El Gran artista Sirio Fath Al Moudares. Alepo-1922-1999

فاتح المدرس. طليعة الفن التشكيلي السوري.
بقلم الفنان والناقد التشكيلي السوري. عبد القادر الحليل
زعيم الفن الحديث في سوريا، ومن اوائل الفنانين السوريين الذين وصلوا الى منابر الفن العالمي, وهو من النجع الاول في اختصاص المدرسة التعبيرية في سوريا وقائدها.
هناك من قال عن الفنان السوري فاتح المدرس, (انه نشأ في بيئة تجهل الفن التشكيلي , لكنه استطاع ان يمحوا امية الفن ويحرره من الجهل والتخلف)
اعارض هذه الفكرة من ناحية، وربما تقصد هذه شيء أخر؟ الفن التشكيلي ليست له هوية اجتماعية ولا يظهر في طبقات معينة. بل انني اقول إن في الارض والسماء بُقع حُجبت عنها الإضاءة. وخاصة سوريا في عهد الاحتلال. والارض المعذبة تنجبُ كبار المبدعين.
لم يكون الفنان فاتح المدرس اميآ حين تمحورت افكار الفن في داخله., بل انه ترعرع في الثقافة وإبن عائلة رقية. كان مثقف وسرعان ما نال التوجيه من اساتذته دعما لموهبته الظاهرة في الفن الشكيلي. يختلف تمامأ عن مؤسس النهضه الاوربية, الفنان الايطالي Giotto Di Bondoneفي قرن الثالث عشر. لقد كان جيوتو راعي غنم. كان يرسم في التراب مناظر الطبيعة والحيوانات. ومرً من جانبه احد الرسامين فشاهد انتاجه على التراب وطلب منه ان يكون تلميذا كي يُهذب يداه ويعطيه العلم. وعلى يد جيتوا جاءت النهضة الاوربية. وكلنا نعرف ايطاليا انها كانت حضارة هامة.
الذي يشغف النظر في انتاج الفنان الكبير الاستاذ المدرس هو شجاعته الوافرة في طرح افكاره وفي عدم اهتمامه في المحتلين بل كان يحاربهم بلغة الفن التشكيلي وهي التعبيرية انذاك. لا شك ان الحركة التعبيرية ظهرت في اوربا وفي اوقات مؤلمة على الانسانية لكن جائت تمردآ امام الانحطاط الانساني في الغرب, ومتظاهره في وجه المحتلين وكان زعماؤها افراد من السيرياليين ومن الانطباعيين., وسرعان ما اضاءت اجواء مختلفة حتى في سوريا. والاستاذ فاتح المدرس كان المتلقي الاول لهذا التيار الجديد ومارس التعبيرية في اطارات مختلفة وربما منذ البداية, لا شك انه وقف عند الواقعية والسيرالية والتعبيرية المجردة؟ هذه صفات كبار الفنانين وفاتح المدرس نشأ فنان منذ الطفولة.
قلت انه وقف امام الاحتلال منذ الولادة حتى وفاته جاعلأ من نهجه الفني نهج الكفاح في اللون والتعبير , وسار مع كبار هذا الاتجاه ليضرب الاحتلال في لغة الفن التشكيلي الذي عارض الظلم في المانيا, فرنسا، ايطاليا وامريكا. لهذا كان هتلر يحرق كل منتجات الفن التشكيلي من هذه المدرسة, الا تحدثنا لوحات فاتح عن الأعتداء على فلسطين, والغزو الثلاثي على مصر, وعن حرب 1967, ثم عن حرب 1973 كما عن حرب لبنان. لم تنشفا جروح لوحاته قط لأنه لم يرى السلام. وأضيف ان الفنان فاتح هو من اشجع فنانين عصره, ولم تنتهي شجاعته حين وصوله للدراسة في ايطاليا . لانه لم يعانق لغات الفن الكلاسيكي بل بقي متابع للتعبيرية وتخرج في روما 1959 ثم ذهب في السبعينات الى باريس وتخرج ايضا هناك في عاصمة الفن الحديث.هو الفنان الذي تأثر في اساتذته وترك فيهم تأثر ايضا. وجعل من اسلوبه مزار لكل الفنانين في سوريا.
استخدم حيوية الالوان واقواها تعبيرآ واحاطها في خطوط عريضة كي يجعل الناظر ان يُوقف البصر في كل مسرحية. يجسد عناصر من الوجوه ضمن خطوط سوداء وكانها افراد مسجونة, افراد محجوبة عن الانسانية. وفيها يجلب المتلقي للتعمق في رؤية تعبير مجاور بالوان اخرى متوازنة. وهو اسلوب ذاتي يشير به الى الارهاب من اي اتجاه يأتي. ونراه في بعض الاحيان يستخدم الهدوء الداخلي ويظهرهه بالوان راكزة وغير متعصبة, وهذه اشارة الى انه لم يستخدم الالوان قبل دراستها وتفسيرها. بهذا يجعل المساحة في اللوحة كلها اجواء مسرحيىة , تعبير عن الزمن الذي يعيش به المجتمع . ففي لوحات الفنان المدرس تظهر ملامح لغوية تشير الى الخوف, وفيها انذارات نحو الظلم. يكفينا ان نقف امام لوحة من لوحاته ونتمعن في استخدام الاحمر والاسود والابيض. الوان تصرخ من الغضب, الوان تفرض على الانسان الخشوع وتترك العبرة في الارواح.
كل متابع للفن التشكيلي يعرف ان منهج المدرسة التعبيرية ظهر في المانيا في 1905, على يد كبار الفنانين Rottloff
Erich Heckel y Ludwig Kirchener. وهم الذين اسسوا جميعية الجسر. وموازات لهذه الجمعية ظهعرت جمعية الفارس الازرق على يد الفنان كاندينسكي الذي غادر موسكو وغادر القانون ومنصبه كقاضي، وعانق الفن وكان زعيم الحركة التجريدية. , والثقافة تسير بسرعة الضوء وسرعان ماوصلت الى باريس وظهرت في منجزات الفنان Georges Roualt ،Jules pascin كما وصلت الى ايطاليا وظهرت مترعرعة في اعمال الفنان اماديو مودلياني. جميع هؤلاء كانوا معارضين للنازية والاحتلال العام, ومنهم كان كبير الفن في سوريا على يد فاتح المدرس, فنان عاش الاحتلال من صغر سنه. وفرض نفسه على العالم واثبت وجوده كفنان ماهر، وفنان مارس المعارضة في نفس المدن التي واجهت انحطاط في السياسة في الحروب العالمية.
ليس الغريب ان يظهر فنان كبير في مدينة حلب, بل الغريب هو ان تكون شجاعته تفوقت على مظاهر عديدة. لم تشغفه مظاهر الحضارات بل شقفته احساسات داخلية , احساس المجتمع الذي عاش فيه وهذه الاشارات في لغة الفن كان يفهمها الاحتلال باكثر فصاحة من اللغة الشفوية. هو الفنان الذي جعل من اللون كتب مفتوحة على سطح الاقمشة الكثيرة التي صممها. هو الذي عارض الاحتلال في اللغة العالمية وهي لغة الفن.
لقد تأثر الفنان فاتح في زعماء هذه المدرسة وذكرت اسمائهم قبل هذا, لكن تاثر به ايضا عدد من كبار الفن السوري فيما بعد. كما تأثر به كل من عرفه في اجواء الغرب, لهذا اكثر منتجاته الفنية تم شراؤها من افراد المجتمع في المانيا,واليوم تعيش في المدن التي عرض بها. روما, باريس, ونيويورك وفي كثير من المدن العالمية.
انتاج الفنان فاتح المدرس كان مثمر للغاية, ومارس مختلف الاتجاهات, لا اخالف الرأي عن انه استخدم السيريالية في مراحل مختلفة, ولا اخالف الرأي في انه كان من طليعة الفن في سوريا. جاء مع بداية الفن الحديث وقاد الحداثة السورية.
كان قويا في اللغات الاخرى وترك في كل مدرسة ابداع كبير. في المدرسة السيرالية, وفي الواقعية التي جسد فيها طبيعة حلب. . وربما تكون لوحة كفر جنة هي اللوحة الاكثر شهرة. لكن ليس هناك اقل ابداعأ في اي عمل انتجه. الفنان فاتح المدرس مارس الفن بمعرفة وشجاعة وإدمان, ومارس الحداثة بأشكال جديدة، بألوان القوة, وخاصة بالوان تراب حلب.
اسبانيا. 8/2/2019
[email protected]

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.