في حوار الذات مع الذات..ألف سؤال وسؤال.. – الجزء الثاني..

كتب الأديب والتشكيلي السوري#صبري_يوسف Sabri Yousef ..في حوار الذات مع الذات..ألف سؤال وسؤال.. – الجزء الثاني..- من السؤال – 161 – إلى السؤال 170..

161. كيف تنظرُ إلى كلِّ هذه المستجدّات والتَّطوُّرات وإقلاق آلاف الأهل من الطَّرفين؟

أنظر إلى كلِّ هذه المواقف، وأتساءل بغصّةٍ حارقة: متى سنصبحُ بشراً كسائر البشر الحضاريين، ولماذا لا يحاورُ المرءُ ذاتَه بذاتِهِ قبل أن يقدمَ على أيِّ فعلٍ يؤذي نفسه قبل أن يؤذي غيره، ما الفائدة الَّتي حقَّقها هؤلاء الشّباب من فعلتهم ومن أيِّ فعلٍ من هذا النّمط؟ إنَّ أيّة مواجهة وعراك بين شابّين وفريقين ومجموعتَين وأسرتين وعشيرتَين هو عراكٌ أهوج وعقيمٌ، ولا فائدة من عراكات واشتباكات كهذه مهما تَكُن الأسباب؛ لهذا يجب قبلَ أن يقومَ أي طرف من هذه الأطراف بأيِّ فعلٍ عنفي من هذا النّوع، أن يطرحَ السُّؤال التَّالي على نفسه، ماذا أستفيد لو قمتُ وقمنا بكذا وكذا وكذا من أعمالٍ عنفيّة، وما هي النّتائج المترتّبة عليَّ وعلينا وعلى كلّ الأطراف؟ نجد أنَّ الجميع في موقع خاطئ وخاسر فيما إذا وقعت الاشتباكات؛ لأنّه سينجمُ بلا شك نتيجة التّعنّت النّاجم من الطّرف الأوَّل، ردّاً من الطَّرفِ الآخر كنوعٍ من الدِّفاعِ عن النَّفس، وهكذا ستتصاعدُ ردود الأفعال إلى أن تصلَ إلى نتائج كارثيّة في بعض الأحيان، لهذا أنظر إلى مواقف كهذه بكلِّ هدوءٍ وحكمةٍ قبلَ أن تقعَ وبعد أن تقعَ أيضاً؛ كي نعالجها من جذورِها بكلِّ رويّةٍ ورؤيةٍ رشيدةٍ وخلَّاقة قبل أن تستفحل وتعمَّ مساحات أكبر، وتصلَ إلى درجة اللَّاعودة؛ لهذا أؤكّدُ على ضرورةِ الحلولِ السّلميّة في مثلِ هذه الحالات، كما أنّ أيّة مشكلة في الدُّنيا ممكن حلّها منذ البداية من دون استخدام العنف والمواجهات والاشتباك باليد؛ لأنّنا نملك عقلاً؛ فلماذا لا نستخدمُ عقولنا بكلِّ حكمةٍ ورجاحةٍ؛ كي نحافظَ على رزانتنا وإنسانيّتنا ونعيشَ بكلِّ حبٍّ واحترامٍ وتقديرٍ فيما بيننا، ونقدِّمَ لبعضنا بعضاً كل ما فيه الخير والمحبّة والسَّلام لنا جميعاً؛ كي نعطي صورةً تليقُ بنا بوصفنا بشراً وأصدقاء وأهل ومعارف؛ ولكي لا تضحكُ علينا الأجيال القادمة، ولا يضحكُ علينا أيضاً حكماء ذلك الزّمان وكلّ الأزمان!

162. كيف أختفىقميصك الخمريّ المورّد والممزّق والمخضّب بدمك مع فانيلتك من المستشفى؟!

لا أعلمُ كيف اختفى، لكنِّي حقيقةً شعرتُ أثناء اختفاء قميصي وفانيلتي بأسى، ولا أعلم لماذا كان قميصي وفانيلتي المخضّبتَان بالدم تعنيان لي شيئاً مهمّاً عندما كنتُ في المستشفى؟ أعتقدأنّهماكانا دليلاً قاطعاً لإبراز حقِّي سواء في المحاكم المدنيّة أو العشائريّة لو تطلَّب الأمر إبرازهما، ويبدو أنّ شخصاً ما تسلَّل خلسةً أو علناً إلى غرفتي وأخفاهما بحذرٍ شديد، ويبدو أنَّ الَّذي أخفاهما ربّما لم يقصد بفعلته ضَرري، بل ربّما أرادَ أن يخفِّف عليَّ صدمة الحادثة الشَّنيعة كلّما أشاهدهما، خاصّة عندما رأى أنّني أميل إلى المصالحة إلى أبعد الحدود، ويبدو أيضاً أنّه وضع في الاعتبار أن لا يبقى دليلٌ قاطعٌ على مدى شراسة الهجوم الوحشي علي؛ لأنّ قميصي وفانيلتي كانتا مخضَّبتين بالدم بطريقة لا يمكن تصديقها، ومع كلِّ هذا، فلا أشعر بأيّ موقف غاضب منه الآن، ولا غضبتُ لاحقاً من الّذي أخفاهما، لكن لحظة وجدتهما مختفيتَين، شعرتُ أنَّ إحدى أهم الدَّلائل الَّتي كانت لصالحي للدفاع عن حقِّي قد اختفت، وأستطيع القول بشكل شبه دامغ: إنَّ العزيز أفرام/ سنحريب سارة هو الّذي أخفاهما؛ لأنَّ الَّذين زاروني كانوا أهلي، وأمَّا هو، فقد كان طرفاً حياديّاً، وهو الوحيد الَّذي شاهد القميص والفانيلة مخضَّبتين بالدم، حتّى أنّه قال لي: ضعْ قميصك وفانيلتك في الخزانة ولا تفكّر بالحادثة نهائيّاً، وحاول أن تنساهما، وفكّر بصحتك وبالمصالحة؛ كي ترتاح؛ ولهذا أشكره فيما إذا كان هو مَنْ أخفاهما؛ لأنّني فعلاً كنتُ بحاجة أن أنسى الحادثة من جذورها، حتّى وأنا في المستشفى، ولكنّي كنت أحتفظ بهما من باب الاحتياط كدلائل تثبت شراسة الهجوم؛ لإحقاق حقِّي عند الجهات الرِّسميّة والعشائريّة، ولحسن نيّة الَّذي أخفاهما لم أحتَجْهما على الإطلاق!

163. هل راودكَ أو تمنَّيتَ ولو للحظات أن ينتقمَ أهلكَ من الجناة؟!

سؤال سخيف للغاية، كيفَ خطرَ على بالكَ هذا السُّؤال، كيف سيراودني ولو للحظات رغبة أن ينتقمَ أهلي من الجناة، وطوال الوقت أفكِّر بالمصالحة وإغلاق الموضوع من جذورِه؟! لا، إطلاقاً، إطلاقاً إطلاقاً لم يراودني، بالعكس تماماً، كنتُ أريدُ تهدئةَ الأمور، وساهمتُ كثيراً بتهدئة الأوضاع، وقد جاءني زائر حيادي يخصُّهم بصيغةٍ ما ويخصُّني، فقلتُ له: حبذا لو تبلّغ الأطراف المهمّة من أهلِ الجناة؛ كي يتوارى الشَّباب الّذين لهم علاقة بالمشاجرة عن الأنظار كلِّياً؛ تفادياً لأي اشتباكٍ ممكن أن يقع؛ لأنّه لو وقعَ أي اشتباك ضمن الظّروف الَّتي كنَّا نمرُّ بها آنذاك؛ لوقعَ الكثير من الضّحايا؛ ولهذا كنتُ أحرصُ كلَّ الحرص أن أجنّبَ الطّرفيَن من أي تصادم، وخبّرْتُ الشّخصَ الحيادي بأن يبلّغهم هذا الأمر ليس على لساني؛ لئلا يظنُّوا أنّني أصرّحُ هذا الكلام من بابِ الخوف، بل كنتُ أقوله من بابِ إغلاق المشكلة عند هذا الحدّ؛ كي لا تتوسّع أكثر، وكنتُ أتمنّى أن أكونَ فقط أنا الضَّحيّة ولا أريد ضحايا أخرى؛ كي نغلقَ الموضوع؛ خاصَّة أنَّ الطَّرف المتصارع معنا، الشَّباب هم من معارفناوتربطنا ببعضهم علاقةطيّبة، ولهم مكانة خاصّة عندي، وهناك تداخل في المصاهرات؛ لهذا كلّ توجّهي تركّز على لملمة الموضوع وحلّه عبر وجهاء من الطّرفين؛ لأنَّ المصالحة هي لصالح الجميع!

164. ماذا كان موقف أهالي الشُّبان الَّذين تشاجروا معكم بعد أن تأزّمت الأمور للغاية من جديد؟

خيّمَ حزنٌ عميق فوقَ ربوع ديريك، حتَّى أنَّ أغلب أهل الشُّبَّان آلمهم ما آلتْ إليه الأمور من مستجدَّات وخيمة، وكان أهل الشّبان ضدّ تصرّف أبنائهم الشَّباب؛ لأنّ نتائج المشاجرة أدّت إلى مواقف ومتاهات لا تُحمد عقباها، إضافةً إلى أنّهم رأوا أنَّ المشاجرة من أساسها لا معنى لها نهائيّاً، خاصّة فيما يخصُّني أنا، فقالوا: نريد فقط موقفاً واحد أخطأ فيه الأستاذ صبري؛ كي يتعرّضَ السَّادة أولادنا له بهذا الشَّكلِ المُشين؛ لهذا تعاطفوا معي تعاطفاً عميقاً، وصبّتْ رؤاهم في كلِّ تطلُّعاتي فيما يخصُّ المصالحة، وكانوا يميلون جدّاً للمصالحة وإعادة اعتباري بأيِّ اقتراحٍ منِّي أو من أهلي نقترحه عليهم، وقد  وصلني مِنْ أكثر من مصدر أنّهم لن يرفضوا لنا طلباً فيما إذا عرضناه عليهم بخصوص المصالحة! كما أنّهم قدّموا الرّغبة القويّة والنّيّة الطّيّبة للتواصل مع أهلي، وكل هذا أسهم في تهدئة الأوضاع تمهيداً للحل النِّهائي، وكان للعم المختار حنا اصطيفو دورٌ مهمٌّ في تهدئة الأوضاع، وكنّا نعدُّهُ المرجع الأعلى للعشيرة للتشاور في قضايا حسّاسة كهذه، كما كان للعم بهنان سارة الدَّور الأكبر في التَّواصل مع الأطراف الأخرى ومعي ومع أهلي؛ لوضع النّقاط على الحروف، كما سنراها في سياق إجاباتي القادمة على ملفّات هذا الحوار العميق مع الذّات!

165. راودكَ آنذاك أكثر من مرّة أن تكتبَ عملاً روائيّاً حول هذه الأحداث، لماذا أقعلتَ عن الفكرة؟

أجل راودني فعلاً أكثر من مرّة أن أكتبَ هذه الأحداث في سياقِ عملٍ روائي آنذاك، لكنّي لم أترجم ما راودني على أرضِ الواقع لعدّة أسباب ولعدّةِ اعتبارات: أولاً ما كانت تجربتي الأدبيّة والفنّية تخوِّلني لكتابةِ عملٍ روائي؛ لأنَّ تجربتي ما كانت ناضجة إلى الحدِّ الّذي يجعلني أخوضَ تجربة أدبيّة من هذا النَّوع؛ لأنّني كنتُ في بداية مشواري الأدبي، أحبو بهدوء شديد نحو آفاق عوالم الكلمة الخلّاقة، فما كنتُ أمتلك الأدوات الفنِّيّة واللُّغويّة والإبداعيّة لبناء سرد روائي من جهة، ومن جهة ثانية فقد طلب منّي بموانة وحميميّة عميقة الأستاذ الصّديق سمعان بهنان سارةالإقلاع عن فكرة كتابة هذه الأحداث عملاً روائيّاً؛ لما فيها من حساسيّة تجعل من كتابتها الكثير من الحساسيّة للكثير من الأطراف؛ ولهذا قرّرت الإقلاع كلّياً عن كتابة فضاءات هذه الأحداث عملاً روائيّاً حتَّى ولو نضجت أدواتي الأدبية والفنّيّة في مستقبل الأيام؛ نزولاً عند رغبة وطلب الأستاذ الصّديق سمعان بهنان؛ لما كان له عندي من احترامٍ عميقٍ وما يزال، حيث تربطني به علاقة وطيدة، من جهة مصاهرة تتعلّق بأخي نعيم؛ لأنّه صهر الأستاذ سمعان، وفيالوقت نفسه هو أي الأستاذ سمعان صهر أحد الأطراف الأخرى، وحالما وافقت على طلبه وحقَّقت له رغبته؛ عانقني قائلاً: أنت إنسان عظيم، وستبقى عظيماً، وهكذا أقعلت من يومها عن فكرة كتابتها، ولكن حقيقة الأمر ظلّت فضاءاتها تراودني وتدغدغ مخيالي كمادّة دسمة لكتابتها عملاً روائيّاً في مرحلة اغترابي؛ لما فيها من مجالات سرديّة شاهقة، ومع هذا أقلعت عن الفكرة كلّياً؛ تأكيداً منّي على الوعد الَّذي قطعته مع الأستاذ الصّديق سمعان بهنان، وربّما سائل يتساءَل: لكنَّكَ عدْتَ من جديد وكتبتَ أغلب الأحداث في سياقِ حوارٍ معَ الذّات، وكأنّ هذه التَّساؤلات هي فصول من عمل روائي ضمن هذا الحوار المفتوح على تجربتك الفسيحة في الحياة؟! لا، هذا ليس عملاً روائيّاً، وإن تشابه في الكثير من منعطفاته مع السَّرد الرِّوائي؛ لأنَّني لم أكتب النّص مستقّلاً، ولم أتوقّفت عند النّص بهدف نبش الماضي وصياغة نص روائي أو أدبي منه، بل كل هدفي هو محاورة هذه الذَّات بما تراهُ هامّاً ومفيداً كتجارب مررتُ بها؛ كي أقدّم رحيق مغزاها ومضمونها للأجيال القادمة والقرّاء والقارئات؛ لأنّنا نحن البشر نمرُّ بألفِ تجربةٍ وتجربة، ونادراً ما يستفيد البشر من تجاربهم، ويقعون في الخطأ نفسه مرّةً ومرّتين وثلاث مرّات وأكثر بكثير؛ لهذا، أحببتُ أن أدرجَ هذه المنعطفات المهمَّةَ في حياتي؛ كي أقدِّمها ضمن محاورة الذّات؛ كي أستفيد من هذه التجربة الحياتيّة إبداعيّاً وعمليّاً من خلال إدراج الكثير من الأهداف والأفكار والمعاني الّتي ممكن أن نسترشد منها مغزىً عميقاً، ويستفيدُ منها غيري أيضاً، ممّن يتابعونني؛ لعلّهم يأخذون منها عِبرة ومغزىً وهدفاً وحكمةً وتجربةً بصيغةٍ ما، وأجمل ما في هذه الأحداث من حواري مع الذّات، أنّني مررتُ في أكثر من محور من محاور الأسئلة في مواقف بديعة ومدهشة ومفاجئة كأنّها حصلت اليوم من حيث تدفُّقات وهجِ المشاعر، حيث كنتُ أكتبُ الإجابات بانسيابيّة رهيفة وبشهيّة عميقة وأنا غارق في البكاء وأجهشُ بطريقةٍ عجيبة، وكنتُ أشعر أثناء هذه اللّحظات بتفريغ طاقاتي الحنينيّة والحزنيّة بآنٍ واحد، وكنتُ أشعرُ براحةٍ عميقةٍ حتّى وأنا أنهمرُ بكاءً، ولكي لا يفوتني تجسيد هذه الحالات المشاعريّة بعد ساعاتٍ من البكاء المتقطّع المتواصل، خطرَ على بالي التقاط العديد من الصُّور وأنا في أوج شهقاتِ البكاء، وعندما شاهدتُ اللّقطات؛ اندهشت لهذا التّفاعل الحقيقي وسرّني أن أحوز على صور كهذه في آرشيفي الشَّخصي، وتبيَّنَ لي تماماً كما سبق وقلتُ مراراً أنَّ: الكتابةَ هي محرقةُ الكاتب؛ كي تصفِّي آخر ما تبقّى لديه من شوائبِ الحياةِ العالقة بين منكبيه؛ والمتناثرة فوقَ أجنحته وهو في أوج تجلّياته؛ لهذا أراني شغوفاً بكتابة أحزاني وتجاربي في الحياة مهما تكُنْ مريرةً؛ لأنّها رحيق الكتابة الأبقى على وجنةِ الحياة، وهي تمنحني طاقات انسيابيَّة عميقة في تجلِّيات بوح الحرف، وهنا أودُّ أن أشكرَ الأستاذ سمعان مرّةً ومرّتين وثلاث مرَّات؛ لأنّه أقنعني في ذلك الحين أن أقلعَ عن كتابةِ عملٍ روائي عن هذهِ الأحداث، ولو كتبتُ روايةً من وحي تلك الأحداث في ذلك الحين وأنا في كلِّ ذلك الحماس؛ لارتكبتُ فجاجةً أدبيّةً تدمغُ تجربتي الكتابيّة بالرّكاكةِ والضّعفِ إلى حدٍّ بعيد؛ لأنّ التّجربة كانت أكبر من أن أكتبها آنذاك نصَّاً روائيّاً؛ لما فيها من مساحات سرديّة عميقة لا يمكن سبرغورها وترجمتها إبداعيَّاً في ذلك الحين وأنا في بداياتي؛ لهذا أراني تمكّنت أن أمسك الكثير من الخيوط الآن وبتقنياتٍ جيّدة، مع أنّني أرى بعض النُّصوص، جاء بين متونها سردٌ بسيطٌ وبعضها الآخر جاء بلغة إنشائيّة وصفيّة لا تحلِّق عالياً، ولا ترقى إلى اللُّغة الَّتي أهدف إليها في سياق الحوار مع الذّات، لكنّي أودُّ أنْ أشيرَ للقارئ العزيز والقارئة العزيزة أنَّ هناك منعطفات وبعض الأحداث والمواقف لا تساعد على منح الكاتب مجالاً لتحليقاتٍ وتدفُّقاتٍ إبداعيّة شاهقة، خاصّة عندما يتطلَّب من الكاتب أن يتحدّثَ بنوعٍ من الواقعيّة، أو يترجمُ أحداثاً واقعيّة؛ فإنَّ كتابة أحداث من هذا النَّوع لا تمنح الكاتب مساحات عميقة للتجلِّيات الإبداعيّة؛ ولهذا لا أجدني محلِّقاً في الإجابات الّتي تحمل بُعداً مباشراً؛ ولهذا أيضاً أراني أشطح أحياناً كثيرة نحو فضاءات التَّدفُّق، تاركاً خيوط وقائع الحياة كخيوطٍ منسابة لإشراقاتِ جموح الخيال؛ كي أصيغَ منها انبعاثات إبداعيّة خلّاقة؛ لامتاعِ القارئ من جهة؛ ولترجمة ما ينبعثُ من آفاقِ بوحِ الخيال المعرّش في بهاءِ أحداثِ وقائعِ الحياة الّتي نستوحي منها أشهى أبجديّات الإبداع من جهةٍ أخرى!

166. لماذا أراكَ منحازاً دائماً نحو المسامحة والمحبّة والسَّلام والصّلح؟!

لأنَّ هذه المفاهيم هي عين الحكمة في الحياة، هي الحياة بعينها، لا أستطيع أن أرى جمال الحياة من دون المسامحة والمحبّة والسَّلام، هي جوهر شعاري في الحياة؛ لأنَّ هذه المفاهيم تمنحني فرحاً عميقاً، وتجعلني مرتاح البال وتبعدُ عنِّي كل منغّصات الحياة؛ لأنّني أستمدُّ منها حلَّاً لكلِّ مشاكلي وهمومي في الحياة، وتزرعُ في نفسي وروحي وقلبي وكياني الأمل وكلّ ما له علاقة في اخضرارِ الحياة، أرى أيَّام عمري مخضوضرة على مدى كلِّ الفصول؛ لهذا أراني مجنّحاً نحوَ هذه العوالم، ويبدو أنّني تشرّبتُ هذه المفاهيم من خلالِ انغماسي منذُ الطُّفولة في روعة الطَّبيعة وبهاءِ سهولِ القمحِ وأنا أسوحُ بينَ رحابِها أحضنُ السّنابل الممتدّة على مدى البصر، إلى أن غدا قلبي مشبّعاً بخيراتِ الحنطة واخضرارِ الكرومِ وأريجِ الأرضِ. ولأبي الفضل الأكبر في زرعِ هذه المفاهيم في كياني من خلال تشرُّبي من عوالمه الطَّيّبة وعناقه العميق للطبيعة والحياة والفرح والفكاهة والعمل واحترام الإنسان وحقوقه، وهكذا ترعرعتُ في بيئة فلّاحيّة بسيطة غير مكترثة إلَّا للحقِّ، فلم أجد يوماً والدي منحازاً إلَّا للحقِّ وإنصاف الآخر، ولم أرَه يوماً يقفُ في وجهِ أحدٍ إلّا من منطلقِ الحقِّ، وهكذا كبرَ ذلك الطّفل وظلَّ يحملُ بينَ معالمه ورؤاه أبجديَّات السَّلام والمحبّة والمسامحة، وأصبحتْ هذه المفاهيم جزءاً لا يتجزَّأ من شخصيَّتي ومرامي أهدافي في الحياة!

167. هل زاركَ أبو سمعان بالمستشفى وأقنعك بالمصالحة عبر الأستاذ جرجس بهنان أبو حيّان؟

نعم زارني أبو سمعان؛ العم بهنان سارة، واطمَأَنَّ على صحّتي، كم كانَ حزيناً ومصدوماً لكلِّ هذه النّتائج الّتي تصاعدت، وآلمه الخبر المأساوي الَّذي تلقّاه كسائر الأحبّة في ديريك، وكم بدا سعيداً عندما تلقَّى خبراً ينفي ما سمعه أوَّلاً، جاءني بوجهه المشرق أملاً وتفاؤلاً وخيراً، يحملُ بين آفاقه رفرفات أجنحة الحمام، وبعد دردشة ودّيّة عميقة، حكينا على أيام التّدريس، وعلى المراحل الّتي قطعناها فيما يخصُّ أخي نعيم وكريمته الوحيدة شموني، ثمَّ قال لي: جئتُ كي أطمَئِنَّ على صحّتكَ أوّلاً، وأقترح عليكَ موضوع المصالحة، ابتسمتُ له قائلاً: طلبُكَ مستجاب بكلِّ سرور، أصلاً كنتُ يا صديقي أبحثُ عن خيوط المصالحة عبركَ؛ بحيث نصل إلى الأهداف المرجوّة؛ كي نضعَ حدّاً لكلِّ هذه الشَّوشرات والمتاهات الّتي دخلنا فيها، مؤكِّداً له: أنّه لا داعي لتضخيم الأمور أكثر ممّا تضخّمت، وأحببتُ بكلِّ ما لدي من رغبة في المصالحة أن أحقِّقَ فكرة العم بهنان؛ لأنَّها كانت تتواءم مع توجّهاتي فعلاً، فتلاقت النِّيّات والأهداف بكلِّ صفاءٍ، ونظرتُ إلى كلّ ما حصل، نظرة عميقة وشاملة من كافّة الجوانب، فلم أجد أجدى من المصالحة والمسامحة، وفكّرتُ أيضاً بوضع حدٍّ لوضعِ الشَّباب الفارّين، وقلق أهلهم عليهم، وتفاقمات وضع أهلي وخاصّة والدي ووالدتي، وإخوتي وأخواتي وأولاد عمّي، وشعرتُ بأسى وحزنٍ كبير على ديريك برمّتها، ووجدتُ من الضُّروري جدَّاً أن أحسم الموقف بدونِ أي ترَدُّدٍ، وتوسّمت باقتراح أبي سمعان؛ لما فيه من دراسة دقيقة وفكرة صائبة في كيفيّة تقريب وجهات النَّظر من كلِّ الجهات! كم فَرَحَ أبو سمعان من ردودي الإيجابيّة وتطابق رؤاي مع رؤاه، وقال لي: اختصرتَ عنِّي الطَّريق؛ كي أقنعكَ بالمصالحة؛ لأنّك فعلاً تعرضُ عليّ ما كنتُ أنوي قوله، نيّاتنا صافية يا أستاذ صبري، صحيح كل ما تقوله؛ وإلَّا لماذا تُقدّمُ لنا ابنتك الوحيدة الجميلة عروساً لأخي؟ ضحك أبو سمعان وقال: فعلاً يا أستاذ، لو لم أتوسُّم فيكَ كلّ هذا الخير والحكمة ورجاحة العقل المنفتح؛ لما قصدتكَ بمهمّة كبيرة كهذه، لا تستغرب لو قلتُ لكَ يا أبا سمعان: أنّني كنتُ أنتظركَ لهذا الموضوع بالذّات، وها قد جئتُ أقترحُ عليكَ أن تكونَ المصالحة عن طريق الأستاذ جرجس بهنان أبو حيّان، بصفته مدير الإعداديّة الَّتي كنتَ تشتغلُ فيها، وقد أعدَّ الأستاذ جورج نفسه طرفاً مباشراً للقيام بهذه المصالحة التَّاريخيّة. وافقتُ برحابةِ صدر على اقتراحه وتخريجي من المستشفى؛ لأنّه ليس من المعقول أن تتصاعد الأمور بين أسرتين كبيرتين تربطهما الكثير من وشائج المحبّة والقرابة والاحترام والصّداقة منذ أن ترعرع آباؤنا وأجدادنا في آزخ وقراها، ثمّ هاجروا إلى ديريك، فنحن أبَّاً عن جد ننتمي إلى فروع متقاربة ومتعانقة في الكثير من المشارب والمناهل، وديريك هي أمّنا الرّؤوم ومنبع فرحنا وخيرنا، لهذا بدأتُ أعدُّ نفسي للقيام بهذه المهمّة، موجّهاً أنظاري نحو ديريك؛ كي ننثرَ بعد المصالحة فوقَ سمائها أزاهير المحبّة والسَّلام؛ وكي تحلِّقَ حمائمُ بيتنا العتيق فوقَ سماءِ ديريك، وترتسم البسمة على وجه أمِّي وأبي وسائر الأهل من كلّ الأطراف!  

168. هل التقيتَ مع الأستاذ جرجس بهنان أبو حيان أثناء عودتك لديريك قبلَ اللِّقاءِ بأهلِكَ؟

أجل، التقيتُ بالأستاذ جرجس بهنان قبل أن ألتقي بأهلي؛ كي أستطيع الاتِّفاق معه على صيغة نهائيّة للمصالحة، ولكن قبل أن أدخل في تفاصيل لقائي به، أودُّ الوقوف عند موضوع تخريجي من المستشفى، سرّني جدَّاً اللِّقاء بالعم بهنان سارة وقلت له: برأيي أن أقوم بترتيبات تخريجي من المستشفى اليوم، واللِّقاء مع الأستاذ جورج اليوم أيضاً؛ كي نضعَ النّقاط على الحروف دفعةً واحدة، ونستغل الوقت؛ لئلّا يصادفنا مستجدَّات معيّنة أو مفاجآت غير متوقّعة تحبط فكرتنا وتعيدنا إلى مربّعات جديدة تبعدنا عمّا نحن بصدده، أعجبه طرحي وقال: رائع لو تفكّر بهذه الطَّريقة وبهذه السُّرعة، ويستحسن أن نلتقي بالأستاذ جورج معاً، فسرّه اقتراحي، دقّيت جرس التَّنبيه من غرفتي فحضرتْ ممرِّضة وهي تنتظر طلبي، نعم أستاذ، يلزمك خدمة معيّنة؟! أيوه يلزمني، يا ريت لو تخبّري الدَّكتورة إيليزابيت أنّني أريد استشارتها بموضوع مهم، فقالت: حاضرة، سأخبُّرها حالاً، كنتُ قد حصلت على تقرير طبِّي ثانٍ منذ قرابة أسبوع، وحاولت أن أحضّر نفسي لتخريجي من المستشفى؛ كي نعود أنا وأبو سمعان معاً؛ وكي أفاجئ الأهل أيضاً، تفادياً من تشويش فكرتي أو تلقِّي اقتراحات أخرى تتعارض مع توجُّهاتي؛ لأنِّي أحببتُ اختصار الطَّريق الّذي أشتغل عليه في إنهاء المشكلة بعيداً عن القال والقيل، أيوه أستاذ، طلبتني، نعم عزيزتي الدّكتورة طلبتكُ، سلّمَتْ على أبي سمعان، طلباتك أستاذ؟ دكتورة إيلي، أرى الآن أنّني جاهز تماماً لتخريجي من المستشفى، خاصّة أنّ أحد أهم الأقرباء والأصحاب زارني اليوم، وهو أبو سمعان الغالي؛ لهذا أريد أن أرتّب أوراق تخريجي، وأريد أن تشرفي أنت على إعداد وتجهيز هذا الأمر، فقالت: هل تشعر أنّك بصحّة جيّدة وجاهز لمتابعة النّقاهة والاستراحة في المنزل؟ نعم أشعر بأنّني جاهز، خاصّة أنَّ جرح عيني وأورام وجهي قد شفيت، وجرح رأسي قد التأم أيضاً، والأوجاع أيضاً قد خفّت، وممكن أن تقوموا بفحوصات عامّة لجسمي زيادةً في الاطمئنان، وبعدها سأودّعكم مع أنّني سأفتقدكِ، ولن أنسى يوم قلتِ لي لو احتجتَ للمعالجة في مشافي حلب أو دمشق فأنا سأتبنّى ترتيبات المصاريف لهذا العلاج فلا تقلق، نظرتْ إلي وقالت: أستاذ صبري، حقيقةً أحببتُكَ وأعجبتني شخصيّتك وطريقة تفكيرك ومتابعاتك الحازمة والحاسمة نحو فضاء المصالحة، وأنا متأكدة أنّك ستنجح في حياتك؛ لأنّك إنسان واعٍ وإيجابي، تنظر إلى الحياة بشكلٍ عملي ودائماً رؤيتك قائمة على نشر الخير والمحبّة وتحقيق الوئام بين كلِّ الأطراف الَّتي تتعامل معها، ومسامح جدّاً، ابتسمتُ للدكتورة وقلت لها: شكراً لكِ ولكلِّ ما قدَّمتيه لي من مساعدة ومواقف طيّبة، ورعاية واهتمام، أترككِ الآن لإعدادِ أوراق تخريجي، ولو عندكِ أي اقتراح ممكن أن أسمعكِ بكلِّ سرور، نظرَ أبو سمعان إليها وهي تخرج وقال: لاحظتُ أنَّ هناك علاقة طيّبة تربطك مع الدّكتورة، طبعاً ألا تعرف مرونة شخصيّتي كيف أتعامل بكلِّ طيبة ومحبّة مع النّاس المشاكسين في بعض الأحيان، فكيف سيكون تعاملي مع الطّيبين؟ لا أنظر إلّا من منظور الخير وإلّا سيتعذَّب المرء في حياته، بعد قليل جاءت الدّكتورة وقالت: معاون رئيس المستشفى أبدى استعداده لتخريجك وقال: يفضّل إجراء فحوصات عامّة للأستاذ، وبعدها نزوِّده بأوراق تخريجه، وقد سبق وزوّدناه بتقرير طبّي ثانٍ، ويستطيع الأستاذ مراجعتنا متى ما يشاء بعد تخريجه، كانت الفحوصات جيّدة، وتخوّلني أن أكون خارج أسوار المستشفى، جاءت الممرِّضة وقدّمت إليّ أوراق تخريجي، كنتُ جاهزاً لتوديعهم، نظرتُ إلى الممرِّضات الحاضرات وكأنّهنّ بصدد توديع أحد أقربائهم، ونظرتُ إلى الدّكتورة العزيزة إيلي وإذ بها تقول: تعرف يا أستاذ سنفتقدكَ كثيراً، أمانة عليك كلّما تمرُّ على القامشلي، مرّ علينا للاطمئنان عليك، كان الوداع حميميَّاً، والعناق كان عميقاً كمَنْ يودِّع أفراد أسرته، اندهش أبو سمعان لهذه العلاقة الطّيّبة الَّتي ربطتني بكلِّ هؤلاء، جاء معاون رئيس المستشفى وودّعني أيضاً، راجياً لي التّوفيق والصّحّة، كان الكراج في الانتظار، حجزنا راكبين من المقعد الأمامي، أهلاً بالأستاذ صبري قال السَّائق، ألف الحمد لله على سلامتك! تفضَّل يا أخي، أعوذ بالله ولا فلس تدفع، ما صدّقنا شفناك بخير وسلامة! ما يسير يا أخي، بلى يسير هذه هديّة تخرُّجك من المستشفى معافى! هنّأني بقيّة الرّكاب، بعد قليل انطلق السّائق موجّهاً أنظاره نحو ربوع ديريك؛ كي نضع النِّقاط الأخيرة على الحروف لكلّ هذه التّشابكات الَّتي حصلت، شردتُ في الطَّريق وبدأتُ أسبحُ في عوالم خيالي، دائماً منذ أن كنتُ صغيراً وحتّى تاريخه عندما أسافر بأيَّةِ واسطة سفر لو لم يتخلَّل السَّفر دردشات جانبيّة، سرعان ما أحلِّق في أحلامي وخيالي، فيما كنتُ في أوجِ شرودي، وإذ بالسَّائق يقول لي: أستاذ ما بدّك تسمع موسيقى معيّنة، أنتَ والشَّباب، فقلتُ: على راحتك وراحة الشَّباب، ممكن نسمع لو أنتم ترغبون أن نسمعَ معاً، فقال الركاب يا ريت لو نسمع بعض الأغاني، وضع شريط كاسيت من الأغاني الشَّعبيّة الدَّارجة، وبدأنا نسمع الموسيقى، لكنّي مع هذا شقّيت طريقي سارحاً في عوالم أحلامي، أتخيّل نفسي أتمشّى في شارع المشوار مع الأهل والأصدقاء، أمتلكُ طاقات عجيبة في التّخيّل أثناء السَّفر في مثل هذه الأحوال، وصلنا إلى ديريك بحدود الرَّابعة عصراً، توجّهنا إلى بيت الأستاذ جورج من دون أيِّ موعد مسبق معه، ولا نعلم فيما إذا هو بالمنزل أم لا، وفيما كنّا على مقربة من المركز الثّقافي، وإذ بأحدهم في البلكون فقال أبو سمعان: بالتَّأكيد، هذا هو أبو حيّان، اقتربنا أكثر، وإذ بالأستاذ جورج ينظر نحونا، وعندما اقتربنا وأصبحنا عند مدخل المنزل، وقف وقال: الأستاذ صبري في ديارنا؟ ثمَّ سلّم عليّ بحرارة: ألف الحمد لله على سلامتك، نظر إليَّ وابتسم، وقال: ما شاء الله مثل الوردة، تقدر تداوم على هذه الحالة غداً بالمدرسة، فضحكنا. سمعَتْ أم حيّان صوتنا من المطبخ، فخرجت والبسمة على وجهها وسلّمت علي وهنَّأتني بالسَّلامة، ثمَّ قالت: مفاجأة رائعة، جلسنا في غرفة الصّالون؛ لئلا يرانا أحدهم في البلكون، وأحببتُ أن يكون الحديث في الدّاخل، قال أبو سمعان: أستاذ جورج شرحت للأستاذ صبري فكرتك حول المصالحة ووافق مبدئيّاً على أن تتمَّ المصالحة عن طريقكَ، ولكن له شروطه في المصالحة، فقال لي: ماهي شروطك؟ فقلت له: شروطي بسيطة، ما هي هذه الشّروط البسيطة؟ بعد أن نقوم بالتّنسيقات النّهائيّة للمصالحة مع الطَّرفين، أريد أن يتشكّل وفد من الطّرف الآخر، ويتقدّم هذا الوفد بزيارة أهلي برفقة أولادهم الشّباب الفارّين، ويقدّموا اعتذارهم بحضور وفد كبير من أهلي أيضاً بما فيهم العم حنا اصطيفو وأنت تكون الطّرف المباشر في المصالحة وبحضور أبي سمعان أيضاً، شروطي هي: تقديم الاعتذار، وإعادة اعتباري، وتبنّي دفع كافّة مصاريف المستشفى مع التّعويض المادّي والاعتبار المعنوي، نظر إليَّ الأستاذ جورج وقال: لا أعلم ما هو دوري في هذه الحالة في المصالحة؟ ضحكتُ وقلتُ: هذا اقتراح من أبي سمعان وبالتّنسيق معك، ردَّ الأستاذ جورج قائلاً: قصدي أنتَ وضعتَ كلّ الحلول ببساطة ومن دون أي تعقيد وهم موافقون على كلّ هذه الشُّروط مسبقاً، ممتاز، إذاً كل الأطراف مهيَّأة وجاهزة للقاء. ثمَّ سألني الأستاذ جورج ولكن هل تستطيع أن تفرض هذا العرض على أهلك وعلى أخيك سليمان تحديداً؛ لأنّه سبق ولم يوافق على محاولة مصالحة من قبل الأستاذ نعيم زيتون؟ فقلت له: الآن الوضع تغيَّر؛ لأنّه سيراني وجهاً لوجه، آنذاك قال ما قاله، لأنّه كان ما يزال قلقاً عليّ، وأمَّا الآن عندما يراني بالأحضان؛ سيوافق على كلّ عروضي وشروطي، فقالت أم حيّان: معه الحق أستاذ صبري في تحليله، وقتها لم يوافق أخوه سليمان؛ لأنّه ما كان مطمئنَّاً على صحّته بعد، وأمّا الآن فالوضع تغيّر وكلّ شيء على ما يرام من كلِّ الجهات! جيّد، قال أبو حيّان، قدّمتْ أم حيّان القهوة، شربنا القهوة، ثمّ ودّعناهم، ووجّهت أنظاري نحو بيتنا في انتظار العناقات العميقة للأهل وفرحة أبي وتهلهيلة أمّي وهي تزغرد فوق رأسي بعودتي بكامل عافيتي إلى أحضانِ الأحبّة كلَّ الأحبّة!   

169. كيف استقبلكَ الأهل والجيران وماذا كانت ردود فعلهم وهم يرونك تدخل حوشكم الكبير؟ 

كان يوماً بهيجاً في حياتي، بعد أن ودّعنا الأستاذ جورج، قلتُ لأبي سمعان: إنَّني أريد أن أذهب إلى البيتِ وحدي دون أن يرافقني؛ كي لا يلاحظَ الأهل أنَّ هناك ترتيبات معيّنة من جانبه؛ ولكي يكون اللّقاء بي هو المهم كخطوة أولى، ثمَّ سأناقش بكلِّ هدوء الخطوة الثَّانية الَّتي صغناها معاً بكلّ تفاصيلها، فتقبّل فكرتي، وقلت له: تستطيعون أنتم غداً أن تقوموا بزيارة أهلي وتقدِّموا التّهاني بمناسبة قدومي بالسَّلامة، ثمَّ ذهبْتُ من الطّريق الفرعي، فتوجّهتُ نحو بيادرنا القديمة من الجهة الغربيّة لبيتنا ودخلت الأزقة الّتي تقودني إلى البيت، وإذ بأحد أطفال الحي يشاهدني، فلفتُّ انتباهه وقال لي: بالكرديّة الحمد لله على السَّلامة أستاذ، وبدأ يركض نحو بيتنا؛ كي يبشِّر أهلي؛ ويأخذ مكافأةً على تبشيرهم بقدومي وأنا في كامل الصّحّة أسير على قدمي، بعد قليل سمعت صوتَ تهلهيلةِ أمِّي تصدحُ عالياً، فكانت إيذاناً بقدومي وحلول الخير في ديارنا، وفيما كنتُ أدخلُ الزّقاقَ المؤدّي إلى بيتي، وإذ بالنّساءِ والرّجالِ والأطفال والشّبان يخرجون من بيوتهم ويتوافدون نحوَ بيتنا، دخلتُ الزّقاق المطلّ على بيتنا وعشرات النّسوة والرِّجال والشّباب والبنات في الشّارع في انتظارِ استقبالي، حالما وجدتني أمِّي هَلْهَلَتْ تهلهيلتها من جديد بصوتها الصّافي وهي في أوجِ فرحِها، وهَلهلتْ بعدها نساءُ الحارّة وأخواتي، كانت إشراقة الفرح مرتسمةً على عيونِ أمِّي، ارتميتُ بين أحضانها وأنا أبكي من توهّجات فرحي وشوقي وحنيني، شعرتُ آنذاك أنّني أمتلك الكون، فرحي ما كان يعادله فرحٌ آخر، دخلتُ المنزل وأنا أحضن أمِّي بساعدي اليمين، وإذ بأبي يرفع يديه للسماء قائلاً: أشكرك يارب رجّعتَ ابني إلينا بالخير والسَّلامة، وهو في أوجِ فرحه، تقدّم نحوي بكوفيّته وعقاله وشرواله ورائحة الأرض تعبق من منكبيه، وبدأ يقبِّلني ويعانقني وأنا أقبِّله بكلِّ بهجةٍ، وكهولته وبشاشته تموجُ ألقاً بين أحضاني، كانت يدي اليمنى تحضن أمِّي واليسرى تعانقُ أبي، أصبحت في وسطهما وأنا في أوجِ فرحي كأنّني أطيرُ في فضاءِ السَّماءِ، كانت النُّسوة تهلهلُ تهاليلهنَّ ومنهنّ يبكين من بهجةِ اللّقاء، جاء الطّفل الَّذي بشّر أمّي ونظرَ إليّ وقال: أستاذ أنا بشّرتُ أمّك والبسمة مرتسمة على وجهه؛ ينتظر مكافأةً لبشارته، فوضعتُ يدي في جيبي وأعطيته كل ما كان في جيبي، أمسك الطّفل مكافأته بكلِّ فرحٍ ورفع يديه بكلِّ براءته وقال: الله يخلِّي الأستاذ صبري، قبَّلته لدعائه، وسرتُ نحو الغرفة الَّتي ولدتُ فيها، سلّمتْ أختي كريمة علي وهي تهلهل وقالت: الحمد لله على سلامتك، الحمد لله عيونك بخير يا أخوي، وسلّمتْ عليّ أختي الصَّغيرة نظيرة وقبَّلتها وباقي أفراد الأسرة من إخوتي ما كانوا في البيت، خلال دقائق كان الحوش مملوءً بالرّجال والنّساء والشَّباب والبنات والأطفال، سمع أغلب أبناء ديريك العتيقة الخبر وجاؤوا يقدِّمون التَّهاني بقدومي، سمعتْ أختي نعيمة وصهري فجاؤوا مع بقيّة الأهل وهم في أوجِ فرحهم، ثمّ جاء أخي نعيم وسليمان وزوجته وسلّموا علي بفرحٍ كبير، وغمرنا جوَّاً من البهجة لاستقبال الجيران والأهل، ثمّ جاء عمِّي وقبّلني وهو يبكي من فرحه، وقال: عينك الحمد لله بألف خير، وسألني صحتك بخير؟ فقلت له: بألف خير يا عمِّي، ثمَّ جاء أولاد وبنات عمّي، وأولاد وبنات خالي، والكثير من الأهل والمعارف والجيران يعانقونني ببهجةٍ غامرة، كرنفال فرحي حقيقي سادَ أجواء المكان! ما أجمل أن تكون القلوب عامرة بالبهجة والمسرّة والمحبّة والوئام بين البشر، ترتسمُ أمامي الآن وقائع ذلك اليوم الجميل، فتنسابُ من عينيّ دموع الشَّوقِ والحنين إلى الأهل كلَّ الأهل وإلى الجيران وإلى ديريك، مسقطُ رأسي الّتي خبّأتها في حنايا قلبي وفي أعماقِ مروجِ الرُّوح أينما رحلْتُ وحللْتُ، وهمستُ في سرّي، كم كنتُ على صوابٍ وأنا في أوجِ ابتهالي، عندما كتبتُ في سماءِ غربتي أبهى سرديّاتي وأشعاري وقصصي عبر فضاءات متونِ كتابي: ديريك معراج حنين الرُّوح!

170. كيف تمّت المصالحة، وماذا كان دوركَ في الصّلح وإغلاق الملف من كلِّ الأطراف؟

تمّت المصالحة بطريقةٍ سلسة، خاصّة عندما شاهدني الأهل وأنا في كامل عافيّتي وصحّتي وزالت الخطورة عنّي نهائيّاً، ووجدوا عيني بألف خير، ولا مضاعفات حصلت، كما أنَّ لياقتي الذّهنيّة والجسديّة كانت بخير، وهذا ساعدَ في تمهيد الطّريق لترتيبات إقناع الأهل كلّ الأهل للموافقة على مقترحات الطّرف الآخر للقاء معنا ضمن الشُّروط الّتي شرحتها لأهلي بكلِّ هدوء، كان دوري في المصالحة محوريَّاً، وقد رتّبتُ كما أشرْتُ في إجاباتٍ سابقة لهذا اللِّقاء دون أن أشير للأهل عن تفاصيل لقاءاتي، ولكنّي وضعتهم بالصُّورة أنَّ الأستاذ جرجس بهنان أبو حيّان هو راعي هذا اللِّقاء لتتمّ المصالحة على يديه، والفكرة تعود للعم بهنان سارة؛ أبي خطيبة أخي نعيم، وشرحتُ للأهل شروطي الّتي عرضتها عليهم، فوافقوا على سير المصالحة، وكانت شروطي متطابقة مع عروض ومقترحات أخي سليمان، وبعد أيّام شكّل الطّرف الآخر وفداً يتألّف من أغلب آباء وأعمام هؤلاء الشُّبّان ومعهم الشَّباب، وخبّرونا عن طريق العم بهنان سارة إنَّهم بصدد زيارتنا؛ كي يسلّموا عليّ ويهنِّئوا الأهل بعودتي بالسَّلامة، ونضع النِّقاط على الحروف بشكل نهائي، ونسدل السّتار على آخر فصول هذه المتاهات الَّتي مررنا بها جميعاً، فقد آن الأوان أن نترجمَ نيّاتنا الطّيّبة من كلِّ الأطراف، وافق والدي ووالدتي مباشرةً وبرحابة صدر على لقاء المصالحة، وكذلك إخوتي وأخواتي وعمِّي وأولاد عمّي وكلّ الأهل أبدوا استعدادهم لهذه الخطوة الحكيمة، خاصّة عندما رَأَوني بخير، ولم يجدوا أيّ حلّ آخر أفضل من المصالحة، وقد خبَّرنا بدورنا الأهل والعم حنّا اصطيفو لحضور هذا اللّقاء، وجهّزنا أنفسنا لاستقبالهم مساء الأحد، بلَّغناهم أنّنا نرحّب بهم وبقدومهم، استعرنا مجموعة مقاعد من كنيسة السَّيَّدة العذراء عن طريق السّاعور الفاضل العم داؤود متّو؛ كي تتباركَ النّيات أكثر؛ ولأنَّ الأهل مع الطَّرف الآخر كنّا قرابة (30) شخصاً، ما عدا بعض النّساء الَّذين توزّعوا في الغرف لتقديم واجب الضِّيافة، كان الجوُّ لطيفاً، ونسائم ديريك المنعشة هبّتْ من الغرب، جلسنا في حوشنا الكبير، بعد أن وزّعنا المقاعد صفّين متقابلين، ثلاثة مقاعد كبيرة من كلَّ جهة؛ كل مقعد يتّسع لخمسة أشخاص بشكل مريح، جلسَ الأهل في صدر الجلسة على المقاعد الّتي أمام البيت، وخصَّصنا المقاعد المقابلة للوفد الخاص بالضّيوف، جلس على المقعد الأوّل والدي، ثمّ عمِّي يوسف، ثمَّ تركوا لي مكاناً، ثمّ مكان العم حنا اصطيفو، ثمّ الأستاذ جرجس بهنان، وجلس على المقعد الثّاني أخي سليمان وأخي نعيم، ثمَّ مكان العم بهنان سارة فأولاد عمّي، والمقعد الثّالث جلس عليه بقية أولاد عمّي وصهري وبعض الأهل، وفي الطّرف الآخر خصّصنا المقعد الأوَّل المواجه لنا لوجهاء الوفد، وبقيّة المقعدَين لبقيّة الضّيوف.

وصل كلٌّ من العم حنّا اصطيفو والأستاذ جرجس بهنان والعم بهنان سارة، فأخذوا مواقعهم في الجلسة، واقترحتُ على الأستاذ جورج وبقية الأهل أن يتمَّ اسقبال الوفد من قبلهم، وأكون أنا داخل الغرفة الّتي كنّا قد جهّزناها لزفاف أخي نعيم قريباً؛ كي يقدَّم الوفد التَّهاني للأهل وللحضور بمناسبة قدومي بخير وسلامة، دخلتُ الغرفة، وبعد قليل وصل الوفد وسلّم على الأهل، ودخل قسمٌ من الوفد إلى الغرفة وسلّم عليّ بحميميّة كبيرة، طلب رئيس الوفد، الوجيه الأكبر من الَّذين دخلوا معه وسلّموا عليّ، أن يتركونا وحدنا أنا وهو، فخرجوا من الغرفة، ثمّ بدأ بالحديث معي قائلاً: أولاً: ألف الحمد لله على سلامتك أستاذ صبري، يشهد الله إنَّك عزيز عليّ وعلى كلِّ عشيرتنا، وثق تماماً أنّنا تألَّما وحزنّا عليك كأنّك من أهلنا، فأريد أن أقول لك: إنَّني منذ البداية كنتُ وما أزال ضدّ ما قام به الشَّباب، وأعتذر منك باسمي شخصيّاً وباسم كلّ العائلة وكلّ الشّباب، وأرجو أن تقبل منّي هذه الهديّة بمناسبة شفائك وتخرُّجك من المستشفى معافى، وفي حال لو وجدْتَ أنَّ هذه الهديّة لا تناسب مقامك وإعادة اعتبارك، فأنا مستعد شخصيّاً أن أقدّم لك هديّة أخرى بهذه القيمة نفسها، وقدّم إلي مغلّفاً بحسب الاتفاق القائم بيننا قبل قدومهم، نظرتُ إليه وقلت: بارك الله فيكم يا أيُّها العم العزيز، هديّتك مقبولة، ولكن اسمح لي أن أسألك سؤالاً بسيطاً وواضحاً ومباشراً، تفضّل أستاذ، بعد كل ما حصل، والحمد لله تمَّت المصالحة بألف خير، أتساءل: هل وجدْتَ سبباً واحداً مهما كان واهياً وضعيفاً يستحقُّ أن يوجّه هؤلاء الشَّباب ولو كلمة جارحة إليّ، فكيف قاموا بما قاموا به؟ فقال لي: بالحقيقة لا يوجد أي سبب عليك على الإطلاق، فقلت له: هل تعلم لماذا كنتُ مصرّاً على المصالحة منذ البداية؟ فقال: لأنّك ابن أصل! فقلت له نعم أنا ابن أصل، ولكن هناك أسباب أخرى جعلتني أصرَّ على المصالحة حتّى النّهاية، فقال: ما هي هذه الأسباب؟ فقلت له: أنتم يا عمِّي عشيرة كبيرة ونحن عشيرة كبيرة، لو اشتبكنا مع بعضنا بسبب ما قام به الشَّباب؛ سيقع الكثير من الخسائر، وربّما يقع ضحايا وقتلى فيما بيننا؛ لهذا أصررت أن لا نصل إلى هذه المراحل؛ ولهذا أقول لك: إنَّكَ عمّ مدلّل، وكلّ هؤلاء الشّباب هم أصدقائي رغم كلّ ما حصل، والآن تصالحنا وسنبقى في حالة مصالحة؛ لأنّ المصالحة وحدها تمنحنا العيش بكرامة وسعادة وهناء، فقال لي: عقلك كبير يا أستاذ، ثمَّ قبّلني وقال: والله، أنت رجل عظيم، وستبقى عظيماً، إذا كنتَ في هذا العمر تتحدّث بهذا المنطق مثل الكبار، فكيف سيكون عقلك في مستقبل الأيَّام؟! شكراً عمّي، ابتسمت له ثمَّ خرجنا متعانقَين، وأخذتُ مكاني وأخذ هو مكانه، الحمد لله على السَّلامة يا أستاذ صبري ردّدَ الجميع، الله يسلّمكم، أجبنا عليهم، ثمَّ بدأ الأستاذ جورج بافتتاح كلمة الصّلح بيننا بمقدّمة قصيرة، ومن خلالها أشار إلى تقديم الاعتذار من قبل الشَّباب والوفد،  توقّف الشّباب وقدَّموا اعتذارهم وبدؤوا يصافحوننا واحداً واحداً، ثمَّ بدأ الوفد أيضاً يسلّم علينا واحداً واحداً. ثمَّ أخذوا أماكنهم، وبدأنا بالكلام من الجانبين، تحدَّث بعد الأستاذ جورج من جانبنا العم حنّا اصطيفو ثمَّ عمّي يوسف، واعتذر الوالد عن الحديث؛ لكبر سنّه، واكتفي بالتَّرحيب بهم وبالجميع، تاركاً الكلمة للوجهاء الآخرين، ثمَّ بدأتُ أنا أرحِّبُ بالحضور من كلا الجانبين، مركّزاً على أنّني في غاية السَّعادة؛ لأنَّ الأمر انتهى عند المصافحة والعناق فيما بيننا؛ لأنّنا كنّا أهل وأصدقاء في السّابق على دور أجدادنا وآبائنا وعلى دورنا نحن الشّباب أيضاً، وسنبقى بعون الله أصدقاء وسنستمرُّ في هذا المسار عبر الأجيال القادمة؛ لأنَّ الصّلح والمسامحة هما جوهر الحياة، ثمَّ توقّفتُ عند كلمات الشّكر لكلٍّ من الأستاذ جرجس بهنان والعم بهنان سارة والعم حنّا اصطيفو وعمِّي يوسف وأخي سليمان وكلّ من كان له دورٌ ولو بكلمة طيّبة في هذه المصالحة، كما شكرتُ الضّيوف الكرام وقيامهم بالواجب وحسن استجابتهم لكلِّ ترتيبات المصالحة، ثمّ تركتُ الكلمة لممثِّل الوفد، أخذ رئيس الوفد الكلمة وقال: بارك الله فيك أستاذ صبري، وبارك الله في كل أهلك، حقيقة أنت فخر لنا بكلِّ هذا الكلام الرَّاقي الّذي قلته، وبموقفك الكبير الّذي لن ننساه أبداً، وبارك الله في أهلك والّذين كما قلت هم أهلنا ونحن سعداء جدّاً؛ لأنّك بخير؛ وأنَّ النّتائج انتهت على خير، وكلّ هذا يعود لأصالتكم وفكركم الرّاقي، ولأصحاب النّيّات الطَّيّبة، وأقدّم عميق اعتذاري لكم، وإن قصَّرنا معكم فسامحونا على تقصيرنا. لم تقصِّرواإطلاقاً، وقمتم بالواجب على أحسنِ ما يرام، ولم يعقّب من جانبهم على كلمة وجيه الوفد، واكتفوا بما قاله، ثمَّ تقدَّمإخوتي وأخواتي وبدَأَوا بتوزيع الحلوى والسَّكاكر؛ تعبيراً عن  فرحنا بهذه المناسبة السَّعيدة، ثمّ قدّموا الشَّاي والقهوة، وتخلّل شرْب القهوة والشّاي أحاديث ودّية جانبيّة وكأنّنا في حفلة سهر عائليّة تضمُّ مجموعة من الأهل والأقارب، فكاهة من هنا وأخرى من هناك، رُسِمتِ البسمة على وجوهنا جميعاً، ثمَّ بدأ أبو سمعان يسرد قصصه الفكاهيّة وسط هذا الجو الحميمي؛ فتعالت القهقهات الّتي أنتظرناها طويلاً!  

***

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.