الخويطر.. بين المعاني والمعالي!! محمد عبده يماني

الخويطر .. بين المعاني والمعالي !!

القصيدة الحبارية – أبا بندر لسنا على الصيد نقدر ** وفينا يماني وفينا خويطر.
غازي القصيبي – سليمان السليم

الخويطر.. بين المعاني والمعالي!!
محمد عبده يماني

عدت من رحلتي خارج المملكة، وعلمت أن «الجزيرة» العزيزة قد خصصت موضوعا اساسيا في ملفها عن أستاذنا الشيخ «أبي محمد» الدكتور عبدالعزيز الخويطر، وجلست لأكتب ولم أعرف من أين ابدأ، هل أبدأ من مروءات هذا الرجل، أم من أدبه وعلمه وفكره وحسن خلقه وعشقه للتراث، أم أكتب عن أمانته ودقته في محاسبة النفس وترويضها على فعل الخيرات واحترام الآخرين، وتلك القناعة العظيمة التي كان يتمتع بها، وأنه كان دائما يملؤه الامل الذي يجعله مبتسما متفائلاً، أم أكتب عن أستاذي الشيخ، وكيف كان يتعامل معنا كطلاب في تواضع جم، وخلق رفيع.
وقد شعرت في يوم من الايام في كتابه «أي بُني» وكأنه يخاطبنا جميعا، وكان في كلماته أبوة ودفء وتوجيه، ولمحات تضيء طريقا أبناء هذه الأمة، ولا شك أنني عندما أكتب عن ثقافته أشعر بارتجاف وتردد وتهيب، فهو رجل موسوعي، يعشق اللغة، ويحرص عليها، ويدقق في كل ما يكتب أو يقول.
وقد عرفت الدكتور عبدالعزيز الخويطر وأنا ما أزال في مراحل الدراسة الأولى في الجامعة، يوم كادت تتعثر بعد وفاة الدكتور عبدالوهاب عزام رحمه الله ونادى بعض المغرضين بقفل الجامعة، وإرسال الطلاب إلى خارج المملكة، فحمل الراية معالي أستاذنا الشيخ ناصر المنقور، وسار في جرأة وصدق وثقة بالهدف الذي كان يسعى إليه، واجتذب إليه مجموعة من الرجال منهم الدكتور عبدالعزيز الخويطر، والدكتور عبدالله الوهيبي، والأستاذ عبدالله النعيم، والدكتور رضا عبيد، ثم جاءت مجموعة كبيرة لتدرس في الجامعة عندما تعثرت علاقتنا بمصر، منهم معالي الشيخ أحمد زكي يماني، ومعالي الشيخ هشام ناظر، ومعالي الشيخ عمر فقيه، ومعالي الأستاذ حسن المشاري، ومعالي الأستاذ عبدالوهاب عبدالواسع، وأصر معالي الأستاذ ناصر المنقور على مواصلة المسيرة، وشد على يده الدكتور الخويطر حتى تجاوزت الجامعة مرحلة الخطر، وسارت في طريقها الذي نراها عليه اليوم، وكان مسجلنا في كلية العلوم الأستاذ عبدالرحمن عبدالكريم.
***
هو عبدالعزيز الخويطر.. الدكتور.. الإنسان.. و الرجل الذي تشعر بأنه قريب منك.. ولكنه يتسامى بأخلاقه وفضله، وهو دون شك من أولئك الصفوة المثاليين الذين تحدث عنهم الأستاذ عبدالعزيز السالم.
هو رجل شهد له الناس بالنزاهة والأمانة والفضل، ونظافة اليد، وطهارة القلب، واللسان، وما كانوا ليجمعوا على باطل لأنه من الرجال الذين أعانهم الله على الصدق والأمانة وتطهير الرزق، ولي حادثة عجيبة معه، فقد زرته يوما في المنزل، وحدثني عن رؤية رآها في المنام وتكررت، وهي أن ثعباناً يحاصر جزءاً من مكتبته في الرفوف العليا، فقلت له يومها، لابد من الاحتراس، فقد تكون رؤيا حقيقية، أي رؤيا قد جعلها الله حقا، ويريد أن يحذرك الله من وجود هذا الثعبان هناك، فاحضر من يفهم في الثعابين، وأخيراً أحضر سلّما، وصعد للمكان في تهيب، ولاحظ أن في ذلك المكان كتابين من الكتب التي سبق أن استعارها من جامعة الرياض عندما كان يعمل في الجامعة، ونسي ولم يردهما، فقام بإخراج الكتابين وأرجعهما إلى الجامعة، فسبحان الله كيف نبه هذا الإنسان حتى يطهر رزقه، وهو من الرجال الذين يحرصون على عدم الخوض في الحرام من مأكل أو مشرب أو غير ذلك.
***
وجزى الله استاذنا عبدالعزيز الخويطر على تحمله للدكتور غازي القصيبي في كل ما كان يقوله شعراً او نثراً في مجلس الوزراء او خارجه، وقد كنت أحرص على جمعه، وكان يقابل كل ذلك بابتسامة، وأذكر قصيدة مهمة اسمها «القصيدة الحبارية» فقد خرجنا يوما للصيد مع جلالة الملك خالد رحمه الله وكنا أنا والدكتور عبدالعزيز الخويطر والدكتور غازي القصيبي، والدكتور سليمان السليم من كثرة كلامنا وضجيجنا وارتفاع اصواتنا قد نفرنا الطير، فأشار الملك رحمه الله إلى بعض المرافقين أن يأخذونا إلى منطقة أخرى لكي نتعلم الصيد، والذي حدث أن «الخويا» أو المرافقين لم يسرهم أن يتركوا ركب الملك، فذهبوا معنا، وأضاعوا الصقور خلال وقت قصير، واعتذروا لنا بأن الصقور قد ضاعت، وهي تطير خلف الحباري، وخجلنا وعدنا أدراجنا إلى المطار فكتب الدكتور غازي قصيدة لطيفة يقول فيها:

أبا بندر لسنا على الصيد نقدر
وفينا يمانيٌ وفينا خويطر
فأما اليماني فهو بالصيد مولعٌ
وما زال منذ الصبح وهو يصقِّر
وأما أخوه ابن الخويطر فانثنى
بدربيله لكنه ليس يُبصرُ
وأما سليمان السليم فإنه
يفر إذا ما الطير لاح ويذعر
وأما أنا فالله يعلم أنني
غشيم وفن الصيد فن يُحيِّرُ
جهلتُ علومَ الصيد جهلا مركبا
فعلّمني بعضَ الأمور النويصرُ
مضى طيرُنا في الجو خلف حباره
فراح اليمانيْ من سرورٍ يكركرُ
وقال ابشروا بالخير فالخيرُ جاءكم
سنأكل من لحم الحبارى ونُكثر
وقال غدا في الصبح كلّ جريدة
ستكتب أني صدت صيداً وتنشر
وفي تلفزيونٍ ستظهرُ صورتي
كأني وفي كفي الحبارة عنترُ
فقال سليمان أجل ووزارتي
تُمونكم من لحمها وتُسعِّر
مضينا وراء الطير نصرخ كلنا
وكدنا على تلك الرمال نبنشر
وفيصلُ من فوق الونيت ملثم
ومنصور كالمرشال ينهى ويأمر
أبا بندر إنّا سعدنا بقربكم
وعدنا إلى أصحابنا نتبختر
والقصيدة طويلة ولكنني أخذت منها هذه الأجزاء، وهناك الأخوانيات في مجلس الوزراء ربما أتفرغ لها إن شاء الله وأنشرها في وقت مناسب.
وهو جزاه الله خيراً لايتحمل غازي القصيبي فحسب، بل كان يتحمل غمز ولمز الكثير من الاخوة ومنهم معالي الشيخ هشام ناظر، والدكتور سليمان السليم، والدكتور عبدالعزيز خوجه، فقد صادف أن سافرنا في رحلة الى مدائن صالح بدعوة منه لمشاهدة الآثار هناك، فهجوه في الذهاب بقصيدة ومدحوه في الإياب بقصيدة أخرى فقالوا في قصيدة الهجاء:
جاء الخويطرُ في الصباح الكالح
ومضى يجرجرُنا لناقة صالح
ألقى بنا مثل القطيع «بهرقل»
من غير صالون ودون مراوح
فكأنه لم يبق من أعمالنا
غير الوقوف بكل قبر طائح
الله حسبك ياخويطر سقتنا
سوقا ولم تسمع جميل نصائحي
مالي وللأطلال أمشي فوقها
إني لاعشق كل حسن سانح
إني ألفت ركوب «بوينجاتنا»
ممشوقة في الجو مثل الجارح
ومضيفة حسناء تنسينا العنا
تغدو علينا كالحمام الصادح
ثم إن الدكتور الخويطر حاول أن يدافع عن نفسه فقال:
أكرمتمو فشربتمو وطعمتمو
من كل نوع حامض أو مالح
وخدمتمو فكأنكم زهر الربى
في حين أنكم كظفر الجارح
وبعد تناول الغداء كتبوا قصيدة يعتذرون فيها:
أكرمتَنا بولائم وذبائح
لله درك من كريم مانح
وعملتَ ترتيباً يقل مثيله
وتقل عنه وعن مداه مدائحي
حتى «تواليتا» لنا أحضرته
في البر بين مغاسل ومسابح
وأتيت بالجمسات يتبع بعضُها
بعضا كمر السيل فوق أباطح
وأتيتنا «بالكاشفين» تقودهم
من أرض طيبة فوق ظهر الجامح
لله درك يا خويطر عازما
لم تبق ثمة قولة للقادح
لولا الخويطر ما اعتزمنا رحلة
ميمونة فوق البساط السابح
طرنا به عبر القرون لساعة
في ساعة حتى مدائن صالح
فرأيت في تلك البقاع مآثرا
وقرأت تاريخا لعهد نازح
وختاماً.. فهذا رجل شهد له الناس جميعاً بالعلم، وعشق التراث، وبالنزاهة والأمانة والفضل ونظافة اليد وفعل الخيرات، وعلى الذين يريدون أن يعرفوا عنه المزيد أن يطلعوا على مؤلفاته وبخاصة تلك التي كتبها عن التراث العربي الاصيل، فتحية من القلب وتقديرا واعتزازا بأستاذنا الشيخ ونسأل الله أن يمد في عمره ويمنحه مزيدا من الصحة والعافية إنه سميع مجيب.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.