ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏يبتسم‏، و‏‏لقطة قريبة‏‏‏‏

 

عفيف البهنسي و الجمالية العربية

الدكتور عزت السيد أحمد
رئيس قسم الفلسفة في جامعة تشرين

عرض في المسيرة التاريخية

1- أمام مرآة الخطاب
يقيناً أن مسيرة كل إنسان لم تجر دائماً على بساط ممهد سهل، إذ إن كثيراً من العقبات والأزمات أعاقت هذه المسيرة التي كانت غالباً، شاقة وصعبة. حتى بات حجم النجاح يعادل في الواقع حجم الصعوبات. فإن كان من كتابة عن أولئك الذين أغنوا مسيرتهم بالمنجزات، فإنها كتابة عن صمودهم وتحديهم لجميع الإعاقات، كتابة بالتالي عن النجاح في تحقيق رسالتهم التي تفردوا بإعدادها وتنفيذها. ومع ذلك فإن بعض الإحراج يعتري دائماً من يكتب في سيرة عفيف البهنسي وعن مساراته، فهو يعتقد دائماً أنه لم يكن البطل الذي يقهر كل التحديات، وليس هو فرد عصره الذي لا نظير له في مجاله، ولكنه حريص أن يسرد التاريخ حصيلة جهده، لعله يكون مثالاً ، أو لعله يستطيع أن يجلي بعض الغموض واللبس في فهم إنجازاته.
أن أختصر الحديث عن فعاليته التي استمرت ثمانية عقود في عدد محدود من الصفحات، يبقى أمراً صعباً، ومع ذلك فإن ثمة إنجازات تسعفني في تلخيص هذه المسيرة الصعبة والممتعة، والتي ابتدأت منذ الخطوة الأولى وأنا مدرك السمت الذي سيوصلني إلى هدفي.

2- عفيف البهنسي عبر تاريخه الوطني والفني, أمام رفوف مؤلفاته
أمام مرآة عرضها عقود طويلة من عمره ، وقفت أبحث عن ذاته من خلال السنين، فلم أجد أصدق من الكتب والدراسات والمحاضرات التي حملت عبء أفكاره ومصادره الثقافية , التي وثّقت رؤيته النظرية في مجال الفن والعمارة وفي موضوع الإبداع والتراث وعلم الجمال العربي.
وإنني لأشهد أن هذا الإنسان الذي تنعكس صورة حياته في مرآة عطائه ، هو إنسان بسيط واضح، ولكن طموحه أكبر حجما” من عمره، فالزمن الذي يعيشه لا يمكن ان يحسبه تقويم الأيام و السنين، و إنما يحسب بتقويم ما أنجزه.
وإذا ذكرت شيئا” عن الطموح فلا أعني به طموح المكاسب بل هو طموح العطاء، أتراني سأنصف هذا الباحث الجمالي الذي أحتار الآن من أي موقع سأستوقفه لأحاوره وأحاسبه.
اًترانّي سأراه من خلال مرآة محدبة أدخل من خلالها إلى عقله وإلى روحه، لا، يكفيني أن أقف أمام مرآة عطائه لأستشف دونما مبالغة أو شفعة، كشف هوية الإنسان الذي آمن بالحب أولا” وبالعمل ثانيا” وبالوجدان ثالثا”.
طريق طويل شائك صعب، ولكنه مستقيم ينتهي بهدف كبير، أسير فيه وأنا أتابع سيرته، منذ أن ولد في دمشق عام 1928 إلى أن وقفت اليوم أمام مرآة زمانه في مكتبته العريضة.
في بيئة ثقافية تنتمي إلى أجداد من الفقهاء والشعراء والمؤرخين، نشأ ترافق حياته صعوبات العيش في ظروف الانتداب و الثورة، وفي ظروف الحرب العالمية الثانية، وكانت هذه الظروف سببا” في انخراطه مع أقرانه من طلاب المدارس الابتدائية والثانوية، بالعمل القومي مشاركا” في المظاهرات والندوات المعارضة، ولقد شهد عام 1945 سقوط زميله قتيلا” برصاص الفرنسيين، فعرف بعد ذلك أن الحرية لا تعطى بل تؤخذ بالتضحية والفداء ، وكان طموحه أن ينتسب إلى الكلية العسكرية، فهي الطريق لترسيخ الحرية وتحقيق الوحدة العربية التي ما يزال يراها مصيرا” محتما” لا بد من تعجيل إنجازه.
ولم يتحقق أمله أن يكون عسكريا” ممتهنا”، ولكنه دخل الجندية من باب الخدمة الإلزامية التي امتدت سنوات، وكانت مشاركته في حرب تشرين من أجّل لحظات حياته، ومن الجبهة كان يراسل جريدة الثورة يوميا”، وما زالت العناوين الكبرى تتصدر صفحات الجريدة المحفوظة في مركز الوثائق تتحدث عن انطباعات مباشرة للانتصارات التي حققها المقاتل العربي في معركة الكرامة، التي قضت على أسطورة التفوق الإسرائيلي.
لست أدري لماذا توقفت صورة هذا الرجل، الماثل أمامي في مرآة حياته، وهو يرتدي بزة عسكرية، أكان ذلك بوحا” صريحا” برغبته بامتهان، العسكرية أم كان إثباتا لقوله ” ثمن الحرية الشهادة “. ولعل الجواب تعبر عنه لحظة انفجار صاروخ على مقربة منه تجمعت شظاياه حوله وحال دون اختراقها جسمه كيس من الرمل. كانت هذه اللحظة تعادل الشهادة فعلا”، وما زالت شظية تذكارية أقامها على قاعدة خشبية أصبحت كتمثال من الفن التجريدي ،تزين مكتبه ،تذكره أبداً بالشهادة التي لم يمنَ بها.
3- عفيف البهنسي, دراسته الجامعية
هكذا إذن لم يكن جنديا” ممتهنا”، بل آثر دراسة الحقوق وحصل بعدها على شهادة الاختصاص، وكان شعاره أن الحق مفتاح الحضارة، وأن التعمق بمفهوم الحق ثقافة هامة ضرورية لمباشرة الحياة والنجاح فيها، ولكنه وقد مارس التصوير منذ طفولته، كانت هوايته الدافع الأقوى للتعمق بالفن ممارسة ودراسة، ولم يكن أمامه إلا طريق باريس حيث الأكاديميات الفنية والمتاحف، فدرس التصوير في أكاديمية أندره لوت الفنان الفرنسي والمؤرخ، وتعلم منه أن مصدر الفنون هو الشرق، فلقد قرأ لأستاذه مؤلفاته عن الفن المصري، وعندما انتسب إلى جامعة السوربون عام 1952 كان موضوع رسالة الدكتوراه ” ألاستشراق والفن الحديث “.
هكذا حدد طريقه الفني في اتجاه واضح، أن يدرس ما استطاع تاريخ الفن العربي الإسلامي وان يتعمق في جمالياته، سعيا” وراء تأصيل الفن الحديث.
كانت الوحدة العربية التي كثيرا” ما هتف إليها وسعى ، قد تحققت عام 1948 بين مصر وسوريا بقيادة جمال عبد الناصر الذي جعل القومية العربية هدف المصريين, وجميع الشعوب التي تتكلم العربية ولم تكن تعي هويتها بوضوح.

4- عفيف البهمسي نشاطه الإداري
لأول مرة تنشا في سوريا ” وهي الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة ” وزارة للثقافة، وعلى حداثته دعي للمشاركة في تكوين هذه الوزارة مع لفيف من كبار المثقفين من أمثال إبراهيم الكيلاني وعبد الله عبد الدايم وصباح قباني، وعهد إليه بمنصب مدير الفنون الجميلة.
من منبر هذا المنصب استطاع أن يوسع نشاطه الفني الذي ابتدأه منذ أن أسس جمعية الفنون الجميلة مع لفيف من الفنانين الرواد، مثل محمود حماد وادهم إسماعيل، وكان أول عمل قام به، تأسيس مراكز للفنون التشكيلية وللفنون التطبيقية في أنحاء بلاده لصقل المواهب الفنية بشكل حر، ولكن الإنجاز الأهم كان في إنشائه معهد الفنون الجميلة عام 1959 الذي أصبح كلية تضم العمارة، وابتدأ منذ ذلك الوقت بتدريس مادة تاريخ الفن والعمارة فيها حتى اليوم، وكان كتابه تاريخ الفن والعمارة في العالم، مرجعا” لطلابه ولجميع الطلاب في كليات الفنون العربية.
في نطاق عمله وتدريسه، تحمل مسؤولية تشجيع الفنانين وتوسيع نشاطهم عن طريق المعارض الجماعية والفردية , وعن طريق الاقتناء والتكليف, فعزز متحف الفن الحديث ووزع أعمال الفنانين في الدوائر والسفارات، وعرّف بها بكتب ومنشورات وبرامج إذاعية وتلفزيونية.
إن ما أنجزه في نطاق عمله الوظيفي مسؤولاً عن الفنون أولا”، ثم مسؤولاً عن الآثار والمتاحف أخيرا”. ما زال ماثلا” يحمل أثره في المتاحف التي أنشأها وفي المكتشفات التي تحققت، وفي أعمال حماية الآثار وترميمها والتعريف بها عن طريق المعارض الأثرية الضخمة، التي جابت أنحاء العالم من اليابان إلى الولايات المتحدة مرورا” بأوروبا، ولأول مرة أصبحت حضارة سوريا واضحة أمام ملايين المشاهدين مقروءة من خلال الكتب التي نشرت بلغات مختلفة، يعترف بعراقتها وأهميتها علماء الجامعات العالمية والباحثون.
وعندما شعر بتضخم مسؤولياته دعا إلى إنشاء تجمع للفنانين، وانتخب أول نقيب لإتحاد الفنون الجميلة. وكان هدفه تحقيق ديمقراطية النشاط الفني موازيا” للدعم الرسمي.
5 – عفيف البهنسي أبحاثه ودراساته
كانت دراساته في الفن قد وجدت معينا” خصبا” لها في التراث الفني الإسلامي. فانكب على دراسته من زاوية تحديد جمالية هذا التراث، فكان مشروع رسالته الثانية دكتوراه الدولة في جامعة السوربون – باريس 1978.
وتتالت الدراسات تصدر في كتب مرجعية عن دور النشر العربية ، موضوعها الفن والعمارة والجمالية ، وكان همه أن يسد نقص المكتبة العربية بمراجع تتحدث في تاريخ الفن وفي مصطلحاته وفي فلسفته. وما زالت المعاجم التي صدرت له عن مجمع اللغة العربية بدمشق أو عن مكتبة لبنان عماد الباحثين والدارسين.
وما زالت مؤلفاته السبعون شاهدة على فكره، متاحة للقارئ في جميع المكتبات، من مكتبة الكونغرس إلى مكتبة الأسد
6- في قاعات التدريس الجامعي
يجرني الكلام عن التعليم الجامعي إلى الوقوف قليلاً في قاعات التدريس والمحاضرات التي قدم فيها محاضراته، وتكاد لا تخلو جامعة عربية لم يلتق بأساتذتها وطلابها، فكثيرة هي الجامعات العالمية التي شرف بالمحاضرة فيها، مثل السوربون ,وكامبردج ,وأكسفورد, وهارفرد, ولوس أنجلوس, وطوكيو ,وسدني.
لقد أمضى في مجال التدريس الجامعي في دمشق ما يقرب من أربعين عاماً، وكان سعيداً بدوره التعليمي ، قريباً من طلابه معتزاً بوفائهم، فحيثما مضى المعلم يرى أصدقاء يكنون له احتراماً ومودة لا مريّة فيها، إنها أشرف مهنة يقدم فيها المعلم رسالته الفكرية مخلصاً، وهو اشد من الآباء اعتزازاً بطلابه الذين يحققون طموحاته , بنبوغهم وتفوقهم.

7- عفيف الهنسي الوظيفة والوجدان
على أن صاحبي لا يستنكر عمله الوظيفي الذي اختاره ليكون حقلاً لتنفيذ أفكاره وأهدافه في تعزيز الحركة الفنية, وتأسيس المعاهد والمراكز, وإنشاء المتاحف وترميم الآثار , والحفر في الأرض لاكتشاف الحضارة والفن والتاريخ.
لم يكن صاحبي مع ذلك موظفاً تابعاً ، وكثيراً ما كان يعلن في مؤتمراته الآثارية السنوية وفي مقالاته ،” إن رب العمل هو الوجدان ” . وأنا أسمع كلامه هذا الذي أثار زوبعة من سوء الفهم، كنت أعرف أنه لا يعني الاستهانة بالسلطة بوصفها رب عمل ، بل يعني عدم وجود رب العمل الفعلي الذي يحرص على إنتاجية مصنعه (الدولة) كالوجدان ، ومع أنني أعترف أن الحديث عن الوجدان ليس سهلاً، فهو يتطلب انتماءً وطنياً مطلقاً وسلوكاً أخلاقياً مثالياً ، فإنني أرى معه أن رب العمل الحقيقي ليس المدير أو الوزير، بل هو الوجدان، الوجدان الذي يدفع بالمقاتل أن يضحي بروحه ودمه من أجل الكرامة والحرية والشرف. ولعل صاحبي كان يحمل بين جنبيه أثناء عمله شعور الجندي في ساحة الشرف. يدفعني إلى هذا التشبيه ما قرأته في مقالاته في جريدة الثورة أيام حرب تشرين التي تغنى بالنصر فيها.

8- عفيف البهنسي و البحث عن أسرار الإنسان والطبيعة والحياة
لا أدري لماذا ينتابني شعور بالتحيّز لصاحبي، وبأنني أتمادى في وصفه مثالياً، مع أنه في مذكراته الخاصة التي ما زالت سريّة، يعترف أنه ما زال في بداية الطريق للتعرف على حقيقة الإنسان ,وأسرار الواقع الاجتماعي, وخفايا الطبيعة. وأن أخطاءه لم تكن إلا نتيجة مغامراته في خوض الخفايا والأسرار بدون تحفظ أو خشية.
ففي نطاق الإنسان عرف بعد عقبات كثيرة أن كل إنسان عالم متفرد يريد أن يستوعب الكون كله، وأن المجتمع مؤلف من شخصانيات متفردة مستقلة، ليس الاتحاد والتعاون سهلاً بينها. واستفاد من تجاربه، أن فهم الآخر يبدأ من الاعتراف به وتبرير مواقفه ، مهما كانت مخالفة أو معارضة.
وفي نطاق الواقع الاجتماعي آمن بالتغيير ضمن حدود الحرية. وفهم أن الأنظمة الحاكمة تسعى وئيدا” لإلغاء الشعوب واعتقال المؤسسات. إنها لعبة عالمية أشبه بلعبة الشطرنج، جميع الأحجار مرصودة لحماية الشاه.
وفي عالم الطبيعة وجد نفسه أمام الله وجبروته، فكان يبحث عن الإعجاز في تكوين عناصر الحياة والوجود، فلم يجد أبلغ من صناعة هذا المطلق الأجل, الذي حقق الكمال والجلال والجمال في الطبيعة؛ فهل كان على خطأ؟!

9- الصواب والخطأ
لقد قيل أن الأخطاء تتناسب طرداً مع العمل ، وقيل أيضاً أن ما هو خطأ هنا صواب هناك، لذلك لم يكن صاحبي يخشى الخطأ لأنه لم يكن يخشى الخطر. فإذا قيل أنه شجاع مغامر، فلم يكن ذلك على حساب الحق والصواب، بل على حساب الأحكام التي تصدر عن حسد أو حقد، وهي حالات أصبحت مألوفة في مجتمع يتسابق باتجاه الكسب الأوفر والجهد الأقل، مستخفاً بكل عمل تأسيسي.
ومع أني على وفاق مع صاحبي في آرائه لأنني من أكثر الناس معرفة به وأكثرهم ثقة بأفكاره وأعماله ، فإنني أقول ” جل من لا يخطىْ “. ولو أتيح لي أن أقرأ سريرته ، لوقفت على اعترافات بالخطأ ، لا يخفف منها إلا شهادات التقدير التي أحرزها , والأوسمة الرفيعة التي حملها من عشرات الدول مع ميداليات التكريم ، هذه الوثائق التي يحتفظ بها في خزائنه وقليل من الناس من اطلع عليها، لعلها علامة ثقة بشجاعته في اختراق المخاطر والمواقع.
10- الهواية وليس المهنة
يعترف صاحبي أنه فنان هاوٍ ، مع أنه اشترك في العديد من المعارض, وأقام التماثيل البرونزية في الأماكن العامة بدمشق . إنها هواية لأنه لم يسع إلى الكسب من عمله الفني، ولكنها الممارسة التي تتوازى مع البحث الفني النظري الذي استأثر به. هذا البحث الذي صرفه عن الإبداع الأدبي الذي باشره في شبابه عندما كتب القصة القصيرة في مجلة الآداب ، وعندما نشر الشعر المنثور في مجلات مختلفة .والشعر المقفى في دواوين ثلاثة.
ويعتقد صاحبي بأهمية الفن كهواية ، فهو رياضة نفسية وتفريغ خيالي ، وتزجية للوقت ، ومتعة بالجمال الفني ، عدا أنه تطبيق للفكر الجمالي إذا كان هذا الفكر شاغل صاحبه وهمه الأول.
وأنا أعرف سبباً آخر أبعده عن امتهان الفن ، لم يعلنه هو، استنتجه الآن من بعض مواقفه ، هو ظهور تيارات عبثية عدمية أراد أصحابها أن يفرضوا أنفسهم على الساحة الفنية بحجة الحداثة التي سرت في الغرب؛ أو هو ظهور مدعي الفن الذين فرضوا أنفسهم في المعارض بقوة السلطة ,أو فرضوا أنفسهم على مقاليد النقد والصحافة.
ولعل هذا السبب كان شديد الوضوح اثر حادثة لؤي كيالي . وهو فنان مبدع مرهف مثالي ، تعرض لنقد صحفي مغرض ابتزازي ، سبّب له اختلالا عقلياً وهذياناً، فأهمل نار لفافته فاحترق في سريره ومات. حادثة لؤي أثارت لديه شجوناً وأسئلة كثيرة عن دور النقد, وعن أهلية ونزاهة الناقد، وعن أخلاقية الفنان ومثله، وعن الرعاية الحقيقية للإبداع .وكثيراً ما طرح هذه الأسئلة وهو يكتب عن فان غوغ الفنان الهولندي الذي كان ضحية سوء الفهم، مثل لؤي كيالي وغيره، فمات منتحراً دون أن يكسب من الدنيا بنساً واحداً. مع أن لوحة واحدة له بيعت مؤخراً بملايين الدولارات.

11- عفيف البهنسي و أسرته أولاً
أمام مرآة عطائه كنت أحاوره بهدوء ، وظل صامتاً ، ثم لم يلبث أن خرج من المرآة ليدخل بيته في الروضة ، حيث مكتبه ومكتبته ، وحيث أقلامه وريشه ومؤلفاته ولوحاته ، ولكنه كعادته ، لم يكن متلهفاً للكتابة بقدر لهفته لأولاده ،إياد وأنس ويولا وكنان وعمر , وعلى رأسهم زوجه المصورة التشكيلية ميسون. لقد كان أباً قبل أن يكون باحثاً أو أديباً أو فناناً، وأولاده الأربعة وبنته الوحيدة هم عالمه ومستقبله وهمه، وليس من حقي أن أنكر عاطفة أي أب نحو أولاده، ولكني لن أنسى رعايته اليومية بمتابعة دراستهم وتشجيعهم وبمراقبة سلوكهم ضمن حدود الحرية والثقة والحب, حتى حصلوا على أعلى الألقاب الجامعية. وأنا أشهد بأن حب الأبناء وتقديرهم لأبيهم كان انعكاساً لهذه الرعاية وهذا الحب الصادق , وأعرف أن الأب القدوة يساعد أبناءه على رسم مستقبلهم وتحقيقه.وكان عليه أن يترك المجال واسعاً لزوجه ميسون، لكي تأخذ حقها في ممارسة اختصاصها الذي تفوقت فيه منذ أن كانت طالبة في كلية الفنون الجميلة

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.