بائع كعك في القدس - أرشيفية

بائع كعك في القدس – أرشيفية

 

ما إن تدخل مدينة القدس المحتلة وتتجول وسط أسواقها الشعبية وقبابها المتناثرة يمينًا ويسارًا إلا وتستلطف العين ما ترى، وتهوى القلوب تلك الملامح العربية لثمانيني لم يستطع الاحتلال تهويد تجاعيد وجهه.

ويدلك أكثر على هوية المكان، الحجارة المُرصعة بالتاريخ والعراقة الممزوجة برائحة تفوح بين سراديب بلدتها القديمة، فتجد خطواتك تدنو شيئًا فشيئًا لأحد أبرز معالم القدس الذي صقل الهوية العربية للمدينة المقدسة، بل بات خط دفاع أول ضد التهويد المستعر، فرغم بساطته إلا أن “كعك القدس” كان ومازال صرحًا لا يمكن إقصاؤه بكل المحاولات.

وبحبوب السمسم التي تنضج على أشكال الكعك الدائرية والمربعة وحتى الأسطوانية يشرق وجه المدينة المقدسة، مستمدًا من لمعان قبة الصخرة القيمة الوجودية والدلالات الرمزية التراثية بين المأكولات الشعبية، حتى بات دون شبيه بالطعم أو الرائحة، لا سيما أن آخرين حاولوا تصنيعه في مناطق فلسطينية أخرى لكن دون جدوى.

ولسنوات طويلة وتحت وطأة القيود الاقتصادية الإسرائيلية تجاه المقدسين إلا أن عائلات كثيرة مازالت تعمل على خبز كعك القدس وبيعه محليًا وخارجيًا، إذ شكّلت عائداته مصدر دخل ولو بشق الأنفس في ظل فرض الضرائب المتتالية وتهويد المأكولات الشعبية الفلسطينية.

ويقول أهل المدينة المقدسة: “كأنك لم تزرها إذا لم تتناول كعك القدس”، فمذاقه يبقى حاضرًا مميزًا بالأنامل المغروسة بين الدقيق والتاريخ، ليعكس ذلك دقة التحضير في بساطة العيش، وبذلك يعتبر كعك القدس سفيرًا وتذكارًا، فلا عجب أن يُحمل كهدية لبلدان أخرى؛ تعبيرا عن الحب والسلام.

وتمر السنون ويبقى هذا المعلم يحتفظ بنكهته الفريدة التي تحاكي الزمان وتُشكّل هوية المكان.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.