قراءة الفنان التشكيلي التونسي #نبيل_بالحاج

مراسل مجلة فن التصوير- بلا حدود

هربت من أتون الخريف بعواصفه وأوراقه الصفراء وإرتمت في أحضان الربيع المزهر الذي يفرش ألوانه الباهية ويطرّزها على هذه البسيطة ويلقي موسيقى الحياة في كل مكان.
إن الفنانة الفلسطينية جميلة الهيب تتوحد مع الطبيعة، تتماهى بها،تغوص في تفاصيلها وتنصت بصمت إلى إيقاعها..كأنهما يوم قررتا الإنجاب ، أنجبت الأولى لوحة والثانية زهرة برية.
من الأرض تستمد كل مواضيعها فهي مخلصة لها إلى أقاصي الحدود وقد جسدت هذه العلاقة من خلال الأزهار فتراهما يتوقان إلى راحتيها وأناملها.
الفنانة جميلة الهيب ليست إسما عابرا في عالم الفن، كما أنها ليست شخصا عابرا في الوجود الإنساني المطلق.
حتى وإن لم يتسنى لك فرصة معرفتها عن قرب والتعمق في ذاتها، إذهب إلى إكتشاف أعمالها وإستغرق في التأمل لتدرك مدى غوصها في مفاهيم اللون والشكل وحرفتها العالية في رسم موسيقاها وإيقاعها على سطح اللوحة.
عاطفيا تسكب الفنانة كل إنفعالاتها الحسية والفكرية من خلال التوازن اللوني الذي تتراءى منه أنوار وظلال ،فكلما ظننت أنك أغلقت أبواب القراءة في لوحة الفنانة تفتح نوافذ على عوالم بصرية وتشكيلية أخرى ، فيها زخم حسي مرهف ومعقّد بعض الشيئ يغرينا ويشوقنا لإكتشافه فيه كسر لأي رتابة ونمطية في الإيقاع.
بالرغم من الشفافية الواضحة التي تعكسها أعمال الفنانة جميلة الهيب من خلال الأزهار إلا أن هناك مساحة مهمة من الغموض والإبهام، سرّ صغير تلقيه في زوايا اللوحة،تترك إمكانية رصد وقراءته للمتلقي، أمام كل مساحة كونية واضحة ومشعة هناك مساحة من العتمة والألوان الداكنة، هناك تزرع شتى أنواع الورود في كامل فضاء اللوحة وكأنها تنثر الحياة وعبقها الجميل في جميع أرجاء العالم، إذ تحسن توزيع الكتل الحارة والباردة ليبقى عطر المكان الذي ستستنشقه حتمًا ما إن تطيل الوقوف أمام العمل.
عموما في هذه الأعمال تبعث الفنانة بسلام من القلب إلى القدس وهل أجمل من إهداء الورود؟ على وقع الأحمر المعجون بالألم والأزرق الحالم بالسلام والأصفر الذي يصوّر حلم العودة المتعب الذي أنهكته المعاهدات… وتكسر سأم المشهد بأزهار بيضاء في دلالة على النور والحياة والأمل والتمسّك بالأرض والجذور.
تحمل الألوان في هذه اللوحات عدة أوجه على الرغم من أن الموضوع قد يستقر في قلب المشاهد ألما قويا يبرزه التذكر الدائم للقضية،إذ أن الفنانة حرصت على تصغير مساحة الأصفر الباهت، وبالتالي تحجيم مقدار التعب من الحلم بإسترداد الأرض وإستعاضت عنه بإرسال ذبذبات تبشيرية مطمئنة من خلال توزيع الأزرق في مواضع عدة من العمل، أما الأحمر فقد حضر كونه اللون اللون الأكثر إحتمالا للتأويلات الشعورية فهو وبإحتمالاته العديدة في الحالات العاطفية المختلفة يرسل للمشاهد زغاريد فرح مكبوتة بحلم الشهادة والصمود، كما يعكس حالات تراجيدية تطلقها الفنانة بشكل محموم، يتجه تارة نحو الراحة وتارة أخرى ينطلق بقلق بشوبه حزن دفين.
تقول جميلة الهيب أنها ورغم إهتمامها وتأثرها بالمدرسة التجريدية دائما في حالة بحث وفي حركية فنية وجمالية درامية دائمة وكأنها لن تنقطع أبدا عن تصوير مشاهدها وإنهاء سيناريوهاتها العاطفية، والذهاب باللون والشكل إلى أعماق الإنسانية دونما الإنقطاع عن تنفّس الفن.
© قراءة الفنان التشكيلي التونسي #نبيل_بالحاج

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.