العمل الفنى هو رسالة من الأنسان الفرد إلى الأخر أو من ( أنا ) الفنان المبدع إلى ( نحن ) الجماعة فى قالب إبداعى مؤطرا بالقيم الثقافية .

ومع اختلاف دافعية الفنان لابداع أعماله منذ العصر الحجرى مرورا بالحضارات النهرية القديمة المستقرة بوادى النيل وبين النهرين وغيرهما .. أبداع الفنان اعمالا تكرث المعتقد الدينى ففى حضارة الأغريق انفصل الدين عن الحياة نسبيا وظهرت طبقة الفلاسفة والعلماء وورث الرومان ميراث الاغريق الحضارى والثقافى واضافوا له ومعهم الفرس ثقافة القيم الدنيوية وظهرت ثقافة تخاطب عامة الشعب .

وفى عصر النهضة الذهبى وجهت الكنيسة كبار فنانى إيطاليا لنشر الدين الجديد وخدمة الكنيسة تارة والاقطاعيين تارة أخرى وسيطرت الثقافة الدينية المسيحية على إبداع فنانى هذا العصر مثل ميكل انجلو  –Michelangelo

( 1475 – 1564 ) دافنشى .

وبالرغم من غياب دولتى الرومان والفرس سياسيا بهزيمتهم على يد الحضارة  الاسلامية فقد تأثرت الحضارة الاسلامية من بدايتها بشكل واضح بالحضارة البيزنطية والساسانية والفن القبطى فأخذت ما يناسبها وتركت ما يخالف المعتقد والعرف الاسلامى ونتج فنا إسلاميا تطبيقا يلبى حاجة الانسان المسلم الدنيوية والدينية فى ان واحد مرتبط بثقافة إسلامية محددة لخصائص

 ( وقيود ) احتال عليها الفنان المسلم فأنتج فنا اسلاميا له الرؤيا المتحررة المبتكرة فصور المحال والخرافى فى الادب والرسم كما فى قصص الف ليلة وليلة وكليلة ودمنة واثرت التقاليد الثقافية الاسلامية فى ضرورة خصوصية البيت وما بداخلة من بشر وخاصة  الحريم فظهرت المشربيات التى تغطى نوافذ المنازل ودائما تفتح نوافذها على الداخل وتتدخل الاشكال خلفها مع مقدمتها المثقبة المزخرفة فى تداخل بين الشكل والخلفية او الشكل والارضية فى صيغة ادراكية كلية او الشكل الكلى المدرك واعتبر هذا المفهوم من اهم مساهمات الجشتالت Gestalt  فيما بعد وصمم المدن الاسلامية والشوارع والحوارى والمساجد برؤيا معمارية تتفق وثقافته الاسلامية فشغل السطوح الفارغة مظهرا كان من مظاهر إتقان الصنعة لينال ثواب الدنيا والاخرة فعرف قيمة الفراغ عندما وجد ضرورة لاشغاله وتركه معماريا عندما وجد ضرورة لهذا الترك وندرك تطور وارتقاء الثقافة فى الفترة قبل وبين الحربين العالمتين وما نتج عنها من تطور فى المكتشفات العلمية فى الضوء واللون والشعور واللاشعور ودوافع السلوك الانسانى وقوة البخار وطاقة الكهرباء وظهور المدن الصناعية والسيارة والطائرة والقطار والهاتف والمذياع والبرق والسينما واكتشاف المضاد الحيوى ( البنسلين ) والمطابع والصحف اليومية وشيدت الطرق السريعة فأختصرت المسافات والازمان وتأصلت ثقافات الجماعات العرقية المحلية وطفت على السطح الجماعات السياسية وانتمائتها ذات الاهداف الخاصة التى تروج لها من خلال خلفيات ثقافية أيدلوجية باعمال فنية كالشيوعية  والرأسمالية والاشتراكية ….

ولكن وبعد الحربين العالميتين وذهاب الدعايات السياسية البراقة إلى لاشئ اصيب مثقفو أوروبا وايضا العالم العربى خاصة بإحباط قومى سياسى وثقافى وظهرت حالات الاغتراب داخل اوطانهم قصرت او طالت ومن هنا تأتى اهمية الثقافة فى الاعمال الفنية التشكلية فعبر النشاط الحضارى للبشرية الفن مراة عاكسة لوعى الفنان المبدع لواقعه ومدى تفاعلة معه او رفضه او انكفاءة على ذاته فى دراما شخصية لها ملامحه الوجدانية من خلال ثقافته الخاصة وأيضا ثقافة بيئته المحلية وما يتلامس معه من الثقافات العالمية وربما يكون مغرقا ى محليته او منعزلا عن العالم الخارجى المعاصر اثناء ابداعه لعمله الفنى وفى كثير من البلدان استخدمت الثقافات المحلية كثقافة مقاومة ضد احتواء المستعمر لوجدان ومعتقدات الشعوب المقهورة

( الثقافة الضد )  وهذا الاستعمال كان احيانا بوعى وغالبا بدون وعى مباشر ( الفنون الشعبية المحلية ) . ومن هنا تاتى مشكلة البحث – فقد لاحظ الباحث ان هناك علاقة وطيدة وجوهرية بين الثقافة الرسمية والمحلية او العالمية داخل العمل الفنى ( التشكيلى خاصة ) تدرك من خلال بنايته الابداعية من قيم تشكيلية فى التكوين العام واللون / الخط / الابعاد النفسية / الرموز / لازمات خيال المبدع المثقف وغير المثقف ومستوى ثقافته وتطويرها وتناميها ومصدرها محلى حديث / شعبى / فطرى بخلفيات متعددة – وهل تلامس مع الثقافة العامة للعالم الخارجى ومدى هذا التلامس .

وقد تلاحظ ايضا ان الفنان كأنسان فرد داخل مجتمعه تطرا عليه تغيرات ثقافية فى مراحل حياته الفنية ندركها فى اسلوبه ومفرادات عمله الفنى كأثر ثقافى متنامى مع تلك المرحل / مكانيه / زمانبة / اجتماعية / نفسية / صحية / سياسية … وتلك مشكلة بحثية مرتبطة سيتم مناقشتها فى بحث لاحق .

وتهدف تلك الدراسة البحثية إلى رصد اثر الثقافة على العمل الفنى التشكيلى وادراك تلك القيم الثقافية داخل بيانات العمل الفنى ومن هنا تاتى اهمية البحث فى سير أغوار الاعمال الفنية  للفنانين التشكيليين ومصدر ثقافتهم محلى / عالمى / شعبى … الخ فى حالة تداخل بينهم فى رؤيا شمولية لعصر نهاية لمسافات وتواصل وتداخل الحضارات وحرية تدفق المعلومات

( free of information  ) وتفج المعرفة والسماوات المفتوحة وتحول العالم إلى قرية كونية فى حالة من الشفافية والسياسية المعرفية الثقافية والسياسية والاجتماعية و ظهور الاقتصاد الرقمى ملغيا بذلك الحدود التقليدية بين الدول وتقلص الدور الرقابى والسياسى والتوجه الثقافى للدولة القومية المحلية واكتشاف الخريطة الجينية للإنسان وايضا يعطى هذا البحث رؤيا نقدية لتأثير وتأثر الثقافة او الثقافات المتعددة على اعمال الفنانين التشكيلية

وتفترض الدراسة الاجابه على تساؤلات …. تصل بنا إلى نتائج محددة لاثر الثقافة فى العمل الفنى التشكيى خاصة  ….

أ‌)   هل يوجد عمل فنى لا يحمل بنيانه الداخلى قيما ثقافية … ؟؟ 

ب‌)     ما الفرق بين ابداع الفنان المثقف وغير المثقف .. ؟؟

ج ) ما مدى تأثير ثقافة العصر على إبداع الفنان … ؟؟

د ) ما اهمية الثقافة للفنان التشكيلى … ؟؟

وقبل الاجابة على تساؤلات البحث نذكر أهمية الثقافة فى حياتنا فالثقافة  تجئ من فعل التثقيف أى التهذيب وارتقاء بقيم السلوك فى جميع مناحى الحياة وادراك العالم برؤيا واقعية تارة وتحليلية نقدية تارة اخرى واستشرافية مستقبيلة غاليا فأهمية الثقافة مرتبطة بالوعى بالمتغيرات الجديدة وتحصيل اكبر قدر من المعرفة لرؤيا الغد بأسلوب حياة افضل وارقى  واكثر رفاهية فالانسان البدائى فى رحلته الحياتيه حتى أنسان اليوم فى حركة دائمة ودؤبة ومستمرة للارتقاء بأسلوب حياته إلى الافضل دائما .

ويوضح ( موريس / Morrls. c ) ان هناك تأثير للثقافة والاطار الحضارى فى إبراز فروق فى الانسان القيمة ، ففى المجتمع الهندى مثلا تأتى قيمة التحكم فى الذات self control فى مقدمة القائمة او الترتيب فى حين جاءت قيمة الحرية فى المؤخرة اما المجتمع  الامريكى فقد تبين عكس ذلك تماما . 

ومفهوم الارتقاء على إنه مترادفان ويمكن أن يحل احدهما مكان الاخر ولكنهما مختلفان ولا يعتبر ان شيئا واحدا فلغويا ( نما ) الشئ تعنى انه زاد وكثر أما كلمة ( ارتقى ) فتعنى ارتفع وصعد ( ترقى ) اى ارتقى وتسامى فالاررتقاء هو سلسلة من التغيرات الكيفية المتتابعة progressive  – والمرتبة orderly بعضها على بعض والمتجانسة coherent نحو غاية معينة تتقدم للامام دون الرجوع للوراء – فالارتقاء أكثر شمولية ويعرف ولمان الارتقاء بأنه يعنى الزيادة فى التعقيد وتنظيم العمليات والبناء من الميلاد وحتى الوفاة وذلك نتيجة كل من النضج maturation والتعليم leaning وعن مفهوم القيم يذكر شبر انجر المفكر الالمانى فى نظريته عن انماط الشخصية فقد قسم البشر لستة أنماط تتغلب قيمة واحدة فيه عليهم مثل

 ( القيمة النظرية ، السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، الجمالية ، الدينية  ) .

ومن بعده صاغها العالمان  ( البورت وفيرنون )  فى بحث إجرائى ومقياس سمى باسميهما ويذكر ( أدورنو ومعانوه ) أن الشخصية التسلطية على سبيل المثال لها اتجاهها الثابت من اهتمام بالسلطه وتبنى قيم سلوكية تختلف عن القيم التى تتبناها الشخصيات غير التسليطية ويؤكد ( ميلتونم ووكيش ) أن التغيير فى نسق القيم يتمثل فى اربعة عشر نمطا ارتقائيا ومنها النمط الخاص بقيمتى ( المساواة والاستقلال ) والذى تتزايد اهميته فى فترة المراهقة وتقل اهميته فى مرحلة الرشد والنمط الارتقائى الخاص بالقيم الشخصية كالتخيلية وتشير إلى الابداع واستخدام الخيال والمنطقية وتعنى الاتساق واستخدام المنطق …..

مفهوم الثقافة

( تقف ) أى الرجل من باب ظرف حاذقا حفيفا والثقاف ما تسوى به الرماح وتثقيفها تسويتها وثقف الشئ اقام المعوج منه وسواة  الانسان  ادبة وهذبه وعلمه ( وتثاقفوا ) أى ثاقف بعضهم بعضا ( الثقاف ) اداة من خشب أو حديد تثقف بها الرماح لتستوى وتعدل  الثقافة الملاعبة بالسيف وللرجل فى الحرب أدركه والشئ ظفر به وفى القرأن الكريم ( واقتلوهم حيث تتففتموهم ) . ويذكر ( ت .  س . اليوت ) الشاعر والناقد الانجليزى أن الثقافة والدين وثيقا الصلة ويطرح ثلاثة شروط مهمة للثقافة :

اولها : هو البناء العضوى (  لا المخطط فقط بل المتنامى ) الذى يعزز الانتقال الوراثى للثقافة داخل ثقافة ما ويتطلب ذلك استمرار الطبقات الاجتماعية .

والثانى : هو ضرورة أن تكون الثقافة قابلة للتحليل جغرافيا الى ثقافة محلية وهذا يثير مشكلة ( الاقليمية )

الثالث : هو توازن الوحدة والتنوع فى الدين وهذا يعنى كونيه العقيدة مع خصوصية العبادة والصلاة ويضيف ت – س اليوت أن ( ثقافة الفرد تعتمد على ثقافة جماعة وطبقة وان ثقافة جماعة او طبقة تعتمد على ثقافة المجتمع كله الذى تنتمى اليه تلك

الجماعة او الطبقة الاساسية بالتالى هو ثقافة المجتمع . )

ونلاحظ ان الازدهار او الانحسار الاقتصادى فى مجتمع ما ليس هو المؤثر فى الاعمال الفنية فقط كما ترى الماركسية احيانا فالعوامل الاخرى التى لها دور ايجابى نحو العمل الفنى (  الافكار الخلاقة للعصر ونظرته الكاملة إلى العالم او الحياة ومستوى الثقافة والذوق والمعتقدات الدينية السائدة وكل هذه العوامل وغيرها تؤثر فى الفنان والعمل الفنى  ) .

( أ ) العمل الفنى بعد انتهاء الفنان من إبداعه وعرضة على الاخر يحمل داخل بنيانه قيم جمالية ورموز ولازمات خيال برؤيا تركيبية و تكثفية فى قالب إبداعى وهذا العمل بعد عملية العرض ينفصل تماما عن الفنان المبدع متحولا لكيان مستقل بذاته من سماته الجدة  وعدم التكرار والابتكار ودائما الجديد له أثارته وغموضه ويجاهد المتذوق ( المستمتع ) ذهنيا ليكتشف ما به من جماليات وفى كل مرة يتفاعل معه يكتشف قيم جمالية لم يكتشفها فى المرات السابقة وهكذا دائما داخل العمل الفنى الابداعى ثراء جمالى نتيجة لانه لا يفصح عما به من قيم جمالية دفعة واحدة بل يحتاج لتكرار المحاولة والمجاهدة بخلفيه ثقافية للوقوف على عتبة الاحساس بعالمه الداخلى للولوج لهذا العالم السحرى المخصب بثقافة الفنان المبدع الداخلية والمحمله بأطر اجتماعية للبيئه الاسرية والاقتصادية وسياسية ونفسية ومن جهه اخرى ندرك سببا لهذا الاستمتاع  باكتشاف علاقة وقيم لم يكن يكتشفها فى المرات السابقة نتيجة لتطور ثقافيا وذلك تفسير لعملية الاستمتاع الفنى بالعودة مرة ومرات لنفس العمل الفنى فكثير من الاعمال الفنية التشكلية او الشعرية والروائيه القديمة لكشف فيها جماليات حاليا لم تكن معروفة ى عصر إنتاجها نتيجة لنمو وتطور الحس الثقافى المعاصر على مستوى المتذوق والنقاد القيم الثقافية داخل العمل الفنى هى الشئ الذى يحمله معه المتذوق المستمع للعمل الفنى بعد إنتهاء تفاعله مع هذا العمل الفنى او ذلك – محاولا الولوج لعالمه الخاص والسير على درب الفنان الابداعى ومحاولا المرور بالتجربة الابداعية متلمسا بناء العمل الفنى الداخلى المحمل برؤيا الفنان الابداعية من منظور تكوينه الثقافى المعاصر .

فالمتذوق يشترك مع الفنان فى إمكانية التفاعل مع العمل الفنى وجدانيا ى حالة تجمع بين الشعور ولا شعور فى ان واحد وأيضا فى التوازن النفسى والثقة بالنفس نتيجة المقدرة على استيعاب الابعاد والقيم الثقافية داخل العمل الفنى والوصول إلى مرحلة الاستماع الفنى لها ويختلف المتذوق المستمتع مع الفنان فى ان الاول ابتكارة أثناء تفاعله مع العمل الفنى مقيد بما ابداعه الفنان من الوان وخطوط وتكوينات و إيقاعات .. الخ أما الثانى الفنان فله الحرية الكاملة المطلقة فى تناول إبداعه بأدوات وقيم ورؤى  خاصة بتكوينه الثقافى من رموز ولازمات خيال وقيم وابعاد تشكلية محملة بنمط شخصيته الثقافى والمهارى ويرى بنجتسون – أن القيم ماهى الا نتاج ثلاث مستويات اجتماعية اولها المستوى الذى تحدد فيه الثقافة المفاهيم الجديدة بالرغبة فيها وثانيها حيث توجد الاسرة وتوجهاتها نحو قيم وغايات بعينها والمستوى الثالث ويمثل فى الجوانب الاجتماعية الفرعية كالمستوى الاقتصادى والاجتماعى والدينى والجنس والمهنة ومستوى التعليم .

وعن الاطار الحضارى وبروز توجيهات قيمية معينة وعدم ظهور اخرى وعن تأثير الثقافة ى إبراز هذه التوجيهات توصلت ( فلورانس كلو كهون ) ان لكل ثقافة من الثقافات بروفيلا أو نسقا من التوجيهات القيمية الخاصة بها وتحاول من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية ان تفهرس من افرادها  

وهذه التوجيهات القيمية هى :

1-   التوجه الطبيعى والفطرى للبشر . I mate human nature  

2-   توجه الفرد على علاقته بالطبيعة . man – nature orientation

3-        توجه الفرد على مدى الزمن . time – orientation

4-        توجه نشاط الفرد . activity – orientation

5-        توجه العلاقات بين الافراد  . relation orientation  

واشارت الى ان هذه التوجيهات القيمية تختلف من جيل لاخر ومن ثقافة لاخرى فالقيمة الثقافية تتلبس بالقيمة التشكلية داخل بنايات العمل الفنى فنشاط الانسان البدائى به قيم تعكس رؤياه لواقع عصرة محددة معارفة ومعتقداته البسيطة معبرة عن صراعه المعاصر مع البيئه فمارس المعاصرة فى التعبير عن نشاط القنص والدفاع عن وجودة من خلال دافعية الخوف والامتلاك والتسلية والفهرسة لنقل الخبرة للاخرين وايضا بهاجس السحر لقهر الغيبيات فى مرحلة تالية وندرك انه مارس أيضا ى نشاطه الفنى الحداثة بدون ان يدرى عندما شكل دمى صغيرة حجرية لنساء بدينات ( فينوس العصر الحجرى ) متضخمة بها مراكز الامومه والانوثة موجدا معادلا نفسيا برؤيا فنية متشكلة للمراة النموذج التى تسكن خياله البسيط لتلبى حاجاته فى كثرة الانجاب كوسيلة لقهر الاعداء من حوله والسيطرة على المكان اى انه اوجد نموذج لا يضاهى الواقع المعاصر للمرأة برؤيا حديثه فيرى ( ريت لو ) أن الخلفية السحرية الثقافية أمتزجت مع مهارة وابداع الفنان فى الفنون البدائية داخل بينات اعماله الفنية فكان يرسم الحيوان محرفا احيانا حتى لا تسكنه الارواح وتؤذيه اذا كان مطابقا للواقع الحقيقى فرسمت قبائل البوشمن بافريقيا فيلا باقدام خلفيه لحيوان الكركدن وبنقس الرؤيا التراثية الثقافية كانت الاوشبتى تدب فيها الحياة داخل بر المتوفى لتسرع إلى الاجابة نيابة عنه يوم النشور اذا دعاها المتوفى لذلك فى  الحضارة المصرية القديمة .

 

وجريد النخيل لجلب الخير وضد الحسد ولاطالة العمر … وظهرت ايضا الرسومات الوشميه على صدور الرجال ووجوهم وايضا النساء … لاسباب الخير والحب والشجاعة وايضا للسعادة… إلخ.

فتلك الثقافة الشعبية المحملة بالخرافات أعطت شخصية محددة لانتاج أعمال فنية شعبية محلية تعبر عن الواقع الثقافى لشريحة من البشر غير الدارسين للفن اكاديميا… فلديهم ثقافتهم الشعبية الخاصة المعبرة عن واقعهم المعيش .

وفى الحقيقة ان استقراء التاريخ والواقع التراثى والمأثورات يكشف لنا عن انماط عدة من مأثوراتنا وفنوننا لها اتصالها بأصول ثقافية تضرب فى عمق التاريخ قرونا مديدة … بل ان عناصرثقافية  ظلت تتداول عبر الاجيال قد يتغير فيها الشكل ولكن يظل المضمون والوظيفه ثابتين .وقد يظل الشكل محفوظا ولكن تتبدل الوظيفه .فالرسوم الشعبية مرآه لثقافة جماعات حمتها من الاندثار لتنقل للاحفاد عبر الاجداد…مجسدة للذاكره المحليه من خلال الاعمال الفنيه وقد وصفها (بول روبرت )بانها الملكه التى تجمع وتحفظ المدركات الماضيه وما يرتبط بها …وهي فى الواقع الفكر الذى يخزن ذاكرة الماضى .وكما ان الفنان المثقف اكاديميا له مصادره الثقافية المعاصرة الحديثة التى ندركها داخل بنائيات اعمال الفنية …ايضا الفنان الشعبى له مصادر الشعبية منها :-

 – القران الكريم والاحاديث النبوية الشريفه

 – القصص الشعبية

 – الامثال والنوادر

 – العادات والمعتقدات

 – الرقص والغناء والرقص الشعبى

 – الادب الشعبى

  -السيرة            

ومن وسائل نشر الثقافه الشعبيه(الحكواتى، صندوق العجائب ،مسرح خيال الظل)وايضا الموالد الدينيه بالقري وفرق السيرك والالعاب الريفيه المتجوله .فالفنان المثقف شعبيا مسجون بمصادره الشعبيه وايضا بوسائل نشرها…فله سمه التكرار وبطىء في الارتقاء والتطور الاسلوبى لاعماله الفنيه …ولكنه يلبى حاجة وجدانيه وثقافه لمجتمعه بعكس الفنان المثقف اكاديميا ندرك الارتقاء والتطور والاستشراف المستقبلى لعصره داخل اعماله الفنيه التى لها سمة المراحل الفنيه المتغيره .اما افتقاد الثقافه لدى الفنان تاتى بفن مسطح ساذج به سمة التكرار ندرك ذلك فى فنون المرضي العقليين حيث تفتقد الترابط العقلانى و الهدف من ايداعها وهناك فنانى (الفن البدائى الحديث)والفنانيين الفطريين والفنانيين التلقائين من امريكا مثل ادوارد هيكس (1870-1949)وجون كين (1870-1934)والفرنسى كاميل بومبوذا واليوغسلافى ايفان جينير ليك  (1914-1978)  والمصرى المعاصرالاصم والابكم موريس فريد وهناك 

 مثل الفرنسى  هنرى روسوة (1844-1910) واحيانا يطلق عليهم الفن الخارجى “

  وصدر هذا المصطلح الفن الخارجى للناقد جان- دى- بوفيت عام 1940 ” Out sid art

  له ان الفنان يجب ان يكون غير مكيف مشكل اجتماعيا وثقافيا حتى لا يستمد اى احاسيس من الجمهور المحيط به او الاناس المقربين له)…وفي تلك الحاله ندرك ان لتحقيق هذا المصطلح فالفنان يصبح منعزلا انزالا شبه مرضى وندرك ان هناك فارقا بسيطا بين(الفن البدائى الحديث)وفنانى(يوم الاحد)حيث فنانى يوم الاحد يستخدموا الخلفيه الثقافية الاكاديميه البسيطة لديهم مثل الفنان هنرى روسوة ونصائح جيروم كليمنت الاكاديميين له – بعكس الفنانين البدائيين الحديثين- يعتمدوا على التلقائية المطلقة المتحررة الناتجة عن جهلهم بالتعاليم الاكاديمية وتدنى مخزونهم الثقافى المعرفى لمتغيرات عصرهم.

وعلى نفس المستوى نلاحظ الثقافة المعرفية التعليمية الخاصة بالاطفال تمدنا دائما بخلفية ادراكيه ثقافية لفنون الاطفال التى لها خصائص مميزة لكل مرحلة سنية ومدى تاثيره بقيم المجتمع وما تستمده منه من تعليم وقيم اخلاقية دينية / سياسية / اقتصادية …الخ .

فرسوم اطفال افريقيا تتسم بقيم اجتماعية ثقافية تختلف عن رسوم اطفال شمال القارة وايضا مع اوروبا وآسيا … وامريكا …ولكن تلك الرسوم الخاصة بالاطفال تتسم بقيم ادراكية وخصائص شبه ثابتة فى الشفافية رسم حجم الاشياء تبعا لاهميتها فى العمل الفنى … التسطيح المبالغة والحذف – التكرار … رسم ما يعرفه لاما يراه – اختفاء المنظور الهندسى … وتلك سمات مرتبطة بالمرحله السنية للطفل ….

فلاحظ العديد من الفنانين الفطريين تظهر فى اعمالهم عامل ثابت إدراكى لمرحلة الطفولة … من الخصائص السابقة مع تداخلها مع ثقافة البيئة .. فأتوا بأعمال تجمع بين براءة الطفولة وعقلانية فطرية للعالم من حولهم … أعطى لهم حرية وطلاقه فى الرؤيا الابداعية لتاثيرهم بثقافة خاصة بهم مع ثبات الادراك والجهل الاكاديمى .

وقد نفذ د. لطفى ذكى تجربة ميدانية على أثر الثقافة عاى اعمال الافراد الكبار وأختار ثلاثة شرائح جامعيين غير متخصصين فى الفن والثانية لديهم ثقافة دينية وليست فنية خريجى الازهر الشريف والاخيرة الخدم ثم عرض نتائج التجربة

فظهر التقيد بالقواعد الموضوعية فى الفن لدى الجامعيين وعند الازهريين والخدم وجد لديهم الاصالة والابتكار فى اعمالهم الفنية لتحررهم من القيود الاكاديمية وبعدهم عن محاكاة الطبيعة وارتباطهم بالفن الشعبى….

فأثر الثقافة فى الاعمال الفنية يؤطرها نصيب الفرد داخل مجتمعه من المستوى الثقافى الذى يظهر بوضوح داخل اعماله الفنية فنون الاطفال- كبار – متعلمين – أميين – فطريين فى حين يرى جوردان ، يدون خمس معايير لقيام تعدديه ثقافية  دخل الوطن الواحد او المتداخلة فى تحاور ثقافى – سيادة تصور غير تصاعدى وغير هرمى للثقافات واهميتها .

– قيام حوار اصيل ومفتوح بين الثقافات المتعايشة يعتمد التبادل والتمازج بين اللغات والمهارات الفنية بدلا من انفصالها وتباعدها .

– اتباع اسلوب مضاد للعنصرية بشكل حازم وجذرى يتجنب الخلط بين العرق والثقافة

– عدم تمييز ثقافة على حساب الاخرى كتميز الثقافة الموروثة التقليدية على الثقافة الشعبية او تمييز الثقافة الرفيعة على التكنولوجيا الثقافية الجديدة وضرورة مشاركة جميع فئات التعدد الثقافى والعرقى فى جميع هياكل المؤسسات الثقافية .

وخلص فى نهاية تقيمها ان جميع الثقافات المعاصرة هى مهجنة من ثقافات اخرى او اقدم وانه (لا وجود لثقافة نقيه خالصة فكلها مخلطة ومهجنه…. )

فالفنان المثقف دائما ثورى يطمح لتغير الواقع الى الافضل ولديه الرؤية الارتقائية لنظم المجتمع يرصد  دائما نواحى  القصور والخلل ويكشفها فى اعماله بدعوى تحريضيه

لتغيير السائد … ندرك ذلك فى اعمال الاسبانى (جويا ) وبعض اعمال المصريين ( عبد الهادى الجزار ، جاذبية سرى ، آدم حنين ، جورج البهجورى ، رمزى مصطفى ، مصطفى الرزاز ، عمر النجدى ، طه حسين ، جمال السجينى ، د.صبرى منصور… ) واخرين . متحولين الى عين الثقافة كاشفة وضمير فنى للاخرين … له حس الفنان الحالم بمستقبل ارقى وافضل والابداع الفنى فى احد تعريفاته هو المقدرة على الاكتشاف ثم الهدم ثم البناء …. فالحركة الدادية رفعت شعار ( لا فن ) فى زيورخ 1917 عندما اكتشفت خلل ما فى المسيرة الثقافية الفنية التشكيلية وقتها وهدمت جميع القيم الفنية ولكنهم لم يستطيع فنانيها بناء فن جديد لان عامل الهدم كان هو السائد من جهة وافتقادهم للبعد الثقافى للبناء لصالح الاخرين من جهة اخرى فانتهت الى لا شىء لتجىء بعدها السريالية من منظور ثقافى نفسى علمى محمله بقيم جمالية وفنية .

ولكن الكاتب المسرحى مارتن اسلن يرى فى العمل الفنى الدادى للفنان مارسيل دو شامب مبوله على قاعدة تمثال وعرضها فى احد المعارض التشكيلية بعنوان النافورة استفاد من هذه الطبيعة السحرية لخشبه المسرح اى جعلها فى حالة عرض ومحمله بالدلاله  … ان المرء لا ينظر الى مبوله كشكل دال signifier عندما تكون فى استخدامها اليومى ، ولكنها بالتاكيد نموذج شكلى ذو دلاله يشد الانتباه .

ومن قبل الداديه والسريالية اتت الحركة الوحشية كثورة لونية فى باريس فى الفترة ( 905- 1907  نتجة لمكشفات اللون الحديثة وظهور اللوحات المعدة سطوحها للعمل عليها مباشرة بدون تجهيز مما وفر وقت وجهد وطاقة الفنان الانفعالية ومارس العنف اللونى على سطوح لوحاته وسميت مدرسة السطوح الملونه لافتقادها للمضمون والبعد الثقافى .. فانتهت سريعا واستمرت حوالى ثلاث سنوات فقط ومهدت للمدارس التى جاءت بعدها فى حرية التكوين الفنى والتعامل اللونى العنيف مع سطوح اللوحات معطيه انطلاقه كبرى لفن القرن العشرين .

 وهكذا فالبعد الثورى الفنى لا يكفى . بل لابد ان يخصب بالقيم الثقافية الحاويه لافكار تغير الواقع المعيش الى الاجمل والافضل .

بقلم /ا. د. مصطفى يحيى للمعهد العالى للنقد الفنى اكاديمية الفنون

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.