Arab World Green.png

الوطن العربي

الوطن العربي
Arab World Green.png

الأرض والسكان
المساحة 13,152,650[1] كم²
نسبة المياه (%) 3.08
اللغة الرسمية العربية
وبعض اللغات المحلية
تسمية السكان عرب
توقع (2018) 430,753,333[2] نسمة
الحكم
تعاقب الخلافات الإسلامية وانتهت الخلافة عام 1923
التأسيس والسيادة
التاريخ
التأسيس 1945 (تأسيس جامعة الدول العربية)
الانتماءات والعضوية
الأعضاء

الوطن العربي (ويُعرف كذلك باسم الوطن العربي الكبير والعالم العربي) هو مصطلح جغرافي-سياسي يطلق على منطقة جغرافية ذات تاريخ ولغة وثقافة مشتركة. يُمتدُّ الوطن العربي من المحيط الأطلسي غربًا إلى بحر العرب والخليج العربي شرقًا، شاملًا جميع الدول التي تنضوي في جامعة الدول العربية في غرب آسيا وشمال أفريقيا وشرقها. جغرافيًا، يضمُّ الوطن العربي أراضٍ احتلت أو أصبحت ضمن بلدان مجاورة مثل فلسطين وهضبة الجولان، ولواء إسكندرون والأقاليم السورية الشمالية التي سلمتها فرنسا إلى تركيا، وجزر الكناري وسبتة ومليلية وصخرة الحسيمة (تحت الاستعمار الإسباني) وعربستان والجزر الإماراتية (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) المحتلة من إيران. جغرافية الوطن العربي اليوم تشبه إلى حدٍ ما الأراضي التي كانت تحت سيطرة الدولة الأموية (باستثناء الأندلس وإيران وأفغانستان ومناطق جنوب شرق الأناضول).

بينما يستعمل معظم العرب مصطلح الوطن العربي، تستعمل أطراف أجنبية وغربية أو متأثرة بالغرب مصطلح العالم العربي أو حتى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل وزارة الخارجية الأمريكية التي تسقط صفة العروبة عن تسمية المنطقة، بهدف دمج إسرائيل في المنطقة.[3] مصطلح الشرق الأوسط ربما يكون قد نشأ في 1850 في مكتب الهند البريطاني.[4] ولكنه أصبح معروفًا على نطاق واسع عندما استخدمته البحرية الأمريكية من قبل ألفريد ثاير ماهان في عام 1902 [5] للإشارة إلى المنطقة الواقعة بين السعودية والهند.

بعد زوال الدولة العثمانية، عانى الوطن العربي من الاستعمار الغربي على معظم أراضيه بدءًا من القرن التاسع عشر مرورًا بالقرن العشرين الذي عرف إقامة إسرائيل وانتشار خلافات بين أنظمة الحكم العربية وصلت حد النزاع المسلح وأدت إلى إضعاف العرب. في القرن الحادي والعشرين، ازدادت حالة عدم الاستقرار نتيجة القمع وكبت الحريات والتدخل الأجنبي. كل هذه العوامل أدت إلى حالة من اليأس لدى المواطن العربي وموجات من الهجرة الجماعية إلى أوروبا وأماكن أخرى أكثر أمنا. إضافة إلى ذلك، تتسم علاقات بعض الدول العربية ببعض جيرانها مثل إيران وإثيوبيا وتركيا بـبعض التوتر من فترة إلى أخرى نتيجة خلافات حدودية وسياسية أدت إلى نشوب بعض الحروب.

الدول الأعضاء

التاريخ

يعود أصل العرب إلى مجموعة سامية في شبة الجزيرة العربية. انتشر العرب في الوطن العربي بحدوده الطبيعية الحالية خلال هجرات متلاحقة من شبه الجزيرة العربية بدأت في عصور سحيقة ووصلت أوجها مع الفتح الإسلامي. فتحت مصر عام 639م، وبدأ انتشار الإسلام في المغرب العربي على يد عقبة بن نافع ومن بعده القائد المسلم موسى بن نصير، وبقدوم عام 92 هجريا بدأ المسلمون تحت قيادة طارق بن زياد في فتح الأندلس بعد تمام فتح المغرب العربي، وتم الفتح عام 95 هجريا. دخل الإسلام السودان من مصر خلال القرن الثامن إلى الحادي عشر. فتح الانتصار للعثمانيين في معركة مرج دابق الباب لدخول دمشق فدخلها سليم الأول بسهولة. وبدأ بالتجهيز لفتح مصر والقضاء على الدولة المملوكية بعد أن أحكم سيطرته على الشام. مع ضعف الدولة العثمانية والحرب العالمية الأولي، وقيام الثورة العربية الكبرى انهارت الدولة العثمانية وتفككت أملاكها في الأراضي العربية بين فرنسا وبريطانيا اللّتين قسمتا البلاد العربية إلى دويلات.

التاريخ المبكر

سد مأرب هو سد مائي قديم يعود تاريخه إلى بدايات الألفية الأولى ق.م في مملكة سبأ ولكنه ليس الوحيد الذي بناه السبئيون وليس الأقدم إذ أظهرت الآثار أن السبئيين حاولوا حصر المياه والاستفادة من الأمطار منذ الألفية الرابعة ق.م[6] ويعد معجزة هندسية لتاريخ شبه الجزيرة العربية [7] إلا أن السد الشهير نفسه يعود إلى القرن الثامن ق.م [8] في القرن الثامن، وردت نصوص لمكاربة تشير إلى تعلية وإصلاحات على السد فبلغ طوله 577 مترًا وعرضه 915 متر وهو ضعف سد هوفر الأمريكي

يرى بعض الباحثين أن العرب والساميين عمومًا من الشعوب التي خرجت من شرق شبه الجزيرة العربية وتحديدًا من منطقة حوض الترسيب العربي الكبير قبل أن يصبح خليجًا. بينما تقول دراسات حديثة أخرى أن الساميين نشؤوا في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط حوالي 4,000 ق.م. ومن ثم نزحوا إلى الجزيرة العربية وإثيوبيا لاحقًا.[9] يبدأ تاريخ العرب كمجموعة عرقيّة، منذ انشقاقهم عن باقي الشعوب الساميّة ونزوحهم إلى شمال شبه الجزيرة العربية ثم إلى جنوبها حيث أسس بعضهم ممالك بارزة مثل معين وسبأ والحيرة والغساسنة، وغيرها، وعاش بعضهم الآخر حياة البداوة والترحال. ويُطلق القرآن على الزمن الذي سبق ظهور الإسلام اسم “الجاهلية“، واللفظة على الأرجح مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم.[10]

انتشر العرب في الحجاز واليمن بشكل رئيسي وفي جنوب الهلال الخصيب وأسسوا عددًا من الممالك يُقسمها المؤرخون إلى ممالك شمالية وممالك جنوبية، أما قلب شبه جزيرة العرب فلم يعرف قيام حكومة موحدة، وكانت القبيلة هي التنظيم السياسي السائد.[11] تميزت ممالك الجنوب بوجود مساحات واسعة من الأراضي الخصبة وقدر وافٍ ومنتظمٍ من الأمطار الموسمية ومساحات شاسعة من الغابات الطبيعية والنباتات التي تنتج الطيوب والتوابل، وهي سلعة لا غنى عنها للعالم القديم، الأمر الذي زاد من استقرار المورد الاقتصادي.[12]

ممالك الجنوب

كان القسم الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، وبخاصة اليمن، أكثر بلاد العرب تحضرًا في عصر ما قبل الإسلام، فقامت فيه دول وممالك كانت على مستوى متقدم من الرقي والتمدن، وذلك على ثلاثة أسس: زراعية وتجارية وتوسعية.[13] تُعد مملكة معين أقدم الدول العربية، وقد وصلت أخبارها إلى المؤرخين عبر الكتابات المدونة بالمسند والكتب الكلاسيكية اليونانية والرومانية، ولم يرد لها ذكر في المصادر العربية. قامت هذه الدولة في الجوف[؟] شرقي صنعاء بين نجران وحضرموت،[14] وعاصمتها مدينة قرنا أو “قرنو”، وهي معين.[15] اندثرت هذه المملكة بعد أن قضى عليها السبئيون.[16]

قامت مملكة حضرموت التي يرجع اسمها إما إلى اسم شخص هو حضرموت بن قحطان، الذي نزل في هذا المكان فسُمي باسمه، أو أنه لُقّب بهذا الاسم لأنه كان إذا حضر حربًا أكثر فيها من القتل، وإما إلى معناها اللغوي “دار الموت” أو “وادي الموت” المأخوذ من اللغة العبرية.[17] في جنوبي شبه الجزيرة العربية إلى الشرق من اليمن على ساحل بحر العرب، في منطقة واسعة تحيط بها رمال كثيفة تُعرف بالأحقاف، واشتهرت بوجود مدينتيّ تريم وشبوة، حيث أقيمت حولهما قرى وقلاع عديدة. خضعت مملكة حضرموت للسبئيين، وقضى الحميريون عليها في منتصف القرن الرابع الميلادي. قامت مملكة قتبان في الأقسام الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية، في النواحي الغربية من اليمن في حوالي القرن الحادي عشر قبل الميلاد.[18] امتدت أراضيها من تخوم حضرموت حتى بلغت باب المندب، وحجبتها عن البحر مملكة أوسان الصغيرة. عاصمتها مدينة منع أو “تمنا”، وهي كحلان الحالية في وادي بيجان، التي اشتهرت قديمًا بخصوبتها وكثرة مياهها وبساتينها، ولا تزال آثار الري القديمة ظاهرة فيها إلى اليوم.[19] تعرّضت المملكة لغزو شعب غير معروف، قبل الميلاد بقليل، فأحرق عاصمتها تمنع، وأنهى وجودها.[20]

تُنسب مملكة سبأ إلى مؤسسها عبد شمس بن يشجب الذي يرتقي بنسبه إلى قحطان[؟]، أحد أجداد العرب، ولُقّب بسبأ نظرًا لكثرة حروبه وغزواته، وهو أوّل من سبى من العرب، وغلب الاسم على المملكة والشعب.[21] كانت هذه المملكة متقدمة حضارية حيث نجحو ببناء سد مأرب في مملكتهم، لحفظ مياه الأمطار. كما كانت مملكة غنية لعملها بالتجارة وبالذات تجارة الذهب والاحجار الكريمة، وأن بلقيس ملكة سبأ زارت النبي سليمان ملك بني إسرائيل في القدس وحملت إليه الطيب والذهب الكثير والأحجار الكريمة:[22] تسجّل الأيام الأخيرة من حياة الدولة السبئية قيام نزاع خطير حول العرش السبئي كان له أثر سيء فيما أصاب البلاد من خراب ودمار وتحوّل كثير من الأراضي الزراعية إلى أراضي جرداء قاحلة. وفي غمرة هذا الصراع احتل الريدانيون والحميريون البلاد وأسسوا أسرة ملكية جديدة.[23]

شهد اليمن عهدًا جديدًا، بدءًا من عام 30 ق.م، تمثّل بخلع ملوك سبأ لقبهم القديم، واستبدلوا به لقبًا آخر هو “ملك سبأ وذي ريدان”، إشارة إلى ضم ريدان، موطن الحميريون، إلى مُلك سبأ، وعرف هذا العهد عند بعض المؤرخين باسم مملكة الحِميريين. حملت هذه الفترة في طياتها عدم الاستقرار، وقد أضعفت الحروب البلاد ومزقتها، وأتاحت للرومان والأحباش[؟] التدخّل في شؤونها. وفعلًا تعرضت بلاد العرب لحملة رومانية بهدف السيطرة على طرق التجارة الشرقية وانتزاع بعض الموانئ العربية الجنوبية، لكن هذه الحملة كان مصيرها الفشل التام بفعل شدّة الحرارة ووعورة الطريق وقلة الماء،[24] هاجمت الحبشة الحميريين في اليمن واستولوا على البلاد، وبذلك انتهت المملكة الحميرية.

ممالك الشمال

خريطة الشرق الأوسط في سنة 565م، تظهر فيها مواقع ممالك الشمال العربية وما جاورها من دول وإمبراطوريات.

كان أقصى حد وصل إليه العرب شمالا هو شمال الجزيرة الفراتية عند سفوح جبال طوروس، حيث بدأ وصول العرب إليها منذ عدة قرون قبل الإسلام.[25] كان من أوائل دول العرب في الجزيرة الفراتية العليا إمارة الحضر التي حكمتها سلالة عربية مدة ثلاثة قرون، وكان أول حكامها أمير عربي اسمه سنطروق، ورد ذكره في نقوش اكتشفت هناك، نصت على أن أباه يدعى نصراً وأن لقبه “ملك العرب”، واستناداً إلى الطبري فإن حكام هذه الدولة كانوا من قبائل قضاعة.[26] ويروي ياقوت الحموي:

«إن بني قضاعة لما افترقوا سارت قبيلة منهم إلى أرض الجزيرة، وعليهم ملك يقال له الضيزن بن جهلمة أحد الأحلاف، فنزلوا في مدينة الحضر”. واستمرت مملكة الحضر حتى حكم الملك الساساني سابور الأول(241-272م). تمكن الغساسنة بعد استقرارهم في الشام من إزاحة بني سليح القضّاعيين، وهم وكلاء البيزنطيين، وإبادتهم، وورثوا مهمتهم في الدفاع عن حدود الإمبراطورية البيزنطية الجنوبية. اعتنق الغساسنة المسيحية، على المذهب اليعقوبي السائد في الشام، وأشهر ملوكهم الحارث بن جبلة الذي رضي الروم عنه فعينوه بطريركا عام 529. في نفس الوقت تقريبا، انتشرت قبائل بكر بن وائل في الجزيرة الفراتية العليا وصولا إلى آمد (ديار بكر) شمالا وأصبحت تسمى باسمهم وجاورهم بنو تغلب في ديار ربيعة.[25]»

عاش قسم آخر من العرب في وسط شبه الجزيرة العربية حياة البداوة والترحال، وأسسوا مجتمعات مصغرة عُرفت باسم العشائر، وكل مجموعة منها أسست قبيلة. تُعرف قبيلة كندة القحطانية بكندة الملوك لأن ملوكها حكموا بادية الحجاز من بني عدنان.[27] نزح الكنديّون من اليمن إلى وسط شبه الجزيرة العربية حيث سطّروا تاريخهم الفعلي. احتفظت كندة بعاداتها ونظمها القبلية، كما لم تكن لهم حواضر ثابتة وإنما كانوا في تنقل دائم بين الشمال والجنوب. اعتنق أغلب الكنديين الوثنية، وبعضهم اعتنق اليهودية، وبعضهم الآخر اعتنق المسيحية.[28] مملكة لحيان هي مملكة عربية قديمة، قامت في مدينة الحجر وتيماء والعلا وديدان شمال غرب السعودية، وينسب اللحيانيون إلى النبي إسماعيل، وكانت مملكتهم تسمى في أولى مراحلها مملكة ديدان، نسبة للمدينة ديدان. دامت مملكة لحيان في مرحلتها الأولى في الفترة الممتدة من سنة 900 ق.م إلى سنة 200 ق.م، ثم مرحلتها الثانية بعد الاستقلال عن مملكة الأنباط في الفترة الممتدة بين سنة 107م و150م. غزا الأنباط (النبط) الحجر عاصمة اللحيانيين واتخذوا من بيوت اللحيانيين مقابر ومعابد، ولم يتمكن اللحيانيون من استرجاع ملكهم إلا بعد سقوط البتراء على أيدي الرومان سنة 106م،[29][30] الذين كانوا قد مدوا نفوذهم إلى منطقة تبعد عشرة كيلو مترات إلى الشمال من ديدان.[31][32] ذكر الأنباط أو النبط (وهم قبائل عربية بدوية) في النصوص الآشورية والكتب العربية القديمة. نزحوا من شبه الجزيرة العربية باتجاه الشمال منذ القرن السادس قبل الميلاد، وانتشروا في جنوب الشام وشمالي الحجاز، ونزلوا في المناطق التي كانت تحت سيطرة الكنعانيين والآراميين. كانت نهاية مملكة الأنباط عندما قام الإمبراطور الروماني تراجان سنة 106 بمهاجمتها وتحويل خط سير الطريق التجاري المار من عاصمتهم البتراء إلى مدينة بصرى، فانهار اقتصادها وتضعضع كيانها حتى سقطت.[33] قامت في الحيرة، في العراق، خلال القرن الثاني الميلادي، إمارة المناذرة، أو بنو لخم. والمناذرة أسرة عربية قدمت من اليمن أساسًا واستقرت في العراق وحكمت جنوبه بتشجيع ودعم من الفرس.

ديار ربيعة شمال غرب العراق، وقاد قبيلة تغلب لسكناها سيدهم علقمة بن سيف التغلبي

انتشار القبائل العربية وصل شمالا إلى أعالي الجيرة الفراتية حتى جبال طوروس

الإسلام

جبل النور في مكة حيث يقع غار حراء الذي كان محمدًا يقصده للتأمل في حال قومه، وحيث نزل عليه الوحي وفق المعتقد الإسلامي.

خلال الفترة الممتدة بين عاميّ 568 و569 للميلاد، خرج أبرهة الأشرم الحبشي، حاكم اليمن من قبل مملكة أكسوم الحبشية، إلى الحجاز قاصدًا مدينة مكة بهدف تدمير الكعبة، ليجبر العرب، وعلى رأسهم قبيلة قريش، على الذهاب إلى كنيسة القليس التي بناها وزينها في اليمن، ورغب أن يجعل الناس يحجون إليها، لكنها لم تلقى اي اهتمام من العرب واستمرو بحجهم للكعبة.[34] فغضب أبرهة الأشرم الحبشي الذي حلف على أن يزيل الكعبة فسار على رأس جيش عرمرم تتقدمه بضعة أفيال مدربة على هدم الأبنية، ولمّا بلغ خبر حجم الجيش أهل مكة، هربوا واحتموا بالجبال المحيطة بها، ووفقًا للمعتقد الإسلامي، فإن الجيش الحبشي لمّا وصل بالقرب من الكعبة، رفضت الأفيال السير والتقدم وتسمّرت في أرضها على الرغم من تعرضها للضرب والنحر، وعندها ظهرت أسراب طيور كبيرة في السماء تحمل في مناقيرها حجارة من نار ملتهبة وراحت تلقي هذه الحجارة على جيش أبرهة حتى مات كل جنوده واستحالوا كطعام أكلته البهائم ثم أخرجته وجففته الشمس. عُرف هذا العام باسم “عام الفيل” في التاريخ العربي، وفيه كانت ولادة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب آل هاشم، نبي الإسلام، قرابة عام 570.[35]

نشأ الدين الإسلامي على يد محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب من بني هاشم، أحد فروع قبيلة قريش العربية العريقة. كان محمد، وفقًا للمصادر الإسلامية، حنيفيًا قبل الإسلام يعبد الله على ملة إبراهيم ويرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية.[36] وكان يذهب إلى غار حراء في جبل النور على بعد نحو ميلين من مكة فيأخذ معه السويق والماء فيقيم فيه شهر رمضان،[37] وكان يختلي فيه ويقضي وقته في التفكر والتأمل.

أعلن نبي الإسلام محمد رسالته إلى أسرته سرًا، فكان ممن سبق إلى الإسلام زوجته خديجة بنت خويلد، وابن عمه علي بن أبي طالب، وصديقه المقرّب أبو بكر، وأخذ النبي يدعو إلى ترك عبادة الأصنام وعبادة إله واحد لا شريك له والإيمان بالآخرة، ولكنه ما كاد يجهر بالدعوة حتى سخرت منه قبيلته قريش، وآذته أشد الإيذاء، وعذّبت أتباعه من المستضعفين، فأخبرهم محمد أن الله أذن لهم بالهجرة إلى الحبشة، فخرج قرابة 80 منهم وضموا عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت محمد، وحاطب بن أبي بلتعة اللخمي وجعفر بن أبي طالب.[38] فأمّن نجاشي الحبشة “أصحمة بن أبحر النجاشي” المسلمين على أرواحهم وأعطاهم حرية البقاء في بلاده.

جانب من جبل أحد من فوق جبل الرماة.

هاجر من تبقى من المسلمين في مكة سرًا إلى مدينة يثرب،[39] وما لبث محمد أن لحق بأتباعه إلى يثرب يرافقه أبو بكر، وعندما وصلها قابله أهلها بتحية النبوّة وسُميت “المدينة المنورة“. وأخذ عدد المسلمين يتكاثر شيئًا فشيئًا، إلى أن استطاعوا أن يواجهوا أهل مكة في ساحات المعارك، فكانت غزوة بدر بتاريخ 17 مارس سنة 624م، الموافق في 17 رمضان سنة اثنتين للهجرة. وانتصر جيش المسلمين.[40].[41][42] أثارت الهزيمة أهل مكة فجمعوا جموعهم في العام التالي، والتقوا بالمسلمين عند جبل أحد وكرّوا عليهم وهزموهم.[43][44][45] وبعد معركة أحد أقدم أبو سفيان على حشد جيش كبير، وتوجه به نحو المدينة المنورة قاصدًا احتلالها. أعد محمد كذلك جيشًا كبيرًا لمواجهة الغزو، واستخدم أسلوبًا جديدًا لم يكن معروفًا في شبه جزيرة العرب في ذلك الحين، حيث أخذ بمشورة سلمان الفارسي وقام بحفر خندق حول المدينة وأضرم فيه النيران. حينما وصل تحالف العرب إلى المدينة يوم 31 مارس سنة 627م فوجئوا بالخندق فقرروا محاصرة المدينة. استمر الحصار لمدة أسبوعين،[46] بعدها قرر المحاصرون العودة إلى ديارهم.[47] وفي العام التالي أبرم محمد معاهدة سلام مع المكيين عُرفت بصلح الحديبية، واتفقوا أن تسري مفاعيلها طيلة عشر سنوات.[48] استفاد المسلمون من صلح الحديبية وحاربوا يهود خيبر في وانتصروا عليهم.[49][50] بعث النبي في مطلع ربيع الأول من العام السابع الهجري، برسائل إلى العديد من حكام الدول المجاورة، داعيًا إياهم إلى اعتناق الإسلام.[38] فأرسل رسله إلى هرقل إمبراطور الإمبراطورية البيزنطية، وكسرى[؟] شاه فارس[؟]، والمقوقس عامل الروم في مصر، وبعض البلدان الأخرى.[51][52]

الخلافة الإسلامية

توفي الرسول مُحمَّد ضُحى يوم الإثنين 12 ربيع الأوَّل 11هـ، المُوافق فيه 7 حُزيران (يونيو) 632م، وبعد وفاته بُويع أبو بكر الصدِّيق بالخِلافة ليتولّى شؤون المُجتمع الإسلامي الجديد الذي كوَّنهُ الرسول خِلال حياته، فكانت خِلافته قصيرة لم تزد عن سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيَّام.[53] لكن رُغم ذلك، وقع خلال تلك الفترة حدثان بارزان يُعدَّان من أبرز أحداث التاريخ الإسلامي على الإطلاق، هُما الرِّدَّة وانطلاق الفُتوح الإسلاميَّة خارج نِطاق شبه الجزيرة العربيَّة، وكان لكُلٍّ منهما تأثيره الخاص على مُستقبل الدعوة الإسلاميَّة والعرب. اتسعت الدولة الإسلامية في زمن الخلفاء الراشدين، بداية من أبو بكر الصديق إلى علي بن أبي طالب حيث امتد نفوذها على آسيا العربية. تواصل اتساع الدولة الإسلامية (وبالتالي هجرة القبائل العربية إلى الأراضي الجديدة) خلال عهد الخلافة الأموية حيث وصل العرب إلى الأندلس وإلى أواسط آسيا وجنوبها. انتهى نظام الخلافة العربية بنهاية الدولة العباسية على يد المغول.[54] وكانت آخر الخلافات الإسلامية مُمثلة بالدولة العثمانية. بالإضافة إلى الخلافة الفاطمية التي بدأت وانتهت في زمن الخلافة العباسية (أي أن الخلافة العباسية بدأت قبل الخلافة الفاطمية وانتهت بعد الخلافة الفاطمية) فلم يعترف بالخلافة الفاطمية إلا الشيعة ويسمي البعض هذه الفترة -أي الفاطمية- بالعبيدية نسبة إلى نسب الخلفاء الفاطميين إلى الفاطمية العبيديين [55] كما دون ذلك بعض المؤرخين من المتقدمين والمتأخرين. وأما بالنسبة إلى الخلافة الأموية بالأندلس فقد بدأت الدولة الأموية بحاكم يعتبر والي[؟] وتم تنصيب خليفة أموي عليها بعد إسقاط الخلافة الأموية من قبل الخلفاء العباسيين. وفي أثناء الخلافة العباسية قامت عدة دول أخرى تحت ظل العباسيين من ضمنها السلاجقة والدولة الطولونية ودولة القرامطة وعدة دول أخرى في عدة مناطق من العالم الإسلامي.

الخلافة الراشدة

منطقة الخلافة الإسلامية

  توسع الدولة الإسلامية في عهد النبي محمد، 1هـ-11هـ/622-632
  توسع الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، 11هـ-40هـ/632-661
  توسع الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الأمويين، 41هـ-132هـ/661-750

رسم تخيُّلي لِما كان عليه لِباس الجُنود المُسلمين زمن الخُلفاء الراشدين.

قبعت الشَّام تحت ظل الحُكم الروماني ومن ثُمَّ البيزنطي ما يقرب من سبعة قُرون قبل أن تسقط بين المُسلمين، وقد تخلل ذلك فترة قصيرة سقطت خِلالها في يد الفُرس الساسانيين، قبل أن يستعيدُها البيزنطيّون بِقيادة الإمبراطور هرقل.[معلومة 1][معلومة 2] كان الفرس يسيطرون على مناطق واسعة تبدأ من بادية الشام في الغرب، وشمال جزيرة العرب من الجنوب، وتتوسع منطقتهم في الغرب وتتناقص حسب انتصارهم على الروم، أو هزيمتهم أمامهم، فتارة يتوسعون وقد وصلوا إلى سواحل البوسفور ثم ارتدوا حتى حدود الفرات. في العقود التي سبقت الفتح الإسلامي، استطاع البيزنطيون الانتصار على الساسانيين في الحرب التي دارت بينهما بين سنتي 572 و591 م التي تحالفوا فيها مع الأمير الساساني المنفي كسرى الثاني، ومكّنوه من استعادة عرشه من يد بهرام جوبين، واستولوا على مناطق من شمال شرق بلاد الرافدين ومعظم أرمينيا الفارسية ومناطق من القوقاز. [معلومة 3][معلومة 4][معلومة 5] دام الاحتلال الفارسيّ للشَّام حوالي 17 سنة، وقد حاصر الفُرس القُسطنطينيَّة في سنة 626م لكن لم يستطيعوا احتلالها.[56] شرع هرقل في خريف سنة 627م بالزحف نحو الأراضي الفارسيَّة، وظهر أمام نينوى. وهُناك أحرز هرقل نصرًا واضحًا، وحلَّت بالجيش الفارسي هزيمة ساحقة، ثُمَّ واصل زحفه باتجاه المدائن فاستولى عليها في سنة 628م، وكان كسرى الثاني قد هرب منها عند اقتراب الجيش البيزنطي. بعد ذلك قتل كسرى وخلفه أبنه قباذ الثاني شيرويه وتم عقد صلح بين الطرفين استردَّت بيزنطية بِمُوجبها ما كان لها من أملاكٍ في أرمينية والجزيرة الفُراتيَّة والشَّام.[56] في هذه الأثناء أخذت القُوَّة الإسلاميَّة بالتنامي شعرت القبائل العربيَّة المُوالية لِبيزنطية في جنوبي الشَّام بِحُدوث تغيُّرٍ دينيٍّ وسياسيٍّ في الحجاز، على مقربةٍ منها، تمخَّض عن قيام حُكومةٍ مركزيَّةٍ قويَّةٍ في المدينة المُنوَّرة، ودخلت في طاعتها مُعظم قبائل شبه الجزيرة العربيَّة، وراحت تتطلَّع نحو الشمال.

اتَّخذت الشَّامُ مُنذُ السنة السَّادسة للهِجرة حيِّزًا بارزًا في سياسة الرسول مُحمَّد الخارجيَّة، بعد أن حسم الوضع السياسي الدَّاخلي في الحجاز لِصالح المُسلمين إثر صُلح الحُديبية، وكان اهتمامهُ بِتلك البِلاد كهدفٍ حيويٍّ بوصفها أرضًا عربيَّة كالحجاز أو ذات وجودٍ عربيِّ ملحوظ، ولِفك تحالُفها مع الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، ولِلسيطرة على طريق التجارة، إذ أنَّ مضاربها تُعدُّ بِمثابة معابر هامَّة لِلتجارة بين الشَّام وأنحاء شبه الجزيرة العربيَّة في الوقت الذي وصلت فيه تجارة القوافل إلى ذُروة النشاط والاستقرار.[57] أرسل النبيّ مع دحية الكلبي كتابه إلى هرقل وكتابًا آخر إلى الحارث بن أبي شُمَّر الغسَّاني ملك تُخوم الشَّام. واعتُرض مبعوث النبيّ الحارث بن عُمير الأزدي إلى ملك الغساسنة من قِبل شرحبيل بن عمرو الغسَّاني، وقتلهُ عند طريق مؤتة؛ الأمر الذي فجَّر الوضع العسكريّ بعد أن بلغ التوتُّر ذروتهُ بين الطرفين، فأعدَّ الرسول حملةٍ من ثلاثة آلاف وكان النبيُّ مدركا لمدى الخطر الذي يُهدِّدُ الحملة أمام القُوَّات البيزنطيَّة وحُلفائها، فسمّى ثلاثة قادة يخلف الواحد منهم الآخر في حال سُقوطه في أرض المعركة، وهُم: زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدُ الله بن رواحة.[58] حشد هرقل قُوَّةَ عسكريَّةً بيزنطيَّة بِقيادة أخيه تذارق (ثُيودور) زحفت باتجاه الجنوب وعسكرت في مؤاب من أرض البلقاء، وانضمَّت إليها في هذا المكان قُوَّاتٌ عربيَّة مُوالية من بهراء وبكر بن وائل ولخم وجُذام تُقدَّر بِمائة ألف مُقاتل.[59]

وهناك في مؤتة التقى الفريقان، وبدأ القتال، ثلاثة آلاف رجل يواجهون هجمات مائتي ألف مقاتل. أخذ الراية زيد بن حارثة وظل يقاتل حتى شاط في رماح القوم، وخر صريعًا. وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وطفق يقاتل حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها، ثم قاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، ولم يزل بها حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه، فلم يزل رافعًا إياها حتى قتل. أخذ الراية عبد الله بن رواحة، وتقدم بها وهو على فرسه فقاتل حتى قُتل. فأخذ خالد بن الوليد وأنسحب بجيش المسلمين. أعاد النبيّ إرسال حملة أُخرى إلى الشَّام بِقيادة عمرو بن العاص بعد نحو شهر، وبعد عدَّة اصطدامات مع جماعات قبليَّة عادت الحملة إلى المدينة المُنوَّرة.[60] جهَّز النبيُّ، بعد عودته إلى المدينة المُنوَّرة من غزوة تبوك، حملة أُخرى بِقيادة أُسامة بن زيد لِإرسالها إلى التُخوم الشماليَّة. والواضح أنَّهُ لم يستهدف فتح الشَّام أو الدُخول في معركةٍ سافرةٍ مع الروم بِدليل أنَّها تألَّفت من ثلاثمائة مُقاتل فقط، وإنَّما هدف أن تكون أشبه بِمُناورةٍ عسكريَّةٍ، وإظهار قُوَّة المُسلمين أمام القبائل التي ما تزال تُساند البيزنطيين، لكنَّ النبي توفي قبل أن تنطلق الحملة.[61] بعد وفاة الرسول، بُويع أبو بكر الصدِّيق بالخِلافة ليتولّى شؤون المُجتمع الإسلامي الجديد الذي كوَّنهُ الرسول خِلال حياته، وكان أوَّل عمل قام به أبو بكر بعد مُبايعته هو التصدّي للمرتدين. قررت القيادة الإِسلامية في المدينة المنورة بعد أن انتهت من حروب الردة مواجهة الدولتين العظيمتين آنذاك، كانت الخطة الموضوعة أن تفتح المعركة بكل ثقلها على جبهة، وتقوم بدور الدفاع على الجبهة الثانية، وتعتمد على سرعة الحركة بالانتقال من جبهة إلى أخرى حيث تبقى الدولتان فارس والروم في ذعر شديد وضعف معنوي كبير يحول دون التفاهم بينهما، إذ تستمر المعركة قائمة على الجبهتين معًا حيث تخاف كل دولة على وجودها فلا تحرص أن تتفق الواحدة مع الأخرى وإزالة ما كان بينهما من آثار الحرب. ومع انتهاء حروب الردة كانت الدولة الفارسية هي التي تشكل الخطر الأكبر بالنسبة إلى المسلمين إذ كان الفرس يدعمون المرتدين، لذا وافقت قيادة المدينة المنورة على طلب المثنى بن حارثة الشيباني بالتحرش بالفرس ومنازلتهم. وعندما انتهى خالد بن الوليد من حروب الردة طلبت منه القيادة التوجه إلى العراق لدعم المثنى بن حارثة، كما طلبت ذلك من عياض بن غنم، وأعطته قوة يتحرك بها نحو شمالي العراق. أستطاع خالد بن الوليد أن ينتصر على الفرس، وأن تجوس خيله منطقة السواد وجزءًا من أرض الجزيرة، هذا بالإضافة إلى مناطق غربي الفرات وبادية الشام، وهذا ما جعل الفرس يشعرون بقوة الجيش الإِسلامي وإمكاناته القتالية والتعبوية – على عكس ما كانوا يظنون – الأمر الذي جعلهم يستعدون الاستعداد الكبير للمعركة الحاسمة المقبلة، وحشد الجنود لذلك. وفي هذا الوقت كانت القوة الإِسلامية على الجبهة الرومية تقوم بالدفاع فقط حيث كان خالد بن سعيد بن العاص يرابط بقواته قرب مناطق سيطرة الروم والقبائل العربية المتنصّرة المتحالفة مع الروم.

قرر أبو بكر تلبية رغبة النبيّ مُحمَّد قبل وفاته، وهي إرسال سريَّة أسامة بن زيد إلى مشارف الشَّام وتمَّت خطَّة التحرُّك نحو الشَّام في السنة الثانية عشرة للهجرة، بعد مُشاوراتٍ أجراها أبو بكر مع كِبار الصحابة من أهل الحل والعقد، ثُمَّ قام بِتعبئة المُسلمين لِغزو هذه البِلاد. بعد أن استُكمِلت التجهيزات وتمَّت الاستعدادات بخمسة جيوش، عيَّن أبو بكر قادة الجُيوش التي قرَّر أن يُرسلها إلى الشَّام. انطلقت الجُيوش الإسلاميَّة من قاعدتها في المدينة المُنوَّرة باتجاه أهدافها المُحددة، فكتب القبائل العربيَّة المسيحيَّة المُتحالفة مع بيزنطية إلى الإمبراطور البيزنطي هرقل يُعلمونه بالأوضاع المُستجدَّة ويطلبون منهُ مُساعدة عاجلة لِصد الزحف الإسلامي. فدعا هرقل إلى عقد اجتماع مع مُستشاريه وأركان حربه للتشاور. كان للبيزنطيين في الشَّام جيشان كبيران، يتمركز الأوَّل في فلسطين ويبلُغ عديده سبعين ألف مُقاتل، ويتمركز الثاني في أنطاكية ويبلغ عديده مائتي ألف مُقاتل مُعظمهم من الأرمن والروم.[62] كانت مؤاب أوَّل مدينة بيزنطيَّة في الشَّام تسقط في أيدي المُسلمين، وقد أمَّن لهم فتحها السيطرة العسكريَّة على المنطقة الواقعة جنوبي وادي المُوجب أو نهر أرنون. بعد ذلك جرت معركة داثن التي انتصر فيها المسلمون بقيادة يزيد الذي تابع زحفهُ بعد انتصاره، فاجتاز حوران وغوطة دمشق حتَّى وصل إلى أبواب مدينة دمشق، وتمركز حولها، ومنع حاميتها من الاتصال بالقيادة المركزيَّة في أنطاكية، ثُمَّ اتصل ببقيَّة الجُيوش الإسلاميَّة.[63] وضع هرقل خطَّة عسكريَّة لِمُواجهة المُسلمين على أثر انتشارهم في أجزاءٍ من الشَّام، تقوم على عددٍ من الأُسس، وهي تتمحور حول ضرب الجُيوش الإسلاميَّة مُنفردة، لذا فقد جمع الروم أعدادًا كبيرة وبعثوها باتجاه الجيوش الإِسلامية الأربعة، كما نقل هرقل مقر قيادته إلى حمص لتكون على مقربة من ساحة المعركة، ولما رأى القادة المسلمون في الشَّام ذلك وقفو على هذه التعبئة البيزنطيَّة، فتشاوروا فيما بينهم واستقرَّ الرأي على اقتراحٍ قدَّمهُ عمرو بن العاص ويقضي باجتماع الجُيوش الإسلاميَّة في مكانٍ واحد[64]، وقضت الخِطَّة بالجلاء بِأقصى سُرعةٍ مُمكنة عن المناطق التي فتحوها في الدَّاخل. كما طلبوا الدعم والمدد من المدينة. في هذه الاثناء كانت الفتوحات الاسلامية في العراق قد بدأت منذ فترة بِغزو المُسلمين للعِراق، المركز السياسي والاقتصادي للإمبراطوريَّة،[معلومة 6] سنة 11هـ المُوافقة لِسنة 633م بِقيادة خالد بن الوليد الذي فتح العراق بالكامل. فكان على القيادة الإِسلامية أن تنقل المعركة الرئيسية من العراق إلى الشام إذ كان الفرس في حالة من الضعف بعد الهزيمة التي منوا بها، وهم بحاجةٍ إلى مدة للاستعداد والتفاهم على الحكم بعد الخلاف الواقع بينهم، لذا كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد بالعراق يأمُرهُ بالمسير إلى الشَّام في نصف الجيش، وكان خالد آنذاك في الحيرة وقد أنشأ لِنفسه موقعًا ثابتًا مُوطد الأركان نسبيًا، في غربي الفُرات.[65] اصطحب خالد معهُ إلى الشَّام تسعة آلاف مُقاتل، وهم الذين قدموا معه يوم جاء إلى العراق، وترك ثمانية آلاف بِقيادة المُثنّى بن حارثة الشيبانيّ وهم الذين كانوا معهُ في العراق.[66]

خرج خالد بن الوليد من الحيرة في 8 صفر 13هـ المُوافق فيه 14 نيسان (أبريل) 634م.[67] ضرب خالد حصار حول تدمر.[68] فمال أهلها إلى طلب الصُلح وفتحوا أبواب مدينتهم للمُسلمين.[69] اجتاز المُسلمون الغوطة من الشمال إلى الجنوب حتَّى وصلوا إلى قناة بُصرى، وكانت لا تزال بِأيدي الروم وعليها أبو عُبيدة وشُرحبيل ويزيد،[70] فاجتمعت الجُيوشُ الإسلاميَّة الأربعة أمامها. وحاصروها حتى فتحوها صلحا، وانتصروا في أجنادين بعدها.[71]

توجَّه المُسلمون إلى دمشق بعد أن فرغوا من أجنادين، عبر الجولان، ولمَّا وصلوا إليها ضربوا حولها حصارًا مُركزًا، [72] لكنهم ذهبوا إلى مرج الصَّفر لاعتراض قوة بيزنطية قبل عودتهم لحصار دمشق مجددا.[73] مات أبو بكر والت الخلافة لعمر الذي أقصى خالد بن الوليد عن إمارة جُيوش الشَّام وعين أبي عُبيدة بدلًا منه.[74] لكن هذا الأخير أخَّر إعلان خبر العزل لِأنَّ المُسلمين كانوا في صدد تحضير فتح دمشق التي تم فتحها في النهاية. أمضى المُسلمون فصل الشتاء في دمشق. وكانت الخطوة التالية فتح حِمص. فقد كان هرقل مُقيمًا فيها أثناء حِصار دمشق، فلمَّا رأى أنَّ قُوَّاته لا تستطيع الوصول إلى عاصمة الشَّام للدفاع عنها جلا عن حِمص إلى أنطاكية.[75] حاصر المسلمون حمص ودخلوها صلحا، وكتب أبو عُبيدة إلى عُمر في المدينة المُنوَّرة يُخبره بما حصل، ويُعمله بأنَّ الجيش الإسلامي سيتوجَّه نحو الشِمال لِمُطاردة هرقل.[76]

حشد هرقل جيشًا ضخمًا يضُمُّ مائة وعشرين ألفًا من الجُنود من مُختلف الولايات البيزنطيَّة، منهم فرقة من العرب المسيحيّين تُقدَّر بإثني عشر ألفًا من الغساسنة ولخم وجُذام بِقيادة جُبلة بن الأيهم، وفرقة من أرمينية تضُمُّ أيضًا اثني عشر ألفًا بِقيادة جُرجة بن توذار، [77] وبلغت قُوَّة المُسلمين ما بين ستة وثلاثين ألفًا إلى أربعين ألفًا، وقيل ستةٍ وأربعين ألفًا، [78] وحدثت معركة اليرموك التي كانت من المعارك الحاسمة في الصراع الإسلامي – البيزنطي، إذ أنَّها فتحت أمام المُسلمين باب الانتصارات المُتتالية في هذه البلاد، ووضعت حدًا لِآمال هرقل في إنقاذها بعد أن قضى المُسلمون على آخر ما تبقّى لديه من جُيوشٍ وقُوَّاتٍ جمعها بِصُعوبةٍ بالغة. ثم فتح المسلمون بيت المقدس وتسلم عمر بنفسه مفاتيحها من بطريرك المدينة العجوز صفرونيوس.[79]

رسم تخيُلي لِعُمر بن الخطَّاب وهو يدخل بيت المقدس، وقد مُحي وجهه احترامًا.

عندما نقل المسلمون المعركة الرئيسية من العراق إلى الشام كما ذكر سابقا، تعرَّض المُسلمون في العراق لِهُجومٍ مُضادٍ من قِبل الفُرس مما أفقدهم ما فتحوه مع خالد بن الوليد. فبدأت الموجة الثانية من الفُتوحات تحت قيادة سعد بن أبي وقَّاص سنة 14هـ المُوافقة لِسنة 636م، فكان النصر الحاسم في معركة القادسيَّة التي أنهت سيطرة الساسانيين على الجبهة الغربيَّة لِفارس. فانتقلت الحُدود الطبيعيَّة ما بين الدولة الإسلاميَّة الفتية والفُرس من العراق إلى جِبال زاگرُس. ولكن وبسبب الغارات المُستمرَّة للفُرس على العِراق، فقد أمر الخليفة عُمر بن الخطَّاب بتجريد الجُيوش لِفتح سائر بِلاد فارس سنة 21هـ المُوافقة لِسنة 642م، ولم تمضي سنة 23هـ المُوافقة لِسنة 644م حتى استُكمل القضاء على تلك الإمبراطوريَّة وفتح فارس الذي أدى إلى دُخول مُعظم أهل العراق في الإسلام، ومردُّ ذلك هو امتدادُ القبائل العربيَّة فيه قبل الإسلام، أمَّا فارس فقد أبى أغلب أهلها الإسلام في بداية الأمر، وبقوا على المجوسيَّة، دينُ آبائهم وأجدادهم، فتحوَّلوا إلى أهل ذمَّة يُصالحون ويدفعون الجزية لِبيت المال، وحافظوا على قوميَّتهم الفارسيَّة، لكنَّهم ما لبثوا أن دخلوا الإسلام بِمرور الوقت، حتَّى تراجعت المجوسيَّة تراجُعًا حادًا، وأصبح الإسلامُ هو دينُ أغلبيَّة الفُرس.[80] كما اقتبس الفُرس الحروف العربيَّة واستحالت أبجديَّتهم عربيَّة الكتابة والحرف.

استأذن عمرو بن العاص الخليفة عمر بن الخطاب بعد فروغه من الشام[؟] وأتم ضم فلسطين وبعد أن حقق انتصارا على الروم[؟] في معركة أجنادين في فتح مصر، [81][82][83][84] كان الخليفة عمر بن الخطاب يخشى على الجيوش الإسلامية من الدخول لإفريقيا ووصفها بأنها مفرقة، فرفض طلب عمرو بن العاص في البداية لكن ما لبث أن وافق عمرو بن العاص وأرسل له الإمدادات وتوجه عمرو بن العاص بجيشه صوب مصر عبر الطريق الحربي البري مجتازا سيناء مارا بالعريش والفرما ثم توجه الي بلبيس والتي كانت حصينة وشهدت معارك عنيفة حتى سقطت.[82][83][84][85][86][87][88][89]

جامع القيروان الكبير ويسمى أيضا (جامع عقبة بن نافع)، والذي أسسه عقبة بن نافع عام 670 م، وهو أقدم وأعرق مسجد في المغرب العربي في مدينة القيروان في تونس.[90]

ثم حاصر حصن بابليون الذي كان أقوى الحصون الرومانية في مصر، وما أن سقط حتى تهاوت باقي الحصون في الدلتا والصعيد أمام الجيوش الإسلامية [81][82][83][84] وقد تم لعمرو بن العاص الاستيلاء على مصر بسقوط عاصمة البلاد الإسكندرية في يده عام 21 هـ فعقد مع الروم[؟] معاهدة انسحبوا على أثرها من البلاد ايذانا بانتهاء الحكم الروماني لمصر. بدأ الحكم الإسلامي بعصر الولاة الذين كان عمرو بن العاص أولهم، ووليها عبد الله بن سعد بن أبي السرح من بعده.[91]

قتل عمر بن الخطاب على يد أبو لؤلؤة فيروز الفارسي.[92][93] وفي عهده بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل العراق ومصر وليبيا والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول وجنوب أرمينية وسجستان، وهو الذي أدخل القدس تحت حكم المسلمين لأول مرة وهي ثالث أقدس المدن في الإسلام، وبهذا استوعبت الدولة الإسلامية كامل أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية وحوالي ثلثيّ أراضي الامبراطورية البيزنطية.[94][95]

بويع عثمان بالخلافة بعد الشورى التي تمت بعد وفاة عمر بن الخطاب سنة 23 هـ (644 م)، وقد استمرت خلافته نحو اثني عشر عامًا.[96] تم في عهده جمع القرآن وعمل توسعة للمسجد الحرام وكذلك المسجد النبوي، وفتحت في عهده عدد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فمن البلدان التي فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان[؟] وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول[؟] بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.[96][97]

بويع علي بن أبي طالب بالخلافة سنة 35 هـ (656 م) بالمدينة المنورة، وحكم خمس سنوات وثلاث أشهر وصفت بعدم الاستقرار السياسي، لكنها تميزت بتقدم حضاري ملموس خاصة في عاصمة الخلافة الجديدة الكوفة.[98][99] ويروي ابن خلدون والطبري أنه ارتضى تولي الخلافة خشية حدوث شقاق بين المسلمين.[100] وقعت الكثير من المعارك بسبب الفتن التي تعد امتدادا لفتنة مقتل عثمان، مما أدى لتشتت صف المسلمين وانقسامهم لشيعة علي الخليفة الشرعي، وشيعة عثمان المطالبين بدمه على رأسهم معاوية بن أبي سفيان الذي قاتله في صفين، وعائشة بنت أبي بكر ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام الذين قاتلوه في يوم الجمل بفعل فتنة أحدثها البعض حتى يتحاربوا؛ [100][101] فساروا من مكة إلى البصرة بعشرة آلاف مقاتل وتحرك إليهم علي ولقيهم على مشارف البصرة، ويذكر ابن كثير[102] كما خرج على علي جماعة عرفوا بالخوارج وهزمهم في النهروان، وظهرت جماعات تعاديه وتتبرأ من حكمه وسياسته سموا بالنواصب ولعل أبرزهم الخوارج. قام علي بعد معركة الجمل بنقل عاصمة الخلافة من المدينة إلى الكوفة نظرا لموقعها الاستراتيجي الذي يتوسط أراضي الدولة الإسلامية أنذاك، ولكثرة مؤيديه هناك.[103]

مسجد الكوفة حيث كان مقر خلافة الإمام علي وتظهر في الصورة (إلى اليسار) مرقد ابن أخيه مسلم بن عقيل.

دولة الخِلافة الراشدة بعد التحكيم بين عليّ ومُعاوية:

  الأقاليم الخاضعة لعليّ
  الأقاليم الخاضعة لمُعاوية
  الأقاليم الخاضعة لعمرو بن العاص

كان معاوية بن أبي سفيان -والي الشام في عهد عثمان- قد أعلن رفضه تنفيذ قرار العزل، كما امتنع عن تقديم البيعة لعلي، وطالب بالثأر لابن عمه عثمان.[104] اختار معاوية عمرو بن العاص حكما من طرفه وكان الحكم من طرف علي هو أبو موسى الأشعري، واجتمع الحكمان لإيجاد حل للنزاع، فدار بينهما جدال طويل، واتفقا في النهاية على خلع معاوية وعلي وترك الأمر للمسلمين لاختيار خليفة غيرهما، فخرج الحكمان للناس لإعلان النتيجة التي توصلا إليها، فأعلن أبو موسى الأشعري خلع علي ومعاوية، فقام عمرو بن العاص وقال: “إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه. وأثبت صاحبي معاوية” فقال له أبو موسى الأشعري: “غدرت وفجرت” ودار عِراك بينهما.[100][105][106] بعد حادثة التحكيم عاد القتال من جديد واستطاع معاوية أن يحقق بعض الانتصارات وضم عمرو بن العاص مصر بالإضافة إلى الشام وقتل واليها محمد بن أبي بكر. وأخيرا قاتل علي الخوارج وهزمهم في معركة النهروان (39 هـ / 659م)، حيث انسحبوا من جيشه ثم قاموا يقطعون الطرق ويسألون الناس حول آرائهم في الخلفاء الأربعة فيقتلون من يخالفهم الرأي بشكل بشع.[107][108] قتل الخوارج عليا بيد عبد الرحمن بن ملجم في رمضان سنة 40 هـ 66ا1م.[109][110][111] وتقول الروايات أن علي بن أبي طالب كان في محراب الصلاة يصلي صلاة الصبح حين ضربه ابن ملجم.[112][113]

الخلافة الأموية

رحل علي تاركا خلفه الفتنة مشتعلة بين المسلمين، وبايع أهل العراق ابنه الحسن على الخلافة، فيما بايع أهل الشام بدورهم معاوية بن أبي سفيان. وهُنا حشد معاوية جيوشه وسار إلى الحسن،[114][115] غير أن الحسن رفضَ القتال، وراسل معاوية للصُّلح، فسر هذا سرورًا كبيرًا بالعرض ووافق عليه، وعُقد الصلح في شهر ربيع الثاني سنة 41 هـ (أغسطس سنة 661 م)، وهكذا تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية،[116] وسُمّي ذلك العام بعام الجماعة لأن المسلمين اتفقوا فيه على خليفة لهم بعد خلاف طويل دام سنوات.[115] جرت أكبر الفتوحات الأموية في عهد الوليد بن عبد الملك، وكان من أبرز الإنجازات في عهده بناء مسجد قبة الصخرة في القدس بجوار المسجد الأقصى سنة 691 م،[117] كما أنه عرَّب الكثير من الدواوين وعرب سكَّ النقود للمرة الأولى في تاريخ الدولة.[118] وقد توفيَّ عبد الملك بن مروان بن الحكم في شهر شوال سنة 86 هـ (أكتوبر سنة 705م)، تاركًا الحكم لابنه الوليد،[119] وقد جرت في عهده فتوحات عظيمة، وبلغت فيه الفتوحات الأموية ذروتها، حيث أنها يُمكن أن تعد الذروة الثانية للفتوحات الإسلامية بعدَ أيام عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان.[120]

فتح الأندلس على يدي موسى بن نصير وطارق بن زياد في عهد الوليد بن عبد الملك.

سفن بيزنطية تستخدم سلاح النار الإغريقية الذي صعَّب كثيرًا على المسلمين فتح القسطنطينية في حصارها سنة 98 هـ، وهو الحصار الذي توفيَّ الخليفة الأموي السابع سليمان بن عبد الملك عندما كان يُديره.

خلفه سليمان بن عبد الملك الذي أستكمل حصار القسطنطينية سنة 98 هـ، وهو حصار أداره بنفسه مع أخيه مسلمة بن عبد الملك من أرض دابق،[121] وظلَّ هناك سنة كاملة، حتى توفيَّ وهو لا يزال في دابق في شهر صفر سنة [99 هـ (سبتمبر سنة 717 م)، وقد امتُدحت خلافته وقيل عنه أنه أحسن إلى الناس ومعاملتهم بعد أن كان قد شدَّ عليهم الحجاج في أيام عبد الملك والوليد، كما امتُدحَ أيضًا لاختياره ابن عمه عمر بن عبد العزيز خليفة من بعده.[122] اشتُهرَ عهد عمر بن عبد العزيز بأنه عهد عمَّ فيه رخاءٌ واستقرارٌ عظيم في أنحاء الدولة الأموية، وسادَ فيه العدل، حتى أنه يُقال أن المتصدقين كانوا يبحثون فيه عن فقراء ليعطوهم المال فلا يَجدون،[123] كما أنه كثيرًا ما يُلقب نظرًا إلى ذلك بـ«الخليفة الزاهد»[123] أو «خامس الخلفاء الراشدين»، حيث قيل أن أيام الخلافة الراشدة قد عادت في عهده.[124] عندما بُويع عمر على الخلافة قرَّر وقف الفتوحات نظرًا لاتساع الدولة الكبير، وتوجَّه بدلًا من ذلك لتوطيد الحكم وإصلاحه والاهتمام بأمور الناس ودعوة أهل المناطق المفتوحة إلى الإسلام بدلًا من فتح المزيد من البلاد.[125] وقد أخذ عمر بن عبد العزيز أيضًا من أقربائه من بني أمية ما في أيديهم من مال وأعاده إلى بيت مال المسلمين، ووصفه بأنه «مظالم»، وقد أغضبَ ذلك بني أمية وجاءوا إلى بيته يَشتكون، غير أنه رفضَ رفضًا شديدًا.[126] خلف عمر بن عبد العزيز ابن عمه يزيد، ثم هشام، الذي فتح في عهده جنوب فرنسا، وكان عهده طويلًا وكثير الاستقرار. وبعد موته دخلت الدولة في حالة من الاضطراب الشديد، حتى سيطر مروان بن محمد على الخلافة، فأخذ يتنقل بين الأقاليم ويقمع الثورات والاضطرابات، ثم التقى مع العباسيين في معركة الزاب فهزم وقتل، وكانت نهاية الدولة الأموية.

الخلافة العباسية

الدولة الإسلامية في عهد الخلافة العباسية.

أخذ العباسيون بعدَ قيام دولتهم بمُلاحقة بني أمية وقتلهم، ولذلك فقد فرَّ الكثير منهم بعيدًا محاولين النجاة بأنفسهم. وقد كان من بين هؤلاء عبد الرحمن الداخل، الذي فرَّ إلى الأندلس، وأعلنَ استقلاله بها[127] وتأسيس ولاية أموية في قرطبة سنة 138 هـ (755 م).[128] وقد تمكَّن الأمويون من البقاء بهذه الطريقة، فأسسوا الدولة الأموية في الأندلس، وظلُّوا يحكمونها زهاء ثلاثة قرون، غير أن مصيرها في النهاية كان السُّقوط سنة 422 هـ بعد أن تفككت الأندلس إلى إمارات صغيرة مستقلة.[129][130]

عمومًا فإن الدولة العباسية بمعنى الدولة قد سقطت مع سقوط بغداد سنة 1258م عندما أقدم هولاكو خان التتري على نهب وحرق المدينة وقتل أغلب سكانها بما فيهم الخليفة وأبنائه.[131][132] أما الخلافة العباسية فقد استمرت حتى 1517 كرمز للدولة ودورها الديني في كنف الدولة المملوكية؛ ولم تسقط الخلافة العباسية إلا بعد سقوط الدولة المملوكية، ففي أعقاب معركة مرج دابق التي انتصر بها السلطان سليم الأول العثماني على المماليك، توجه بجيشه نحو الجنوب، ففتح أغلب مدن بلاد الشام سلمًا ومنها انعطف نحو مصر حيث هزم آخر المماليك الأشرف طومان باي بعد معركة الريدانية قرب القاهرة، وقد اصطحب معه لدى رجوعه من القاهرة آخر الخلفاء العباسيين المتوكل على الله الثالث، والذي تنازل له عن الخلافة وسلّمه رموزها أي بردة النبي محمد وسيف عمر بن الخطاب.[133][134] وبذلك لم تؤل الخلافة من العباسيين إلى العثمانيين فحسب بل انتهى الفرع الأول من فروع الخلافة كما صنفه المؤرخون، وهو «الفرع العربي» أو بشكل أكثر دقة «فرع قريش»، إذ أن جميع الخلفاء السابقين سواء كانوا راشدين أو أمويين أو عباسيين كانوا من قبيلة قريش وهي قبيلة النبي محمد، وافتتح الفرع الثاني وهو «فرع آل عثمان».

الدولة العثمانية

فتح الانتصار للعثمانيين في معركة مرج دابق الباب لدخول دمشق فدخلها سليم الأول بسهولة. وبدأ بالتجهيز لفتح مصر والقضاء على الدولة المملوكية بعد أن أحكم سيطرته على الشام.

الدولة العثمانية عند نهاية عهد السلطان سليم الأوّل سنة 1520.

تقدم العثمانيون، بعد انتصارهم على الصفويين، لإخضاع السلطنة المملوكية،[معلومة 7] فنشبت بينهم وبين المماليك معركة على الحدود الشاميّة التركية تُعرف بمعركة مرج دابق، انتصر فيها العثمانيون وقُتل سلطان المماليك “قنصوه الغوري“، ثم تابعوا زحفهم نحو مصر والتحموا بالمماليك من جديد في معركة الريدانية التي قررت مصير مصر كلها، وانتصروا عليهم مجددًا ودخلوا القاهرة فاتحين. وفي أثناء ذلك قدّم شريف مكة مفاتيح الحرمين الشريفين[؟] إلى السلطان سليم اعترافًا بخضوع الأراضي المقدسة الإسلامية للعثمانيين، وتنازل في الوقت ذاته آخر الخلفاء العباسيين، محمد الثالث المتوكل على الله، عن الخلافة لسلطان آل عثمان، فأصبح كل سلطان منذ ذلك التاريخ خليفة للمسلمين، ويحمل لقب “أمير المؤمنين” و”خليفة رسول رب العالمين”. وعند نهاية حملته الشرقية، كان السلطان سليم قد جعل من الدولة العثمانية قوة إقليمية كبرى ومنافسًا كبيرًا للإمبراطورية البرتغالية على زعامة المنافذ المائية العربية.[135]

بدأت ثورة مسلحة في الحجاز، حينما أطلق الشريف حسين طلقه واحدة من بندقيته، وذلك قبل فجر يوم التاسع من شعبان 1334هـ – 2 يونيو 1916 في مكة المكرمة.[136] وكان لدوي تلك الطلقة صدى في جدة والطائف والمدينة.[136] وامتدت الثورة ضد العثمانيين بعد إخراجهم من الحجاز حتى وصلت سوريا العثمانية، وإسقاط الحكم العثماني فيها، وفي العراق؛ وذلك نتيجة للسياسة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، والتي تمثلت بالتجنيد الإجباري، ومصادرة الأملاك والأرزاق، ومن ثم مجاعة 1915، والسياسة القمعية لجمال باشا السفاح، الحاكم العسكري للولايات السورية العثمانية، إلى جانب تراكمات العلاقة المعقدة بين العرب والأتراك منذ أواسط القرن التاسع عشر، وحتى مؤتمر باريس عام 1913. تمكن جيش الثورة العربية الكبرى بقيادة فيصل بن الحسين، وبالتعاون مع مسلحي القبائل، من تحقيق انتصارات عسكرية وكسر الجيش العثماني على طول خط القتال الممتد من المدينة المنورة وحتى دمشق.

الثورة العربية الكبرى

في مرحلة ما بعد الانتصار العسكري للثورة، فقد اتجه الرأي لإقامة اتحاد أو تحالف دول عربية بدلًا من دولة عربية واحدة، على أن يرأسها هاشميون، فيكون الحسين ملكًا لنجد والحجاز، وفيصل ملكًا لسوريا، وعبد الله ملكًا للعراق؛ إلا أنّ عداء الفرنسيين لفيصل، واحتلالهم سوريا، منعه من تحقيق غايته، فتوّج ملكًا على العراق، وتمكّن عبد الله من انتزاع تاج الأردن بوصفه “سوريا الجنوبية” وما فتأ يطالب بمشروع سوريا الكبرى حتى وفاته، وأما الشريف حسين، فانتهت مملكته في الحجاز عام 1926 ضمن مشروع المملكة العربية السعودية. اعتبرت الثورة العربية الكبرى، أحد أبرز تجليات القومية العربية بشكلها المعاصر، وختام مرحلة النهضة العربية في القرن التاسع عشر، وشكلت لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة، تزامنا مع نهاية الخلافة الإسلامية وبداية الاستعمار الغربي، ولا تزال ألوان علم الثورة العربية الكبرى، أساس أعلام عدد كبير من الدول العربية، والحركات السياسية فيها. على الصعيد الفني، أنتجت عددًا من الأعمال الدرامية التي تؤرخ لمرحلة الثورة العربية الكبرى وما تلاها، ومنها حمام القيشاني، وإخوة التراب.

محطة سكة حديد الحجاز في المدينة المنورة :المعروفة (بالأستسيون) هي المحطة النهائية لخط سكة حديد الحجاز عند الكيلو 1320 من دمشق ، افتتحت في 1 سبتمبر عام 1908م وتعرضت للتوقف أثناء الحرب العالمية الأولى حتى توقفها نهائيا في عام 1921م، ووصل أول قطار إلى المدينة المنورة في (22 رجب 1326هـ الموافق 23 أغسطس 1908م) وأقيم الاحتفال الرسمي لافتتاح الخط الحديدي بعد ذلك بأسبوع ليصادف ذكرى تولي السلطان عبد الحميد الثاني السلطنة.

انتهت الدولة العثمانية بصفتها السياسية بتاريخ 1 نوفمبر سنة 1922م، وأزيلت بوصفها دولة قائمة بحكم القانون في 24 يوليو سنة 1923م، بعد توقيعها على معاهدة لوزان، وزالت نهائيًا في 29 أكتوبر من نفس السنة عند قيام الجمهورية التركية، التي تعتبر حاليًا الوريث الشرعي للدولة العثمانية.[137] سيطر الحلفاء على الولايات العثمانية في الشام والعراق. وأصبحت كل من سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي وكل من العراق والأردن وفلسطين تحت الانتداب البريطاني. هذه الدول العربية حصلت على استقلالها أثناء أو بعد الحرب العالمية الثانية، فانفصلت المملكة المتوكلية اليمنية عن الدولة العثمانية في عام 1918، ومن ثم العراق في عام 1920، وجمهورية مصر في عام 1922، وعلى النقيض من ذلك، كانت المملكة العربية السعودية تسيطر على نجد والأحساء قبل هزيمة العثمانيون في الحرب العالمية الأولى ثم مدت سيطرتها إلى الحجاز وأصبحت مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها حتى إعلان توحيد المملكة وتغيير اسمها إلى المملكة العربية السعودية عام 1932، واستقلت جمهورية لبنان في عام 1943، وتبعها الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية في عام 1946، ومن ثم ليبيا في عام 1951،، وتبعها المملكة المغربية وتونس في عام 1956، والكويت 1961، والجزائر عام 1962 والإمارات العربية المتحدة في عام 1971، أما سلطنة عمان مع أنها خضعت للحكم الفارسي لفترة قصيرة وبعدها من الاستعمار البرتغالي، إلا أنها تتمتع بحكم ذاتي منذ القرن الثامن.

فترة (1945-1989)

الوحدة العربية

شكلت الجامعة العربية في عام 1945 لتمثيل مصالح العرب، وخاصة لمتابعة الوحدة السياسية للوطن العربي، وهو المشروع المعروف باسم الوحدة العربية.[138][139] كانت هناك بعض المحاولات الوحدوية التي لم تعمر طويلا في منتصف القرن العشرين، ولا سيما الجمهورية العربية المتحدة والتي تأسست عام 1958 وانتهت في عام 1961. هدف الجامعة العربية الرئيسي هو تحقيق حد أدنى من التعاون بين الأنظمة العربية سياسيا. ويقع مقرها الدائم في القاهرة، وكان قد نقل مؤقتا إلى تونس خلال الثمانينات، بعد طرد مصر من الجامعة بين عام 1979 وعام 1989 بسبب توقيعها اتفاقية كامب ديفيد بتاريخ 17 سبتمبر 1978. تراجعت فكرة الوحدة العربية منذ الثمانينات، وحلت محلها نزعة قطرية ضيقة تمثلت بصعود شعارات مثل القومية المصرية والأردن أولًا ولبنان أولًا، الخ.

الصراع العربي الإسرائيلي

خارطة تقسيم فلسطين

في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا ينص على تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية فلسطينية وتدويل منطقة القدس (أي جعلها منطقة لا تنتمي إلى اية دولة ووضعها تحت حكم دولي)، وكانت نسب تقسيم الأراضي كالتالي:

  • 56%: لليهود (تضم معظم مناطق السهل الساحلي والنقب)
  • 43%: للعرب (تضم معظم مناطق الجليل وجبال نابلس وجبال الخليل وغور الأردن)
  • 1%: منطقة القدس.

نشبت في أيار 1948 أول حرب في الصراع العربي الإسرائيلي نشبت عندما رفضت البلدان العربية قرار تقسيم فلسطين وإعلان دولة إسرائيل، فدخلت فلسطين قوات من المملكة المصرية ومملكة الأردن ومملكة العراق وسورية ولبنان والمملكة العربية السعودية لحماية الأراضي والسكان العرب من الميليشيات الصهيونية المسلحة مثل البلماخ والإرغون والهاغاناه والشتيرن والتي ضمت مقاتلين يهودا هاجروا من أوروبا إلى فلسطين.

نكسة 1967 تعد حرب 1967 الحرب الثالثة ضمن سلسلة الصراع العربي الإسرائيلي، هي حرب نشبت بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا والأردن عام 1967، انتهت بانتصار إسرائيل واستيلائها على قطاع غزة والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان.[140]

بعد حرب 1973 بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل بمساعدة أمريكا والغرب من جهة أخرى, استطاع العرب أن يحققوا نصر عسكري على إسرائيل ساهم في اعادة شبه جزيرة سيناء إلى السيادة المصرية من جديد فيما بعد، إلا أن الرئيس السادات اتجه إلى التفاوض مع إسرائيل منفردا مما أدى إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد أو اتفاقية العار كما يسميها المصريون, وأدى ذلك بمصر إلى عزلة عربية حتى موت السادات، وفتح الباب سياسيا أمام التطبيع العربي مع إسرائيل إلا انه قوبل عموما برفض من الشعوب العربية.

فترة (1990-الحاضر)

حرب الخليج الثانية، تسمى كذلك عملية عاصفة الصحراء أو حرب تحرير الكويت (17 يناير إلى 28 فبراير 1991[141][142] هي حرب شنتها قوات التحالف المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق [143] بعد أخذ الإذن من الأمم المتحدة لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. تطور النزاع في سياق حرب الخليج الأولى، وفي عام 1990 اتهم العراق الكويت بسرقة النفط عبر الحفر بطريقة مائلة،[144] وعندما اجتاحت العراق الكويت فُرضت عقوبات اقتصادية على العراق وطالب مجلس الأمن القوات العراقية بالانسحاب من الأراضي الكويتية دون قيد أو شرط.

اليوم تتميز معظم الدول العربية بحكام مستبدين وبغياب الرقابة الديمقراطية مؤشر الديمقراطية 2010 يصنف لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية بأنها أنظمة مختلطة، وجميع الدول العربية الأخرى على أنها أنظمة استبدادية. وبالمقابل، تصنف مؤسسة فريدوم هاوس 2011 جزر القمر وموريتانيا على أنها ديمقراطيات انتخابية، [145] بينما يصنف لبنان والكويت على أنها حرة جزئيا، وباقي الدول العربية على أنها غير حرة.

أدى غزو القوات العراقية للكويت إلى قيام حرب الخليج الاولى 1990-1991، انضمت كل من سوريا، مصر إلى التحالف المتعدد الجنسيات المعارض لغزو العراق للكويت أما الأردن وفلسطين كانوا من الموافقين على ذلك الغزو مما أدى إلى بداية علاقات متوترة بين العديد من الدول العربية بعد الحرب تم الاتفاق على ما يسمى ب إعلان دمشق وهو تحالف رسمي هدفه إتخاذ إجراءات دفاعية عربية مشتركة في المستقبل بين مصر، سوريا ودول مجلس التعاون الخليجي.[146]

في أواخر عام 2010 ومطلع 2011 اندلعت موجة عارمة من الثورات والاحتجاجات في مُختلف أنحاء الوطن العربي بدأت بالثورة التونسية التي أطلقت وتيرة الشرارة في كثير من الأقطار العربية وعرفت تلك الفترة بربيع الثورات العربية.[147][148] من أسباب هذه الاحتجاجات المفاجئة انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ وسوء الأوضاع عمومًا في البلاد العربية.[149][150] وقد اسفرت هذه الاحتجاجات عن سقوط العديد من الحكام العرب منهم حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس ومعمر القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن ولا تزال هنالك دول تعمها موجة الاحتجاجات منها سوريا واليمن.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.