رقة القلب ، عصمت شاهين دوسكي بين الواقع والحلم
ثورة جسد امرأة حسناء أم جسد وطن جريح ؟
بقلم الأديب المغربي .. الصديق الايسري
بتاريخ : 2019/04/13

قصيدة رقة قلب مصنفة من ضمن شعر الغزل أو الرومانسية فالشاعر العراقي عصمت شاهين دوسكي فهو شاعر المرأة والحب والإحساس والجمال بامتياز و يعد من ضمن شعراء الغزل إلى جانب الشاعر السوري نزار قباني فهذه القصيدة من قريحة الشاعر تتميز بالجرأة والصراحة في التطرق إلى خبايا وأسرار العشق.
قصيدة ” رقة القلب ” كلمة رقة تعني في طبع الإنسان الليونة والسهولة والحب الذي يلامس شغاف القلب ويستقر فيه رغم المواجع والجراحات والمعاناة فالحب اهتمام وتواصل وإحساس بالآخر حتى لو لم يكون قريبا تظهر في العاطفة والسلوك والقلب الحنان و الرأفة و في جانب المعاملات والتصرفات اللطف والوداعة، وفي وهلة الاستهلال أن تكون رؤيتنا إنسانية ، عميقة الرؤى .
هنا الشاعر عصمت شاهين دوسكي ينادي حبيبته برقة القلب راجيا منها الحنان والرأفة وعدم القسوة وأن تكون سهلة الرؤى وألين الملمس و أن تتحلى بروح لطيفة ووديعة ، يأمر الحبيبة أن تجمع و تلملم حروف الليل وتصلح الوضعية بإزالة بوادر الظلام و تنحي العوائق والصعوبات وأن يكون مسار حبهما كله أنوارا وأضواء سراجا منيرا بعيدا عن الأحزان والغم والهموم، وأن تعيد للفؤاد نبضه الطبيعي وتجعل الحب يتمتع بدقات وضربات طبيعية مع وضع بلسم الوفاء والإخلاص على الجرح ليندمل الهوى و يشفى من القسوة و الفراق .
(( يا رقة القلب والجسد والروح
لملمي حروف الليل ، وهوى النبض المجروح
في شفتيك ذوى الشهد
وعلى روابي صدرك عرش مذبوح )) .

مازال الشاعر الولهان يذكر حبيبته عن جفاف شفتيها و اشتد يبسها وصارت تعاني من الذبول والشهد وأضاع حلاوته ورطوبته العسلية ، يتأسف الشاعر لما وقع للحبيبة من ضياع بريق و بهاء شفتيها وتبدو كصحراء قاحلة أو كنبات شوكي تأثر بعدم الاهتمام و العناية بمتعة الروح والوجدان فبحلاوة القبل تعيد للثغر رونقه و جماله، الشاعر عصمت شاهين دوسكي شاعر العشق والغرام فطن لما وقع للحبيبة من إهمال لروح الهوى والابتعاد عن ترانيم العاشقين وألحان الولهانين وأغاني المحبين فقد رسمت بذلك لوحة صادمة وألوانا باهتة صورها بهبوط وانكسار عرش الغرام بفعل ذبحة لتركه سدى للضياع فهوى السؤال والإلحاح لزيارة روابي الصدر و اعتناق قبتيه بين كفيه تبركا بشموخهما و سموهما.
(( وفي باحة خصرك عاشق يبكي
واللظى يفضح سر مفضوح
وبين قدميك باب طري
حينما يسمع قصائدي يغدو فاتح ومفتوح )).
لما رأى الشاعر ما وقع للحبيبة من الضياع و الإهمال التجأ إلى محراب المبكى يقاسي لوحده حظه التعيس وهو مرتبط بباحة وساحة خصرها فانهمرت دموع الشوق و هو يشاهد عن بعد ما سيقع لشاكلة الخصر من نسيان و سلو بعد هجر المتعة و الصلاة في محرابه وابتعاد أيدي ولمسات الحبيب. فلهيب النار ولوعة الحب أشد حرارة ، صار ظاهرا للعيان حيث انكشف وفضح ، يمكن رؤيته كالمنار قائما شامخا على جوانب صخور الحب يبصر لهيب ناره من مسافة لمرافئ العشاق واقفا كعمود ملتهب الرأس حارق كاللظى ينتظر مرور سفينة الحبيبة بسلام، وبين قدمي وأعمدة البحر تنفتح بوابة الأمان و السلام باستقبال ربان الحب تنثر عليه طراوة وطيبوبة الحب ، قدوم الباسل الشجاع بفك قيود المجهول و التي تعالت في سماء العشق تراتيل من قصائد الحب فرحب بقدومه وولج بوابة العاشقين فسالت دموع الفرح والبهجة رقراق ملوح من عيون الحبيبة وعادت سفينة الحب إلى مرفأ العشق وانفكت القيود و التقى الحبيب بالحبيبة.
(( ما الذي يجري ..؟
هتك الشعر قيودي
وبان في عينيك رقراق ملوح )).
وساير الشاعر عصمت شاهين دوسكي إحساسه المرهف النقي و أستسلم إلى معاني العشق الممنوع و المستور بعد أن تراءى أمره وصار لوحة شعرية بدون ألغاز ولا أسرار ليعلن للجميع أن حبه يسبح ضد التيار ، مغطى بطلاسم الظلام ومكسو بالغموض و الأسرار هنا تتجلى قوة شخصية الشاعر بتمكنه من البوح بكل جرأة وشجاعة بالنطق بكلمات ظاهرة ومفهومة لكي لا يضع حواجز الضياع بين الرموز للوصول إلى قلب الحبيبة فهنا خاطب حبيبته باشتياقه ، فالشوق للربيع بعيدا عن الجفاف والفراق والحرمان والسرير رمز الراحة والأمان والدفء والحنين فربيع سرير مهجة قلبه لقضاء بين أحضانه ، ربيع كله ورود و زهور مبتسما بعبيره الطيب نشوة بعبقه الزكي الذي ينساب للوجدان وهو متكئا على ساعد الحبيبة سندا في التمتع بالمقام على سرير الحب سهرانا ، أبى النوم لكي يتبادلان الابتسامات ، قلب الحبيبة زاد لوعة ووهجا بمناجاة الروح بكلمات الإعجاب والحب هاجر وسافر عبر بؤبؤ عينيها و صورة الحبيب راسخة في مقلتيها يصر عدم المغادرة طالبا و آمرا أن تفرش عرشا وهو أسمى وأغلى رمز للجسد والروح حيث المكوث و الإقامة بذلك يصل إلى مقام الملوك والأمراء والعظماء وهو يحتضن العرش العظيم لا يريد الشاعر أن ينسى سفره و قيامه في أحضان مملكة العشق حتى لو اشتد الظلام فنور الحب تنسيه الدجى والمكابدات و الليالي الطوال .
(( اشتقت لربيع سريرك باسما
وعلى ساعدك اسهر ولا أنام
ابتسم واللوعة تناجي روحك
آه من الابتسام أمام الابتسام
أنا يا دلوعتي مهاجر في مقلتيك
افرشي عرشا لي .. ليحيى المقام )) .

أبواب مملكة الحبيبة مفتوحة تستقبل الحبيب بالأحضان و يحلق كالطير بين روحها يأمرها أن تعانقه وتحضنه بقوة والقوة على صدرها والقوة هنا خوفا من الفراق والشتات والعذاب وضياع الأحلام ، ليتمتع بأحلامه وهو يغرد نشوة وحبا في المقام في أحضان مملكة العاشقين بلا سواتر ولا حجاب ، متعة القائم وسطها طبيعة بجنان واقعية جنة الناظر واللامس لبهائها وجمالها الأخاذ، فالشاعر يعد من العظام المنفيين بين أحضان المملكة حائر منبهر لجمال الملكة ، وتجرأ مفتونا بجمالها أن تلبي رغبته الجامحة للقبلات وهو الذي عانى عذاب الجليد والبرود مرغما ، بركان خامد ينتظر فجوة الخلاص من القيود فدعاها أن تحرقه بقبلات العشق الدافئة ، روحه ثورة عشقية لتعيد له حرارته وتذيب جليده وهو المنفي في أحضانها .
(( كيف أنسى وهل مثلك ينسى
حتى لو طال السفر والظلام
أبواب مملكتك أمامي بلا سواتر
وأنا طائر احلق في روحك كالأحلام
ضميني لصدرك
فأنا حائر في بلادي ومنفي بين العظام )) .
الشاعر تذكر معاناته مع الحروب والدمار والخراب والدمع و البكاء بعيدا عن السلام والأمان بود ورقة قلب أن يقيم بين أحضانها يتلوى أو يزحف بدون أقدام مبتورا أو مشلولا محملا على كرسي ، فبين الحب والحرب ألم شديد الوقع وحلم يبحر بلا حدود وأمل يرتقب المدى البعيد ، لن ينسى لحظات العشق وعناق صدرها وقبلاتها الحارة فهي ملاذه وملجأ يناجي روحها متعة و نشوة بجنون وهذيان تحت لواء حبها المتمرد.
(( أنت المجنونة المتمردة العاشقة
لا أنساك أبدا ..
وإن حملوني على كرسي بلا أقدام
دعي مكانا بقربك أتلوى
واسرق من نظراتك الحلم والإلهام
ابتسم معك
وارشف من كأس شفتيك لذة الهذيان والمدام
لا بداية جلية بين راحتينا
ولا نهاية على حلمتيك تقام
يثار فينا الهمس واللمس
ويخرس في رحانا الكلام )) .
الشاعر شهريار اخذ مكانا بالقرب من شهرزاد يتمتع بنشوة القبل و لمسات الرقة والرأفة يحتسي رشفات عسلية حلوة من شفاه الحبيبة و المتعة من حلمتيها وتستمر الحكاية بين السهر والغفوة تنسج خيوط الليل غطاء لجسميهما بدون ستائر وكأن التاريخ يتجدد والحب يتورد من جديد ،يتلألأ العشق تحت ضوء القمر ينساب بين الوجدان نشوة ومتعة ، جسد أسقط أوراق التوت فلبى جماح رغبة النشوة قياما وقعودا في محراب العشق بكل تراتيله الروحية والحسية جملة و تفصيلا ابتسمت له كيان الهوى و خرس الكلام و صمت سائد بانصهار الجسمين و انتشاء الروحين و للحكاية رقة قلب جمال وحسن و نشوة و متعة بها أينعت الزهور الذابلة .
(( عذرا إن طال على شهريار الليل
وأباحت شهرزاد لوعة المنام
رقة القلب أنت ، نحلم معا
وتحوم أجسامنا بلا أجسام )) .
الشاعر عصمت شاهين دوسكي بفلسفة وجدانية فكرية حسية جسد صراع الواقع والحلم والمعاناة التي تغلي في رقة القلب ولم يتوانى أن يكشف ما يتجلى من صفاء ونقاء وانصهار بين القلب والفكر والروح والهذيان ولا تدري هل هذه الصور الشعرية ثورة جسد امرأة حسناء أم جسد وطن جريح عانى من الحروب والدمار والخراب ؟ إنها لوحة حب إنسانية تفتح الآفاق لرؤى مختلفة ورسالة حب للعالم ، أن يمتلأ عالمنا بالمحبة والاهتمام والتواصل والارتقاء والإحساس بالآخر .

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.