Sabri Yousef
‏١١ أكتوبر‏ 2020م ·
مَن يَحرقُ الحنطةَ، يحرقُ الحياةَ!
(ومن يحرق البساتين وأشجار الزَّيتون واخضرار الغابات يحرق الذّات والرّوح!)!
8
لم يَعُدْ في مساراتِ العمرِ شهوةُ الانتظارِ
تهدَّلتْ رغبةُ العبورِ نحوَ ضجرِ الحياةِ
مَنْ يستطيعُ أن يخفِّفَ
من جفوةِ الانحدارِ؟
احترقتِ الأحلامِ على أنقاضِ
هزيمةِ منائرِ الفكرِ!
تنامتِ الأوجاعُ في ربى الشَّرقِ
حتَّى وصلَتْ إلى ظلالِ الهلالِ
حلَّقتِ العصافيرُ بكلِّ حبورٍ
فوقَ أهازيجِ بوحِ الرّوحِ
حنَّتِ الغيومُ إلى مروجِ الأرضِ
هطلتْ زخاتُ الأمطارِ خيراً
فوقَ خميلةِ الرّوحِ!
تاهَ المرءُ من أوجاعِ الانشطارِ
انشطارِ الرُّؤى فوقَ قاماتِ البلادِ
حرقَ الغدّارونَ محاصيلَ الفلّاحينَ
انسابتِ الدُّموعُ مدراراً من أحداقِ المآقي!
حطَّتْ الفراشاتُ على أزاهيرِ الفرحِ
قفزَ الجرادُ بينَ اخضرارِ النَّفلِ
ترامى الأطفالُ فوقَ نداوةِ المروجِ
الطَّبيعةُ في أبهى حللها
حامَ النّحلُ حولَ رحيقِ الأزاهيرِ
تشظَّتِ نيرانُ الأسى
في أعماقِ القفارِ
تهشَّمتِ البلادُ من غورِ الجراحِ
تاهتِ البلادُ
بينَ شراهاتِ أنيابِ الإنسانِ
هرَّتِ الأفكارُ الرَّشيدةُ
في قاعِ الدَّهاءِ!
تعالى دخانُ الحقدِ في أهازيجِ الحصادِ
خيَّمَتْ نهنهاتُ البكاءِ فوقَ خريرِ الأنهارِ
انتشرَتْ قباحاتُ الشُّرورُ
في أسمى ينابيعِ الخيرِ
نيرانُ الظُّلمِ استشرَتْ في شهيقِ الأوطانِ!
يسترخي حلمٌ مُدمى
فوقَ رقابِ العبادِ
لاذُوا إلى رحابِ الصّحارى
مَنْ آذتهم لظى النَّارِ
فرُّوا بعيداً عن مرمى الاحتراقِ
تدلَّتِ الرِّقابُ في أعماقِ القفارِ!
انكسارٌ مرقَّطٌ بالأسى
على مدى صفاءِ الصَّيفِ
عطشٌ مفتوحٌ على مساحاتِ الدِّيارِ
تلملمَ فلَّاحٌ على ذاته دائخاً
من ارتفاعِ حرارةِ النّهارِ!
تشتَّتِ البلادُ من هولِ الصِّراعاتِ
انكشفتْ دهاليزُ الحروبِ
جراحٌ في أوجِ الأنينِ
أماطَتِ اللِّثامَ عن خفايا الأسرارِ
نارٌ حارقةٌ ازدادَتْ توغُّلاً
في أقدسِ قداساتِ المزارِ!
رعبٌ مسربلٌ في اهتياجِ الموجِ
احتراقُ الرُّوحِ في أوجِ إشراقها
تصدّعتِ الأخلاقُ في قمَّةِ العطاءِ
ماتَتِ الرُّؤى الخلّاقة
عند سبطاناتِ المدافعِ
وجعٌ يستشري في ظلالِ الرّوحِ!
خروجٌ عن خضمِّ الفكرِ
ضياعٌ في أتونِ الغدرِ
انحرافٌ عن مسارِ الضّياءِ
تمحورتْ برامجُ العصرِ
حولَ هدرِ الدِّماءِ
أبحاثُ قرونٍ من الزّمانِ
في طريقها إلى جحورِ النِّسيانِ!
تاهَ الإنسانُ عن منارةِ الخيرِ
تعفَّرَ في منعرجاتِ الشُّرورِ
ايتعدَ عن ضياءِ الشّموعِ
مركِّزاً على شفيرِ الّنّارِ!
كم من الحنينِ إلى مرافئ الأوطانِ
أشتاقُ إلى اخضرارِ الدّالياتِ
إلى لذائذِ نكهاتِ التِّينِ
أوجاعٌ حنينيّةٌ لا تحصى
قلوبٌ مشدودةٌ
إلى ظلالِ الأحواشِ البعيدةِ
قلوبٌ في غايةِ الاغترابِ
تلظَّتْ مراراً في مهبِّ المتاهاتِ!
ماذا حلَّ بإنسانِ اليومِ؟
تهرَّأ حبلُ الودادِ بينَ البشرِ
خياناتٌ لا تخطرُ على بالٍ
بينَ أصفى الدِّماءِ والأعراقِ
انزلاقٌ مرتَّقٌ بالسُّمومِ نحوَ شفيرِ الغباءِ
تخشَّبتْ مساراتُ التَّنويرِ
تغبَّشَتْ رؤيةُ قادةِ هذا الزّمانِ
لا يرونُ بياضَ الثلَّجِ ولا زرقةَ السّماءِ
أُصيبَوا على ما يبدو
بعمى الألوانِ وعمى البنيانِ!
أنظرُ خلفي نابشاً
مروجَ الذَّاكرة المعفَّرة
بمذاقِ مراراتِ الانكسارِ
يتوارى الوقتُ سريعاً
من مقلَةِ الزّمنِ
يخفقُ القلبُ دمعاً منساباً
فوقَ زغبِ الحياةِ!
عمرُنا محرقةٌ مجنّحةٌ
نحو غربةٍ مفتوحةٍ
على انبعاثِ وميضِ القصيدةِ!
اِحراقُ سنابلِ القمحِ الشَّهيّةِ
لغةُ الجبناءِ والمعتوهينَ
لغةُ المهزومينَ على الأرضِ
أيُّها الإنسان
عليكَ أن تزرعَ بذورَ الخيرِ
فوقَ خمائلِ الدُّنيا
لا تصمدُ قباحاتُ البشرِ أمامَ بِرِّ الوئامِ!
وحدَها القصيدة انقذتني من غدرِ الحمقى
من اشتعالاتِ قبابِ الكونِ
أنسجُ جموحَ حرفي
كي أصدَّ شراهاتِ الطُّغيانِ
تنهالُ عليَّ في كلِّ حينٍ ملايينُ الذّكرياتِ
تبلسِمُ جراحي الغائرةَ في لُجينِ الأنينِ
وتموجُ حنيناً إلى ما تبقَّى
من اخضرارِ العمرِ!
تتراقصُ أمامي ألعابُ الطّفولةِ
وتتراقصُ أقاصيصُ الصِّبا والشّبابِ
يتوارى عمرُنا مثلَ هبوبِ النَّسيمِ
وجعٌ لا يفارقُ يومي
أبحثُ عن مذاقِ فرحٍ
كي أوشِّحَ عذوبةَ رحيقِهِ
فوقَ تيجانِ الحرفِ
أتأمَّلُ ما يموجُ في مرامي الذِّهنِ
تحلِّقُ الرّوحُ عالياً بأصفى تجلِّياتها
شوقاً إلى ظلالِ بيتِنا العتيقِ!
من هنا .. من قطبِ الشّمالِ
من أقصى آهاتِ غربةِ العمرِ
أرى الشّمالَ السُّوري
يسطعُ في هلالاتِ الحنينِ!
أرى اخضرارَ الخيراتِ
في أوجِ الشَّموخِ
أرى خياناتِ الإنسانِ
مع أخيهِ الإنسانِ
اشتعالٌ يدمي قلوبَ البشرِ!
ماذا يستفيدُ الإنسانُ
من حرقِ سهولِ القمحِ
غير دمارِ الآمالِ؟!
كم من الاشتعالِ حتَّى تبرعمَ حرفي
في جفونِ السّماءِ
نحتاجُ كثيراً مِنَ العلومِ وأسمى الخلاقِ
كي نبني وئامَ البلادِ
على أرقى جسورِ الخيرِ!
أرى ديريك مفروشةَ الجناحينِ
تموجُ فوقَ تخومِ ليلي
تناجي صباحي
تدغدغُ ظلالَ الطُّفولةِ
تمتدُّ على مساحاتِ الصَّبا
تعانقُ أزهى أيامِ الشَّبابِ
ديريك قصيدةُ عشقٍ معبَّقةٍ بالسّنابلِ
إشراقةُ فرحٍ فوقَ أرخبيلاتِ الرُّوحِ
حرفٌ مندَّى برحيقِ النَّرجسِ البرِّي
حلمٌ مجنَّحٌ نحوَ فراديسِ النَّعيمِ
سطورٌ ساطعةٌ فوقَ براري الإبداعِ!
ديريك ابنةُ سهولِ الخيراتِ
تعانقُها السّنابلُ السَّخيّةُ من كلِّ الجهاتِ
ديريك أمُّ الأديرة المقدَّسة
منذُ مئاتِ السِّنينَ
كم من العطاءِ في بركاتِ السّنابلِ
من يحرقُ الحنطة، يحرقُ أجنحة َالقصيدة!
أنظرُ خلفي عميقاً
على مدى سنينَ عمري
أتمعَّنُ في ذاتي بكلِّ دقّةٍ
أراني متشظّياً عبر أجيجِ النّارِ
متطهِّراً برهافةٍ طافحةٍ بألقِ الشِّعرِ
أرى ذاتاً مهشّمةً
على قارعةِ هذا الزّمان
ذاتاً مبلَّلة بآلافِ الأسئلة
ذاتاً معتّقة بأسرارِ بوحِ القصيدة
أراني تائهاً في خضمِّ الاشتعالِ
أتلظَّى من نيرانِ الغدرِ المجذِّرِ
في طراوةِ طينِ العمرِ
أخفِّفُ من سعيرِ القهرِ وأنينِ الأحزانِ
حرقوا بوحشيِّةٍ مريعةٍ هامةَ الأوطانِ
جنونٌ أن تشبَّ الحرائقُ
في خيراتِ الأشجارِ
الكلمةُ طريقنا إلى جِنانِ النَّعيمِ!
…………………………………………….!
صبري يوسف

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.