المرتضى

إضاءات
الثلاثاء 4-12-2018
سعد القاسم

أسعى منذ بعض الوقت لأستكمل، في معرفتي، صورة المهندس السوري العظيم رضا مرتضى الذي ترتبط باسمه عدة مشاريع إنشائية عملاقة في دمشق، يتقدمها المشروع الأكثر أهمية لحياتها، وحياة أبنائها وقاطنيها، والذي حقق الأمن المائي للمدينة وضواحيها لعقود قادمة.
وفر لي مصمم الديكور علي الحامض بعض جوانب الصورة، بحكم عمله مع المهندس مرتضى في المديرية الفنية لمعرض دمشق الدولي، كما وفر لي المونتير القدير محمد علي المالح جوانب مهمة إضافية عندما أهداني نسخة (للمشاهدة الشخصية) من فيلم وثائقي عن الراحل أخرجه نبيل المالح، وقام هو بعملية المونتاج. إلا أن الهدية الكبرى تلقيتها من المهندس ناهد مرتضى إثر سؤالي له عن بعض المعلومات حول الراحل الكبير فأرسل لي كتاباً عملاقاً فاخراً أعده الراحل كسيرة ذاتية، ولم أكن قبل ذلك أعلم بوجوده، وأعتقد، مجرد اعتقاد، أنه لم تُعرض نسخه للبيع وإنما قدمت كهدية لأشخاص بذاتهم من المعارف والأصدقاء والزملاء. يقع الكتاب الصادر عام 2005 في أربعمئة واثنتين وستين صفحة من القطع الكبير جداً مطبوعة بأناقة فاخرة، وتشغل غلافه، المتسم بالأناقة ذاتها، صور المشاريع الأربعة الأساسية التي قام المهندس مرتضى بإنجازها. بينما يقسم الكتاب المزود بالصور والخرائط والرسوم التوضيحية إلى عدد من الفصول التي تتناول السيرة الذاتية لصاحبه، ووثائق وشهادات عن عمله تبدأ بالإهداء، وتختتم بخلاصة تشير، كما يشير تمهيد الكتاب، إلى أن المؤلف قد أنجز هذا الكتاب بعد أن بلغ الثمانين من عمره.‏

أهدى المؤلف كتابه إلى دمشق «قلب العروبة النابض وحصنها المنيع التي أحببتها وبذلت الغالي من عمري لأحقق على أرضها صروحاً وهبت الحياة لأبنائها بتأمين مياه الشرب لهم على المدى البعيد»، كما أهدى الكتاب إلى والده الذي نذر حياته مناضلا ومقاوما لتحرير وطنه من الاستعمار. وإلى زوجته وأولاده الذين تحملوا غيابه أياماً طويلة صرفها في العمل للصالح العام بعيداً عنهم. ويتطابق هذا الإهداء مع مضمون الكتاب الذي يبدأ بسرد السيرة الحياتية للمؤلف، وذكرياته عن عائلته ومدينته، قبل أن ينتقل إلى سرد التفاصيل الثرية لعمله في المشاريع الكبرى لمدينته على مدى أكثر من خمسين سنة.‏

ولد السيد محمد رضا مرتضى في دمشق عام 1924وأتم دراسته الثانوية فيها، ثم درس الهندسة في الكلية الفرنسية للهندسة في بيروت لمدة عامين، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية انتقل إلى باريس ليتم تعليمه الهندسي في كلية الأشغال العامة والبناء والصناعة، وليحصل عام 1949 على بكالوريوس هندسة البناء. ثم ينتقل للعمل مع شركة فرنسية في اليمن، حيث اقترح الوزير السوري المفوض في المملكة العربية السعودية تسميته قنصلاً فخرياً في اليمن بفضل سمعته الشخصية والمهنية العطرة. وبعد عام من عمله في اليمن عاد إلى مدينته عام 1951 ليعمل لمدة 39 عاماً (منها 21 عاماً كمدير عام ورئيس مجلس إدارة) في مؤسسة مياه عين الفيجة التي تغذي مدينة دمشق بمياه الشرب كما هو معروف. وخلال هذه الفترة تمت دعوته لخدمة العلم وبعد إنهاء الدورة التدريبية تم فرزه إلى مكتب هندسة دمشق حيث تم تكليفه استكمال تصميم مبنى وزارة الدفاع الحالي القائم في ساحة الأمويين بدمشق، حيث كانت مخططاته الأولية التي وضعها مهندس ألماني تفتقر إلى حد ما إلى الحداثة والتطور، ولا تتناسب مع الغرض المطلوب منها، وقد قام بإنجاز العمل المطلوب على درجة عالية من الإتقان، وضمن المدة الزمنية التي حددها لإنجازه ما جعله يحظى بتقدير القيادة العسكرية التي أرادت أن تحتفظ به لمشاريعها الهندسية، لكن حدثاً لم يكن بالحسبان بدّل الحال، فقد تعرض المدير الفني لمؤسسة عين الفيجة إلى حادث سير مؤلم أدى إلى إصابته بإعاقة دائمة، مما دفع بالسيد لطفي الحفار المراقب العام لمؤسسة عين الفيجة (وإليه يعود الفضل الأول بتأسيس مشروع جر مياه عين الفيجة إلى دمشق) إلى الطلب من رئيس الأركان إنهاء خدمة الملازم أول رضا مرتضى كي يتم تكليفه مهام المدير الفني، لأن عمله في المؤسسة عمل مقدس، وهذا ما أكدته الأيام التالية من خلال إدارة السيد مرتضى البارعة للمؤسسة، ومن ثم تنفيذ المشروع الأكبر لتأمين المياه لمدينة دمشق على المدى البعيد، وهو مشروع يتضمن الكثير من التفاصيل التي لا بد من الوقوف عندها، وقد أعود لسردها في وقت لاحق.‏

إضافة لعمله في مؤسسة مياه عين الفيجة أُستعين بالمهندس مرتضى مع إحداث معرض دمشق الدولي منذ عام 1954 إلى عام 1966 كمدير للشؤون الفنية، فأشرف على تصميم وتنفيذ معظم منشآته، وقام بتصميم وتنفيذ الجناح السوري بوقت قياسي. ومنذ عام 1951 عمل كمتولٍ لمقام السيدة زينب فقام بتجديد المقام، وتشييد الأبنية الجديدة فيه ليصبح واحداً من أهم الصروح الدينية في دمشق.‏

يلفت النظر في مذكرات السيد رضا مرتضى ذلك الوفاء للأشخاص الذين عمل معهم رؤساء ومرؤوسين وتقديره لعملهم وخصالهم، فهل نفعل لأجله مثل ما فعل، وأقل ما يمكن إطلاق اسمه على أحد الشوارع في المدينة التي وهب عمره لها، وأقام فيها ما لا ينسى.‏
خاصة أن مدينتنا تحفل بأسماء أشخاص لا نتذكر شيئا من عطائهم.‏

* الصورة: الملازم أول المهندس محمد رضا مرتضى أمام ماكيت مبنى وزارة الدفاع متوسطاً المجموعة التي أنجزت التصاميم
http://thawra.sy/_View_news2.asp…

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٦‏ أشخاص‏، و‏‏أشخاص يبتسمون‏، و‏‏‏أشخاص يقفون‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏‏‏
Elias Brimo لقد تعاملت مع أشخاص من رعيله في مؤسسته وكانو مفتونين بشخصيته اﻷبوية الفذة وعبقريته التقنية ومن هوﻻء المرحوم التقني اياد الحديدي معلمي في مهنة معالجة المياه
رد Saad Alkassem
Issam Charifi شكرا جزيلا استاذ سعد.
ما أجمل أن نستطلع معك على النقاط المضيئة و نترك و خاصة في هذه المرحلة كل ما هو أسود يشعل و يلهب العواطف الرخيصة.
نعم هي هذه القامات التي تستحق أن نحيي ذكراها و نحيي ذكرى كل ما هو جميل و مصدر فخر إن حديثا أو قديما في حاضرنا و ماضينا لنبني عليه مستقبل أجيالنا القادمة.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.