ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏١٩‏ شخصًا‏، و‏‏أشخاص يبتسمون‏، و‏‏أشخاص يقفون‏‏‏‏

طلاب.. ومسرح
سعد القاسم
25 حزيران/يونيو 2019
في القاعة متعددة الاستعمالات في دار الأسد للثقافة والفنون، تقدم الآن واحدة من أميز دفعات قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية عرض تخرجها، بتوقيع الفنان فايز قزق الذي سبق له أن أخرج في المكان ذاته، قبل خمسة عشر عاماً، عرض تخرج دفعة متميزة سابقة حمل عنوان (وعكة عابرة).
والحديث عن إحدى أكثر الدفعات تميزاً لا يعني – بطبيعة الحال – أنها المتميزة الوحيدة، لكنها واحدة من تلك الدفعات التي امتلكت الموهبة والجدّية والتمايز بين أفرادها، وأتيحت لها في الوقت ذاته فرصة الحصول على خبرات عدة أسماء مهمة في مجال إعداد الممثل، وخاصة تلك التي تراكمت خبراتها خلال عملها المديد في المعهد ذاته، ومساهمتها في تطوير منهاجه التدريسي منذ تأسيسه حتى اليوم، انطلاقاً من متابعتها للأحدث في نظريات، ومفاهيم، إعداد الممثل في العالم حولنا، وما اكتسبته من ملاحظات شخصية خلال سنوات عملها مع الطلاب.
دفعة اليوم تضم خمسة عشر شابة وشاباً (وكانوا سبعة عشر)، انتسبوا إلى المعهد في ذروة سنوات تساقط قذائف الهاون على مبنى المعهد ومحيطه، وفي وقت كان المعهد يعاني فيه من نقص (الكادر) التدريسي، وتعذر الإيفاد، وانقطاعات الكهرباء، لكن كل ذلك، وسواه، تمت مواجهة نتائجه بالاعتماد على توليفة تدريسية بين الخبرات المتبقية والكفاءات الشابة، وتوفير الاحتياجات المادية لاستمرار العملية الدراسية، وقبل كل شيء، بكفاءة طلاب الدفعة وانضباطهم وجديتهم وتناغمهم، وقد أتاحت مجتمعة أن توفر لمواهبهم الفردية إمكانية التعبير عن ذاتها منذ عروضهم الدراسية الأولى، مروراً بعروضهم الامتحانية جميعاً، التي أتيح للجمهور مشاهدة جانب منها خلال المشاركة القديرة الممتعة للدفعة في احتفال المعهد بيوم المسرح العالمي عام 2017.
على امتداد مشاريعهم الدراسية قدم طلاب الدفعة عروضاً عن نصوص مسرحية محلية وعربية وعالمية، إضافة إلى تمارين دراسية عن محاكاة الشخصيات الواقعية والخيالية والمفترضة، وتطوير المهارات الفردية في الصوت والحركة والتعبير والتقليد، وفي كل مرة كانوا يحصلون على المشاهدة الممتعة، والتقدير (المهني). وقد أهلتهم تلك المشاريع لتقديم مشروع تخرج حصل بدوره على المشاهدة الممتعة والتقدير المهني لممثلين (أكاديميين) احترافيين. ومن المؤكد أن إخراج الفنان فايز قزق لمشروع التخرج كان له دور أساسي في تقديم الطلاب – الخريجين بشكل لائق، ويُسجل له دائماً أنه يعطي لكل طالب المساحة الكافية لتقديم نفسه، حتى لو امتد العرض ليصل إلى ثلاث ساعات كما في عرضنا الحالي، محققاً بتوازنٍ بارع، فرصة تقديم الممثلين الجدد لأنفسهم بشكل لائق – كما أُشير سابقاً- وفرصة تقديم نفسه ورؤيته كمخرج. وهو أمر لم تنجح به بعض عروض سابقة، أولى مخرجوها الاهتمام لمجموعة (محببة)، أو حتى لطالب واحد. كما رأينا منذ سنوات بعيدة في عرض تخرجٍ أُعطي الدور الرئيس فيه لطالب محظوظ فبدا جميع زملائه مجرد كومبارس لا أكثر، وهو الحال الذي تكرر بصورة أسوأ في عرضٍ آخر خصصت الأدوار الأربعة الأولى فيه لممثلين محترفين، فيما اقتصرت حصة الخريجين على البقايا الهامشية، حتى أن دور إحدى الطالبات لم يتعدَ بضع كلمات على امتداد العرض.
لمواجهة واقع عدد الطلاب الكبير، وصعوبة الحصول على نص مسرحي يتسع لهم جميعاً بشكل متكافئ وعادل، لجأ فايز قزق إلى أسلوب الارتجال الجماعي الذي سبق أن جربه غير مرة، وحقق نتائج جيدة. حيث يتم انتقاء حدث مركزي يجمع الشخصيات جميعاً، وتقدم كل شخصية جانباً من السرد أو الحدث حتى يكتمل المشهد العام للعرض، وفي العرض الحالي (شارة) كان الحدث موت كبير عائلة وإحضار جثمانه (جثته حسب تعبير أبو منذر) إلى بيته الكبير، ليتاح لعائلته (الكريمة) وداعه قبل الدفن.
تجري كامل أحداث العرض في (الصالون) الكبير ببيت الراحل حيث يسجى التابوت، وتقتصر على الليلة الفاصلة بين الموت والدفن. وفي هذا الحيز المحدود زماناً ومكاناً، نجح الممثلون الشباب بتقديم عرض ممتع يضج بالحيوية والغنى الأدائي والموضوعي. حيث الحوارات الرشيقة، والمونولوجات الفردية تضيء كل شخصية في العرض، وتُسقط مجتمعة الصورة الطارئة للعائلة التي صنعتها الحالة العاطفية (بصدقها وزيفها) لفقدان كبير العائلة. وتكشف من خلفها الصورة الحقيقية، وهي في واقع الحال ترجمة لواقع اجتماعي متعدد الأوجه كثير التناقض والادعاء.
مساهمة الطلاب في اقتراح شخصياتهم، وبناء سيرتها ولغتها وحواراتها، منح أداءهم المزيد من الحيوية والتفرد والإقناع، وخاصة بتبنيهم لهذه الشخصيات، حتى أكثرها سوءاً ورفضاً اجتماعياً، فلم يفصلوا بينهم وبينها بأدنى مسافة تُفقد الإحساس بدفء الأداء، وتحّول عمل الممثل إلى أداء خارجي نمطي فاقد الروح. إن ذلك الأمر لم يكن ممكناً لولا غنى منهاج المعهد الذي يمنح طلابه – باختصاصاتهم الخمسة – فرصة الحصول على معارف وفيرة بالمسرح وتاريخه وتحولاته، والفنون المؤثرة والمساهمة فيه. ومنحت المساهمة المتزايدة لطلاب وخريجي أقسام الدراسات والرقص والتصميم والتقنيات في عروض المعهد، عمل المعهد قدراً كبيراً من التكامل، وأغنت خبرة ومعارف الجميع، وقدمت مبرراً قوياً لإحداث تلك الأقسام. وفي هذا العرض، شاهدنا مشاركة مهمة لأقسام المعهد جميعاً: خريج قسم الدراسات يزن الداهوك (دراماتورغ)- خريجة قسم التمثيل نسرين فندي (أستاذ مساعد) معتز ملاطيه لي أستاذ قسم الرقص (تصميم حركي)- ريم الماغوط المّدرسة في قسم التصميم وخريجته (أزياء وأكسسوارات) – حسين تكريتي خريج قسم التصميم (سينوغرافيا وملصق) – منوّر عقاد المّدرسة في قسم التصميم (مكياج) – خولة ونوس خريجة قسم التصميم (تنفيذ مكياج) وساهمت موسيقا طاهر ماملي بمنح العرض تأثيراً عميقاً، وخاصة في مشهد الزوجين الحالمين بإنجاب طفل معافى.
قدم العرض من المرشحين لنيل الإجازة في الفنون المسرحية: همام محمد – اليانا سعد – لارا بدري- أنس الكاتب – مرح حجاز – مرح حسن – علي كمال الدين – سليمان رزق – نوار سعد الدين – هافال حمدي- مجد سلوم – سالي أحمد – غدير سلمان – جنا العبود. وشارك من طلاب قسم التمثيل علاء زهر الدين (سنة ثالثة) – فارس جنيد – درويش عبد الهادي – كنان كريدي (سنة أولى). ومن طلاب قسم الرقص: رهف جابر (سنة ثالثة) وإنانا حسين (سنة أولى).
تحظى عروض المعهد المسرحي بدعم فاعل من وزارة الثقافة بحيث تجاوزت كونها مجرد عروض دراسية أو امتحانية، وفي معظم الأحيان حظي المشاركون فيها بتقدير واسع، مبشرين بجيل جديد من المسرحيين المؤهلين، لكن هل سيصل هؤلاء إلى خشبة المسارح أم تجذبهم إغراءات الدراما التلفزيونية؟. للحديث تتمة..
http://thawra.sy/in…/saad_elkasem/181483-2019-06-24-22-08-17
* الصورة
الصف الأول: نصف وجه همام محمد (مصور السيلفي)
الصف الثاني: مرح حجاز – أنس الكاتب – سليمان رزق – جنا العبود
الصف الثالث: فارس جنيد (سنة أولى) – علي كمال الدين – نوار سعد الدين
الصف الرابع: درويش عبد الهادي (سنة أولى) – مرح حسن – لارا بدري- نسرين فندي (أستاذ مساعد) – فايز قزق – يزن الداهوك (دراماتورج) – سالي أحمد
الصف الأخير: كنان كريدي (سنة أولى)- اليانا سعد – غدير سلمان – هافال حمدي- علاء زهر الدين (سنة ثالثة)

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏١٩‏ شخصًا‏، و‏‏أشخاص يبتسمون‏، و‏‏أشخاص يقفون‏‏‏‏

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.