إشكالية تأصيل وتحديث الهويّة العربيّة، في اعمال الفنان
ا.د – تحرير علي

قراءة تشكيلية للناقدة ا.د /لمياء كرم صافي
الهوية هي تلك الخصائص الفردية والجمعية معًا، متلازمتان وبدونهما يحدث الاغتراب، وتشتت وانشطار في النفس والذاكرة، وضياع الشكل المميز لحضارات الأمم والمجتمعات ، فتظهر الهوية من خلال الثوابت الفكرية والمعرفية والثقافية والفنية والمعمارية..
فهي تساعد المجتمعات علي الحفاظ علي كينونتها، وبوجودها، تظهر” الأنا والــنحن” .
ونزع الهوية، والتخلي عنها يفقد الفنان شكله وملامحه المميزة وينتزعه من جذوره، وتتلاشي بصمته فلا يمكن التعرف عليه، ويصبح غريبا فاقدًا المعني، ولن يستطيع الفنان تعريف العالم بنفسه الا من خلال تمسكه بهويته وتعلقه بجذوره فمن خلالها يصبح مميزا ويتواصل مع الآخرين ويعرفهم بشخصيته الفنية بكل اعتزاز وفخر ،فوصوله إلي العالمية يلزمها الغوص في كنوزه المحلية واستخراج جواهرها .
وهكذا تظهر اهمية الهوية، وجليل قدرها ومكانتها
تعد اشكالية التأصيل، والتحديث للهوية الثقافية من الاطروحات المهمة حيث أنها قضية ينتابها نوع من التوتر الذي يظهر في كثير من الممارسات التي سلكها المبدعون العرب، سواء فيما يخص الأطر التنفيذية للعمل كأدوات، وخامات، أوفيما يخص الشكل كرموز، وعناصر، وخطوط، أو فيما يخص المضمون كمحتوي فكري، وموضوعات .
فمنهم من يلتزم التراث برموزه وأشكاله وموضوعاته ومنهم من هو دائم البحث عن التجديد يحاول أن يكون محدثا لامقلد أن يكون مبدعا لامبتدعا أي أنه يقوم بعمل تجذر ثقافي للممارسات التشكيلية بما يتضمنه من تجديد المكونات الجوهرية للهوية العربية في بنائها الشكلي وومكنونها الداخلي، مما دعي المبدعون إلي الاتجاه إلي نوع من التوافقية يتم فيها دمج عناصر الحداثة مع التراث في تشكيلات جمالية وفكرية اختلفت درجة ارتباطها بالمجتمعات العربية
بالقراءة المتأنية في عمال الفنان الدكتور ” تحرير علي” نجد أنه يحرص كمبدع ان يحافظ علي الهوية العربية لما تمنحة للعمل الفني من التأصيل، والبعد عن الانسلاخ الفكري، وتحافظ للعمل الفني علي الكينونة البصرية المتميزة
لأن الفنان يدرك جيدا إن الفن التشكيلي يرتبط بعلاقة، وثيقة مع الهوية الثقافية للفنان مما يحدث توازن بصري يربط الذاكرة بالفكرة ليقدّم عملا إبداعية يثير المشاعر الوجدانية التلقائية للمشاهد .
فيقوم الفنان بمزج حرفيته التقنية، ومهارته في استخدام ادواته المعنوية، والمادية انطلاقا من مخزونه البصري الذي يشتمل علي علامات ورموز بصرية، ولونية لتكوين عمل فني محافظا فيه علي الهوية العربية، ومعبرا عن رؤيته الفنية الثقافية، حتي انه يشعر المشاهد بخصوصيته وتفرده .
ويستخدم الفنان رموز، وعناصر لها دلالات معبرة لكن بها نوع من الابتكارية باسلوبة متفرد الا انه حافظ علي الخطوط واضحة، وصريحة حتي لا يقع في المسخ، والتشويه لأن ذلك له دلالات ثقافية حقيقة بمختلف المعاني، حيث حرص علي الصدق التعبيري، فظهرت أعماله مختلفة عن الاخرين لكنها تحمل الهوية الثقافية العربية، وابتعد تماما عن الرموز الجاهزة المعتادة، محاولا التمسك بروح التجديد لأنها مسألة مبدأ بالنسبة للفنان، حيث تعمد الفنان أن يستوعب، ويفهم الماضي ثم يقوم بمعالجته تشكيليا بروح المعاصرة، التي تناسب الواقع الراهن، كمحاولة للتجديد، والبعد عن التقليدي المعتاد، فظهرت الأعمال بشكل لافت للمشاهد داعي للتأمل، والتفكير .
 
إن تناول الفنان الجوانب، والمعاني التشكيلية في اعماله الفنية نجد أنه يبحث من خلالها عن الأصل والأصالة، والجذور بأبعادها المعنوية، والمادية بأسلوب يبسط الفكرة، ويصل الي التوفيق الإبداعي.
 
نلاحظ في أعمال الفنان “تحرير علي” أن الإيقاعات، والخطوط، والرموز التي استخدمها شديدة الانسجام مع الألوان التي عبر بها عن أسلوبه،وطريقته في الحفاظ علي الهوية العربية، فعلى سبيل المثال استخدم الألوان الترابية، والألوان الباردة الأزرق، والأخضر، والساخنة الأحمر، والبرتقال، والأصفر، وتنقل بينهم في خفة، ورشاقة ببراعة، حتي لا يشعر المشاهد بصدمة بصرية، بل انه ينتقل من الأزرق إلى الأصفر والأخضر إلي الأحمر بطلاقة، وتنوع ممتع للبصر وزاد ذلك من التركيز علي العلامات، ودلالتها الرمزية للعناصر، وساعد في التجسيد الشكلي الناتج عن التباينات اللونية التعبيرية المتنوعة حسب الفكرة المقصودة للفنان .
قد تم توظيف الشخوص، والملامح البشرية بما تمتلك من علامات تعبيرية، فهذه الشخوص اثمرت طرحا فنيا جميل نتج عن مجهود فنان مخلص اعتني بالحقل الفني، حتي حصد أعمالا فنية متميزة تحقق المتعة البصرية، ونشاهد في العمل نوعا من الحضور المألوف.
وفي الختام يمكن القول بأن الفنان “تحرير علي” يمارس الفنان التشكيلي بحرفية مدروسة، فيحتفي بالعمل الفني بكل جوانبة، ويستخدم استعارات تشكيلية، وتجليات فنية تشع منها الاوصولية الحقيقة محاولا الاطلال على العالم العصري، وعرض مضامين راقية دون البحث عن التفاصيل لا يلتفت للدقائق الصغيرة التي قد تبعد الفنان عن المضمون الثمين، فلديه القدرة العالية علي الإيجاز، وتلخيص ضمن منهجية مدروسة باحترافية وتقنية عالية وكذلك نجد أن بنية الشكل العام لاعمال الفنان لها ارتباط، وثيق الصلة بالهوية العربية، ومرجعياتها الأصلية كقيمة جمالية لكنها تحمل فكر تجديدي له صبغة عصرية فنتمنى له التوفيق ودوام الإبداع.
الناقدة ا.د/ لمياء كرم صافي

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.