عشق جواد عكلا للمسرح حمله إليه ممثلاً ومخرجاً ومعداً

حمص-سانا

كان المسرح حلما له منذ صغره ما دفعه للانتساب إلى الفرق المسرحية وهو في العاشرة من عمره ليخوض الفنان جواد عكلا فيما بعد أول تجربة إخراجية له في سن الثامنة عشرة بعرض لفرقة المسرح الشبيبي في حمص حمل عنوان “الشفق” عن نص للكاتب الإسباني فرناند أرابال.

وأكد عكلا لنشرة سانا الثقافية أن حبه للفن المسرحي بدأ مبكرا عبر مشاهداته لوالده كممثل ومخرج على خشبة المسرح اضافة لتردده الذي لم ينقطع إلى حضور كل العروض المسرحية سواء للأطفال أو للكبار الأمر الذي أسهم في زيادة تعلقه وولعه وعشقه لهذا الفن الجميل.

ويقول عكلا “أدركت مبكرا أنه لابد من العمل الجاد والمتواصل للوصول إلى غايتي عبر تكثيف ثقافتي بكل ما حولي رغم أن دراستي الجامعية كانت مغايرة لحلمي حيث تخرجت في قسم الآثار من جامعة دمشق لكني اتبعت العديد من دورات التمثيل والإخراج التي أكسبتني الكثير من المقدرات والمخزون المعرفي المسرحي”.

عمله لفترات طويلة في التنقيب الاثري يشبهه بالتنقيب والبحث الذي يجريه الفنان أو المخرج للوصول إلى أدق التفاصيل في الشخصيات ومنشئها وظروفها.

والمسرح برأي عكلا عالم غني بالشخصيات التي ربما يكون أسلوب أدائها على المسرح غير واقعي بالضرورة إلا أنها من عمق الواقع ولصيقة بالحياة فهي مأخوذة منها إلا أنها تقدم على الخشبة مكثفة بآلامها وآمالها وكينونتها لافتا إلى أن مشاركاته العديدة في المهرجانات المسرحية في عدد من المحافظات سواء أكان مخرجا أو ممثلا أو معدا أضافت له الكثير من الأساليب الفنية التي يعتمدها بعض المخرجين أو الممثلين أثناء أدائهم.

ويسعى عكلا دائما لتطوير أدواته التمثيلية والإخراجية في أعماله التي قدمها عبر مسيرته الفنية وأهمها مسرحيات “حديث البنفسج- السيد المهرج- قصر الاسكوريال- من هناك- حديقة الحيوان- مع الجميع على حدة- عطيل يعود- زبد- كلهم أبنائي”.

وختم عكلا قائلا “فرع نقابة الفنانين في حمص لا يدخر جهدا من أجل دعمنا ودعم أعمالنا ولكن على الفنان أن يملك الثقافة الفكرية والمعرفية التي تؤهله لقيادة عرض مسرحي يبهر المتفرج لأن الجمهور واع ويدرك ويعرف قيمة الفن الذي يقدم وهو الأقدر على التقييم فالمسرح يحتاج إلى الإخلاص والحب والمصداقية وعلى الفنانين المسرحيين ألا يتوقفوا عن العمل وتقديم العروض لأن المسرح حضارة الأمم وثقافتها”.

مثال جمول

“حسن عكلا” وهب حياته للمسرح واعتبره الخيار الأكثر صواباً

 كنان متري

السبت 20 حزيران 2009

«كلما مررت بتجربة مسرحية جديدة، كلما تأكد لي أنني على صواب، وأن خياري لمصيري كان جميلاً وحاسماً، وحين قررت أن أمشي في هذا النهج، قيّد لي أن أدرك الآن ومع كل تجربة جديدة أعيشها، ومع كل ألم أو مكابدة، قوة وقيمة ذلك الخيار البعيد في الزمن. ولكنه رغم ذلك ما يزال حيّاً وراهناً وطازجاً، وكأنما يحدث الآن». هذه كلمات الفنان المسرحي المخرج والممثل والمؤلف “حسن عكلا” حين التقيناه وطلبنا منه أن يعطينا انطباعاً حول تجربته في العمل المسرحي لعدد من السنوات.

تكبير الصورة

وتابع “عكلا” يقول: «إن ذلك الشخص الذي في سنيه الأولى كان يفرح ويحزن، ويشغف في التجربة، ويتشوق لها، هو ذاته يشغف ويتشوق لها اليوم، ويحلم بمذاق مرارتها، لكي يعرف أخيراً معنى الشجن، وما يقدمه للإنسان الرفيع من قيمة. ويعرف أن الجدوى دائماً هي المنارة الماثلة أمامنا، والتي تؤكد جوهرياً معنى الحياة عموماً، ومعنى اللحظة على مستوى الفرد الذي هو أنا، وعلى مستوى الفرد حيث يكون جزءاً من المجتمع الذي حوله، ولتتسع الدوائر كما الحصاة التي تلقى في الماء، لتشمل الرحاب الإنسانية كلها».

عن تجاربه الأولى في العمل المسرحي حدثنا الفنان “عكلا”: «بداياتي كأغلب بدايات المسرحيين من أبناء جيلي، في الانطلاق من المسرح المدرسي، وفي مدرستي “حطين” بحي “باب الدريب” شاركت منذ أن كنت في الصف الرابع بعروض مسرحية تتمحور حول موضوعات تشغل الأمة العربية كقضية فلسطين، وثورة الجزائر وغيرها، فلعبت عدداً من الأدوار البطولية كدور الثائر ضد الاستعمار الفرنسي، ودور المناضلة الجزائرية “جميلة بوحيرد”، حيث لم يكن فتيات في مدرستنا. وربما كان لأستاذي في الابتدائية المرحوم “مؤنس فتوى” دور أساسي في توجيهي نحو ما أنا عليه اليوم.

في المرحلة الإعدادية والثانوية تابعت النشاط المسرحي الذي كنت أحبه، وشكلت مع مجموعة من الزملاء فريقاً مسرحياً متميزاً كما قدمنا ضمن المسرح الشبيبي عدداً مهماً من الأعمال لا تزال في الذاكرة، وفيما بعد شكلنا نادي الفنون المسرحية في “حمص” والذي أصبح اليوم نادي دار الفنون، واشتغلنا مع مجموعة من المسرحيين الذين كان لهم دور بارز فيما بعد في الحياة المسرحية السورية مثل “فرحان بلبل”، و”رئيس أتاسي”، و”نجاح سفكوني”، لعبت خلالها الكثير من الأدوار الكوميدية والتراجيدية».

وأضاف: «في فترة الستينات من القرن العشرين شهد العالم العربي نهضة مسرحية، ورافق هذا التطور وجود نشاط نقدي مسرحي متطور في الترجمات من المسرح العالمي، وصدور العديد من المجلات المتخصصة بالمسرح، فكنت مشتركاً بمعظم تلك الدوريات من مجلات وصحف، حيث كانت الثقافة المسرحية مرغوبة آنذاك، وتدل على ثقافة الممثل المسرحي، والسائد حينها أن الممثل المثقف هو الأكثر إبداعاً.

البحث في الثقافة والمعرفة أصبحت بالنسبة لي سلوكاً شخصياً تعدى النشاط المسرحي إلى الاهتمام بالرواية والفن التشكيلي والنحت والتصوير والموسيقى، فاشتغلت في إحدى فرق الكورال، وجربت التعلم

تكبير الصورة

على عدد من الآلات الموسيقية ونجحت بذلك.

لكن في النهاية كان المسرح هو الخيار الأخير الذي مشيت فيه وقضيت كل عمري، وإلى اليوم».

عن بدايات عمله كممثل في المسرح القومي يقول: «في فترة الستينات تقدمت بمسابقة إلى المسرح القومي بـ”دمشق” وكان حظي أن أفوز بالترتيب الأول على كل المتقدمين من أنحاء سورية، وأصبحت بعدها على ملاك المسرح القومي إلى أن تقاعدت عام /2007/.

وشاركت في كل أعمال المسرح القومي، في أغلب المهرجانات المحلية والخارجية، من أبرزها (مهرجان قرطاج في تونس، ومهرجان برلين للمسرح، ومهرجان الكويت المسرحي، وأغلب دورات مهرجان “دمشق” المسرحي)».

عن تجربة الانتقال إلى الإخراج المسرحي قال “عكلا”: «في منتصف السبعينات من القرن الماضي توجهت للإخراج، حيث وجدت أن بإمكاني أن أتطور كمخرج أكثر من التمثيل، وبالفعل تقدمت بعدة تجارب إخراجية هامة، وفزت لثلاث دورات على التوالي بجائزة المخرج الأول بمهرجان المسرح القُطري الذي كانت تقيمه وزارة الثقافة، وذلك أعوام (1976، و1977، و1978)، عن مسرحيات (مهاجر بريسبان) للكاتب “جورج شحادة”، و(هاملت يستيقظ مبكراً) لـ”ممدوح عدوان” و(المصيدة) للكاتب المسرحي الحمصي “وليد فاضل”.

كما فزت في مهرجان “حمص” المسرحي عام /2003/ بجائزة أفضل عرض لمسرحية (رقصة الموت) من اقتباسي وإخراجي، للكاتب “دورنمات”.

وبالمناسبة لعبت في فترة السبعينات من القرن الماضي أكثر من دور بطولة في أعمال تلفزيونية سورية هامة، منها (البصارة)، بمشاركة معظم نجوم سورية حينها، ومسلسل (زرياب)، كما عملت عدداً من الأعمال مع المخرج “سليم صبري” الذي أكن له كل الحب والتقدير، منها أذكر مسلسل (سمر). لكن خياري كان العمل في المسرح أولاً وأخيراً».

وتابع: «في بداية الثمانينات، كلفت بالإشراف على المسرح الجامعي في “حمص” وأخرجت عدداً من المسرحيات الهامة مثل (كيف يتم تخليص السيد “م” من آلامه)، مقتبسة عن الكاتب الألماني “بيتر فايس”، وكذلك مسرحية (الكلاب) عن البلغارية للكاتب “خايتوف”». وعن تجربته في مسرح الغنائي تحدث “عكلا”: «اشتغلت عدداً من المسرحيات الغنائية لكن في فترات متباعدة، أذكر منها مسرحية (وردة وعتم)، ومسرحية (القبضاي)، وهي تراثية غنائية تناقش أحداثاً من “حمص” في فترة نهاية الاحتلال العثماني وبداية الاستعمار الفرنسي».

وعن تجربته في مسرح الطفل يقول: «لدي عدة تجارب إخراجية في مسرح الطفل منها (الأطفال يحملون الراية)، للشاعر

تكبير الصورة
من مهرجان “حمص” المسرحي

“سليمان العيسى”، ومسرحية (الصيد الثمين)، و(رحلة الحظ) للكاتب “نور الدين الهاشمي”، بالإضافة إلى مجموعة أعمال للأطفال، بدون نص، بل عبارة عن تشكيلات فنية قام بها الأطفال أنفسهم».

وبالنسبة إلى العناصر المسرحية الأخرى التي عمل “حسن عكلا” فيها حدثنا: «في بعض الأعمال مارست كل عناصر المسرحية، حيث اشتغلت بالتأليف والاقتباس والإعداد، والتمثيل، ووضع تصاميم الديكورات، كما عملت في هندسة الضوء لأغلب مسرحياتي، ومعظم الأعمال التي اشتغلت فيها كل العناصر المسرحية مجتمعة، كانت عبر تجاربي في أعمال “المونودراما” (الممثل الوحيد). ومنها أذكر عروض (حديقة الحيوان)، و(الطيف)، و(زوج امرأة مهمة)».

وعن مشاركته في تأسيس بعض المهرجانات المسرحية المحلية والقطرية تحدث الفنان “عكلا”: «نعم، ما بين عامي (1987 و1990) كلفت برئاسة فرع نقابة الفنانين بـ”حمص”، وفي الفترة نفسها ساهمت بتأسيس مهرجان “حمص” المسرحي، وكنت مديراً للمهرجان الأول، ومن ثم عضواً شبه دائم في لجنته العليا، وعضو لجنة تحكيم في عدد من دوراته، ولا زال مستمراً حتى الوقت الحاضر.

في عام /2005/ التقيت مع الصديق المسرحي “زيناتي قدسية” والكاتب المسرحي” موفق مسعود” والمخرج المسرحي “ياسر دريباتي” مدير البيت العربي للموسيقى والرسم باللاذقية، والمسرحي “رفعت الهادي”، وقررنا بصفاتنا الشخصية والاعتبارية كمسرحيين، إقامة مهرجان مسرحي نوعي للمونودراما. وبعد كثير من الجهود والدراسات وصلنا إلى إقامة الدورة الأولى للمهرجان عام /2005/ على أن يبدأ في “اللاذقية”، وينتقل في كل عام إلى محافظة من محافظات القطر، ونظراً لعدم واقعية الأمر، اضطررنا لأن يستمر انعقاد دورات المهرجان في “اللاذقية”، تحول بعدها المهرجان وخلال عدة سنوات إلى مهرجان عربي تشارك فيه مجموعة واسعة من الفرق المسرحية العربية. وما زلت عضواً مؤسساً ومشاركاً في اللجنة العليا للمهرجان».

وعن المشاريع القادمة التي يعمل عليها “عكلا” تحدث قائلاً: «أعمل على مشروعين، عبارة عن عملين مسرحيين، الأول للمسرح القومي بـ”حمص”، بعنوان (مؤامرة)، من إعدادي وإخراجي، وهي مترجمة عن الصربية للكاتب “لوكتش”، وعمل ثاني لي (كتابة وتمثيلاً وإخراجاً) لمهرجان المونودراما في العام المقبل، عبارة عن قراءة جدلية بين شخصيتين دراميتين لعبتا أدواراً خطيرة في التاريخ وكل منهما لاقى مصيراً تراجيدياً، “الحاكم بأمر الله الفاطمي”، و”كاليغولا” الإمبراطور الروماني».

وأضاف: « وعلى هامش عملي في المسرح، قدمت “عكلا” مجموعة من الأبحاث والدراسات المسرحية، عن طريق محاضرات ألقيتها في عدد من المراكز الثقافية السورية، ومنها تم نشره في أكثر من صحيفة ومجلة.

كما عملت مع الدكتورة السيدة “تغريد الهاشمي” في الكتابة بموضوعات حول علم الاجتماع التاريخي والسياسي، مما صدر عنا عام /2001/ كتاب مشترك بعنوان (تجليات الأزمنة)، قدم له الدكتور “طيب التيزيني”.

وحالياً أشارف مع د.”الهاشمي”، على الانتهاء من المراحل الأخيرة للكتاب المشترك الثاني الذي سوف ننشره وهو بعنوان (جدلية التوافق والضد..جلجامش الحياة والموت والطغيان وتجربة العيش في المستقبل)».

الجدير بالذكر أن “حسن عكلا” مواليد “حمص” عام /1947/، تم تكريمه أكثر من مرة من قبل مديرية المسارح والموسيقى، ومهرجان “حمص” المسرحي، وفي عدد من العروض المسرحية، من قبل زملائه المسرحيين. متزوج ولديه: “جواد” آثاري في دائرة آثار “حمص”، و”أشرف” يدرس هندسة ديكور، و”الحسين” في المرحلة الثانوية، وابنة وحيدة “رنا” متزوجة وتسكن في “دمشق”.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.