الأسود والأبيض في الشِّعر والنوادر

شعار اليين واليانغ حيث الأسود والأبيض يكملان بعضهما بعضاً

ما بين الشِّعر الجاهلي مع عنترة بن شداد والشِّعر المعاصر، تضمَّن الشِّعر العربي كثيراً مما دار حول البياض والسواد، من المدح والفخر إلى الهجاء، ومن النوادر الفكاهية إلى ما يرقى إلى أعلى درجات الجدية.

عنترة ينافح عن لونه
فمن يتتبع شعر عنترة، يجد أن سمرة بشرته شكلت مسألة واضحة وبارزة لديه، فهو لا يفتأ يذكر لونه في معظم قصائده:
لئن أكُ أسوداً فالمسكُ لوني ** ومَا لِسوادِ جِلدي منْ دواء
وَلَكِنْ تَبْعُدُ الفَحْشاءُ عَني ** كَبُعْدِ الأَرْضِ عَنْ جوِّ السَّماء
أو في قوله:
لئنْ يعيبوا سوادي فهوَ لي نسبٌ ** يَوْمَ النِّزَالِ إذا مَا فَاتَني النَسبُ
أو في قوله:
دَعني أَجِدُّ إلى العَلْيَاءِ في الطَّلبِ ** وأبلغُ الغايةَ القصوى منَ الرتبِ
لعلَّ عبلةَ تضحى وهيَ راضيةٌ ** على سوادي وتمحو صورة َالغضبِ
أو في قوله :
يعيبونَ لوني بالسواد وإنما ** فعالهم بالخبث أسودُ من جلدي
وما عابَ الزَّمانُ عليّ لوْني ** ولا حَطّ السوادُ رفيع قَدري
أو في:
سَوادي بياضٌ حينَ تبْدُو شَمائلي ** وفعلي على الأنسابِ يزهو ويفخرُ
يعيبون لوني بالسواد جهالة ** ولولا سواد الليل ما طلع الفجر
وإنْ كانَ لوني أسوداً فخصائلي ** بياضٌ ومن كَفيَّ يُستنزل القَطْر
أو في:
تُعيّرني العِدا بِسوادِ جلْدي ** وبيض خصائلي تمحو السَّوادا

المتنبي هاجياً بالأسود والأبيض
والمفاهيم الاجتماعية نفسها التي دفعت عنترة إلى الفخر بسمرة بشرته، هي التي دفعت المتنبي إلى هجاء كافور الإخشيدي ولون بشرته السمراء:
أرِيكَ الرّضَى لوْ أخفَتِ النفسُ خافِيا ** وَمَا أنَا عنْ نَفسي وَلا عنكَ رَاضِيَا
أمَيْناً وَإخْلافاً وَغَدْراً وَخِسّةً ** وَجُبْناً، أشَخصاً لُحتَ لي أمْ مخازِيا
تَظُنّ ابتِسَاماتي رَجاءً وَغِبْطَةً ** وَمَا أنَا إلَّا ضاحِكٌ مِنْ رَجَائِيَا
وَتُعجِبُني رِجْلاكَ في النّعلِ، إنّني ** رَأيتُكَ ذا نَعْلٍ إذا كنتَ حَافِيَا
وَإنّكَ لا تَدْري ألَوْنُكَ أسْوَدٌ ** من الجهلِ أمْ قد صارَ أبيضَ صافِيَا

وفي الإطار الأقرب إلى الفكاهة، يروى أن أبا العتاهية ودعبل الخزاعي وأبا نواس مرّوا بثلاث نسوة، تلبس كل واحدة منهن ثوباً بلون مختلف، فأرادوا التَّندُر بألوان الثياب الثلاثة، الأبيض والأسود والأحمر، فجادت قريحة كل منهم باللون الذي اختاره.

فقال أبو العتاهية في الثوب الأبيض:
تَبَدَّى في ثياب من بياض ** بأجفان وألحــاظٍ مِـراض
فقلت له عبرتَ ولم تسلم ** وإني منــك بالتسليم راض
تبارك من كسا خديك ورداً ** وقدك مثل أغصان الريـاض
فقال نعم كساني الله حسناً ** ويخلق ما يشاء بلا اعتراض
فثوبي مثل ثغري مثل نحري ** بياض في بيـاض في بياض

وقال دعبل الخزاعي في الثوب الأسود:
تبدى في قميص من سواد ** تجلى في الظلام على العباد
فقلت له عبرت ولم تسلم ** وأشمتَّ الحسود مع الأعادي
فقال نعم كساني الله حسناً ** ويخــلق ما يشاء بلا عناد
فثوبك مثل شعرك مثل حظي ** سواد في سواد في ســواد

وقال أبو نواس في الثوب الأحمر:
تبدى في قميص من لهيب ** عدولاً لي يُلقبُ بالحبيب
فقلت من التعجب أنت بدر ** وقد أقبلتَ في زِيٍّ عجيب
أَحُمرة وجنتيكَ كَسَتْكَ هذا ** أم أنت صبَغتَه بدمِ القلوب
فقال الشمسُ أهدَتْ لي قميصاً ** قريبَ اللون من شفقِ المغيب
فثوبي والمُدامُ ولونُ خدي ** لهيبٌ في لهيبٍ في لهيب

وفي الوصف والغزل باللونين الأبيض والأسود، يقول أبو قيس:
رأيتك في السواد فقلت بدراً ** بدا في ظلمة الليل البهيم
وألقيت السواد فقلت شمس ** محت بشعاعها ضوء النجوم

وصولاً إلى الشعر الحديث
ويطالعنا الأبيض والأسود في الشعر الحديث ضمن مواضيع شتى، نكتفي منها بالإشارة إلى قصيدة “الأبيض والأسود” للشاعر العراقي أحمد مطر التي تمحورت حول التمييز العِرقي:

(1) (2)
رجل أبيض
يغفو مبترداً في الظل.
رجل أسود
يعمل محترقاً في الحقل.
هذا الأسود
يجني (القطن)
وذاك الأبيض
يجني عرق الأسود!
في موقدنا …
يحرق فحم مقعد
من موقدنا …
خيط دخان يصعد
يحرق ذاك … ليصعد هذا
لمن السؤدد؟
ألهذا الأبيض …
أم ذاك الأسود؟

(3)
في رأس أبي … كان يعيش الشعر الأسود
يوم أتاه الشعر الأبيض لم يقتل أو يطرد.
لكن لمَّا ازداد الأبيض يوماً … طرد الأسود.

غير أن واحداً من أجمل ما قيل في الإنسانين الأبيض والأسود، وأرقى تصوير لهما، هو ما جاء على لسان سعيد عقل في قصيدته “غنيت مكة”، التي يصف فيها الحجيج في بيت الله الحرام، حيث يتساوى الجميع، فيقول:
وأعزّ ربي الناس كلهم ** بيضاً فلا فرّقت أو سودا

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.