المياه تغمر الشوارع

الاحتباس الحراري: هل يتغير موقفنا منه باختلاف مكان الإقامة؟

  • 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2019
مصدر الصورة Getty Images
Image caption استنفار في إيران بسبب الفيضانات التي دمرت العديد من الطرق والجسور والمباني. مايو/أيار 2019

لم يعد خافياً على أحد، تأثيراتالاحتباس الحراري على حياتنا اليومية بدرجات متفاوتة أينما كنا على كوكب الأرض.

والمنطقة العربية ليست استثناءاً، وخاصة البلدان المطلة على البحر الأحمر والخليج العربي وبحر العرب وبلدان شمال إفريقيا، المهددة بارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه والجفاف الذي سيلي ذلك وفقاً لتقرير صدر عن اللجنة الحكومية الدولية لشؤون التغير المناخي في العالم.

وتشهد البلدان الأوروبية مظاهرات واحتجاجات شبابية واسعة كالتي تحدث في بلدان الشرق الأوسط، لكن مع اختلاف المطالب، إذ يحاول المتظاهرون الضغط على حكوماتهم من أجل العمل على الحد من الانبعاثات الغازية التي تؤثر سلباً على المناخ الذي يضع كوكب الأرض وما عليه في خطر وجودي.

سألت بي بي بي عربي، عددا من العرب في بلدان مختلفة عن مدى اهتمامهم بقضايا التغير المناخي ومدى إدراكهم للمخاطر والكوارث المحدقة بهم وبمستقبلهم وعن المبادرات التي يمكن أن يقوموا بها للمساهمة في التخفيف من تأثيراته الضارة.

وجاءت الردود متفاوتة، إذ أظهر بعضهم اهتمامهم ولو بدرجات متفاوتة، بينما رأى آخرون أنه من غير المجدي التفكير بالمناخ لأسباب نعرضها هنا.

إلى أي مدى ارتفعت حرارة مدينتك؟

إعصار “مكونو” في اتجاه السعودية بعد اليمن وعمان

مصدر الصورة Socialmedia-FB

تراجيديا وسخرية

قال محمد عثمان، وهو طبيب سوري اضطر للهجرة ثلاث مرات بسبب الحرب السورية، مازجاً بين رأيه بالتغير المناخي وتجربة نزوحه بعيداً عن بلاده، إنه من المضحك والمبكي معاً أن أقول بأن الاحتباس الحراري هو آخر اهتمامي”.

“لقد نزحت مع أطفالي من مدينتي حلب بعد أن دّمرتها الحرب، واتجهت إلى إقليم كردستان العراق، فلحقتنا الحرب إلى هناك، فركبت قارب الموت للوصول إلى أوروبا”.

ويتابع قوله: “وعلى الرغم من أنني أعيش في بروكسل، عاصمة القرار الأوروبي، إلا أنني أجد أن الوعي والاهتمام بالاحتباس الحراري هو ذاته، كما لو أنني ما زلت أعيش في حلب”.

ويصف عثمان الشوارع المكتظة بالسيارات، والسماء المغطاة بانبعاثات احتراق وقود الطائرات، قائلاً بأن التلوث والانبعاث الأكثر ضرراً ومساهمة في تغير المناخ هو مبنى الاتحاد الأوروبي الذي تجتمع فيه الدول الصناعية المسؤولة عن إحداث الجزء الأكبر في تغير المناخ إلى جانب الصين والولايات المتحدة.

مصدر الصورة Socialmedia-FB

ورداً على سؤالٍ لبي بي سي عربي نشرته على صفحتيها على فيسبوك وتويتر، حول مدى الاهتمام بقضية الاحتباس الحراري، وردت آراء عديدة مشابهة لرأي محمد عثمان، شاركها مئات الشباب والشابات، وعبّروا فيها عن ما يشغل تفكيرهم بدءاً من التفكير بلقمة العيش في ظل تفشي البطالة وانتهاءاً بالحروب الأهلية الدائرة في المنطقة منذ سنوات.

شباب في العاصمة الأمريكية يتظاهرون مطالبين بالمزيد من الخطوات لمحاربة التغير المناخي

مصدر الصورة Getty Images
Image caption شباب في العاصمة الأمريكية يتظاهرون مطالبين بالمزيد من الخطوات لمحاربة التغير المناخي ويرفعون شعارا يقول “لا يوجد أي كوكب بديل”
مخطط

ترف التفكير بتغير المناخ”

أما زياد عدنان، وهو مهندس كهربائي من العراق، فيقول: “بالنسبة لي، يعتبر الاهتمام والتفكير بتغير المناخ، نوع من أنواع الرفاهية، إذ لا يفكر فيه جائع أو مشرد يعيش حالة حرب وفوضى كالعراقيين والسوريين مثلاً.

ويضيف: “نحن نفكر في مواجهة الفساد السياسي والطائفية في بلادنا، عدا عن الحروب التي تّشعلها السياسات الغربية في بلداننا، فنشبع نحن تلوثاً وموتاً وينعموا هم بالحياة ورفاهية التفكير بتغير المناخ”.

ويضيف: “الأغنياء هم سبب تغير المناخ، وأقصد بالأغنياء، الحكومات والدول الرأسمالية الكبيرة، وخاصة الولايات المتحدة والصين وعدد من الدول الأوروبية، والتي تتجاوز في بعضها عدد السيارات فيها أعداد السكان في دول أنهكتها الحروب، ناهيك عن الصناعات الأخرى التي تساوي انبعاثاتها عشرات أضعاف الانبعاثات في بلداننا”.

وتقول أميمة، وهي أردنية عاشت في ريف دمشق قبل أن تنتقل مع زوجها السوري وأبنائها إلى روتردام بهولندا: “حقيقة لم أكن أهتم بأي شيء متعلق بالبيئة والمناخ عندما كنت في الأردن وسوريا، ولا حتى أبنائي فكروا بذلك، لكن وجودي في أوروبا الآن منحني الوقت والوسائل المساعدة للاهتمام بها ولو بدرجة قليلة، إذ أتجنب ركوب القطار والباصات إذا كان المكان الذي أقصده لا يحتاج للسير أكثر من نصف ساعة”.

وتضيف: “حقيقة، أبنائي هم من شجعوني على ذلك، فهم لا يستخدمون أي وسيلة نقل عدا دراجاتهم الهوائية ما لم تكن وجهتهم خارج المدينة”.

وتتابع: “المجتمع هنا واعٍ بهذه الأمور ويدور الحديث حول الاحتباس الحراري حتى فيما بين الجيران، والفضل يعود للإعلام هنا، ولا أظنني كنت سأهتم بهذا لو كنت أعيش في سوريا، كانت ستختلف أولوياتي بلا شك”.

هل من بصيص أمل

يقول الباحث الأكاديمي اليمني عادل دشيلة إن قضايا البيئة هي خارج الأولويات في المجتمع العربي بشكل عام واليمني بشكل خاص بسبب الحروب الأهلية الدائرة في المنطقة.

ويركز معظم الشباب على القضايا الاجتماعية أكثر من هكذا قضايا حساسة، وإن كان هناك بعض الاهتمام من قِبل بعض الشباب، لكنه غير كافٍ.

وأعتقد أن هكذا وعي يبدأ من الورش العلمية والجامعات والاتحادات الطلابية والشبابية ومن ثم تأتي مرحلة الضغط على الحكومات لتتبنى هذه القضية.

وتقول الأكاديمية والمحاضِرة اليمنية التي تقيم حالياً في ماليزيا، أحلام محمد، يختلف اهتمام الشباب العربي بالبيئة والاحتباس الحراري باختلاف مكان إقامتهم، فهم كأي شخص في أي بقعة من العالم، لن يفكروا بالاحتباس الحراري وأضراره مهما كانت كارثية لو كانوا جياعاً، وستكون أولوياتهم هي إيجاد مصدر للرزق، كما أنهم لن يهتموا بتغير المناخ إذا كانوا خائفين من سقوط قذيفة ما على رؤوسهم، ولن يتوانوا عن قطع الأشجار للحصول على مصدر للتدفئة لو كانوا يعانون البرد، بل سيفكرون ويحلمون بانتهاء الحرب.

وتضيف: إنها الحرب التي تغير أولويات الفرد واهتماماته، وكان لدى المجتمع اليمني اهتمام بالبيئة بشكل غير مباشر حتى بين كبار السن، الذين كانوا يحرصون مثلاً على وضع القمامة في أكياس وعدم رميها في البحر حفاظا على البيئة. كان هناك وعياً بين أفراد المجتمع رغم عدم معرفتهم بعواقب الاحتباس الحراري بشكل مفصل ومباشر.

وتنهي حديثها قائلةً: “لو كان الشباب الأوروبي في حالة حرب كما هو الحال في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وغيرها، لما فكر أحدهم أو خرج في المظاهرات من أجل الاحتباس الحراري، بل من أجل إحلال الأمان وإنهاء الحرب وتوفر منزل دافئ ولقمة عيش كريمة”.

بالفيديو: لقطات مروعة من الفيضانات في إيران
التغير المتوقع في درجات الحرارة
التغير المتوقع في درجات الحرارة

إلا أن أحمد الأشول من اليمن أيضاً، له رأي آخر، ويقول إن اليمنيين يهتمون بالبيئة منذ زمن طويل لاعتمادهم على الزراعة بشكل كبير، وزاد اهتمامهم في السنوات الأخيرة بعد أن ألحقت السيول والأعاصير في منطقة بحر العرب أضراراً بالغة بالمباني والأراضي وحتى بتجار العسل الذين نزحوا عن المناطق الجنوبية بعد خسارتهم المادية الكبيرة، وهذا أدى إلى ازدياد الوعي والتفكير بالتغيرات المناخية التي تجري في المنطقة.

لكنه يضيف: “إلا أن مساهمتهم في الحد من آثاره أمر صعب في الوقت الحالي بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ سنوات”.

لمعرفة المزيد من المعلومات عن التغيرات المناخية، اضغط على الرابط أدناه:

ستة رسوم توضيحية تشرح تغير المناخ

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.