ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏

تمت مشاركة ‏منشور‏ من قبل ‏‎Fareed Zaffour‎‏.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏
Manal Zaffour

من حكايا سوريا والسوريين..
حكاية المشاء الرواقي زينون الفينيقي..
من بستان مسور .. سوره المنطق.. أشجاره الطبيعة.. ثماره اﻷخﻻق..
للفضيلة والقيم والعقل اللي شكلت أفضل سمو بالوجود وخلت البشر كلهن أخوة ﻷنن بيسكنوا بلد واحد هو العالم..والحب هو اﻹله اللي بينشر اﻷمان بالمدينة…وبعد كل هالكﻻم قال اللي أسس الفلسفة الرواقية ﻷثينا وللعالم كله :
” أنا فينيقي … وسأبقى ”
بتقول الحكاية : كان ياما كان ..كان في عيلة فينيقية من الساحل السوري من صور.. هاجرت واستقرت بكيتيوم بقبرص..(قبرص اللي بناها التجار الفينيقيين القادمين من أوغاريت وعمريت وأرادوس وجبيل وصيدا وصور.. ونقلولها معارفن وثقافتن وعلومن وحضارتن..ومنها لليونان).. وهالعيلة مؤلفة من رب اﻷسرة التاجر الكنعاني مانسي أو (امناسياس باليونانية) وزوجته (مو معروف اسمها بس فينا نسميها أم زينون) وطفل صغير اسمه زينون (خلق بعد هجرة العيلة لقبرص بسنة 334 ق.م) .. وكان مانسي دائم اﻷسفار بحكم عمله بالتجارة..فكانت مهمة أم زينون تربية وتعليم ابنها كل ثقافة وعلوم ومعارف وتاريخ أجدادهن الفينيقيين فكانت تحكيلو حكايات ( يييه يعني حكواتية متلي !!) توصف فيها أخﻻف وفضائل وابداعات اﻷجداد…ولمن كان يجي أبو زينون من السفر كان يحكيلوا عن أسفاره وتجارته ومغامراته بالبحر..وكان يجيبلوا معو كتب فلسفية من عدة أماكن وهالشي خﻻ زينون يتعلق بالفلسفة ويعشقها وزادت من اجتهاده بالدراسة و شغفه بالعلم والتعلم..ولما كبر زينون وصار شاب بال 15_16 صار يسافر مع أبوه ويشتغل بالتجارة (طبعا هاد كان قبل اقباله عالفلسفة ودراستها وتكريس حياته الها)…
وشكل زينون حسب وصف ديوجين الﻻيريسي :” زينون شاحب ..أسمر لوحته الشمس.. طويل القامة..نحيف الجسم.. دمث اﻷخﻻق..مهذب ..مجترم.. قوي الشخصية..سلوكه سلوك الرجل الرزين الوقور..وكان على خلق عظيم..مﻻبسه كانت من اﻷقمشة البسيطة الرخيصة..وأكله بسيط بيكتفي بشوية خبز وتين وعسل ..”..
ولما صار زينون بال 22 سنة ..سافر بسفينة بضائع محملة باﻹرجوان الفينيقي سنة 314 ق.م…..وغرقت السفينة قرب منطقة بيري على بحر ايجة…وكان مقدر لزينون النجاة من الغرق لكن خسر كلشيء ..تجارته..بضائعه..أمواله..ومابقي معه إﻻ علومه ومعارفه وأخﻻقه اللي اتعلمن ببلده…وراح زينون على أثينا ( اللي رح تصير وطنه التاني ورح تشهد على وﻻدة الفلسفة الرواقية وتعمل من زينون أشهر فيلسوف مو بس بأثينا ..لكن بالعالم كله وعلى مر الزمان)..
وبيوصف زينون بآخر حياته حادثة الغرق اللي اتعرضلها بيقول :
” لقد قمت برحلة ناجحة موفقة حيث تحطمت سفينتي.. ”
وكانت أثينا بهداك الزمن (العصر الهلنستي) مزدحمة بالفﻻسفة اليونانيين اللي بيعلموا وبيدرسوا الفلسفة بمدارسها الناشئة..وهالتاجر الشاب الناجي من الغرق وجد فيها عالم جديد غير عالم التجارة والبضائع والمال..عالم بيحكوا فيه الناس عن أشياء بتتجاوز أمور الربح والخسارة بالتجارة…وطبعا بدأ بتعلم الفلسفة عند الفيلسوف قيراطيس الكلبي أو (كريتيس الساخر ) ..وستيلبو الميغاري (اﻷبيقوري) ..وبوليمو اﻵكاديمي..باﻹضافة لدراسته لأفكار أرسطو..فاجتمعت عنده فروع لعدة مذاهب فلسفية ..فلسفة الكلبيين وطريقة حياتن العملية وفلسفة الميغاريين ..وفلسفة ارسطو ..وأخد كل هاﻷفكار وطبعها بطابعه الخاص وأعاد صياغتها برؤية جديدة.. وضل عم يدرس لحتى صار عمره 42 سنة ( بحدود 300 ق.م )..فترك التجارة وبدأ بتعليم الفلسفة في رواق أو شرفة اسمها باليوناني ( ستويا) والرواق هو عبارة عن ممر مسقوف محاط بصفين من اﻷعمدة .. وموجود بالسوق المركزي بمدينة أثينا..وكان زينون يعلم طﻻبه بالرواق وهو عم يتمشى لهيك سموه المشاء..وكان تدريسه لعلم اﻷخﻻق والحكمة هو بداية ظهور الفلسفة الرواقية وطبعا زينون هو مؤسس علم اﻷخﻻق والمنطق الحديث ( المنطق الرمزي أو منطق الرياضيات) وبيرجع الفضل لزينون والرواقيين بوضع أول تعريف واضح ومعقول لﻷخﻻق على أساس جديد وهو مبدأ العالمية : اللي هو عبارة عن الكوزموبوليس (المدينة الكونية) يعني العالم كله يعتبر مدينة واحدة.. ( شوفوا من وين جماعة العولمة أخدوا الفكرة انو العالم كله قرية صغيرة واحدة …بس نسيوا أساسها : اﻷخﻻق )..
وعﻻقة اﻹنسان مع العالم هي : (انو اﻹنسان هو بالمقام اﻷول مواطن لذاته ..لكن هو كمان عضو بمدينة كبيرة من اﻵلهة والرجال… فالناس هنن مظاهر لروح عالمية واحدةلهيك ﻻزم يعيشوا بمحبة وأخوة..والحب هو اﻹله اللي بينشر اﻷمان بالمدينة…والبشر كلهم أخوة بالرغم من اﻹختﻻفات كلهم مواطنون) بيقول زينون : “عليك أيها اﻹنسان اذا كنت عاقﻻ أن تحب حارك وتحترم اﻵخر..فﻻ يليق باﻹنسان أﻻ يحترم ويحب أخيه اﻹنسان”…
والجار في قاموس زينون هو مو الجار الجغرافي المحلي أو الجار السياسي أو الجار اللغوي أو العنصري أو الطبقي أو الطائفي….الجار هو الجار اﻷخﻻقي العقلي ..هو أي انسان وكل انسان…بيقول :”من أجل الكل ..المجتمع اﻹنساني..عليك أن تتحمل المرض أحيانا وتغترب وتخاطر أحيانا أخرى وتفتقر وتموت قبل اﻷوان اذا اقتضى اﻷمر”..” اﻷخيار هم أصحاب بعضهم بعضا”.. “علينا أن نعامل بعضنا بعضا كما لو أننا مواطنون في مدينة أخﻻقية واحدة..واﻹهتمام باﻵخرين يجب أن يكون كاهتمامه لذاته ومعاملتهم كمعاملته لذاته..وعلى اﻹنسان أن يعامل الناس بالحسنى وأن يعمل للمصلحة العامة..عندها يكون محققا لوجوده وذاته”
وكانت هالعبارات هي الجوهر اللي اتشكلت علي أساسه القوانين الرومانية..
كمان اﻹمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس (اللي بترجع أصوله لمدينة منبج السورية) اعتنق فلسفة زينون ( اللي ازدهرت عام 200 ق.م) ..وانطﻻقا من عبارة زينون ” كل البشر أخوة ” منح اﻹمبراطور جميع رعايا الدولة الرومانية بين ايطاليا والمشرق حقوق المواطنة اللي كان يتمتع فيها المواطنين بروما ..
طبعا اهتم زينون بالمنطق والطبيعة واﻷخﻻق فكان الو تعريف جميل للفلسفة :
” الفلسفة هي بستان سوره المنطق وأشجاره الطبيعة وثماره هي اﻷخﻻق”
وعلى هالتﻻت قضايا بنيت الفلسفة الرواقية اللي اتميزت بأنها مذهب بيعتني باﻷخﻻق بالدرجة اﻷولى وبتدعي لضبط النفس وبرودة اﻷعصاب وعدم اﻹنفعال وإلى الصبر وتحمل اﻵﻻم والمعاناة ﻷنها قدر محتوم ﻻ مفر منه..وبالتأكيد الرواقية موبس هيك …هي أوسع وأشمل من هيك بكتير ..شملت نظريات عديدة بالفلسفة ..نظريات بالمنطق والفيزياء والطبيعة المقدسة للكون ونظرية بالمعرفة ( اللي بترتكز عا أربع مراحل :المﻻحظة واﻹثبات واﻹدراك والمعرفة ..واللي ما ممكن انها تتحقق إﻻ باستخدام العقل..) ونظرية بالطبيعة ..وبالطبيعة اﻹنسانية..والحكمة و الفضيلة..وأهم انتاجات الرواقية هو علم وفلسفة اﻷخﻻق وهدفها النهائي وهو الوصول للسعادة اللي هي التدفق الرائع للحياة…
وبتتمثل الفضيلة عند زينون بالحكمة (اللي أساسها بيقوم على مبدأي العقل والمعرفة.. ومن هالحكمة بتنبع أربع فضائل هي بعد النظر والشجاعة وفضيلة ضبط النفس وفضيلة العقل…والي بيقدر يوصل لهالفضائل اﻷربعة بيكون قدر يملك كلشيء..)..
وبيعتقد زينون انو العواطف ناجمة عن أخطاء بالحكم وانو اﻹنسان الحكيم اللي بيملك الكمال اﻷخﻻقي والفكري مارح يعاني متل هيك مشاعر..بيقلنا صديقنا زينون : (قوي مشاعرك كي تؤلمك الحياة أقل مايمكن.. واتبع المنطق حيثما يقودك )…
ولما مات ابنه لزينون ما أبدى مشاعر الحزن الشديد فسألوه عن السبب ..فجاوبهن (مؤكدا على فلسفته الطبيعية) : “نعم إن ذلك يحزنني أشد الحزن..إنما ولدت ولدا يموت ولم ألد ولدا كي ﻻ يموت ..”
وقال كمان :(ان الرجل الحكيم يجب أن يتحرر من اﻹنفعال وﻻ يتأثر بالفرح أو الترح و أن يخضع من غير تذمر لحكم الضرورة القاهرة)..
طبعا صار عند زينون مريدين (رموز بالرواقية) وحواريين وتﻻميذ وأشهر تﻻمذته كان كريسيدوس اللي وضع نظام عقيدة الرواقيين ويعتبر اﻷب الثاني للرواقية بعد زينون ..وكمان سينكا الفيلسوف العظيم ويوليوس ..ومن أشهر تﻻمذته كان ملك مقدونيا أنتيجون وكان من الحواريين المﻻزمين لزينون ..وفي قصة معروفة عنو انو انتيجون وجه رسالة لزينون دعاه فيها لﻹقامة عنده بقصره منشان يكون تلميذه فبيصير كل شعبه تﻻمذة لزينون صاحب المبادئ السامية واﻷخﻻق العالية
فكان جواب زينون اللي تجاوز بوقتها عمره ال 92 :
” انني سعيد بكونك تريد تعلم ما هو حقيقي ومفيد وليس فقط في قيادة الشعب والعبث باﻷخﻻق الطيبة.. وان أي إنسان تجذبه الفلسفة ويحتقر الرغبات الدنيوية انما ﻻ يكون و حسب ذا نبل طبيعي بل ذا نبل خلقي عظيم .. ولو لم أكن كهﻻ ويعيقني هرم جسدي لكنت جئت إليك ولكنني سأرسل إليك بعض تﻻمذتي اللذين يماثلوني بروحهم و هم أكثر فائدة مني ”
وقالولو مرة وكان مابيملك إﻻ قوت يومه : (ان الملك يبغضك ..فقال : وكيف يحب الملك من هو أغنى منه..)…وسألوه على سبيل المزاح : ( أي الملوك أفضل ..ملك اليونانيين أم ملك الفرس ؟ فقال : من ملك شهوته وغضبه..)
طبعا ما تعارضت أفكار زينون الكونية مع شعوره باﻹنتماء الثقافي والجغرافي..فلما عرضوا عليه شيوخ أثينا الجنسية اليونانية ..رفض ان يلقب بالمواطن
اﻷثيني و قال : ” أنا فينيقي..وسأبقى..”
واحترموا رغبته وأطلقوا عليه لقب الفينيقي الرواقي …
وكان زينون مشهور بالتزام الصمت أثناء الجداﻻت والمحاورات (طبعا صمت العارف) ولما سألوه عن السبب فجاوب بعبارة ما زال صداها لحد اﻵن :
” لنا لسان واحد واذنين اثنتين ..لنعلم أننا يجب أن ننصت أكثر مما نتكلم.. ومن اﻷفضل أن تزل بقدمك على أن تزل بلسانك.”
وما كان زينون يعتني بكتاباته ﻻ بالفصاحة وﻻ باﻹسلوب وكان بطبعه بيميل للبساطة والفطرة وبيحتقر الفن اللي بيسيطر عليه التكلف..وكان ينهي كﻻمه دائما بعبارة : ” ….هكذا قال العقل ..” .. ومع هيك كانت خشونة طبعه وغلظة أقواله بوسط ناس مغرمين بالرشاقة والجمال مانها عائق بيمنع زينون الفيلسوف من التأثير الساحر على مستمعيه أيلغ وأشد اﻷثر… طبعا ترك زينون مؤلفات عديدة جدا ..أهمها : علم اﻷخﻻق..رسالة الحياة وفقا للطبيعة..رسالة القانون..رسالة اﻹبصار ..رسالة الدﻻﻻت..وغيرها كتير..
كانت عيشة زينون المتقشفة والمتناسبة مع اسلوب حياة فلسفة الشك اللي اتبعها والفلسفة الرواقية ..واحساسه بانو صاحب رسالة ﻻزم يؤديها للناس بكل مكان..مع طول صبره وقدرته على ضبط النفس خلت حياته بتمثل قدوة طيبة وصالحة لﻷثينيين لدرجة انو صار عندن مضرب اﻷمثال فكانوا يقولوا :
” أعدل من زينون ” ..” أضبط لنفسه من زينون ”
..هﻷ أنا حاولت اختصر قدر اﻹمكان أعمال وأقوال وأفعال زينون وفلسفته الرواقية وعليكن انتو اذا حبيتو جدكن زينون الفينيقي الرواقي انو تقرأوا وتتطلعوا على فلسفته الرواقية الرائعة…
واخيرا متل ما كان زينون مهم بحياته كمان كان موته مهيب ..قال ليرتوس انو زينون مات بهالطريقة : قال كان طالع من مدرسته ( وكان عمره 98 سنة ) فزلت قدمه وانكسر إصبع من أصابعها .. فضرب زينون اﻷرض بايدو وردد بيت من الشعر للشاعر نيوبي ..قال :
” أنا آت..لماذا تنادين عليا بهذه الطريقة..؟؟!!”
وبعدها فارق الحياة فورا..
وموته أحزن أهل أثينا حزن شديد ورثوه رثاء رسمي و أصدروا قرار أعلنوا فيه : (إنه يستحق كل اﻹحترام والتقدير و أن الوطن مدين له بما قدم من خدمات جلية أفادت الشباب الذي دعاه وحثه في فلسفته على الفضيلة والحكمة .. )
وكرموه بعد موته ومنحوه تاج ذهبي ﻷهمية أفكاره وبنولوا قبر في حي الريمكس في مدافن العظماء..ودفن زينون في أثينا بجنازة مهيبة حضرها اﻹمبراطور ومجلس الشيوخ والوجهاء وحشد غفير من الناس.. ونصبولوا
عمودين بعد دفنه كتبوا عليهن :
” أثينا تقدس اﻷفكار حتى لو لم يكن صانعوها من أهلها ”
وكتبوا على قبر زينون :
” ان كانت فينيقيا هي موطنك فإن هذا ﻻ يحط من قدرك.. ألم يأت قدموس من هناك فأعطى اﻹغريق الكتب وفن الكتابة…”
اي…. بعد هالحكاية وبعد الكﻻم اللي قاله زينون شو فيني قلكن غير متل ما قال انو :
الحب والتسامح هو اﻹله الساكن بقلوبكن يا سوريين وهو اللي رح ينشر اﻷمان بينكن وبأرضكن وببلدكن ..بسوريا.. لتتعافى وترجع سوريا منورة عا كل الدني.. “هكذا قال العقل.. زينون”…. وحييتم .. تحيا سوريا…

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.