لا يتوفر وصف للصورة.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

الشَّاعر قاسم حدَّاد يكتب القصيدة كَمَنْ يتعبَّدُ في محرابِ الشِّعر

ينقشُ على شهقةِ الرُّوحِ بُشرى الخلاص

قاسم حدَّاد

(25)

الشَّاعر قاسم حدَّاد، حدّاد ماهر في بناء القصيدة بناءً شهيًّا طافحًا بابتهالاتٍ غارقةٍ في التّأمُّلِ والتَّجلِّي، كأنّهُ ناسكٌ متخصِّصٌ في مناغاةِ اللُّغةِ وصياغتها بأبهى حفاوتِها ورهافتِها. يغوصُ عميقًا في كنوزِ الحرفِ كي ينتقي المفردة من عرينها في الوقتِ المناسبِ ويموسقَها في مكانِها الرّحيب عندما تولدُ معه القصيدةُ بعد مخاضٍ طويل، وفي كلِّ ولادة شعريّة، يكتبُ حالةً جديدةً ومخاضًا جديدًا مشبَّعًا برؤيةٍ حافلةٍ بانبعاثاتٍ سامقةٍ في بنائه الفنّي، كَمَنْ يتعبّدُ في محرابِ الشِّعرِ، وينقشُ على شهقةِ الرُّوحِ بشرى الخلاص؛ خلاص الرُّوح من منغِّصاتِ هذا الزَّمان.

يُشبهُ حرفه محارة ثمينة نادرة منبعثة من أعماقِ البحار، ومستمدّة من نقاوةِ المطرِ، ينقشُ توهّجات شعره من أعماقِ مشاعرهِ، مستوحيًا جموحاته الشِّعريّة من تجاربِهِ ومماحكاته الغزيرة في الحياة، مازجًا رؤاه المنسابة مع تجلِّيات خياله الفسيح، منطلقًا من فضاءاتِ لغته الرّحبة في تجسيدِ الكلمة في سياقاتها عبر صورٍ معبّرة جديدة غير مطروقة ونابعة من عوالمه المزدانة بالجمالِ والحبِّ والحميمية، ويترجمُ هواجسه وأحلامه وآفاق طموحاته في بناءِ عالمٍ شاهقٍ، فتغدو مفردته عذبة حتّى وإن تكلّمَ عن الذِّئابِ والأعاصير وأمواجِ البحارِ الهائجة؛ لأنَّ لغة الشّعر -كما يراها قاسم حدّاد- هي لغة بهية رهيفة شفيفة عذبة تنبع من أعماق روح الشَّاعر ونبضات قلبه؛ لهذا لا بدَّ من صياغتها صياغة راقية في تجلّياتها المتدفّقة من ينابيع الرّوح المكتنزة بأبهى حُللِ الجمال، وكأنّه يرسم رحلة فرحٍ في غابات بهجة القلب وهو في أوجِ تأمُّلاته!

يلتقطُ الشّاعر بتلهُّفٍ عميق إشراقةَ القصيدة وهي تنبعثُ من وهجِ الحياةِ كما يتلهَّفُ الطِّفلُ إلى روعةِ الفراشة وهي تعانقُ بهاء الوردة. تفتح القصيدة له صدرها بكلِّ فضاءاتها كأنّها صديقة مفعمة بالحبِّ والفرح والابتهال، تربطهما حالة حميميّة مكتنفة بأرقى حالات التّجلّي، وهكذا نرى حالة تفاعل ما بين الشّاعر ونصوصه، وهذا التّفاعل ما بين الشَّاعر والكلمة الخلَّاقة، يجعله متألِّقًا في بناء نصِّه بأبهى صوره وانبعاثاته، وتغمره حالة من النّشوة العارمة عندما تنساب القصيدة بين يديه وهو في هذا التَّناغم والبوح المتدفِّق؛ لأنّه يصل إلى مرحلة التّناغم والتّماهي العميق مع رؤاه الّتي تراوده، وتجسيدها في سياقات فريدة من نوعها وكأن القصيدة تكتب ذاتها بذاتها وهو الطّاقة المنفّذة لما يراوده وينساب على خياله وتأمُّلاته، وعندما يصل الشَّاعر إلى هذه المراحل المتقدِّمة في بناءِ واستلهامِ شعره؛ يكون قد قطعَ شوطًا من الكتابة الشِّعريّة والشَّاعريّة إلى درجة أنّ الحلم الّذي ينتابه في أيّة صيغة من الصِّيغ بمثابة الجزء المتمِّم للقصيدة وحالة انبعاث لا يمكن إيقافهما؛ لأنّ الحلم في هذه الحالة بمثابة الجموح الممتدّ من بهجة انبعاث الخيال! 

يتميّز الشَّاعر البحريني قاسم حدّاد بلغةٍ بديعة تنضحُ ألقًا وبهجةً وإبداعًا، كأنَّه يستنبتُ نصّه من رحيقِ الحياة المتناثر على وجه الدُّنيا، ومن أحلامٍ مسترخية في رحابِ الطُّفولة البكر، ومن طموحاتٍ معرَّشةٍ في صفاءِ السَّماء وحبورِ الأرضِ، كأنّه رسالةُ أملٍ تشكَّلَتْ من خلالِ تشظّياتِ هذا الزَّمن المدجّج باللَّظى والرّعونة والحماقاتِ والآمالِ والطُّموحات المفتوحة على كلِّ الاحتمالاتِ؛ كي يعيدَ للغدِ الآتي ألقه وليونته ومساره البهي عبر فضاءات انبعاث القصيدة، وتصبح الكلمة مفتاح ولوجه إلى أعماقِ الحلم والواقع معًا، وصيغ حرفه من عناقِ الحلم مع تجلّيات الخيال، وتولد قصيدة موغلة في صفاء البوحِ والانبعاثِ دون أيّة رتوشٍ أو شوائب أو نتوءات في فضائها الرّحب، فتأتي القصيدة مبهجة ومدهشة في طريقةِ انبعاثها!

أسَّسَ الشاعر قاسم حدَّاد في مرحلة سابقة منبرًاإلكترونيًّا معتَّقًا بوهجِ الشِّعرِ، أطلقَ عليه “جهة الشِّعر”، محتضنًا “القصيدة” والإبداع الخلَّاق من كلِّ جهات الدُّنيا سنينَ طويلة، كأنَّ القصيدة ابنته الأزليّة ولا بدَّ من رعايتها رعاية طيّبة، رغم جهامةِ الحياةِ الَّتي كانت تطوِّقه وتطوّقُ القصيدة والشّعراء من أغلبِ الجهات. وانتشر موقع “جهة الشِّعر” انتشارًا فسيحًا في العديد من بقاع الدُّنيا لدى كل من لديه اهتمام بقراءة ونشر القصيدة والأدب الرّاقي، وقد وجدت في هذه الجهة ضالّتي الشَّهيّة من كنوزِ الشِّعرِ، وقرأت عشرات بل مئات القصائد من عدّة أجيال وبلدان، وكأنّ رحيق الشّعر كان ينسابُ أمامي على صحنٍ من فرح وشغفٍ وابتهاجٍ، وشاركتُ في بعض النُّصوص الشِّعرية والأدبيّة في جهة الشِّعر، وتمَّ نشر ديوان كامل في الجهة، وكأنّه جهة مفتوحة على شهقات حنين السّماء لأشهى حبور القصائد، وكم آلمني خبر إغلاق هذه الجهة الرّصينة وهذا المنبر الخلّاق، لكن على ما يبدو لكلِّ بداية نهاية، ويبدو أيضًا أنَّ للشاعر قاسم حدّاد ظروفه الّتي قادته إلى إغلاق هذا المنبر الخلّاق؛ لاعتباراتٍ عديدة، لكن يبقى جهة الشّعر منبرًا راقيًا لفترة طيّبة من الزَّمن، وقد أسهم في نشرِ الشّعرِ في أرقى صوره على مدى سنوات رحبة أكثر ممّا أسهمت عشرات المنابر الثّقافية والأدبيّة، وما أحوجنا الآن إلى جهات وليس جهة لرفع راية الشِّعر والأدب والفنِّ والثَّقافة الخلّاقة، لرفع مستوى إنسان هذا الزّمان إلى أقصى درجات الأدب الإنساني والفنِّي؛ لأنّ أي تقدُّم في الإنسان يتمُّ عبر الأدب الرَّاقي والثَّقافة العريقة، والشِّعر هو أبهى ما يمكن أن يبدعه الإنسان على وجه الدُّنيا.

قاسم حدّاد؛ شاعر من طراوةِ هبوبِ النَّسيم، وبسمة الصَّباح، يكتبُ شعره من وحي تأمُّلاته العميقة في آداب الحياة، حيث يرى أدبًا باذخًا في الدُّنيا، وعليه أن يستوحي من هذه الرّهافات الأدبيّة المتناثرة في الحياة رؤيةً شاهقةً في مسار انبعاث الكلمة الشّامخة، ويصيغ منها أبهى ما في حبقِ الشّعرِ، عبر لغة رصينة معتّقة بألق الحرف، معبِّرًا عن تجلِّياته بحساسيّة شعريّة طافحة بالمشاعر الفيّاضة، وكأنّه في رحلةِ بحثٍ عن الكلمة من مناجمِ حنين الرُّوح لألق القصيدة؛ فهو يرى من خلال خبراته الطَّويلة في ضياءِ الشِّعر، أنَّ القصيدةَ مرتكزة على هدهدات اللّغة، ولا يستكينُ له باع إلّا بعد أن يعثرَ على كلمته المطواعة لما يعبِّر عنه من رؤية شاعريّة، فتولدُ القصيدة عند حدّاد وكأنّها تدخل في مطهّر خاص باستيلاد قصيدة خلّاقة، وتنامتْ هذه الحساسية الشِّعريّة لديه من خلال اشتغاله بالحدادة ومماحكته بالحياة وكأنّه في اشتعال وتوهُّج مع فضاءاتِ اللُّغة؛ فهي أداته في صهر تجلِّياتها كما يصهر الحدّاد حديده في مصهر النّار، فتولدُ الكلمة صافية ورهيفة وخالية من شوائب الحياة؛ لأنّ الشِّعر عنده حالة ابتهاليّة عميقة، تجعله يحلِّق في الأعالي ويتوغَّل بشغفٍ غامرٍ في رحابِ فضاءاتِ اللُّغة، مغامرًا ومجرِّبًا بكلِّ ما لديهِ من تهويماتٍ وطاقاتٍ إبداعيّة متخيّلة، مركَّزًا على التَّجريبِ والتَّجديدِ والتّحديثِ والتّنويرِ، بلغةٍ شفيفة، عميقة، متدفِّقة من جموحات روحه التَّوَّاقة إلى معانقةِ ظلالِ الأحلامِ البعيدة. 

أطلَّ الشَّاعر على وجهِ الدُّنيا في أرضِ البحرين المفتوحة على طبيعة غنيّة بالعطاءاتِ وفتْحِ آفاقِ الخيالِ، طبيعة بهيجة حافلة بسقسقاتِ العصافير وأريجِ الزُّهورِ وبهاءِ الجبال والسُّهولِ وروعةِ البحرِ بسفنه المتراقصة فوق وجه المياه الممتدّة على مدى حنين الرّوح إلى أشهى حبورِ القصائد. ترعرعَ الشّاعر بهذه العوالم الشّاعريّة، تضمّختْ أجنحته بأشهى معالم الشِّعر منذُ يفاعته، فغاصَ في عوالمِ البهاءِ وفضاءات الإبهارِ إلى أن تقمّصه الشَّعر تمامًا وغدا شهقةَ فرحٍ وانبعاثٍ من كيانه المتلاطم بألق الحرفِ واللَّون والجمال ليل نهار. وراحَ يكتب قصيدته من هذه الأجواء المفعمة بخصوبة الرّوح والحياة إلى أن تشبّعت روحه بمفاتيح الكلمة الممراحة، فانسابت كلماته فوقَ دنيا القصيدة كأنّها حلمٌ مفتوح ومجنَّح نحوَ تماوجاتِ اهتياجِ البحر في أوجِ الرَّبيع، ماسكًا قلمه وحبوره وبسمته وعشقه للحياةِ للكلمة للقصيدة وبدأ ينسج قصائده كمن يعانق بسمة الصَّباح كلّ صباح، وأصبحت القصيدة صديقة ليله ونهاره وصباحه وحياته وشهيق روحه المسربلة بأشهى الأحلام.

يشبه قاسم حدّاد كائنًامجنَّحًا برسالة العشق للجمال والفرح وعناق الكائنات الجميلة، يرى الطبيعة صديقته وحبيبته وحلمه وشوقه وحنينه إلى الحياة، فلا يرى أجدى من الشِّعر كي يترجم هذه المشاعر الّتي تعرّشت في أعماقه وأصبحت جزءًا من ذبذبات شهيقه وزفيره. يكتب نصّه بكلِّ هذا الالتحام في رونقِ وبهاءِ الحياة كأنّه راهبٌ ترهْبنَ لالتقاطِ دُرَرِ الشِّعر من خميلة الحياةِ الوارفة فوقَ رحابِ الواقع الذي عاشه وتعايش معه، ثمَّ امتدَّ مع رحابة اللُّغة، متعانقًا مع جموحاتِ الخيال، فكتب بشهيّة مبهجة للقلب والرّوح وكأنّه يكتب قصائده لنفسه كي ينعشَ حياته الظّمأى لآفاقِ تجلّيات الرّوح إلى عناقِ أقصى أرخبيلاتِ الجمال!

قرأتُ بشغفٍ عميقٍ دواوين الشَّاعر قاسم حدّاد الَّتي تربو على ثلاثين ديوانًا عبر موقعه الشَّخصي وعبر قصائده المنشورة في الصُّحف والمجلّات والمواقع الإلكترونيّة، ما وجدتُ نفسي إلّا متغلغلًا في ينابيع شعريّة صافية، متعانقًا مع عوالمه وفضاءات نصوصه البديعة، فاستهواني الإبحارُ في عوالمه الشَّامخة شموخَ القصيدة المنبلجة من ظلالِ الأحلام الوارفة فوقَ دروبِ العمر، كأنّه في حالةِ عشقٍ مفتوح لاستلهام نصوصه من خيالٍ مفطور على ذكريات الطُّفولة ومحطّات العمر الغارقة في أريجِ الحرفِ، فكتبَ من وحي فضائه الرّحب مئات القصائد، محلِّقًا في فضاءِ الحنين إلى ظلالِ البيتِ العتيق، وألعاب الطّفولة وملاعب الصّبا.

يذهب عميقًا نحو مسارِ إشراقات الشِّعر، ولا يعلم فيما إذا وصل إلى وميضِ الإشراقِ المدهش أم مايزالُ في حالة بحثٍ دائم للوصول إلى أغوارِ دهشةِ الانبعاث؛ محاولًا في كلِّ انبعاثاته أن يبلسمَ جراحه وهواجسه وشوقه وأوجاعه، فلا يرى أبهى من الشِّعرِ كي يشفي روحه من هولِ الانكسار والجراح. يصغي إلى موسيقى دافئة حالمة ورومانسية، تهدهد الرّوح فتصفى روحه وخياله، ثمَّ يكتب حرفه وهو في أوجِ شوقه إلى معانقة بهاء الحياة. تنبلجُ حروف القصيدة كما تنبلجُ النّبتة على أثر دفء الشّمس وهي تعانقُ الأرضَ؛ لهذا تشبه قصائد قاسم حدّاد أزاهير الطّبيعة الّتي ترعرعت من توهُّجات دفءِ الشَّمسِ وهي تنشرُ حبورها على وجه الدُّنيا! ..

 

ستوكهولم: (2014) صياغة أولى.

(2019)  صياغة نهائيَّة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏اسم المؤلِّف: صبري يوسف.عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.
– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.دار نشـر صبري يوسف – [email protected]Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏ و‏ماء‏‏‏
  ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.