النباتات بأنواعها في البيوت إرث الدمشقيين الجميل

والوردة الجورية والياسمينة الدمشقية ملكة تلك الامبراطورية الخضراء

دمشق القديمة أقدم مدينة مأهولة في التاريخ لم تغير الحضارات والسنون شيئا من اصالتها وعراقتها بل على العكس زادتها ألقا وحقنت أهلها وزوارها بالحنين الى ازقتها المرصوفة بالحجارة وبيوتها المزخرفة بالنقوش الحجرية والخشبية والى النباتات التي تتسلق على جدرانها بألوانها الأبيض والأحمر والبنفسجي وغيرها فأكسبتها روعة اضافية وطلة بهية وعبيرا آخاذا يعيد الى الذاكرة نفحات من بساتين الغوطة الغناء التي كانت تحيط المدينة. 

تشكل نباتات الزينة والأشجار في البيت الدمشقي بأنواعها وأشكالها المختلفة احد اركانه الرئيسية يضاف الى فنون العمارة القديمة فيتكامل معها ويخلق نسيجا مرتبطا به ومتآلفا معه.
ومن تلك النباتات هناك الأنواع العطرية كعطر الليل الكولونيا والمسكة الريحان والياسمين بنوعيه العراتلي والاصفر والوردة الشامية الجوري وهناك النباتات المتسلقة كالمجنونة وأم كلثوم والهوى الخشن إضافة إلى النباتات التي تحمل مدلولات اجتماعية ظريفة من البيئة الشامية كالضراير ولسان الحماية وغيرها.
والنباتات الطبية كالختمية والميرمية والمليسة الخ.. ومن الأشجار العريقة المثمرة التي تآلفت جذورها مع التراث والأصالة فتعانقا في محبة جمعت حولها أهل البيت الدمشقي العريق في حميمية رائعة المشمش الهندي والكباد والكرمة اضافة الى الاشجار الدائمة الخضرة والمعمرة كالنارنج والمتساقطة الأوراق في الشتاء كبعض انواع الليمون.
لقد أثر وجود النباتات والأشجار في البيوت الدمشقية بشكل إيجابي على حياة أهلها بحسب ذوي الخبرة فأنشات بينهم تآلفا اجتماعيا جميلا ففي فصلي الربيع والصيف تجتمع العائلة والأ قارب والجيران للسمر والاستمتاع فتكون تلك النباتات بأوراقها الخضراء وزهورها البهية الألوان والعطرة والأشجار بثمارها الجميلة حاضرة بقوة فيما بينهم تشاركهم أفراحهم وأحزانهم أما في فصلي الخريف والشتاء فتبعث النباتات والأشجار دائمة الخضرة الدفء والتفاؤل في النفوس.
لقد أحب الدمشقيون نباتاتهم وأشجارهم كما أحبوا مدينتهم ببيوتها وحاراتها واطلقوا عليها الاسماء المختلفة بحسب رائحتها أو شكلها أو طريقة نموها.
وتأصلت العلاقة بين اهل دمشق ونباتاتهم على مر العصور وتطورت حتى لنجد البيوت الدمشقية المأهولة بساكنيها او تلك التي تحولت إلى مطاعم أو مقاه أو متاحف تعج بأنواع مختلفة منها لاحصر لها وخاصة تلك التي تتمتع بألوان زاهية كتم السمكة مثلا لكن الوردة الدمشقية التي اشتهرت في العالم مازالت الملكة التي تتربع على عرش تلك الامبراطورية الساحرة من اللون الاخضر على مر العصور.
فمن النارنج والكباد والليمون ( الحامض والحلو )
والفراسكين ( الكريفون ) 
والدرابزين الخرمسي ( أصل اسمه بالتركية – طرابزون هورمه سي – أي تمر طرابزون ) 
و الطرنج ( بومللي ) 
والمشمش الهندي ( أكدنيا )
والبرتقال .. 
ثم دوالي العنب بأنواعها .. ودوالي العنب في بيوت الشام تطعم عادة بالطعمين ( البلدي والحلواني ) وكلاهما ( يأرش ) تحت الأسنان لأنه صامد غير رخو .. وكثيراً ما نرى أهل الشام يعتنون بالعنقود فيغطونه بشبك نسيجي أو أكياس نافذة للهواء أو ( كلسات نسائية حديثاً ) لتفادي هجمات ( الزلائط والعصافير ) بقدر الإمكان .. والعنب البلدي يمتاز بأن قشره رقيق جداً وهناك العنب الزيني وسواه من الأنواع الفاخرة ..
وكان أهل الشام يقولون عن عنب الديار بأنه ( يطول الأعمار )
ويستخدمون ورق الليمون والنارنج مغلياً وهو شراب طيب ومفيد ..
فهذه هي بضع الاشجار المثمرة في البيوت الدمشقية
أما أشجار الورد والزهر فمنها ..
شجيرات الياسمين الأبيض والياسمين الأصفر والأزرق التي تعرش في الدور .. والياسمين العراتلي ..
والنبات العطري المعروف بإسم ( الساعة ) والبنفشا التي لها أزرار زهر لا تحصى ولو كانت بدون رائحة ..
والمجنونة بالوانها الحمراء والبنفسجية والبرتقالية .. 
وهناك شجر المانوليا ذات الرائحة العبقة الرائعة وشجرة المسكة اللطيفة العبير ..
وفي الفسحة المسماة ( الديار ) نجد قطع النباتات الزهرية والعطرية ويسميها أهل الشام ( الزريعة ) ونجدها إما في أحوض في الأرض أو اصص فخارية وكثير منها في ( تنكات ) الزيت الفارغة ..
وهي على أطراف ( الديار ) أو حول البحرة .. أو معلقة على الجدران .. أو على سلم معدني متعدد الدرجات أو في أحواض على ( الشبابيك ) المطلة على الديار ..
وأهم تلك النباتات
أوراق القصب ( هوا خشن وهوا ناعم ) 
و
الشمشير ..
والهوا حيفا الذي هو ناعم هفهاف الأوراق كأنها الهواء ..
والقرطاسية ( هورتنسيا )
والبوغونيا ..
والشب الظريف ..
والختمية ..
والبنفشاية ..
والدادا ..
والجميل ..
وآه يا أنا ( هاد اسم نبتة )
والعطرة ..
والشكرية والهرجاية ..
والبرنجك والمدادة ..
والمكحلة والسجادة ..
واللحلح ( شجر زهر الليلك )
والزلف والكولونيا ..
وبعض النباتات الزهرية لها أسماء غريبة وذات مغزى .. مثل ..
ليلة القدر التي تتفتح في ليلة واحدة فقط في السنة ؟ ..
والمحكمة .. وكف العروس .. وراخي شعرو ( هناك من يقول مدندل شعرو ) .. والحماية والكناين
وسوالف العروس ..
ولسان الحماية ( وهو نبات شوكي طويل – وتؤكد الصديقة خلود أن هذا النبات تهتم به الكناين بالدرجة الاولى ) ..
كما لم يكن يخلو بيت شامي من قطعة ( غناجة ) وهي نبات اذا لمسته أغلق أوراقه ثم عاد بعد قليل ففتحها وكم كنا نتسلى به كثيرا ..
وهنالك أيضاً ( تم السمكة ) وطريقة الامساك بها بحيث تفتح كلما ضغطنا عليها كفم السمكة تماما ..
والسيكارة ( ويقولون عنها أحياناً جيكارة )
وورق الصالون للصالونات ..
وقلب عبد الوهاب ( وهو نبات حديث التواجد ) ..
والشمعة ..
والمضعف الذي يباع بكثرة في شوراع دمشق وهو أصفر اللون له رائحة حلوة خفيفة
والطقطيقي ويطلق على النباتات الزهرية القليلة الزهر ..
والمطبق وهو كثير الزهر ..
وأهم من كل ما سبق .. الورد الدمشقي المشهور بالبلدي .. والمعروف في العالم كله بإسم ( روزا داماسينا) ..
والورد الجوري .. 
والنرجس .. 
والفل الأبيض الرائع .. 
والقرنفل .. 
والزنبق البلدي .. 
والبنفسج الذي يمتاز برائحة تشمها الأرواح وتنتعش بها النفوس ..
هذه هي صورة البيت الشامي من الداخل الذي لا يدل مظهره الخارجي على ذلك أبداً ..
ولذلك سبب ..
فالجدران العالية الملساء تحمي اهل البيت من أي محاولة للدخول وقد كتب ( كرد علي ) أن دمشق التي تعرضت للكثير من الغزوات والحصار والتقلبات وألوان الحكم المتعسف والظالم أنتجت ذلك البيت الملائم لكل ما سبق .. حيث أن مظهرها الخارجي لا يوحي بما في داخلها من روعة وذلك لاخفاء النعمة حيث أن النعمة ما أن تظهر على صاحبها حتى يتعرض لشتى أنواع الأذى والتربص .. وهذا الشيئ نجده في كل عواصم الدنيا

الاكادنيا

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.