء الحقيقيين يواصلون كالمعري وهو يتحول بشعره إلى خيمته , آخر يتحول بشعره إلى حكيم كزهير بن أبي سلمى الذي تخلى عن الرواية والصبا وأصبح حكيما لكنه بقي شاعرا , لكن هذا الاستعداد الذي هو ركيزة أولى الذي يجب توفرها في الإبداع والشاعر أو الشاعرة للأسف مرات لا تبقى لا يبقى مثلما بقت مثلا عند مفدي زكرياءالذي بقيت معه مركوزة إلى أن توفي , عند السائحي إلى أن توفي , البر ناوي كذلك , ولذلك يصعب الحكم وإعطاء اسم يتوسم فيه خيرا .

حافي وجيدة

: قسنطينة عاصمة الثقافة العربية أفريل 2015 ماذا عن تحضيراتكم كقسم للآداب والجامعة عموما لهذا الحدث ؟

الدكتور عبدالله حمادي

: أنا كشخص لا توجد تحضيرات , ولا أتحدث عن قسم اللغة العربية لأن له عميد ,وله رئيس قسم وأنا لست مسؤولا , والمطالب بتقديم وتحضير شيء هم الذين يسيرونها , مخبر الترجمة قد يشارك ربما في شخصي أنا بمفردي أو بأشخاص آخرين ,ولكن لا نمثل مؤسسة تربية بداغوجية , علمية مثلما يمثله قسم الآداب ,تقريبا لم يطلب منا أن نقدم شيئا , أسمع من أشخاص أنهم تلقوا دعوة لحضور ,لكن أنا لم أتلقى دعوة ولا مرة , وبالتالي لم أسأل عن رأي في هذه التظاهرة ,كشخص من ناحية الكتابة قدمت مجموعة من الكتب تدور أحداثها حول قسنطينة ,سواء كتب قديمة لإعادة طبعها أو كتب جديدة , فأنا سأقدم دراسة لديوان ابن الخلوف القسنطيني شاعر قسنطينة , شاعر الدولة الحفصية أصله من قسنطينة , كذلك عدت مجلة صدرت في الزمن الاستعماري , مجلة ‘هنا الجزائر ” تأسست سنة( 1952 1960), خرج منها ثلاثة وثمانون عددا ,وساهم في صياغتها الكثير من الجزائريين ,كانوا بعيدين عن الحركة الوطنية والثورة الجزائرية ,لأنهم يعملون في مؤسسات ترعاها فرنسا ,ونشر فيها الكثير من الأدب , فأخرجت ديوانا كبيرا جدا من الأشعار التي كانت تنشر في هذه المجلة , والتي كانت تمثل صفحة مغايرة تماما للصفحة التي كانت تقف إلى جانب الثورة حتى أبين الوجهين ,يعني كان وجه ملتزم بالثورة , وكان أخر لا علاقة له بالثورة , وسأقدمه في عمل مع دراسة ,ومجموعة أخرى من الكتب . أما فيما يخص سؤالك هل ستنجح قسنطينة في احتضان العرس أقول نعم تنجح , فكل انجاز سيرفع أو سيقام باسم قسنطينة عاصمة الثقافة العربية هو مكسب لقسنطينة ,حتى ولو حجرة واحدة وضعت فوق أخرى ,فهذه المدينة ليست محظوظة ,فمنذ الاستقلال إلى يومنا هذا تقريبا لم تحظى بالعناية والرعاية ,وبالنظرة الفاحصة لما تعانيه ,وأنا لا أقول هذا تقصير من السلطة , بل تقصير من أهلها الذين لم يستطيعوا تقريبا الدفاع عن مدينتهم ,والمطالبة بحقها في النمو ,والازدهار والتطور في الأوقات المناسبة والفرص الكثيرة التي منحت لهم , تصوري أن الرئيس بوتفليقة يزور المدينة أكثر من أربعة عشر مرة ,فلو في أربعة عشر مرة لو كان القسنطينيون يطلبون من بوتفليقة انجازا واحدا ,كل حسب تخصصه ,على سبيل المثال الفرقاني الذي نلتقي به , لو قال لبوتفليقة أنا أمارس الموسيقى ,و أمارس الملوف حبذا لو ينجز لنا معهدا لهذا النوع من الموسيقى ,أكان الرئيس سيتأخر عن انجاز هذا العمل ,وبالتالي لا نلوم بوتفليقة أو السلطة بقدر ما نلوم أنفسنا , أو نلوم الناس الذين كانت لهم الحظ في أن يكونوا مقربين منه ,ويستدعون على أساس أنهم أعيان المدينة وممثيليها .

حافي وجيدة

: آخر إصداراتك؟

الدكتور عبدالله حمادي

سأصدر كتابا , مخطوط , أتيت به من مكتبة اسبانية تهتم بالمخطوطات
وهو الدر المنظم في فضل المولد النبوي المعظم ,للإمام العزفي القرن الثاني عشر الميلادي , هذا الرجل كتب أول كتاب دعا فيه المسلمين إلى الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف ,وهو عربي مسلم عاش في الأندلس وشاهد أيام الأندلس الأخيرة , أو انحطاط وانكسار الأندلس , وشاهد كيف أصبح الأند لسيون بعدما كانوا نماذج يقتضى بهم ويتأثر بهم , في زمن ضعفهم أصبحوا يقلدون المسيحيون , وأصبحوا يحضرون حفلات عيد الميلاد الخاصة بالمسيح , ويشاركون المسيحين ويبتهجون ,فوجه صيحة أو نداء قويا وفاعلا , وقال لهم : مادمتم تحبون هذا الاحتفالات وتشاركون أعدائكم ,وتحتفلون بأنبياء غير أنبياءكم , فلماذا لا تلتفتون إلى نبيكم وتقيمون له ما يقيمونه لنبيهم ,وتعملون هذا الأمر لأنه لا ينقص من ديننا شيئا , ولا يعتبر بدعة , لأننا سنكرم به نبينا ,ونجعله دائما وأبدا حيا أمامنا ,ونلقن أبنائنا ومستقبلنا , فهذا الكتاب مخطوط باللغة العربية وأنا سأخرجه , فهو مكتوب بخط صعب ,فأنا تقريبا أشتغل في اليوم الواحد على صفحة واحدة ,وهو فيه أكثر من مائتين صفحة , , بالإضافة إلى التقديم والدراسة حتى أبرز وأضع هذه الظاهرة التي انتقدها الفقهاء المسلمون في البداية , لما ظهرت اعتبروها بدعة ,لان السلف الصالح لم يحتفي برسول الله , ولا الرسول طلب ذلك , وبالتالي كيف يجرؤ مسلم أن يبتكر بدعة تخالف السنة النبوية , إلى درجة أنهم اقتنعوا أن هذه البدعة ممكن تصنيفها ضمن البد عات المحمودة , التي فيها خير للمسلمين أكثر مما هو شر , كذلك كتبت عن شاعر قسنطينة ابن الخلوف وهو الآن في الطبعة ,فهو من مواليد قسنطينة في القرن الرابع عشر الميلادي وكانت له شهرة عجيبة ,وهو من الذين أنجبتهم مدينة قسنطينة وله دواوين كثيرة , وجمعت ديوان من مجلة هنا الجزائر ,وربما سأخرج كتاب رحلة ابن عمار هذا الجزائري في القرن التاسع عشر ,والسابع عشر كتب رحلة غير مكتملة ولكن فيها معلومات قيمة جدا , بالإضافة إلى إعادة طبع كتب طبعت في زمن سابق , أما في مجال الرواية فأخر رواية كتبتها هي رواية “تافونت ” وأخر ديوان نشرته هو ديوان “أنطق عن الهوى ” من سنتين تقريبا , وصدقيني أنا دائم التفكير في الكتابة , لأنها لم تعد تبتعد عني , ولما أستغني عنها أشعر بقلق كبير , وكثيرا ما حاولت أن أتخلى عنها , لأنها أرهقتني وأتعبتني صحيا , لكن وجدت معاناة ومضرة وأنا أبتعد عن الكتابة أكثر من المضرة التي أعانيها وأنا أكتب .

حافي وجيدة

: عبد الله حمادي والسياسة ؟

الدكتور عبدالله حمادي

: أنا أربعين سنة وأنا أستاذ ,باحث , أكاديمي , أمارس الكتابة بمختلف أنواعها الشعرية والنثرية , فصعب أنني أغير , زيادة على هذا فالسياسة التي تمارس في الجزائر لا تستهويني , لأنها ليست سياسة مفضية إلى أشياء ايجابية يستفيد منها المجتمع , ويستفيد منها الطبقة السياسية والثقافية , وكما قلت في الفايسبوك , قلت ما أعيبه عن الجزائر , ربما الجزائر ضحية تاريخها ,لأنه لا يجب أن نكثر من اللوم على الانحراف الذي نراه في الفرد الجزائري , هو ضحية تاريخه , فنحن بين أحداث ألف وتسعمائة ثمانية وثمانون المربكة لحياتنا , وأحداث ألف وتسعمائة اثنين وتسعين التي من خلالها حاولنا دخول عالم الديمقراطية وما انجر عن ذلك من عشرية دموية فضيعة , خسرنا في المعركتين قرابة نصف مليون من القتلى من ألف قتيل وفي الأخير لم نجني شيئا , قد يقول بعض الناس نحن جنينا السلم ,لكن هذا السلم السلبي الذي لا ننتج منه شيئا ,لأن الناس من الأزمات تنتج ,إما أن تخرج أو تتخلى عما كانت عليه ,أو تبدع شيئا جديدا ,هناك شعوب قريبة منا بأقل الخسائر وبأقل تكلفة استطاعت أن تنتقل من عصر إلى عصر ,ومن مرحلة إلى مرحلة ,من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة الديمقراطية الحقيقية , فلماذا هذا ؟ لماذا نحن نقدم مليون ونصف مليون من الشهداء لكي نسترجع سيادة بلدنا واستقلالنا , في حين بلدان أخرى لم تقدم شيئا , واستفادت من استقلالها , ونالت نهضة , ونحن تقريبا لم نجني شيئا , ودعيني أضرب لك مثالا بجنوب إفريقيا وزعيمها نيلسون منديلا الذي تعلم أبجدية الثورة على أساتذة الجزائر من الثوار الكبار , فأصبح هو في العالم رمزا يضرب به المثل , وتقام له التماثيل , وثورتنا التي علمته أبجدية الثورة لم يظهر منها رمزا واحد ليحصل من حوله الإجماع على أنه هو من يعول له الفضل وغيرها من هذه الأمور , هذا البلد يضحي كثيرا ويجني قليلا ,إن لم نقل يجني الحصاد المر ,فالجزائر يجب النظر اليها نظرة عميقة من خلال تاريخها الطويل , لأن مرات تكون الشعوب ضحية تاريخها , تاريخها هو الذي جعل من فردها أن يكون نهابا , لصا , غير مستقر ,لا يثق في أحد ولا يريد أن يجني شيئا .

حافي وجيدة

: المقروئية في الجزائر ؟

الدكتور عبدالله حمادي

: لما ترى معرض الكتاب وتهافت الناس على سوق الكتاب ,تتفاءل خيرا ,لكن من المفروض هذه المقروئية تكون منعكسة على المجتمع ,شعب يقرأ , شعب مثقف وفطن , وتتفاءل به خيرا , لكن هذا لا ينعكس في المجتمع شأنه في ذلك شأن رواد المساجد الكثر الذي لن تجد مكانا لو وصلت متأخرا , ولكن هذا المسجد الذي يضم هذه الملايين من البشر ,لما تخرج لا تجد انعكاس أثر المسجد وتوجيهات المسجد , ومواعظ المسجد في تصرفات الناس , وتقول في بعض المرات لو أن هذه المساجد تغلق , ربما يكون الناس لهم تصرفات غير هذه , أما سبب رجوع المقروئية في الجزائر فهو يعود إلى عدم تسويق الكتاب والترويج له , فالغرب يعطي للماركتينغ أهمية كبرى , فعاصمة اليابان تطورت لأنه يوجد فيها ستمائة مكتبة أو أكثر , في الزمن الاستعماري كانت فيه مكتبات كثيرة , لسوء الحظ أن في زمن الاستقلال الكثير من المكتبات العريقة والمعروفة تحولت إلى مطابخ , لأنهم رأو أن إقبال الناس على الأكل أصبح أكثر من القراءة والمطالعة , والناس لما تأكل كثيرا يعانون من عملية البطنة ,والبطنة كما يقول الجاحظ تذهب الفطنة , فمن المفروض أن يقام معرض الكتاب كل سنة في مدينة , فهم يعرضون على الولايات وهي تقدم نفسها , كما في التظاهرات الرياضية , يعرض هذا المشروع على البلدان والبلد الذي يقدم مشروعا يتوفر على أكثر مرافق استقبال تعطى له ,فنحن عندنا ثمانية وأربعون ولاية , ففي هذا العدد الكبير ممكن أن تجد على الأقل عشر ولايات تتوفر على الإمكانيات والقدرة على استضافة تظاهرة معرض الكتاب , الصحراء على سبيل المثال شاسعة وفيها مقروئية كبيرة , فهناك نوع من الظلم في الجزائر في توزيع الثروة , فإذا كان هناك عشرة ألاف تقسم في الجزائر فثمانية ألاف تعطى للعاصمة والباقي يقسم على الولايات الأخرى , وللأسف لحد الآن لم تظهر هذه العاصمة عليها هذه النعمة , وهذه الوفرة والامتياز , فهي تعاني من الاختناق , التشويه , الأوساخ .

حافي وجيدة

> كلمة أخيرة ؟

الدكتور عبدالله حمادي

أتمنى للجزائر كل الخير, ولشباب الجزائر المستقبل الزاهر, وأتمنى لهذا البلد أن تسود فيه الثقافة, وأن يكون اعتمادها الثقافة ثم الثقافة ثم الثقافة, لأن بلدا لا يقيم أسس دولته على الثقافة والمعرفة ,بلد سيظل هشا , ويظل معرضا للزعازع ,والعواصف ,وقد يهتز وينهدم في أي لحظة من اللحظات .

نشر في الموقع بتاريخ : الثلاثاء 28 ربيع الثاني 1436هـ الموافق لـ : 2015-02-17

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.