ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏وقوف‏‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏٢‏ شخصان‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏٢‏ شخصان‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏
Saad Alkassem

ستة وخمسون من النواويس

سعد القاسم
لو أن نزار صابور لم يخترني ضمن الست وخمسين سورياً الذين صورهم في معرضه الأحدث، لما نقص من هذه الزاوية سوى سطورها الأولى، فتجربة الفنان في مرحلتها هذه، كما هي في كل مراحلها السابقة، تجربة فريدة متجددة جديرة بالاهتمام. إنما أردت استباق أراءٍ لا ترى في أي عمل إبداعي، أو حديث عنه، إلا ما هو شخصي، مقولات قد تعلق على هذه الزاوية من منطلق غير ثقافي، كما رأينا في بعض التعليقات التي تخطت المعرض لتتناول الفنان باتهامات لا أساس لها على أرض الواقع.
معرض نزار صابور الذي يستضيفه الآن المركز الوطني للفنون البصرية، يخصص القسم الأساسي منه لذ، يقدمها نزار على طريقته، ساعياً للتوأمة بين أسلوبه الشخصي، وبين ما يراه الأكثر دلالة على الشخصيات التي يصور وجوهها، وأيضاً من وجهة نظره الشخصية. وفي حين تبدو هذه الدلالات – الرموز البصرية متفق عليها بالنسبة لبعض الشخصيات، فإن بعضها الآخر يقدم (مشهدية) تشكيلية ، تترجم رؤية الفنان الذاتية للشخصية المختارة قد تكون رمزية، أو حتى غامضة أو ملتبسة، كما في معظم لوحات المعرض. أما في النوع الأول فنرى الأيقونات في ناووس ميلاد الشايب، والنصوص المختارة من كلمات: ممدوح عدوان وأدونيس ونزيه أبو عفش وسعد الله ونوس ومحمد الماغوط ومرام المصري وعابد عازرية وخليل صويلح ومنذر المصري. و العناصر والرموز البصرية التي ميزت أعمال: مصطفى علي وأبيّ حاطوم وادوار شهدا ونذير اسماعيل والياس زيات وصفوان داحول وفادي يازجي ويوسف عبدلكي وأسعد عرابي ومحمود حماد وممدوح قشلان. ويكاد يكون أمراً مسلماً به أن يختار لناووس الشهيد خالد الأسعد منحوتة تدمرية، غير أن اختياره لناووس نذير نبعة لوحة من أعمال نذير المتأثرة ببورتيهات الفيوم يمنح تجربة نزار امتداداً في تاريخ الفن التشكيلي السوري، الممتدة جذوره بدورها في فنون المنطقة. فيما اختياره لرموزه البصرية الشخصية في ناووس فاتح المدرس يعكس حقيقة استمرار تجربة رائد حداثة الهوية التشكيلية السورية في تجربة نزار صابور.
العودة إلى تاريخ التجربة أمرٌ حتميٌ في كل مرة يجري الحديث عن مرحلة جديدة في تجربة نزار صابور، فمهما نأت وتباينت عن سابقتها، أو سابقاتها، لا بد للعين المدققة أن تكتشف في تجلياتها ذكرى من لوحة أقدم، وجذوراً ممتدة إلى مرحلة أعتُقد لوهلة أن الفنان غادرها دون عودة. وعلى هذا قد يكون ممتعاً البحث – والعثور – في لوحات مجموعته الأحدث عن تدمر، وعنترة، وعن جدران البيوت البحرية في مدينته اللاذقية، وعن مزارات القديسين والأولياء، وعن حراس التل، وعن المدن الشرقية. وربما أيضاً عن أبواب بيوت الحارة القديمة في دمشق التي اجتذبت عينيه أيام الدراسة فهام بينها يلتقط تفاصيلها الصغيرة، ويعيد خلقها في لوحاته.
فإذا انتقلنا من (جسد) اللوحة إلى (روحها) فسنجد الأخيرة حاضرة بالأثر الذي كانت عليه في أعمال وفيرة سابقة سِمتها الأوضح روحانيةٌ ساحرة حاول تقليدها بعض من عاب عليه حضورها، لكنهم فعلوا ذلك دون أن يمتلكوا إحساسه المرهف، وأصالة تجربته، وروح الإبداع المتجذرة والمتجددة فيها. ويتأخر حديث التقنيات، فهي – مع سعة بحثه فيها – لم تكن غايةً لاستعراض المقدرة، وإنما جسرٌ لإيصال تأثير بصري بذاته أراد أن تلتقطه عينا المتلقي. والأمر ذاته ينسحب على الحالات التي تخطى فيها الشكل التقليدي للوحة المعلقة نحو العمق المادي لها، وعالم الأبعاد الثلاثة. ويلتقي ما سبق عند إشارة الفنان الرائد غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية في تقديمه للمعرض عن شفافية التقنية واللون التي بقدر ما تكشف فإنها تزيد التجليات البصرية لنزار غموضاً، بحيث أن أبعادها تبقى غير مدركة إلا بعد التعمق في رؤيتها. وكذلك عن الروحانية التي تسيطر على العمل، وتنتقل بسلاسة إلى المتلقي، وكأن بحثه الوجودي في الفن يبث السكينة والسلام عند المتفاعلين مع أعماله.
لا يمكن اعتبار معرض نزار صابور حالة توثق الثقافة السورية، وإنما هو انتقاء لأشخاص فيها كان لهم أثر في تكوينه الثقافي، أو تجربته الإبداعية. أو أنه وجد في بعضهم استكمالاً لمشهد بانورامي للحياة الثقافية السورية من وجهة نظره الشخصية، فعبّر عن تقديره لهم بحالة تشكيلية تستحضر التقاليد الفنية لحضارات المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بالنواويس التي يُنحت على غطائها وجه قاطنها كما الحال في أوغاريت، أو يرسم بالألوان على الخشب كما الحال في (وجوه الفيوم) التي تُظهر ملامح الشخص المدفون داخل التابوت وتتميز بنظراتها الهادئة الخالدة، كوجوه تتطلع إلى الحياة الأبدية، وفق تعبير الفيلسوف والروائي الفرنسي (أندرية مالرو). وإليهما هالة القداسة المستعارة من الأيقونة السورية.
بالجمع بين حالات إنسانية وفكرية متباينة، وبين راحلين وأحياء، أراد نزار تخليد شخوص لوحاته من خلال ما قدموه للثقافة والإبداع، وهو في ذلك يحتفي بالثقافة السورية، وليس يرثي راحلين من أعلامها.وحين سئل عما إذا كان يعتبر أن الثقافة السورية تختصر في الأسماء التي اختارها أجاب: لو أردت تقديم كل السوريين الذين أؤمن بأهميتهم الثقافية والإبداعية لكان علي أن أصنع مئات اللوحات..
وأعتقد أنه لو طلب من بعض الفنانين (والأدباء، والمثقفين) إعداد معرض عمن يرونه مهماً في الحياة الثقافية السورية لاقتصر المعرض المفترض على صورهم وحدهم.
http://thawra.sy/in…/saad_elkasem/169543-2019-04-01-21-56-16

التعليقات
  • علاء علي محمد التجدد المستمر والعميق
  • Bachar Azmeh نعم تبادرت لذهني “وجوه الفيوم” ولكنني لم أستسغ الفكرة ولا طريقة تحقيقها ، الصور الفوتوغرافية للوجوه بدت لي مقحمة على الأعمال اذ انها ليست بالصور المعبرة و كافية الوضوح من جهة وهي بالتأكيد غير متلائمة مع “نواقيسها” !
    الأعمال المعروضة الاخرى في اعتقادي هي الأجمل والأكثر تعبيرا عن هذا الفنان الكبير !
اكتب تعليقًا…
 
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏وقوف‏‏‏
Saad Alkassem

لا يمكن اعتبار معرض نزار صابور حالة توثق الثقافة السورية، وإنما هو انتقاء لأشخاص فيها كان لهم أثر في تكوينه الثقافي، أو تجربته الإبداعية. أو أنه وجد في بعضهم استكمالاً لمشهد بانورامي للحياة الثقافية السورية من وجهة نظره الشخصية، فعبّر عن تقديره لهم بحالة تشكيلية تستحضر التقاليد الفنية لحضارات المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بالنواويس التي يُنحت على غطائها وجه قاطنها كما الحال في أوغاريت، أو يرسم بالألوان على الخشب كما الحال في (وجوه الفيوم) التي تُظهر ملامح الشخص المدفون داخل التابوت وتتميز بنظراتها الهادئة الخالدة، كوجوه تتطلع إلى الحياة الأبدية، وفق تعبير الفيلسوف والروائي الفرنسي (أندرية مالرو). وإليهما هالة القداسة المستعارة من الأيقونة السورية.
* من العمود الصحفي الأسبوعي في صحيفة (الثورة) – الثلاثاء 2 نيسان 2018

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.