ظن الكثيرون من قرَّاء “جيه كيه رولينج” J. K. Rowling أنها لم تستطع تخطي عالم هاري بوتر وأن كل ما كُتب بعده يدور في عالمه، بينما ظن البعض أنها مجرد كاتبة كسول لم تحاول خلق عالم جديد متشعب بعد عالم هاري ومدرسته.

لكن بعد مرور عام واحد من إصدارها روايتها الأولى للبالغين “منصب شاغر” The Casual Vacancy شرعت بعدها في كتابة رواية جريمة/لغز تحت عنوان “نداء الكوكو” The Cuckoo’s Calling وتحت اسم مستعار هو “روبرت غالبريث Robert Galbraith، لكن لم يمر الكثير من الوقت حتى عُرف أن جيه كيه رولينج الكاتبة الحقيقية للرواية.

صورة

صدر حتى الآن خمسة أجزاء من السلسلة، ترجم منها عمر سعيد الأيوبي ثلاثة أجزاء: نداء الكوكو The Cuckoo’s Calling – دودة الحرير The Silkwormمهنة الشر Career of Evil، وصدرت عن دار “نوفل للنشر والتوزيع”، وجاري العمل على ترجمة الجزء الرابع، كما تحولت السلسلة إلى مسلسل ناجح على شبكة BBC، صدر منه ثلاثة أجزاء، وسوف يصدر الجزء الرابع خلال 2020.

هل حاولت جيه كيه رولينج خداع قرَّائها؟

الكتابة تحت اسم مستعار أمر شائع في الخارج، فمن الصعب عندما يصل الكاتب إلى هذا القدر العظيم من الشهرة والنجاح الذي وصلت إليه جيه كيه رولينج أن يصل إليه الانتقاد، فلكل كاتب شهير دراويشه الذين يحولون بينه وبين وصول أي نقد له.

قالت جيه كيه رولينج في بيان لصحيفة صنداي تايمز اللندنية: “كنت آمل أن أحافظ على هذا السر لفترة أطول قليلًا، لقد كان من الرائع نشر العمل دون ضجيج أو توقع، وكنت في منتهى السعادة لحصولي على ملاحظات تحت اسم مختلف”.

ماذا قدمت جيه كيه رولينج في سلسلتها البوليسية؟

صورة

“نداء الكوكو” هي الرواية الأولى لسلسة روايات تُسمى “كورموران سترايك” Cormoran Strike التي تتحدث عن محقق خاص “سترايك” ومساعدته “روبن إيلاكوت”. ذلك المحقق خاض الحرب الأفغانية وفقد فيها ساقه، ينام في مكتبه، يسكر كل يوم، عابس طوال الوقت، يبدأ في التحقيق بجريمة قتل عارضة أزياء شهيرة تُدعى “لولا لاندري”.

تدور أحداث الجزء الأول من السلسلة حول مقتل عارضة أزياء شهيرة بعد قفزها من شرفة منزلها، وقد رجحت الشرطة والصحافة أن الحادث انتحار بسبب اضطرابات نفسية كانت تمر بها تلك المرأة. هذا التفسير لم يقنع أخاها الذي اتجه نحو المحقق كوموران سترايك ليحقق له في قضية أخته باعتبارها جريمة قتل، ويقبل سترايك بدوره تلك القضية التي ستنقذ عمله جزئيًا بسبب احتياجه الشديد إلى المال.

لا تقدم لنا جيه كيه رولينج محققًا عاديًّا أو محققًا رأيناه في أي من الأعمال السابقة، بل هو عاجز لا يستطيع الركض، لديه الكثير من المشاكل، ابن غير شرعي لمغني روك شهير ووالدته معجبة سيئة السمعة، كما أنه مفلس.. حياته مدمرة.

كذلك لم ترغب جيه كيه رولينج بأن ينتمي ذلك المحقق إلى البوليس ويصبح نسخة مكررة باهتة من روايات المحققين، لم ترغب بأن يحل قضيته بناءً على تحليل الحمض النووي أو أن يملك الإمكانية للولوج إلى الملفات والدفاتر واستجواب الأشخاص بسهولة، لقد كان تخمينه وإصراره وذهنه الحاضر سبب حله للقضايا.

تقول جيه كيه رولينج J K Rowling في حديثها مع غرهام نورتون Graham Norton مقدم التلفاز والمذيع الأيرلندي الشهير: “لقد وضعت تحديًّا لنفسي لكتابة شيء يُشبه روايات الألغاز الكلاسيكية (روايات من فعلها؟) على طراز العصور الذهبية، عندما يكون هناك شخص واحد أو اثنان يعملون متخفيين”.

رأي النقاد والقرَّاء في كتابها قبل معرفة هويتها

صورة

كانت رولينج ترغب في كتابة أدب الجريمة، وأن تخلق عالمها الخاص الجديد دون توقعات، وهو أمر مفهوم تمامًا بعد تحقيقها هذا النجاح الكبير، ورغم أنها أرادت نشر على الأقل ثلاثة كتب من السلسلة قبل أن يُفتضح أمرها، فإن القرَّاء عرفوا من هي بعد ثلاثة أشهر فقط من إصدار الكتاب الأول.

قبل الكشف عن رولينج ككاتبة لرواية “نداء الكوكو” صرح عدد من النقاد أن الكتاب يستند إلى تجربة الكاتب الخاصة في الخدمة العسكرية، وصرح البعض الآخر أن تلك الرواية بالتأكيد ليست الرواية الأولى للكاتب، فلم يعرف عنه أحد إلا أنه مؤلف بريطاني، لا صورة له على غلاف الكتاب الخلفي ولم يقم بعمل حفل توقيع للكتاب، كذلك نستشف خلفيته العسكرية من موقعه على الإنترنت، لذلك بدا كاتبًا منعزلًا وخجولًا فيما يخص إجراء المقابلات، ربما هذا ما عزز تلك الفكرة عند النقاد.

هل كانت تخشى جيه كيه رولينج الرفض؟

لم يكن روبرت غالبريث Robert Galbraith الاسم الذكوري الوحيد الذي استخدمته جوان كاثرين رولينج، فبعد رحلتها الشاقة في نشر روايتها “هاري بوتر وحجر الفيلسوف”، قرر الناشر أن اسمها جوان كاثرين ليس جيدًا، وأن عليها الكتابة باسم “جيه كيه رولينج”، الاسم ذكوريًّا أو لعله لا يظهر هوية الكاتب سواء كان ذكرًا أم أنثى.

ربما رأى الناشر أن اسمها كأنثى لن يجذب الكثير من القرَّاء أو أن يضعها البعض في خانة فئة الفتيان الرومانسية، لهذا عندما اختارت النشر من جديد باسم مستعار، وفي محاولة منها للعثور على ناشر اختارت اسمًا لرجل! ربما الأمر ليس على سبيل المصادفة، ربما أرادت الكاتبة أن تحظى بفرصة أكبر لدى القرَّاء والناشرين كذلك، ويبدو أن هذا ما حدث، لكن هل كشف هويتها بعد ثلاثة أشهر حدث بالصدفة أم لم يكن كذلك؟

هذا ما لا نعرفه، لكننا نعرف بالتأكيد أن تلك السلسلة رائعة وتستحق القراءة وأنها تملك روح قصص الجريمة الكلاسيكية.