“عبد المعين مرزوق”.. الفنّانُ الغائب عن الذاكرة

 حسان ابراهيم

السبت 18 كانون الثاني 2020

أحبَّ الموسيقا وتعلّمها سرَّاً عن أبيه، حكايته مع آلة الكمان لها وقعٌ خاص في ذاكرته فبرع عليها عازفاً وملحناً لأكثر من ثلاثين عاماً، قدَّم خلالها العديد من الألحان للمسرح الشبيبي، ولمطربين كثر من مدينة “حمص”، ومنهم “جورج وسوف”.

من ذكريات الفنان عبد المعين مرزوق

مدوّنةُ وطن “eSyria” التقت بتاريخ 5 كانون الثاني 2020 الفنان “عبد المعين مرزوق” للتعرف على مسيرته الفنية، والبداية كانت عن نشأته فقال: «ولدت وترعرعت في حي “القرابيص” ضمن عائلة فقيرة الحال ومحافظة على التقاليد والأعراف، ظروف الحياة الصعبة حينذاك منعتني من إكمال دراستي، حيث توقفت عنها بعد نيلي للشهادة الابتدائية عام 1958 بسبب اضطراري لمساعدة والدي الراحل في إعالة العائلة بحكم كوني الأكبر بين أشقائي، لكن بعد خمسة عشر عاماً عدت للدراسة مجدداً، وحصلت على الشهادة الإعدادية، لكن زواجي المبكر منعني من المتابعة والحصول على الشهادة الثانوية رغم دراستي لمراحلها».

وعن حكايته مع الموسيقا وآلة الكمان، قال: «التقاليد الاجتماعية التي كانت سائدةً لدى غالبية المجتمع كانت ترى في تعلُّم الموسيقا وممارستها أمراً معيباً، وخاصةً لدى والدي الراحل الذي عارض بشدة هذا الأمر، لكن شيئاً ما بداخلي كان يتحرك صوبها، كنت منشدَّاً نحو آلة الكمان رغم عدم معرفتي باسمها الفعلي، لما فيها من جماليةٍ وعذوبة في نغمات أوتارها، هذا الهوس دفعني لصنع آلةٍ أقرب إلى الربابة ومن مواد بسيطة كانت موجودة حولي، وبعد تجارب عديدة ومع مشورة البعض من أهل المعرفة وصلت لإصدار الصوت الأول عليها، وكانت فرحتي كبيرة حينها، حتى هذا الموضوع لم يعلم به أحدٌ من أفراد أسرتي، بحكم اتباعي لدوراتٍ مسائيةٍ في تخصصات مختلفة كتعلم الضرب على الآلة الكاتبة واللغة الانكليزية وغيرها. انتسبت لصفوف نادي “الخيام” الفني في عام 1964 بعد عامٍ من تأسيسه، وهناك بدأت مسيرتي الفعلية مع تعلم الموسيقا بشكلٍ أكاديمي على يدي الفنان الراحل “سليم نوح” عازف العود القدير وأحد مؤسسي النادي، وكان ذلك كله سرَّاً عن

والدي، ومع مرور وقتٍ قصير نسبياً أصبحت متمكناً من مفاتيحها لتبدأ مسيرة العمل الاحترافي بعدها».

وعن المرحلة اللاحقة في مسيرته الفنية يقول: «نادي “الخيام” كان من أبرز الأندية الفنِّية على الساحة في مدينة “حمص” إلى جانب أندية أخرى لها عراقتها، وذلك من خلال فرقه المسرحية والموسيقية التي كانت تضم في صفوفها فنانين متميزين كان همهم تقديم الموسيقا والغناء الشرقي الأصيل لجمهور المدينة، كان الموسيقيون يعملون بلا مردودٍ ماديٍ، وذلك من أجل المحافظة على استمرارية النادي ورفع شأنه، وكنا ندفع من جيوبنا أجرة المقر لأنَّ الفنَّ كان بالنسبة لنا رسالةً وليس من أجل الكسب بعكس ما نشهده اليوم.

أسماء ذات شأنٍ ترافقت العمل معها من أمثال: “مروان الزهراوي”، “معتصم الدالاتي”، “برهان صباغ”، “محمد صنوفي” وآخرون غيرهم، النادي كان حاضراً في معظم الفعاليات الفنِّية على اختلاف أنواعها، وخلال تلك السنوات قدَّمت العديد من الألحان للمسرحيات الغنائية منها “الأبيض يربح”، و”صور تلفزيونية”، إضافةً لتلحين المنولوجات التي كان يؤديها الفنان “محمد خير الكيلاني” ابن النادي، كما قدَّمت لحنين للفنان “جورج وسوف” في بداية مشواره الفنِّي والذي كان من روَّاد النادي بشكلٍ شبه دائم، وهما “جدولاتك نهبوني”، و”جوا عيونك في جنَّي”، وخلال تلك الفترة توليت مسؤولياتٍ عدَّة في النادي بدايةً كمحاسبٍ، ومن ثمَّ نائباً للرئيس، وبعدها رئيساً لمدة ستة عشر عاماً، بالإضافة لكوني أحد أعضاء الفرقة الموسيقية، وفيما بعد قائداً لها».

عمله كمدرِّسٍ للموسيقا وما قدَّمه خلال تلك الفترة عنه قال: «في بداية سبعينيات القرن الماضي بدأت العمل في تعليمها بمدارس عدَّة تنوعت ما بين الابتدائية والإعدادية، وكنت سعيداً بتقديم معرفتي وخبرتي للطلاب إن كان من خلال الحصص الدراسية أم مع الفرق التي أشرفت عليها أو التي أسستها بنفسي في بعض المدارس، ومنها “ذات النطاقين”، “خولة بنت الأزور”، و”القدس”، اتجهت أعمالي في جلِّها نحو تلحين الأناشيد الوطنية واللوحات الغنائية الراقصة، ومنها لوحة “الجيل العربي” التي عرضت عام 1972 في ذكرى قيام الوحدة بين الجمهوريات العربية “سورية ومصر وليبيا”، وتبقى المسرحية الغنائية “دكانة ريما” التي لحنتها هي العمل الأكثر تأثيراً في ذاكرتي، حيث استمر عرضها لأكثر من عشرة أيامٍ متواصلةٍ على مسرح الشبيبة في المدينة في العام ذاته، وهي من إخراج “رئيس الأتاسي”، وكتب كلماتها “سمير الدرويش”، وقد كرَّمني حينها وزير التربية بجائزة “الفارابي” عما قدَّمته من ألحان لتلك الأعمال».

وعن وجوده ضمن نقابة الفنانين والمسؤوليات التي تولاها يضيف: «انتسابي لفرع النقابة في مدينة “حمص” جاء كمرحلةٍ أخيرةٍ ضمن مسيرتي الفنِّية، وقد حصل ذلك في عام 1987 وبعد أربع سنواتٍ تمَّ تكليفي برئاسة مكتب العقود فيها إضافةً لقيادة الفرقة الموسيقية التابعة لها، مشاركاتنا كانت تقتصر على المهرجانات التي كانت تقام في المدينة، ومنها مهرجان “حمص الموسيقي”، ومهرجان “الثقافة الموسيقية”، إضافةً لعروضٍ خلال المناسبات الوطنية. أيضاً كان لي نصيبٌ في تقديم بعض الألحان لأغانٍ مثل “لا تتقلي يا مدلَّلي” وغناها في حينها المطرب الراحل “طلال ديب”، وقصيدة “ألا قل لليلى فؤادي انفطر” وغيرها، وحالياً ما زلت مكلَّفاً برئاسة مكتب العقود في النقابة».

زميله السابق في نادي “الخيام” الفنان “محمد خير الكيلاني” عنه يقول: «هو من جيل العازفين والملحنين الصابرين، وجوده في النادي جاء مترافقاً مع أسماء ذات شأنٍ موسيقيٍ عالٍ منهم الملحن والموسيقي “برهان الصباغ”، و”أسعد ليلى”، وقد أثبت تمكنه من خلال الألحان التي قدَّمها لفرق النادي المسرحية والموسيقية، وقد برع في تلحين المونولوج وهنا كان تعاوني لافتاً معه، كانت لديه طاقة كبرى في مجال التلحين، وقد استطاع تفجيرها من خلال عمله الطويل مع مسرح اتحاد “شبيبة الثورة”، وكان علامةً فارقةً في حينها من خلال ما قدَّم من ألحانٍ له، زاد تألقه مع فرقة نقابة الفنانين التي ترأسها لسنوات، ووسَّع انتشاره أكثر من خلالها، وبرأيي فإنَّ “عبد المعين مرزوق” فنانٌ ظلمته مدينته».

نهايةً نذكر أنَّ “عبد المعين مرزوق” من مواليد مدينة “حمص” عام 1946 متزوج ولديه خمسة أولاد.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.