ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏نبات‏، ‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏ و‏ماء‏‏‏

 

ينحتُ النَّحَّات السُّوري إلياس نعمان أعماله بكلِّ مشاعرِهِ

لأنَّهُ يجدُ عبر النَّحت ذاته التَّوَّاقة إلى أقصى مرامي الإبداع!

إليالس نعمان

(11)

 

إلياس نعمان نحّات سوري مبدع في تقنيّاته الفنّيّة المدهشة، مواليد يبرود، إحدى المدن المتاخمة لياسمين دمشق، فنّان عميق الرّؤية والخيال، مترهبن للنحت والفنِّ والإبداع. يمتلكُ خيالًا جامحًا وأفكارًا جديدة في كلِّ عملٍ ينحتُه ببراعةِ فائقة، مركّزًا على إزميله ومطرقته دون استعمال أيّة أدواتٍ كهربائيّة، مستوحيًا من ثقافته وإرثه الحضاري والتّاريخي أفكار منحوتاته وتجلّياته الشَّاهقة بحرفيّة وشغفٍ عاليَين، ينظرُ إلى النّحت كحلمٍ مفتوح على مرافئ الدّنيا، حيثُ يعملُ لساعاتٍ طوال وهو يستمع إلى الأوبرا برهافةٍ عالية وصبرٍ منقطع النّظير، كأنّه يريد أن يدخل أنغام الموسيقى إلى تقاطيع ومنحنيات منحوتاته،، فتأتي إيقاعات إزميله موائمة لأنغام الأوبرا، كأنّه في رحلةِ فرحٍ وعشقٍ إبداعي لا يُضاهى.

ينحتُ أعماله بمتعةٍ لا مثيل لها، وهذا ما قاده أن يحقِّقَ نجاحًا وحضورًا متميّزًا وتفرُّدًا مبهرًا في تقنيّاته الّتي ابتكرها خلال رحلته البديعة في عالم النّحت، مستلهمًا من فضاءات رؤاه وتجاربه وخبراته وثقافته العميقة في الفنِّ وتاريخ الفنّ الشَّرقي والغربي؛ فهو يمتلكُ ثقافتَين موغلتَين في أعماقِ الفنِّ والإبداع الرّصين، فاستمدَّ الكثير من التَّجلِّيات من دراساته لتاريخ الفنِّ واطلاعه العميق لفنون بلاد الرّافدين ووادي النِّيل والإغريق وعصر النّهضة والفنِّ العالمي، فولدت منحوتاته من رحمِ خيالٍ مجنّحٍ نحوَ أرقى منائر الإبداع، كأنّه جاء للحياة خصيصًا ليترجم هذه الخصوبة الفنّيّة بكلِّ تفرّعاتها المتربّعة على مساحات أجنحته المرفرفة على مرامي طموحاته الممتدّة من دنيا الشَّرق بكلِّ حضارته وتراثه وثقافته، مرورًا بالحضارة الغربيّة والعالميّة بآفاقها الرّحبة، مركّزًا ومتشرّبًا بفنون عصر النّهضة، ومغذّيًا تدفّقاته من ثقافته العميقة في تاريخ الفنِّ عبر كافّة العصور، مستخلصًا لنفسه أسلوبًا خاصًّا به وبعالمه وخياله وآفاق رؤاه، فجاء الإنسان هدفه الأوَّل، وولدت منحوتاته ونُصبه الكبيرة بطريقة خلّاقة كأنّها تنطقُ شموخًا باهرًا؛ لما يحمله من آفاق رهيفة ومدهشة للغاية. يعمل بصبرٍ طويل واستمراريّة غارقة في العطاء، كأنّه في حالةِ توحُّدٍ وعناقٍ مع إيقاعِ مطرقته ورهافةِ إزميله وهو يسمعُ إلى موسيقى الأوبرا بشغفٍ كبير.

مرارًا صعدَ إلى جبالِ يبرود في طفولته ممعنًا النّظر في سلسلةِ جبال يبرود الّتي تشكّلتْ في مرتفعاتها ما يشبه التّاج، ترسّخَت هذه الجبال في ذاكرته إلى أن ظهرت تكويراتها في شموخِ منحوتاته الّتي نحتها وهو في أوجِ حنينهِ لياسمين الشّام ومرتفعاتِ يبرود. يكبرُ الفنّان وتكبرُ طموحاته، وانشغاله بالطَّبيعة، بجمالِ الأشجارِ، بألعابِ الطُّفولةِ والصِّبا والشَّباب، ويتنامى شغفه بالكتلة من خلالِ اشتغاله معَ والدِهِ بالنّجارة في باكورةِ عمره، كان حلمه شاهقًا لمتابعة دراساته العليا في إيطاليا، وبعد تخرّجه في كُلِّيَّة الفنون الجميلة بدمشق، تابع تسجيل دراساته للماجستير، وفي الوقت نفسه تقدَّم لمتابعة دراساته في جامعات إيطاليا، فورده الموافقة علىدراسة النّحت في جامعة كرارة في إيطاليا، فقطع دراساته في الماجستير ليتابع دراساته العليا في إيطاليا؛ بلاد الفنِّ والنّحت والفن العالمي العريق، وكم سرَّه وشعرَ بالزُّهوِّ في أوَّلِ يومٍ يصلُ إلى إيطاليا ويتمشَّى في شوارعِ روما، عاصمة النّحت والفنِّ البديعِ ويشاهدُ المنحوتات في الشّارعِ وجهًا لوجه، متسائلًا بفرحٍ كبير: هل من المعقول أن أرى ما قرأته في كتبِ تاريخِ الفن بأمِّ عيني على أرض الواقع؟!

درسَ بهمّة عالية وطموحٍ يلامسُ شموخَ الجبال، ونجح بتفوّقٍ، وقدّم بحثًا حولَ رحلته في النّحتِ من الشّام إلى إيطاليا، والبديع في الأمر أنَّه أثناء تخرّجه قال له المشرف على مشروع التّخرج:إنَّكَ يا إلياس تشبه وجه آشوري، فسرَّه هذا التّشبيه؛ لأنّه من حضارة آشور وسومر وأكّاد وحضارة بلاد الرّافدين، حضارة الشّام وآرام، حضارة الحرف الأوّل والإبداع الرَّصين.

يشتغلُ النّحات إلياس نعمان بمتعةٍ غامرة على حجرِ المرمر، مستخدمًا يديه وأزاميله، ولا يستخدم نهائيًّا الآلات الكهربائيّة، معتبرًا العمل بالمطرقة والإزميل هو الإحساس الدّافئ الصّادق الّذي يجمعه بعمله النّحتي؛ لهذا، يعمل على منحوتاته بعشقٍ لا يُضاهى كمَن يشتغلُ على الألماسِ والذّهبِ الخالصِ. تهدهدُ ضربات إزميله إيقاعات موسيقى الأوبرا، ويعمل دون كللٍ ساعاتٍ طويلة كأنّه في محرابِ النّعيمِ، مركّزًا على الإنسان ومراميه الغزيرة في الحياةِ؛ لأنّه يرى أن الإنسانَ هو موضوعه الأساسي في النّحتِ؛ لأنَّ الإنسان هو جوهر الحياة، فلِمَ لا يكون هو الآخر جوهر عمله الفنّي؟! ولا تستهويه الأعمال التّجريديّة؛ لأنّها لا تعكس أهدافنا ومشاعرنا وتطلُّعاتنا مثلما تعكسها الشّخوص، وغالبًا ما ينحت المرأة والرّجل والأطفال، والأسرة. وعندما ينظر المشاهد إلى منحوتاته، يلاحظ أنّه أمام موضوع معيَّن لكلِّ منحوتة؛ حيث يرسمُ منحوتته ضمن سياق أفكار معيّنة ويترجمها بطريقة مدهشة، وأجمل ما في أعماله، أنّه يترك جزءًا من حجر المنحوتة، فتبدو المنحوتة محفورة في قلب المرمر وتبدو جميلة للغاية ككتلة فنِّيّة بما تبقّى من الحجر على أطراف المنحوتة وتصبح إطارًا فنِّيًا للمنحوتة، ويشعرُ بالزُّهوِّ عندما ينتهي من كلِّ عملٍ من أعماله. للمرأةِ باعٌ كبير في منحوتاته، يبدو شاعرًا بديعًا في نحْتِ المرأة، ينحتها بطريقةٍ شاعريّة رومانسيّة مبهرة، تبدو كملكة، كأُمٍّ، كعاشقة، كحبيبة في أوج حنينها لحبيبها، كمبدعة، كإنسانة جميلة كأنّها موسيقى الحياة بكلِّ بهائها. أشعرُ وأنا أشاهد منحوتاته أنّني أمام عاشق شاعري رهيف الإحساس تجاه بهاء المرأة، ويبدو من خلال أعماله أنَّ لديه طاقات عشقيّة فريدة من نوعها تجاه هذا الكائن الجميل (المرأة) والّتي تبدو وكأنّها جنّة الإنسان على الأرض وهديّة الهدايا؛ ولهذا ينحت تفاصيل بهائها بطريقةٍ انسيابيّة متفرّدة!

ينحتُ بكلِّ جوارحِهِ ومشاعرِهِ؛ لأنّهُ يجدُ عبر النّحت ذاته التَّوّاقة إلى أقصى مرامي الإبداع؛ لأنَّ النّحتَ هو هدفه الأوّل والأخير في الحياة، لهذا يصبُّ كلّ تجلِّياته بلذّة ومتعة غير مسبوقة، لهذا نراهُ غائصًا في أدقِّ التّفاصيل وكأنّهُ في رحلةٍ حلميّةٍ مبهجةٍ للروحِ خلالَ انغماسه في تشكيل منحوتاته الفنّيّة، فيستمرُّ طويلًا بكلِّ شغفٍ دون أن يراوده أي كللٍ أو مللٍ؛ لأنّهُ يستمدُّ طاقاته باستمراريّة حاذقة كي ينفِّذَ برامجه ومشاريعه الفنّيّة ويواظب عمله وهو في أوجِ لياقته وصفاء ذهنِهِ وقدراته في ترجمةِ مشاعرِهِ الخلّاقة.

يرى النّحات إلياس نعمان أن للفنِّ لغة كونيّة تتعانقُ مع بقيّة فنون العالم، وهو مقياس تقدُّم البلاد واستنهاض الحضارات الإنسانيّة في سائر أنحاء المعمورة، محاولًا أن يبدع أرقى ما لديه؛ كي يقدَّمَ الأجمل، ويبيِّنَ للآخر أنّنا كنّا ومانزال أصحاب حضارات فنِّيّة وثقافيّة وفكريّة شاهقة. ويميل إلى اللِّقاء بالفنّانين والفنّانات بالمشاركة في الملتقيات والمعارض الدَّوليّة؛ كي يتبادلوا الخبرات الفنّيّة والتِّقنيّة، ويطلع بعضهم على أعمال بعض، وكل هذا يُسهم في رفع وتعميق مستوى الفنّان.

شعرَ ببهجة وفوز غير مسبوق وهو يشارك في ملتقى بالأرجنتين عام (2012) في بينالي دل تشاكو ضمن مسابقة مباشرة، وكان يحضر آلاف المشاهدين يوميًّا، وصوَّتَ الجمهور على أجمل عمل نحتي، ففاز بجائزة تصويت الجمهور، معتبرًا هذه الجائزة من أرقى الجوائز؛ لأنّها نبعت من الجمهور وهو يعمل المنحوتة أمامهم، كما حقَّقَ فوزًا آخر في متلقيات أخرى بتصويت الجمهور، وهذا يدلُّ على نجاحه الباهر، وتحقيق الأجمل بين الفنّانين المشاركين والمشاركات، وقد حقَّق نجاحًا وفوزًا وحضورًا وتقدُّمًا عن الكثير من الفنَّانين والفنّانات في معارضه ومشاركاته في العديد من الملتقيات الدَّوليّة، كما شارك في العديد من الصُّروح والنّصب التّذكاريّة بنجاحٍ كبيرٍ في الكثير من عواصم ومدن العالم.

قدَّم النّحّات المبدع إلياس نعمان ابن يبرود، أعمالًا نحتيّة عالميّة في ملتقياته ومعارضه الفرديّة والجماعيّة، وخلَّد اسمه في سجلِّ المبدعين العالميِّين، ورفع اسم سوريا عاليًا كفنّان آتٍ من معقل الفنون ومكمن الحضارات الّتي قدّمت عبر تاريخها الموغل في القدم، أبدع ما يقدّمه الإنسان للعالم، وبهذا يكون قد ترجم على أرض الواقع أنَّ سوريا كانت وستبقى أمُّ الحضاراتِ، ومنبع الإبداعِ والنّحتِ واللَّونِ والإيقاعِ والضّوءِ والحرفِ والجمالِ. ترفرفُ في معراجِ الحلمِ وخيالِ المبدعين، وقد نحَتَ سوريا عبر إبداعه منحوتةً معبّقةً باخضرارِ الحنطة والعطاءات الخلّاقة وهي تشمخُ بمبدعيها بمختلف تجلِّياتهم أمام العالم أجمع!

ستوكهولم (11/ 9/ 2019).

 

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏ ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اسم المؤلِّف: صبري يوسف.

عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.- مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).

الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.

دار نشـر صبري يوسف – [email protected]

Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*يليه بالنشر مجموعة الجزء الثاني :

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.